الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق الحرّة نظرة نقدية للأخلاق الإقتصادية

معتز نادر

2020 / 7 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأخلاق الحرّة *الذكية *
نظرة نقدية للأخلاق الإقتصادية ...

أنا انظر للحياة ولنفسي وللنظام المركب لأهواء البشر بفضول وتحفظ وأحيانا بسأم ومع ذلك لا استطيع إلا ان انصت حيال عذابات وإحساس الألم وخيبة الأمل التي تجتاح اولئك ممن لم تسنح لهم الفرصة أن يقولوا كلمتهم في الحياة ، أنا اشعر بالعبث عندما يستمر هذا الشعور تجاه الأخرين بمطاردتي طوال سنوات إلا أن ينكفئ بين الفينة والأخرى ليتبدل في لحظة محددة إلى شعور بشفقة عابثة ومنهكة لكنها خالية من التعاطف التقليدي أي التعاطف من أجل إشباع مازوخي وحسب ،
إذ لا يمكن طرح أفكار بمنطق جدي دون شعور بحالة تعاطف عامة
لكنه بالمحصلة هو تعاطف مع شيئ ذاتي يمتد للأخرين ، ففي تلك اللحظة يصرخ شيء من اعماقي : إن شعوري بالتفاهة والتململ من فقدان الناس لمواهبهم وعجزهم من ان يفهموا مدى قوتهم الكامنة القادرة على استنباط جمال خالص من دواخلهم واستبداله بذات الوقت بالقبح الديناميكي اليومي- ليس كافيا كي يجعل عقلي يتفهم ويتقبل مصائبهم وأحزانهم على أنه أمر طبيعي وأنه نتيجة لخياراتهم
بذات الوقت لا أحزن عليهم ولا أ قول أنهم مساكين بسبب ذلك لأني لست ببعيد عن تلك المشاكل والعقبات وبالتالي لا أتناول نفسي بوصفي مسكين ،
بل أن ما اشعر وأفكر به يجعلني أطمح ساهماُ بطبيعتنا وغرابتنا كبشر وأيضا بسذاجتنا وطفولتنا ، وبعبثية المعنى بأن كل انجازات الدنيا وتبعيات الحضارة ليست كافية كي نتأقلم مع طبيعية عذابات وتبدلات الإنسان الجينية ومصائر الكائنات، فمثلاً عندما تغضب من احدهم وترغب بالإنتقام منه على قدر فعلته ستشعر بالإشباع إن تحقق انتقامك ومهما كان ذاك الشعور سخيفا إلا أنه سيمنحك الرضا وبأن ذاتك حصلت على عدالتها الخاصة لنقل كرامتها ثم بالتزامن تنظر إلى سرداب التاريخ البشري - واندفاعه الباسل نحو جوع غريزته ذو الديناميكية الفريدة المترفّعة عن تعقيدات كل شخص على حِدا حينها ستشعر بالهوّة السحيقة والهشاشة بين ماهية تصرفاتنا كأفراد مفروضين على واقع الحياة في مواجهة معنى تلك التصرفات ودورها في استمرار الشرط البشري إذا ما حاولنا هنا ومن باب الجدل تنحية الجانب الغريزي جانباً ولو لبرهة و أعتقد من هنا تحديداً يبدأ الحراك المحوري للتساؤل الفكري *الأخلاقي*
ويُطرح التساؤل العريض بوعي وجدية ما معنى ما سلف ذكره:
بالتأكيد لدي العديد من التكهنات لتساؤل طبيعي وقديم يكتنف في داخله حيرة تقليدية يختص بها العديد من اصحاب الفضول ولكن إدراك المسألة من جانبها هذا لا يعني الحصول على إجابة مقنعة
فلطالما احتجت وغيري لإجابة موغلة ترضينا وتجعلنا نشعر بالإمتنان
وفي هذه اللحظة الدنيوية الزمنية يغدو الإنجاز الذهني المتماسك الذي يمكن الوصول إليه بالنسبة لي هو سؤالي سؤال أنفسنا لماذا نشعر ونفكر على تلك الشاكلة التي نحن عليها -أو تلك ؟ وإلى أي مدى سنقدر كبشر وكمُنتج كوكبي على تطوير أفكارنا وانبعاثاتنا وحماية مشاعرنا من التلف في ظل دوامة النظام التقني الرقمي الصاعد كقمر اصطناعي والمتحالف مع رغبة الملايين من الأفراد -وهذا حقهم- بإستغلال الفرصة المرئية على شاشات اجهزتهم الخاصة بغية قول كلمتهم والتعبير عن خوالجهم
السطور الاخيرة ليست نقد موجه لعقلية هذا العصر الرقمي أو تطوره عن عصر أخر لأن التكنولوجيا مُنتج بشري تساعدنا بشكل إيحائي مباشر أوغير مباشر على فهم مشاعرنا ومحاولة تطويرها والولوج لذاتنا الخفية - وإنما هي تكريس لسحر التساؤل الوجودي الخالد حول دور العقل الذي لا ينفك يطالب بشروحات لا تنتهي لأشياء ستنتهي أو ستتغير ذات يوم وتلك الأشياء هي كل مادة يتعامل عقلنا معها وكل فكرة يحاول نزقنا الولوج إليها
إن الفرد المفكر لنَقل صاحب النظرة المتأملة والإحساس الرقيق والشعور الخاص بالعزلة سيختار في كثير من الأوقات أن يرضخ لحاجات الواقع بمعناها اليومي وبأقل خسائر نفسية جهدت الأنا طويلا على تحصينها -وذلك من خلال سلوك براغماتي تقليدي فيما ستظل لحظات سكونه الخاص تمثّل مفتاحاً لتعريف نفسه بكونه شخص خُلق ليكون فنان متأمل بينما ليس بالضرورة أن يكون كذلك لكن تلك الصورة ربما تكون مريحة وكافية للفرد فيما هو يقاوم الفناء فناء قيمة وجوده
نحن نعيش في تحدي دائم بين جدوى الفكر المُجرد في مواجهة قوة الغريزة من جانبها الجيني والذي فعليا غالباً ما تكسب التحدي وهذا لا يمثل نكسة أو مشكلة بحد ذاتها أو تساؤل عدمي مُنهك بل على العكس إن ذلك التحدي إنما هو محاولة محاكاة لما قدمه وما سيقدمه العقل رفقة تداعياته الفنية الجديرة بالإستمرار أطول فترة ممكنة
من المؤكد علمياً أن المخ ينقسم لنصفين نصف يهتم بالأمور الحسابية والتفاصيل العملية وقسم أخر يختص بالتأملات والأحلام ، وعملية الصراع أو المقايضة بينهما لا تنفي حقيقة كونهما مخ واحد من نصفين لا يمكن استمرار المادة الحية التي هي نحن بدون إحداها وبالتالي فإن عملية التجاذب بينهما هي بمثابة ولاء استمراري بنكهة جدلية لطبيعة جسمنا الماديّة كي نظل نشعر ونفكر ونتأمل – كي نستمر في محاولة أن نكون بشر نسعى بأن نفهم ماهيتنا بشكل أفضل
اليوم يأخذ الغوص في طرح مثل هذه المسائل الذاتية النرجسية بيئة خصبة للعلم التجريبي الحديث عبر مئات الفيديوهات المقدمة من خلال قنوات اليوتيوب المستندة أصولا على تجارب وأبحاث لعلماء بيولوجيين تقوم على تفصّيل نوعية سلوك الكائن الحي وكيفية تطوره جينيّا وبالتالي محاولة ابتكار أسئلة أخلاقية جديدة ومحاولة فلسفتها ليتم إسقاطها طرداً بما ينسجم مع توقعات تلك الأبحاث ومحاولة التكيف معها ذهنيّا
وبالرغم من هيجان الإندفاع الإعلامي المرئي في دعم تلك الأبحاث إلا أن توظيف التلميح النظري الأدبي يظل دائماً ذا حساسية خاصة ومستساغ لدى العديدين .
لنعتبر ماسبق مدخل تلميحي لما قد يتضمنه سرد الفكرة لاحقاً
الأخلاق الإقتصادية *الحركية* و الأخلاق الحرّة :
منذ أن بدأ النظام البيئي والبيولوجي الحيوي بزرع جينياته تمهيدا لخلق نظام تكاثر رهيب لا مثيل له ورغبة الفعل السامي في سلوك البشر لا تنفك تبحث عن تعريفها وعن دورها الإستمراري في معادلة البقاء المحكومة بالحاجة الغريزية وبحتمية التبدّل ، وما من الشك أن فكرة الأخلاق لدى البشر لنقل من الناحية التاريخية ملتزمة بالولاء والتفاني بأداء المهام إخلاصاً للقوانين التي تجعل الجميع قادر على الإستمرار بالحياة بصورة مُشرّفة ومن هنا يرتبط الفهم لمسألة الأخلاق بالغاية السامية لفعله فمثلاً النظام النَملي أو ما اسميه *أخلاق النمل * هما كناية عن النطاق البيئي الملتزم والمؤطر حركيّاً وسلوكيّاً للمجتمع بصرف النظر عن حجمه وانتشاره وإقحام فكرة النظام النملي هنا إنما هي لكي نبين الفرق بين الأخلاق الإجتماعية الإقتصادية المحدودة المبنية في جوهرها على العبودية لفكرة المملكة المتمثلة بالملك أو الملكة التي هي رأس الهرم في النظام النملي والبشري على حد سواء واستمرار المساحة الجغرافيا لتلك العبودية من خلال التفاني والإلتزام من قبل العاملين والعاملات خدمة للمجتمع الحيوي وبالتالي كرّست المجتمعات النملية نفسها كإحدى أكثر المجتمعات ديمومة في تاريخ الكائنات الحيّة
وهي تشبه بطريقة أو بأخرى ألية النظام الملكي في المجتمعات البشرية إذ أن العائلة الملكية كتاج لا تتغير بينما تتبدّل الشخصيات المُمثلة لها والساهرة على حمايتها نفس الأمر عند مجتمع النمل الذي هو غاية في النظام والإخلاص وبذل الجهد إذ تتغير النملات العاملات جيل بعد جيل فيما هنّ يحمينا الملكة و المستعمرة بينما تظل الملكة على قيد الحياة وتنتهي المستعمرة بموت الملكة لتبدأ محاولة بناء مستعمرة جديدة من قبل الناجيين وبنفس تلك الشروط وبالتالي ينتهي ولاء كل فرد كان يعمل في تلك المستعمرة المرتبطة بشكل أساسي بالحركة الألية الصارمة والمكرسة لخدمة هدف واحد ومحدد وهو بقاء الملكة واستمرار المستعمرة وهذا يعني وفق النظام الملكي عموماً أنه لا داعي لأي إضافة ترمز لأي تطوير متمرد خارج عن المألوف طالما لاقيمة له ولا يقدّم حسب العقلية السائدة أي إضافة تُذكر من شأنها تطوير مستقبل المملكة وبالتالي - يظل المِثال المُحافظ هو الإحتمال الأنسب لإستمرار العرش .
مثال الأخلاق النملية هنا إنما هو كناية عن تداعيات حركية محكومة بمساحة المكان و بتقاليد المملكة فليس ثمة أي عملية إبداع حر بمعناه المصلحي لنقل من شأنه رسم أو تخيل وضع جديد للنظام يقفز به من أفق لأخر
وبالنسبة للمجتمعات البشرية تعتبر الأنظمة الملكية أو الأميرية نموذج حي للأخلاق الحركية أو الإقتصادية حتى عندما تعيش أفضل حالاتها على المستوى الإقتصادي والتقني وربما على مستوى دخل الفرد وهذا إنجاز لكنه يظل محدود من دون أن يغيّر هذا من فكرة أن ثمة دول كثيرة ليست ملكية لكنها في غاية السوء لكننا هنا نتحدث في نقطة محددة تبتعد عن شكل الرفاهية الواضح والغوص أكثر بالتداعيات الزمنية لتلك الرفاهية بين قوسين ،
ما الذي يمكن أن يفهمه المرء من الحياة إذا ظل مقتنعٌ طوال حياته أنه من عائلة ملكية أو أميرية وأنه يجب عليه أن يشعر بالتميّز والتفوق لأجل ذلك ، يا له من عبث فعلاً !
وبديهيّاً فإن معنى فكرة الأخلاق عند تلك الأنظمة مستمدَ كذلك من الصرامة والإلتزام والتبعية للرمز حتى أخر نفس وهذا ليس بعارِ أو بخطأ من الناحية الوجودية لأن كافة الكائنات تسعى للإستمرار بكل الطرق الممكنة وهذا موضوع أخر - لكن في جانبه الإستمراري يكون جامد وعديم الشغف وباهت إذ أنه مثالي للبقاء وللولاء المطلق للعرف والإرث وربما في تطوير حالة البحبوحة في العيش بينما البشر ليسم كذلك تماماً وإن كانت طبيعتنا تهفو لأمان متأخر محاط بأجواء *الرحم * الذي يحمي من فخ السقوط بالهاوية لكنه بذات الوقت أي ذاك النظام يضع حد للإحساس بمكانة الوعي وبمحاولة البحث عن مصير أكثر حرية وأكبر مساحة وكذلك بمستقبل ذو مواصفات خاصة يفجر إمكانيات كل فرد على حدا بغرض الإمساك بقوة أكبر بفرص الإستمتاع بالحياة وجعلها أكثر فعالية وجدوى وليس بالضرورة أن تكون تلك المواصفات عظيمة أو استثنائية بل ربما تكون بسيطة ومسالمة ومن خلالها يبتعد قدر الإمكان السؤال العبثي المنهك الذي يصرخ على الدوام لماذا وجودنا ؟ وماهي فائدتنا ؟ونحن لاشيء في هذا الكون الواسع ؟ تلك التساؤلات التي تشعرنا بعدم الأمان وبالتالي تقودنا بأن نتمسك بالغيب وقوى كونية لا نفهمها للحصول على الأمان والحماية
فالإنسان البسيط المتصالح مع بساطته هو إنسان قوي عندما لا يسمح للأخر في الإستخفاف بتلك البساطة وهذا مثلا يختلف كليّاً عن لفظ *درويش * حسب المنطق الشعبي والذي هو كناية عن الشخص قليل الحيلة والمستهدف من بقية أفراد المجتمع.
باعتقادي لا يوجد أي معنى على الإطلاق لوجود شيء اسمه ملك أو نظام ملكي
أما إذا كنا سنتحدث عن نظام ملكي بصلاحيات تنفيذية كالمغرب والأردن وتايلاند والسعودية أو أميرية تنفيذية كالعديد من دول الخليج العربي فإن السطور لا تسعنا هنا للتحدث عن بشاعة الفكرة وبؤسها لأن مفهوم العبودية في تلك الدول يأخذ أبعاداً حزينة وبائسة
إن منصب الملك في كثير من الدول بات شكليّا أو منصبٍ فخري مثل بريطانيا وهولندا والسويد واليابان *إمبراطورية *، ومع ذلك فإن مجرد بقاءه كوَعي يمثل رمزاً قومي أو تاريخي لجيل ما يُعتبر مؤذي حسب وجهة نظري ، لماذا مؤذي لأن أجيال كاملة سيصطدم وعيها بهذا الجدار الرمزي مهما كان هشّا عِلماً أنه لن يكون واضحٌ أن تلك الأجيال تأبه به لأنها تبدو أي الأجيال بأنها تتصرف بحرية لكنها باطنيا ودون أن تشعر تأبه به فطالما هو موجود فستأبه به ولن تأبه به ثقافيّا بل ستأبه به نفسيّاً
على سبيل المثال منذ مدة شاهدت مقطع فيديو لشابة بريطانية تبكي تأثراً من تواضع الأمير هاري *الخارق* لمجرد أنه كان يساهم بيديه بتنظيف متجر أو ماشابه بينما الأمير نفسه وهو ابن الراحلة الأميرة ديانا قد أعلن هذا العام تنازله وزوجته عن ألقابهم الملكية وإعلان استقلالهم المادي
ومن المعروف أن العائلة المالكة ببريطانيا تحصل على عائدات مالية من الحكومة البريطانية وبطبيعة الحال من الضرائب .
ولو قام اليوم أحد البرلمانيين في البرلمان السويدي وطالب بتحويل السويد إلى جمهورية لن يرضى أحد بذلك لأنه سيعتبر مساس بالإرث السويدي
من الرائع أن يكون الملك حامل لمنصب فخري لا صلاحيات له ويعيش مثل بقية الناس ... حسنا طالما الأمر كذلك إذاً لماذا وجود المنصب بحد ذاته ؟!!
من جهة أخرى ربما أواجه سؤال مشروع من أحدهم وهو لماذا أتحدث في أمر لا يلتفت إليه أحد عموماً بما فيهم إولئك الذين يعيشون في ظل الأنظمة الملكية بأشكالها المتعددة ، كما لماذا الإصرار في رغبتي على إلغاء المنصب الملكي طالما لا أهمية عملية له في أوروبا الغربية والإسكندنافية ؟
أجيب : بكل بساطة لأنه لا يجب أن يكون موجوداً ، بمعنى ما الذي يريد وجوده كمنصب أن يذكرنا به ؟ هل بأن العائلات الملكية ذات قداسة إلهية لا يجوز تغييرها لكي تظل تفطّن الشعوب بأنهم أقل شأنا من العائلات الملكية التي تستمد جذورها من الرعاية الإلهية !
أم لكي يعرف الجميع بأن الملك من أثرياء الدولة ويجب على المواطن العادي أن يتقبل هذا لأنه من الطبيعي أن يكون الملك أثرى من المواطن العادي؟!
أم لكي يبتسم المرء ويحيّي الملك عندما يراه يسير متواضعا بالشارع مثل بقية البشر بوصفه تصرّف خارق للطبيعة ؟!
أنا أفهم أن الإخلاص للإرث والأعراف هو بمثابة مساحة أمان خاصة لعقلية الجماعة أي ما اسميه رغبة -الإستمرار العكسي- فإذا بقي الولاء للماضي متألقاً سيساعد على استمرار الولاء للمستقبل فطالما حمل الماضي جينات الملوك والعز والسؤدد فإن تلك الجينات ستنتقل لتدعم رغبة المستقبل في البقاء والتمدّد وهذا صحيح شريطة أن تأخذ من الماضي أفضل وأقوى مافيه وليس الجانب الأقل إبداعاً والأكثر تهورا وبطشاً فيه
نفهم أنه من المستحيل نسف الماضي من ذاكرة الشعوب لكن من الجمالي والإبداعي تناوله بجديّة وعمق وبالتالي احترام العقل الذي يحاول ويصر في محاولته على تغيير شيء في طريقة تعاملنا مع الحياة
وعندما نصَر كبشر على الإحتفاظ بهالة الرمز المثالي بكونه شيء فوقي متعالي - فسنظل عندها نقبل كبديهيات بقاء الهوة في الفوارق الإقتصادية والمعيشية بين البشر لكونها وفقا للفكرة شيء طبيعي يعكس دورة الحياة ونوعيتها لهذا أَفصل هنا بين * الأخلاق المجتمعية *التي تمثل شعور الإنسان بالظلم وبين *الأخلاق الحرة* التي تمثّل شعور الإنسان بالعدالة التي يخلقها لنفسه والتي تحرمه منها تلك الزائفة وعدالة الفرد ربما لا تؤول لنهاية مثالية أو هادئة بل ربما تكون بعيدة عن توقعات الشخص أو ليست كما يبتغيها ولكنها على الأرجح ستكون أقرب لحقيقة الشخص ولجوهر ذاته
في كثير من الأحيان لا تكون الحياة عادلة والذي يجعلها قريبة من أن تكون عادلة هو سعي المرء منّا لعدالته الخاصة عبر محاولة تغذية مشروعه الشخصي
إذ كان ثمة شيء عادل واحد في الحياة فهو محاولة الإنسان أن يشبه نفسه ، أن يكون ذاته
من هذه الزاوية وحسب ممكن التعامل مع فكرة الأخلاق بشكل ندّي وجدّي
إذ لا يمكن فصل الأخلاق بوصفها منظومة أفكار تعمل على توظيف المشاعر وجعلها أعمق تأثيرا على أسلوب حياتنا - عن الدور البعيد للتاريخ السياسي والإجتماعي للشعوب
وهنا يغدو من الصعب محاولة إضافة ما تم التطرق إليه بخصوص هذا الموضوع من قِبل عشرات الفلاسفة والمفكرين عبرعشرات السنين
ـ ولكن ما أود التركيز عليه هو أنه كلما استطاع الفرد تغذية إحساسه بالأهمية عبر جعل مشروعه الشخصي ناضج قدر الإمكان كلما أخذت فكرة الأخلاق قيمتها عبر ذلك المشروع أي أن السلوك سيكون إيجابي ومتفاعل والتعامل مع المواقف سيكون متوازن ، وكلما تسببت الظروف أو طبيعة الحياة أو الشخص نفسه بجعل المشروع الشخصي عصي عن التحقيق كلما تدهور محيط القيمة الاخلاقية مع تدهور نتيجتها الفردية لتنعكس مباشرة على الشخص نفسه تشاؤماً وإحباطاً ولتغدو الحياة برمتها منعدمة الإثارة وخالية من الرغبة بالنسبة للفرد وهنا تسقط القيمة الأخلاقية مع تضاءل القيمة الإنسانية وحقها في الإنجاز من دون أن يقوم الفرد بسلوكيات غريبة أو وقحة
على سبيل المثال شاب يريد فعليّاً دراسة الفن التشكيلي في الجامعة بينما تشاء ظروفه غير المواتية بأن يعمل بمتجر لأجهزة الهاتف الذي هو ليس عملٌ سيء بطبيعة الحال في هذه الحالة حتى لو أصبح يملك المال كي يفتح متجر خاص به إلا أن إحساسه بأهميته سيظل ضيئل وهامشي لأنه يبتعد عن رغبته القديمة وهي الفنون التشكيلية وبالتالي سيظل يتخيل نفسه فنانٌ تشكيلي وبأنه إنسان لم يحقق ما يتمناه في الدنيا وسيتنهد كلما ذُكرت سيرة الفن أمامه وبالتالي تنخفض القيمة المعنوية بإنخفاض قيمتها الجوهرية التي هي رغبة الإنسان ودافعه الحي ،
وبالمقابل العكس صحيح للشخص الذي يريد أن يملك متجر لأجهزة الهاتف مثلا ويضطر لفتح محل بقالة لأن ظروفه المحيطة لا تسمح بتحقيق رغبته الأولى فيما لا تكون إمكانياته الفردية هي العائق
والفكرة الاْنفة لا تنطبق مثلاً على شخص يريد أن يكون تاجر كوكايين أو تاجر أسلحة لأن ذلك يتناقض كليّاً مع الرغبة الغاية الإيجابية لموضوعنا وفحواها الإبتكاري الخلاّق
*
من جانبٍ أخر إننا نسمع ونقرأ دائما على حصول ممثل سينمائي ما على عشرات الملايين من الدولارات مقابل تمثيله لفيلم ، أو أن يحصل لاعب كرة القدم على 15 مليون دولار على الأقل كراتب سنوي من النادي الذي يلعب له أو أن ينتقل لنادي أخر مقابل 150 مليون يورو ، أو أن يحصل لاعب في دوري كرة السلّة الأمريكي على عشرات الملايين سنويا .. هؤلاء يحصلون على تلك الأرقام الفلكية لأنهم يملكون موهبة معينة من دون أنكر دور تلك المواهب في إمتاعنا كمتابعين ، لكن ألأجل ذلك فقط يحق لهم أن يحصلوا على تلك الأموال ..ما معنى ذلك !!! ما الفائدة منه ؟
ربما يتنطّح أحد المتحذلقين الإقتصاديين ليقول بأن الإغراءات المالية تشكّل دافعا قويا لأصحاب الطموح كي يسعوا جاهدين لتحقيق أحلامهم وبالتالي المساهمة الفعّالة بعملية التقدم والتطوير
سأجيبه هنا بأن ردّه سطحي وتِقني وتعيُشي ولا يقدم إضافة ذات كفاءة ، إولئك المتحذلقون المنبهرون بريادة الماكينة الإقتصادية وبدورها الحضاري العظيم! * وإن كان يبدو ذلك صحيحاً في أوقات عديدة * لكني هنا لن أرضخ لمجرد صحة ذلك الإعتقاد - اولئك لا ينفكون يصدعون رؤوسنا بدور الذكاء العملي الحاد وبعبقرية النفعية لأنهم وحسب وجدوا لهم موطئ قدم في عالم المال وبعالم الإدعاء السياسي المتقشف الباهت !
إن إولئك الرياضيون والمشاهير من أصحاب المداخيل الخرافية يستطيعون قطعاً أن يعيشوا وعائلاتهم في منتهى الرفاهية والبذخ بأقل من ربع المبالغ التي يتقاضونها
من هنا يمكننا القول أن حالة التقزّم الذهني تأخذ شكلا بعيداً عن الحتمية الإقتصادية لتتبدل لحالة غباء دولي وشامل إنها تمثل فعليّا حالة إستعصاء مُحزنة
نحن كبشر حول العالم نعيش حالة تقبل بديهي متعلق بمثل تلك التناقضات وكأنها شيء عادي على اعتبار أن النظام المالي العالمي قائم من يومه على التأثر بالتداولات المالية وأن التطور الإقتصادي والصناعي مرتبط بشكل عضوي بذلك التأثر
إن الحراك المالي اليوم هو عبارة عن أرصدة بصيغة أرقام تنتقل من مكان لأخر، وإن انعدام المسؤولية بتوزيع المال بين الناس لا زال يتسبب في أن تعيش مناطق كثيرة من العالم بما فيها بعض الدولة المرتاحة معيشيّا كأمريكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا - تفاوت مخيف بين فئات المجتمع بما يتعلق بالأجور ، أنا أعيش بفرنسا وأرى ذلك،
بالنسبة لي لا أتحدث عن هذه المشاكل من باب رغبة بتفريغ شحنة فلسفية أو لأني لا أنام تفكيرا بالفقراء ، بل لكوني إنسان يحاول لفت النظر لحق الإنسان كبشري يسعى نحو بشريته
فاليوم على سبيل المثال يعيش العالم على وقع وباء مرضي يسمى طبيّاً -فايروس كورونا- يجتاح العالم ويحصد عشرات الألاف من الأرواح في كل بقاع الأرض وسط مخاوف كبيرة من عدم قدرة النظام الصحي في أوروبا الغربية التي يستفحل الوباء فيها على تحمل أعباء المصابين بالوباء في لو استمر بضعة أشهر اخرى بسبب نقص الأسرّة والأجهزة المعدات
أليس من المفترض هنا أن تكون مئات ملايين الدولارات الإضافية التي تُعطى وتُصرف على لاعبي كرة القدم أو السلة أو الغولف مثلاً- مالاً مشروعاً لتطوير ودعم منظمة الصحة العالمية في ظل استفحال الفيروس القاتل الذي يفتك بالناس في كل مكان بالعالم
لندع مشاهير الرياضة وشأنهم – فمثلاً الفرق بين راتب الموظف الحكومي في دولة كفرنسا التي تعد كواحدة من أوائل الدول في معدلات دخل الفرد - وبين صاحب أي منصب رفيع فيها سنجده مهوول ومفاجئ في الوقت الذي تُلغى فيه الضريبة على الأثرياء وهذا شيء غير مفهوم حدوثه في بلد يدعي تزعمه للمشهد الحضاري من جانبه *العادل * كفرنسا
إذ ثمة فرق كبير بين 1500 يورو أو 2000 يورو يتقاضاها الموظفون العاديون أو متوسطو الدخل في فرنسا هذه الأيام و بين 15 ألف يورو كأقل تقدير على الأقل يتقاضاها صاحب أقل منصب رفيع في الدولة ، لا أقصد هنا أن يتساوى صاحب الإمكانيات مع من لا إمكانيات لديه أو لنقل مع صاحب الإمكانيات الضعيفة ، ولكن ما أقصده أن يكون الفارق مفهوماً ومعقولاً وأيضا أن يُفهم لماذا هو كذلك فمن حق الأشخاص الخلّاقين التمتع بحياة لا تجعلهم يشعرون بعقدة النقص المادية كي يقدموا المزيد
عندما كبّشر نتقبل تلك الفروقات والهوة الإقتصادية المخيفة بين الناس وذلك السخف فيما يتعلق بتوزيع المال فيما نحن نلعب ونضحك -سنفهم في ذات الوقت لماذا نتقبّل وجود الملوك والأمراء كلَون إجتماعي اقتصادي حتى يومنا هذا ، ففي وسط كل هذا الشجع والبؤس والغباء يوجد منظومة قِيم جمعية ملتزمة تثير التقزز و تدعو ملايين الشباب للإنضمام اليها كي يحققوا أحلامهم ويصبحون أثرياء ؟! - يدعونها *المُثل العليا أو إقتصاد السوق أو لعبة الإغتناء * فيتم من خلالها بناء بيئة مثالية للحث على الإنجاز العظيم ! لتكون نتيجتها على سبيل المثال حالات انتحار عديدة لموظفين شبان يابانيين متخصصين يعملون لدى شركات كبرى لأنهم تعبوا من هشاشة التزامهم بعمل يجيدونه جيداً لكنهم يفتقدون لشغفه
