الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط الايدلوجيا

علي فايز الحج

2020 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


حصل ما يشبه الاجماع الى ان الايدلوجية بالتعريف هي : منظومة من الافكار المرتبطة اجتماعيا بمنظومة اقتصادية أو سياسية أو عرقية تعبر عن المصالح الواعية لهذه المجموعة على شكل نزعة مضادة للتاريخ ومقاومة للتفكير ومفككة للبنيات .
ولكن قد اختلف العلماء فيما بينهم على دور الايدلوجيا في إحداث صيرورة تاريخية في المجتمع ككل ومدى انعكاسها على الواقع الخاص بكل مجتمع , بمعنى هل تتوافق الايدلوجيا مع البنية الاساسية الخاصة بكل مجتمع ؟
إن الايدلوجيا وفق هذا التعبير لابد أن تكون متبناة من قبل كتلة بشرية على دراية واسعة بالخصائص الاساسية للمجتمع ومدى علاقتها به .
والايدلوجيا قد تكون ما هو علمي او فكري او طبيعي . وقد بدأ ظهور مصطلح الايدلوجيا مع بداية القرن الثامن عشر لتعبر عن حركة النشاط الفكري الفلسفي المتزايد في اوروبا بين المدارس الفكرية الفلسفية ومع بروز حركة التأليف والكتابة بين مختلف علماء اروبا وبذلك تكون الايدلوجيا وصفا لكل نتاج فكري جديد. و مع تعدد المدارس الفكرية الاوربية وظهور توجهات لدول كبرى في اعتناق فكر مدرسة ما , كان لابد من تعميم هذا المصطلح الجديد ليشمل كل الناتج الفكري, الفلسفي, السياسي , الاقتصادي الخاص بها ولهذا ظهر لنا مصطلح ايدلوجيا ليبرالية , ايدلوجيا اشتراكية , ايدلوجيا رأسمالية , ايدلوجيا ماركسية .
وبما أن اوروبا في القرن التاسع عشر اصبحت هي قلب الحراك الادبي الفلسفي العالمي وموطن الفكر من جهة ولكون الدول الاوربية قد استعمرت العالم منذ بداية القرن الخامس عشر فكان لابد ان ينتقل هذا المصطلح الى بقية العالم .
أخذ مصطلح الايدلوجيا ذروة انتشاره مع انتصار الايدلوجيا الماركسية- الاشتراكية في عام 1917 بعد انتصار الثورة الروسية وقيام أول دولة بنظام اشتراكي - ماركسي مع اضافة تعديلات تنفيذية وصفت بالشيوعية اللينينية . هذا الارتفاع في المعدل الانتماء الايدلوجي في شرق اوربا قابلها ارتفاع آخر في العالم الجديد وهي الايدلوجيا الرأسمالية في الولايات المتحدة الامريكية , وقد تصاعد هذا الانقسام بين الأيدولوجيتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط ايدلوجيا العرق المتفوق ( النازية - الفاشية ) ولكن هذه الهزيمة كانت ايضا نهاية التفوق الاوروبي سياسيا وعسكريا , وعليه تبعت نهاية الحرب العالمية الثانية ظهور حركات مقاومة شعبية تحررية مؤدلجة استفادت من الانقسام بين الأيدولوجيتين لتؤسس بعد ذلك دولا مرتبطة بالمعسكر الاشتراكي السوفييتي أو المعسكر الرأسمالي الامريكي وقد كان بعضها ذا وجه ديني ظاهري لكنه متحالف أو جزء من المعسكر نفسه ( السعودية كانت تستخدم الايدلوجيا الدينية لمواجهة الانتشار الايدلوجي الماركسي في الدول العربية ) .
لقد كانت الحياة السياسية في معظم دول العالم انعكاسا للحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي ( الولايات المتحدة الامريكية ) والمعسكر الاشتراكي ( الاتحاد السوفييتي ) وقد أخذ شكلا دمويا في بعض الدول ( انقلاب السودان الدموي , حرب فيتنام , الثورة الكوبية ) , لكن خضوع الايدلوجيا الماركسية الاشتراكية الى انظمة عسكرتارية منعت من إحداث تطوير فكري لهذه الايدلوجيا مما أبقاها حبيسة أفكار القرن التاسع عشر والعشرين , الامر الذي سبب ضعفا بنيويا في أساسيات الايدلوجيا جعلها غير مقبولة ومنفرة للكثير من سكان المعسكر الاشتراكي الماركسي وهذا ما اكدته نهاية الاتحاد السوفييتي واستقلال دول اوروبا الشرقية بطريقة دراماتيكية شكلت هزيمة نكراء لتجربة الحكم الايدلوجي الماركسي الاشتراكي .
في الجهة الاخرى حدث تطور كبير في المفهوم الايدلوجي للرأسمالية والليبرالية , فلم تعد تلك هي ذاتها افكار القرن التاسع عشر بل حدث تغيير على مستوى المفهوم وعلى مستوى التنفيذ خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة الاعمار في اوروبا وبعد الازمة المالية في الثلاثينيات وحرب فيتنام في امريكا .
هذا التغيير والتطور ادى الى ظهور مفاهيم جديدة مثل ( الحداثة , ما بعد الحداثة , العدمية , نهاية التاريخ ) حيث أجمعت هذه الأيدولوجيات الوليدة على قدسية الذات البشرية وإعادة صياغة للفلسفة اليونانية القديمة المتعلقة بأن الانسان الفرد هو محور الحياة .
وسواء ( الحداثة , ما بعد الحداثة , العدمية , نهاية التاريخ ) جميعها صبت في خدمة الانسان الفرد وحاجاته ولذلك شاهد العالم في فترة السبعينات الى الالفية الجديدة توجها عند مختلف الاحزاب السياسية في اميركا واوروبا الى الاهتمام الشديد بالحاجات الشخصية للإنسان الفرد ورفاهيته في مقابل الايدلوجيا الشمولية التي تقدس الفكرة على حساب الانسان.
وهنا اصبح واضحا ان الصراع تحول من صراع أيدولوجيات الى صراع بين الايدلوجيا والانسان الفرد , فلم تعد الفكرة او الايدلوجيا تمنح الانسان هوية أو قالبا محددا بل العكس أصبح الانسان الفرد هو من يغير الايدلوجيا أنى دعت الحاجة لذلك , ولم تعد الافكار هي محرك الشارع بل الفرد هو المحرك , فأي حادث عنصري او جريمة كراهية كفيلة بأحداث فوضى شعبية وانقلاب فكري كبير في المجتمع الحداثوي أو ما يعرف ( مجتمعات الانسان الفرد) أو ما بعد الايدلوجيا .
للأسف وحده العالم العربي يقع في حالة سكون وخمول حضاري أي في خانة اللازمان وبقيت مجتمعاته حبيسة الفكر القروسطي الديني وفي أفضل الاحوال حبيسة فكر القرن التاسع عشر ( القومية , العرقية , الاشتراكية ) وهذا ما يجعل من حياة الانسان العربي بلا قيمة في مقابل مصطلحات ( القومية , الدين , الوطن , الطائفة ) .
هذا الانسلاخ عن الحضارة يدفعها الانسان العربي من صحته النفسية بداية ذهابه وانخراطه بالمجتمعات الغربية فهو حتى اللحظة لم يكون لنفسه هوية ذاتية تعبر عته وتجمع شتاته , فترى في المجتمعات العربية وحدهم الاصوليون من يتصدر المشهد سواء ( الاصوليين الاسلاميين أو اليساريين او العلمانيين ) , هذه الاصولية تشكل بنية تحتية لأي انهيار اجتماعي أخلاقي ممكن بعكس المجتمعات الغربية التي يحدد فيها الفرد هويته بكل حرية فترى اللادينيين يحترمون المتدينين لأن لديهم قناعة كافية بأن الدين علاقة شخصية أو حالة شخصية تتعلق بالإنسان الفرد نفسه وحريته الشخصية .
في تلك المجتمعات نادرا ما تسمع عن أحد يتحدث عن دينه أو قوميته أو طائفته بأنها هي الافضل حول العالم ( لاشك بأن هناك فئة عنصرية لكن لا تمثل السمة الغالبة للمجتمع كما هي الحال في المجتمعات العربية ) و شكل العلاقة بين الانسان الفرد في اوروبا واميركا بحكومته قوية طالما هذه الحكومة قادرة على تلبية كافة الحاجات الشخصية للفرد , فالإنسان الفرد في هذه الدول لا تهمه الخلفية الايدلوجية للحزب او الحكومة او الشخص الحاكم طالما انه يمتلك قدرة على منحه شعور الاكتفاء لكل حاجاته من تعليم عال ونظام صحي متكامل وعمل بأجر عال وهذا الامر جعل الخط البياني للانتماء الايدلوجي في انحدار , بينما في المجتمعات العربية لاتزال العلاقة بين الحكومات وشعوبها علاقة أبوية فهي وحدها من تحدد مصالح الشعوب وعليه فأن الخط البياني للايدلوجيا في ارتفاع ( الديني , القومي خاصة ) بهدف استقطاب جماهيرية واسعة ولهذا من الطبيعي جدا ان يغفر العربي لحكومته الفاسدة طالما هي حكومة دينية او قومية .
المؤسف أن العالم العربي- الاسلامي وحده فقط من يقبع في هذه الحالة السكونية حيث لا قيمة للفرد في مواجهة الايدلوجيا وهذا أحد اسباب التخلف الحضاري .
الحضارة بدأت بالإنسان ومن غير المعقول أن تكون نهضته على حسابه هو ولذلك لابد من إقامة صلاة الميت على الايدلوجيا كضرورة للتقدم الحضاري وأعلاء من شأن الإنسان الفرد كحاجة ملحة للتطور والتقدم .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي