الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجريم كوسيلة لحماية الحقوق والحريات

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2020 / 7 / 6
دراسات وابحاث قانونية


أن النظام الجنائي بأسره (الموضوعي والإجرائي)على الرغم من انه يوفر أكثر صور الحماية فعالية للحقوق والحريات إلا انه يعرّض بطبيعته الحريات للخطر، وهو اشد القوانين خطرا على الحقوق والحريات، سواء عندما تباشر الدولة سلطتها في التجريم والعقاب أو عند مباشرة الخصومة الجنائية والتنفيذ العقابي، وخشية التحكم في مباشرة هذه السلطات وتجاوزها القدر الضروري للدفاع عن المجتمع، يتعين توفير الضمانات للفرد لحماية حريته من خطر التحكم وتجاوز السلطة، وهذا هو ما يجب أن يتكفل به النظام القانوني من خلال علاقة التناسب التي يحدثها داخل القاعدة القانونية أو بين مختلف القواعد القانونية في النظام القانوني الواحد، ويتوقف هذا التناسب على مدى ما يتمتع به الفرد من حرية، ففي نظر الفكر التسلطي الذي يعطى للدولة جميع الحقوق والسلطات ويتجاهل قيمة الفرد في المجتمع لا مجال للحديث عن حرية الفرد، هذا بخلاف الفكر الحر الذي يعطى الفرد مكانته في المجتمع ويوجب احترام جوهر حريته.
وتمثل السياسة الجنائية جوهر الحماية لحقوق الإنسان ان صلحت هذه السياسة تحققت الحماية المنشودة لحقوق الإنسان وان فسدت أصبح كل من التجريم والعقاب وسيلة للبغي والطغيان، ويمكن تعريف السياسة الجنائية بانها علم التشريع الجنائي لأنها تقوم على دراسة هذا التشريع وذلك بفحصه وتحليله بقصد معرفة مدى مطابقته لأغراض الجماعة في الحد من الجريمة بتحديد الافعال المجرّمة وترتيب العقوبة الملائمة لها. يجب ألاّ يكون كل من قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية أداة للقهر أو للتحكم، وإنما أداة لحماية الحقوق والحريات بالإضافة إلى تحقيق المصلحة العامة وبهذا الارتباط يتأكد الوضع المهم الذي يحتله القانون الجنائي في النظام القانوني وفى نظرية القانون، ومن ناحية أخرى، فإن الدستور، إذ يحمي الحقوق والحريات، يأتي المشرع بعده ليوفر الضمانات الكافية لهذه الحماية، ويرسم للقاضي دوره لتأمين هذه الحماية والمحافظة عليها. و فعالية قانون العقوبات في أداء هذه الوظيفة على معيارين،هما: مدى حسن تعبيره عن المصالح والقيم الحالية للمجتمع، ومدى تنظيمه للجزاء الجنائي. أما عن المعيار الأول، فإن قانون العقوبات يمر حاليا بأزمة التكيّف مع متطلبات المجتمع، فالجريمة تتطور وتتكيف باستمرار، فهو يواجه صدمة التغيرات السريعة التي تمس مصالح المجتمع وقيمه، الامر الذي يقتضي أن يواجه القانون بصفة دائمة هذه التغييرات وأن يداوم على التعايش مع تطور المجتمع الذي يحيا فيه. وبالنسبة إلى المعيار الثاني، فإن الجزاء يجب أن يخضع لسياسة جنائية تكفل بوضوح خدمة هذا الهدف الاجتماعي من قواعد التجريم حتى يكفل احترام المصالح والقيم الاجتماعية التي تعبر عنها هذه القواعد وحماية الحقوق والحريات التي تنظمها، وبالنسبة إلى قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يهدف بوجه عام إلى حماية المصلحة الاجتماعية من خلال ما ينظمه من إجراءات لكشف الحقيقة وإقرار حق الدولة في العقاب، من خلال الضمانات التي يقررها حماية الحقوق وحريات المتهم التي تتعرض للخطر من جراء هذه الإجراءات. قد يكون منع التجريم هو الوسيلة القانونية لحماية حق من الحقوق مثال ذلك منع تجريم الاضراب كحق من حقوق الإنسان، وقد يكون التجريم هو الوسيلة الواجبة للحماية لان عدم التجريم يؤدي إلى انتهاك حق للإنسان بسبب عدوان السلطة العامة عليه، مثال ذلك ضرورة تجريم التعذيب الواقع على الإنسان، أو بسبب تقاعس المشرع نفسه عن تجريم السلوك مثال ذلك ضرورة تجريم استيراد المواد الغذائية الملوثة اشعاعيا أو الفاسدة. ولما كان القانون الجنائي بفرعيه ( قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية ) يتولى حماية الحقوق والحريات من المساس بها سواء من خلال التجريم والعقاب ، وتوفير الضمان القضائي وتمكين المتهم من محاكمة منصفة أمام القضاء ؛ وكان هذا القانون في ذات الوقت يهتم بحماية مصالح المجتمع التي تتعرض للخطر أو الضرر بسبب ما يصيبها من أعمال تمس حقوق الأفراد وحرياتهم وكذلك حسن سير الحياة الاجتماعية ؛ فإن التوازن الدقيق بين اعتبارات حماية المصلحة العامة واعتبارات حماية حقوق الإنسان والحريات تلقى مجالها الخصب في هذا القانون.
حماية المصلحة الفردية تحقق بموجب مبدأ الشرعية ,حيث يقوم المشروع بتعريف أفراد المجتمع سلفا بالافعال التي تدخل في نطاق التجريم ,وببيان عقوبتها فيبصرهم من خلال النصوص القانونية المكتوبة ما هي الأفعال المشروعة من عدمها,وذلك قبل الإقدام عليها فيكون من حق الافراد في المجتمع القيام بأي أفعال ما لم يرد النص قانوني مكتوب بوضوح يجرّم هذا الفعل ,استنادا لقاعدة الأصل في الأفعال الاباحيه وبالتالي لا يكون الإنسان عرضة للوقوع في شباك الجريمة دون علم بل يكون في مأمن على نفسه من المسؤلية الجزائية وهذا بحد ذاته يحمي حرية الفرد الشخصية ويحمي حقوقه ,و يضمن له الأمن والطمأنينة على حياته دون جزع او خوف من التهديد بالعقاب ,وهذه غاية المبدأ فالقاضي ليس له سلطه التجريم أو عقاب بل هو مقيّد بالنص القانوني الذي يضعه المشرّع فيحدد ما هيه الجريمة وأركانها ويحدد عقوبتها بدقه .وبالتالي لا يكون له الحق في أدانة المتهم إلا اذا وجد نص يجرّمه ينطبق عليه وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا المصرية بهذا المعنى في قولها "مبدأ الشرعية الجرائم والعقاب واتخذ من ضمن الحرية الشخصية بنيانا لإقراره وتوكيده إلا إن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيّد من حدودها, فلا يكون أنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها(1).
ويترتب على مبدأ الشرعية أيضا إن الأصل في الأفعال الإباحة ،وهذا الأصل نتيجة منطقية لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة ألاّ بنص في القانون ، وقد توصل فقهاء الشرعية الإسلامية لهذا الأصل واستخلصوه من الآية الكريمة ، قوله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا". فقالوا بالقاعدة الشرعية المعروفة ،إن الأصل في الأشياء الإباحة ،فكل فعل لم يجرمه القانون أو الشارع فهو مباح ، ذلك إن التجريم هو الإستثناء بحاجة لدليل ، وعليه فأي فعل مهما بدا معيبا ومنافيا للأخلاق ، أو ضارا بمصالح المجتمع لا يمكن المعاقبة عليه ، طالما لم يتناوله المشرع وبالتجريم والعقاب ، ويترتب على هذا الأصل ، أصل أخر وهو الأصل في المتهم البراءة ما لم يقوم الدليل على الإدانة.
--------------------------------------------------------------------------------------------
1--دستوريه عليا في 22/2/1997 في القضيه رقم 48 لسنه 17 قضائيه دستوريه وكذلك قرارها لنفس القضيه مبدأ شرعيه الجرائم والعقوبات تلتزم به الدول القانونيه على خلاف الحال في الدوله البوليسيه حيث يضمن القانون احترام الحقوق والحريات في مواجهه الدوله موقع وزارة العدل المصريه قاعده التشريعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق


.. لازاريني: المجاعة -تحكم قبضتها- على قطاع غزة • فرانس 24




.. مجازر وجرائم مستمرة وتفاقم الوضع الإنساني في غزة


.. «أكسيوس»: عباس يرفض التراجع عن التصويت على عضوية كاملة لفلسط




.. الأمم المتحدة: المجاعة التي يواجهها شمال غزة معقدة جدا