تعزيز الطموح لدى الأفراد للوصول للأهداف يأتي عبر تغذية الشغف والإلهام بأن يحب كل فرد عمله ولا يأتي من خلال رمي النقود في مكان ناءٍ وعلى الفرد الوصول إليها قبل غيره باستثماره كل أنواع الحيلة والخداع و بذلك يثبت لنفسه ولعالم المال بأنه الأذكى والأجدر للحصول على الجائزة الكبرى
بينما بخلق الدافع المستقل والذي يعرف مصلحته لن يكون هناك جائزة كبرى وإنما سيكون هناك جائزة دائمة لن تكون حكراً على فرد محددٍ سعيد الحظ لأنه أدهى من الاخرين بقليل بل سيتسنى للجميع التفكير بالجائزة للحصول عليها
النظام الحالي المالي المبني على الإلتزام والتبعية يهدف دائماً بأن تنجح القلة بتحقيق أحلامها مقابل تحطّم كل الأحلام المتبقية
مع دعم الشغف والعاطفة كأسلوب عمل وحياة سيكون لكل فرد فكرته الخاصة التي يسعى لتحقيقها وسيكون هناك ملايين الأحلام التي لا تشبه بعضها والتي يمكن تحقيقها بتعزيز القدرة على الخلق .
الماكينة الإقتصادية بدورها التاريخي المؤثر والذي لا أفهم تعقيداته لا تصنع منظومة مُحقة أو ذات كفاءة بل تصنع سمعة إعلامية تزدهر من خلال العلاقات والرياء والمبالغة وبالتالي تخلق بيئة مناسبة تحدد قِيَم معينة ذات طابع ملتزم يرتكز عليه النظام الإقتصادي كشرط لإستمراره ،
من الإثارة أن أصبح ثريّا بمجهودي وتعبي المستمر ولكن من الرائع والضروري فهم لماذا أريد أن أكون ثريّا
مثلما من المهم أن أحب الخير ولكن الأهم أن أعرف لماذا أريد أن أقوم بعمل الخير،
و إذا كنت أحب مشاهدة أفلام العنف أو أرغب بالعنف في قرارة نفسي فعلي أن أسأل نفسي لماذا أرغب بذلك ؟ هل لأني سادي مثلاً ؟ أم لأن العنف جزء من البناء النفسي للبشر ؟
في كل مل نقوم به نحتاج عاطفة ذكية تدعم قراراتنا وإسلوب حياتنا
*
ومع أن حرية الأخلاق مسألة نسبية بدورها إلا أنها تأخذ بعداً أعمق وأكثر كفاءة وتمرداً من الأخلاق الإقتصادية
فهي لا تستمد معناها من مفهوم الإرادة الحرة الذي هو مكون جاذبٌ ونسبي في طبيعتها لأن الإنسان لا يتصرف وفق إرادته في كثير من الأحيان بسبب أن طبيعته المادية ونظامه العصبي والوراثي يلعبان دوراً محوريا بالمدى الذي يستطيع الفرد أن يكون حرّا من خلاله -، بل لكونها أي تلك الأخلاق وهذا أساسي لا تأبه لفكرة الرمز كمرجع قادر على منح الإيجابية
الحقيقة أن المسألة هنا أي الفرق بين أنواع الأخلاق لا يتلخص جوهرها عبر الوصول لنتيجة ختامية للموضوع عن من يجب الإستمرار به كمنهج أو كأسلوب حياة ولو أن هذا أحد أهدافي لكتابة الموضوع ، ذلك لأن جدلية الفعل المتسامي لن ينتهي طالما البشر موجودون ولا أعتقد أن هذا التساؤل سيفنى عما قريب وأعتقد أيضا أن وسائل التواصل الإجتماعي تعمل بشكل حثيث على تقريب مثل هذا التساؤل من خلال فيديوهات تنمية بشرية تعرض وجهات نظر علمية تعزز الطاقة الإيجابية لدى الفرد منّا وتساهم في تغذية الجانب الإبداعي وجعل جدوى تساؤلاتنا أكثر عمومية وتفرّعاً وبالتالي تصبح مشروع رأي لكافة المستويات الثقافية و تجعلنا نصدّق بأن التعريف للفعل الأخلاقي سيظل مبتورا ومفرّغ من محتواه طالما ظل يهدف لعزل الغاية الإبداعية ذات الطابع الفردي ومحاولة وضع الأخلاق الإجتماعية ذات الطابع الشكلي فوقها على اعتبار أن مفهوم الأخلاق يُعرّف ضمن إطار الحالة الجمعية الساعية للأمان عِلماً أنه لا يجب أن يُفهم هنا من خلال ما سبق بأن الأخلاق الحرة لا يوجد بها التزام أو نظام بل على العكس إنما يجب أن يكونا جوانيين غير ظاهرين شكليا ومتمردين ذوي نزعة خلاقة وبالتالي يكون القرار *الأخلاقي* في قالبه الفردي يمثل حالة عامة للشخص تشمل السالب والموجب و يُتم تعريف الفرد من خلاله ولا يكون كناية عن برنامج *متفاني* لمواقف أنيّة تخدم وحسب نظام إقتصادي سياسي يدّعي السمو لخدمة الإرث ولخدمة الولاء الأتوماتيكي الإقتصادي مثلما يعيش الإنسان اليوم بكافة دول العالم وبالأخص دول العالم المتقدم ذات الإقتصادات القوية والناضجة وهذا لم يتغير منذ سنين طويلة وفي المثال الإقتصادي لا شك أن الفرد هناك يلعب دور ملتزم لكنه دور ترويجي محكوم بقواعد السوق وبالتالي سيكون من الصعب فرديا التفكير بإعادة صياغة النظام بشكل أعمق وأكثر حرية بسبب الغطاء الإعلامي والمرئي الهائل اللذين يطغيان على كافة رغبات هذا العصر وبسبب أن الماكينة الإقتصادية لديها قوة طاحنة ومغرية بذات الوقت لا تترك مجال للفرد إلا أن يمشي مع نوعية الحياة المتاحة ومن هذه الزاوية تحديدا يستمد النظام الإقتصادي قوته واستمراريته .
ولكي لا أُفهم خطأ هنا وأكون واضحٌ جليٌ .. لم أقصد بالأخلاق في كل ماذكرته
المعنى الرمزي لفعل الخير ، أو الإلتزام بالولاء لقِيم مجتمع ما تقيس أخلاق المرء من خلال قدرته على ترويض حاجاته الغريزية الأساسية بما يخدم مصلحة المجتمع إذ لا علاقة بين الغريزة وجوهر ما نتحدث به إذا كان غرضنا عدم الإيذاء أو عدم التعدّي على الأخر ، وإنما ما أعنيه هو الوفاء في اختيار الوسائل الأكثر إبتكاراً في محاولة التغيير الإيجابي من خلال ألية ذاتية الدافع والإلتزام بها وهذا يحتاج بالضرورة لنضج وفهم عميقين لتقلبات ذواتنا كما يتطلب بحث مستمر عن هويتنا كأفراد ، بهذا المعنى يصبح من غير الممكن أن يكون الشخص الغدّار المُخادع شخصٌ أخلاقي ذلك لأنه بعيدٌ عن الإيجابية بشكل كامل وهو سلبي تماما لأنه يتسبب بالأذية
إذاً *الأخلاق الحرة *لا تنبع من المعاناة والسعي إلى الفضيلة بل تنبع من الإدراك والعُمق الذي يملك القدرة على خلق اللحظات الخاصة والسعيدة ، كما أنها لا تصدر من قرار فردي بقدر ماهي منظومة فكرية تحاول أن تعي قرارها وتتحمل مسؤولية ذلك القرار بشكل واعي ومستقل ومن هنا تأخذ شكلها الحر ، لدينا مفهوم الصداقة كمثال قريب بعيد بذات الوقت فمثلا ربما لا تشعر بمشاعر عاطفية حارة تجاه صديقك المقرب كالتي تشعر بها تجاه عائلتك وأشقائك لكنك تشعر بثقة كبيرة تجاهه لا تلمسها بأخرين تشعر بعاطفة محبة تجاههم ومن جهتك كصديق عليك أن تتحمل مسؤولية تلك الثقة
فهنا تفهم نفسك بأنك لا تفضل الشخص الذي تحبه على الشخص الذي تثق به لأن الثقة بين الأشخاص شيء نقي وخاص جداً وذو قيمة كبيرة للحياة قد لا يتواجد بين أشخاص يحبون بعضهم عاطفياً فتجدهم يجرحون بعضهم في مواقف أو حوارات عديدة سطحية ، بينما الأشخاص الذين يثقون ببعضهم سيخجلون من فعل التجريح قدر الإمكان لأنهم يحترمون ثقتهم وبالتالي يحترمون حرية قرارهم تجاه تلك الصداقة
*
بالتأكيد الأخلاق النملية متفانية وصارمة وتهدف لبقاء النوع واستمراريته غريزيّا ولكنها ظالمة للوعي الذي يريد أن يفكر ويحلم ويحترم المواهب ، إنها ظالمة حقاً
السلوك الميكانيكي خُلق للألات وليس للبشر
مثلاً عندما أدخل للمتجر هنا في فرنسا وأرى الشبان والشابات يعملون
لمدة ثماني ساعات خلف الشاشات ليحسبوا أسعار البضائع للزبائن أمثالي ، ثماني ساعات يعيشون حالة إنغماس كامل مع الأرقام عندها أفكر كيف سيكون عقل كل واحد منهم عند انتهاء وقت هذا العمل الألي الأتوماتيكي!
بالطبع هم يحتاجون هذا العمل كي يقاوموا ويمرحوا في نهاية الإسبوع وأنا بدوري أقول أن هذا العمل يصلح للألات ولا يليق بالبشر هم يعملون بمنتهى الأمانة والإلتزام لكنه عمل ظالم ولا يطوَر الفرد بل ينهكه نفسيا
ومثال المتجر ينطبق على سائقي الحافلات في فرنسا مثلا فسائق الحافلة لا يتحدث مع أحد إلا للضرورة فهو يعمل ثماني ساعات بتفاني وكل يوم تقف حافلته أمام عشرات الإشارات المرورية بينما ينتظر أن تفتح الإشارة ليكمل طريقه فعلاً هذا عذاب من نوع خاص ، أتخيل يوم ما أن يكون هناك حافلات بدون سائق وليذهب ذاك السائق ليتعلم الرسم أو العزف على أي ألة موسيقة أو أن يتمشى جانب النهر أو أن يكون سائق فورمولا 1 إذا كان يحب القيادة
ممكن أن يقال أن أعمال المتجر وسائقي الحافلات هي أعمال أصحاب عديمي المواهب ممن لا يملكون مهنة مميزة تدر مالاً ولكن الواقع أن *عديمو المواهب* هم كذلك لأن ليس لديهم الوقت كي يسألوا أنفسهم بثقة عن الأشياء التي يحبونها فعلاً أو عن الأعمال التي يحبون القيام بها والتي هي بعيدة عن بحثهم الذاتي وتقتل الرغبة داخلهم الرغبة التي هي هويتهم الحقيقية كأفراد
والحقيقة هي أن ليس الوقت هو من لا يسمح لهم بالبحث عن أنفسهم وإنما طبيعة الحياة المرتبطة عضويا بالنظام الإقتصادي وتوزيع المال العام الذي يحدد كيفية سير الحياة على مدار الإسبوع وهو الذي يصنع اولئك الناس ويحدد طريقة تفكيرهم
وإذا أردت أن أتناول أمثلة من صلب البنية الإجتماعية القبلية تكون أكثر التصاقاً وتأثيراً على بناء الفرد ووعيه فسنجد أنفسنا أمام تساؤلات متفاقمة حول جوهر حديثنا فالمغزى الأخلاقي يتغير وفق متطلبات وظروف كل مرحلة تاريخية
فمثلا قطع رؤوس البشر المخالفون للقوانين والشرائع عن طريق الفأس عند قبائل الغال مثلا أو عند قبائل مطلع الحضارة يُعتبر أمر طبيعي منفصل بشكل كبير عن أن الشخص الذي يقطع الرؤوس أو يأمر بذلك ممكن أن يكون نجمٌ أخلاقي بالمعنى الفروسي بنظر قومه في كثير من القضايا الأخرى
كما نجد عند المجتمعات الشرقية أو العربية على وجه الخصوص بأن النظرة إلى الشخص الأخلاقي أو المحترم مثلاً لا يتم إسقاطها على كيفية نظرته أو تعامله مع المرأة لأن المرأة إلى منتصف القرن الماضي عالميا وإلى الأن في غالبية المجتمعات الشرقية والعربية تمثل إشكالية كبيرة بوصفها عورة ترتبط الكثير من معاني الشرف والنخوة بشخصها فربما نجد شاب ينتمي لتلك المجتمعات العربية ذو سمعة طيبة وسلوك في غاية اللطف والتهذيب يقوم بذبح شقيقته وحتى التنكيل بها لمجرد رأها تسير في الشارع ويدها بيد شاب غريب ، منذ أشهر ضُربت فتاة بالأردن من قبل ذويها حتى كُسر عمودها الفقري ومن ثم ماتت وذلك بسبب نشرها صور مع خطيبها على الفيسبوك !
صدقوا هذا يحدث الأن في القرن الحادي والعشرين من قبل أناس طبيعيين ودودين لا يقومون بأي سلوكيات شريرة في الوضع الطبيعي لكنهم يتصرفون بمنتهى الوحشية لأسباب لا يمكن التفكير بأنها من الممكن أن تسبب أي ضرر
هذه الأمثلة وغيرها تقودنا لنتيجة بأن فكرة الأخلاق بمعناها البشري هي إحتمالات فكرية تبحث عن أدوار مناسبة كي تفرضها على الواقع الوجودي للإنسان
وهي ببساطة أن يكون لديّ قدرة كفرد على أخذ القرار وقدرة مماثلة على إحترام القرار وإدراك الأشياء من خلاله
وعندما يتفاقم السؤال الأخلاقي يتبدّل تدريجيّا لينظّم قوانين ذاتية حرة نفسيّا تتسبب بالحصول على قدر من المتعة والجمال
والحقيقة هي أننا لن نتوقف عن محاولاتنا السردية المتعلقة بفلسفة المصطلحات
لكي نكون قريبين من الشكل الذي تهفو إليه طباعنا
من حق الناس عموما أن يكونوا شيء أخر غير الذي فُرض عليهم ، أن ينتقلوا من الإلتزام بالأخلاق *النملية الإقتصادية * إلى الأخلاق الحرة *الذكية *
ممكن أن يُقال من خلال ما سلف أن طبيعة الحياة هكذا أي أنها ليست عادلة
طيب هذا صحيح ولكن ما المطلوب فعله حيال ذلك أن نقول اوكى الحياة ليست عادلة وكفى ، أعتقد أنه بالإمكان تجاوز هذه النتيجة لبعض الوقت والغوص أكثر بتعقيدات التركيبة الذهنية المُسقطَة اجتماعياً وسلوكيّاً والتي تنعكس على غالبيتنا بالسلب وبتنغيص لحظاتنا الجميلة التي من حقنا التمسك بها والتمسك بها هو تكريس لمبدأ إبداعي ومستقر ، نحن لا نتحدث عن القرار الأخلاقي من منطق تنظيري لأنه إذا كان كذلك فإنه لا يوجد أي دور يلعبه هذا القرار وبالتالي لا أهمية لوجوده ، وإنما نتحدث هنا لنحاول تكريس قناعة متعلقة ببناء المشروع الشخصي الناضج –الأخلاقي- بطبعه .
بالمحصلة نحن لا نتحدث عن صدأ الأخلاق الفروسية بل عن سوء استثمارها اقتصاديّا وعقم الحديث عنها في ظل هذا الإستثمار.
في احدى المدن المكتظة بالسيارات حصل أن طلب شاب لطيف من رجل مسن رأه ماشياً أن يقلّه بالسيارة بدل من أن يكمل طريقه سيراً على الأقدام
فأجابه المسن : شكرا لك على العرض لكني لا أستطيع لأني أريد الوصول بسرعة فأنا على عجل من أمري .. !!
في أحيان كثيرة توهمنا الحضارة بعكس ما نريده
وموضوعنا غير موجّه للأذكياء وحسب إنما للذين يؤمنون بأن خيارهم هو الأصدق والأكثر جدارة هؤلاء هم الأخلاقيون ...



****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان