الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك بين حلم جزائر الغد ومخاوف السقوط في الدولة الاسلامية (الجزء الثاني)

مصطفى صامت

2020 / 7 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حينما تقرأ الاسلام من الناحية التاريخية دون مكياج وتغليب العاطفة الدينية ستنتهي الى قناعة واحدة لا ثانية لها، وهي أن الاسلام المحمدي الذي وحد بين الاتباع إنتهى في نفس اليوم الذي مات فيه نبيه، حيث تركه المسلمون لثلاثة أيام دون دفن - حسب كتب السيرة - فقط لانهم كانوا منشغلين في السياسة وفي خليفته، وستدرك كذلك أن الصحابة أنفسهم لم يحتكموا الى الشريعة بل إجتهد كل واحد بعقله حسب قناعته ومصلحته وما يراه صحيحا، وكل هذا يوم إنقسم المسلمون الى قريشيين وأنصار بعد "مؤتمر" سقيفة بني ساعدة، أما بعد واقعة الجمل (قتل فيها 17 الف مسلم) وصفين (قتل فيها 70 الف مسلم، ) اللتين إنقسم المسلمون فيها الى شيّع ،مذاهب،طرق ، مدارس وأفكار فلم يعد حتى التفكير في إمكانية اتفاق المسلمين حول نفس الفكرة أمرا ممكنا .

في جزائرنا ورغم أنها خالية من الطوائف الدينية تقريبا، الا أن الاباضيين عند اغلب السلفيين هم "خوارج" ، في نفس الوقت فإن أتباع الصوفية والاخوان حسب فتوى زعيم التيار المدخلي، الشيخ فركوس، هم ليسوا من أهل السنة والجماعة، بتعبير آخر هم ليسوا من درجة المداخلة كي لا نقول كفار، والجزائري الذي على اسلام الاخوان نراه اليوم يحارب في الوهابية والمداخلة ...

وكل هذه الجماعات في صراع عقائدي قديم ضد الشيعة... هذا رغم أن كل هؤلاء في نفس طائفة المسلمين فقط فما بالك بالعلماني، المسيحي، اللاديني والملحد ... فأي من هؤلاء يكون له الحكم يجعل من خصومه أذلاء أو مواطنين من الدرجة الثانية إن لم يقم عليهم حد الردة إمتثالا لعقيدته .

ومن هنا جاء التفكير في العلمانية كحل لجمع كل هذه النِحَل والفرق في مجتمع واحد توحدهم المواطنة التي تقف دولة المؤسسات فيها على نفس المسافة بين كل المواطنين مهما إختلفت افكارهم الدينية والسياسية ، فالدولة العلمانية (العلمانية المعتدلة وليست الاصولية) تحمي الوهابي وتصون له حريته في إقامة دينه وارتداء قميصه ولحيته وتعاقب أي معتدا يريد أن يفرض الحاده او مسيحيته عليه ، كما تعاقب ذلك الوهابي اذا حاول فرض أفكاره المذهبية على غيره او منع من ليس على مذهبه في اقامة شعائره .

هذه الدولة المدنية العلمانية هي التي جعلت المسلمة المحجبة "حليمة يعقوب" تصل الى منصب رئيسة الدولة بسنغافورة ذات الأغلبية البوذية، وهي التي جعلت حكومة أردوغان الاخوانية تصل الى الحكم في تركيا أتاتورك ، وهي من تجعل المسلمين على اختلاف مذاهبهم يهربون من أنظمتهم الاسلامية بدولهم ليجدوا كل حريتهم في ممارسة طقوسهم في الدول الغربية العلمانية ...

فإذا كان هناك نموذج سياسي لدولة اسلامية يحمي ويصون حرية بقية المواطنين على اختلاف أفكارهم ويجعل منهم مواطنين من نفس الدرجة فمرحبا به .
لكن الواقع شيئ آخر فهذا يوسف القراضاوي وهو من كبار المنظريين للفكر الإخواني يقول عن المواطنة والديمقراطية:
" ليس بمجتمع مسلم ذلك الذى تتقدم فيه العصبية الوطنية على الأخوة الإسلامية حتى يقول المسلم وطنى قبل دينى .... وأن دار الإسلام ليس لها رقعة محددة ( كتابة ملامح المجتمع المسلم الذى ننشدة،مكتبة وهبة ، 2001 ص 86 ، 80 )

وعن مفهوم المواطنة يقول " فى واقع مصر والعالم العربى .. شجع المستعمرون النعرة الوطنية هادفين إلى أن يحل الوطن محل الدين وأن يكون الولاء للوطن لا لله وأن يقسم الناس بالوطن لابالله ، ان يموتوا فى سبيل الوطن لافى سبيل الله.." (كتاب الإخوان المسلمون، مكتبة وهبة ، 1999، ص 19 ، 20 )

و يقول الاخواني محمد بديع : " لا نقبل أن ترتفع أصوات المواطنة والديمقراطية على صوت الدين والشريعة لان الديموقراطية هي زواج المثلين والوحدة الوطنية هي زواج المسلمة بالمسيحي "

سئل مراد دهينة وهو الرجل الثاني في تنظيم رشاد الاخواني عن تعاملهم مع قضية تجارة الخمور في الجزائر في حكمهم الراشد، قال أنه اذا صوتت اغلبية الشعب لإلغائها نلبي طلب الاغلبية!

ونتسائل هنا كيف يمكن للجزائري الذي يقصد حانة الخمور بإرادته وماله الخاص أن يزعج الجزائري المسلم المتعبد في مسجده ؟

و إذا كانت الديمقراطية هي إنفراد الأغلبية بالحكم وفرض منطقها على بقية الأطياف أو الأقليات فما هو الفرق بينها وبين الحكم الديكتاتوري الشمولي، الذي يفرض رأي جهة ما، أغلبية كانت أو أقلية (رأي الحاكم ، الملك)، على الجميع دون حق الرفض والإنتقاد ؟ وكيف يكون الحكم الاسلامي أفضل من حكم المؤسسة العسكرية وواجهتها المدنية الذي نحن فيه اليوم ؟

وهل من الديمقراطية أن تفرض رئيسة دولة سنغافورة المنحدرة من الاقلية المسلمة ( 15 %) شريعتها على الاغلبية البوذية وهم كفار بالنسبة الى دينها أم أن العلمانية عند الاسلاميين محبوبة في الدول التي يكون فيها المسلمين اقلية لأنها هي من تحميهم ومنبوذه في الدول الاسلامية من أجل اخضاع وتذويب الاقليات غير المسلمة ؟

اذا كانت العلمانية على هذا النحو فلما كل هذا التوجس منها في الجزائر ؟
بل ان السؤال الجوهري هو: هل لدينا علمانية في الجزائر ؟
أولا يجب أن نتفق على فكرة، كثيرا ما تغيب على الناس، وهي أنه لا يصلح القول بأن فلان علماني، لأن العلمانية مجرد نظام سياسي وإداري يخص القوانين وممارسات المؤسسات وليس الانسان الذي لا يمكن له أن يكون دون توجه ما ، اما ديني أو ايديولوجي، وبهذا فهو بعيد عن الحياد وغير مُطالب بأن يكون كذلك، المطلوب منه هو احترام قوانين الدولة العلمانية .

ثانيا أغلبية دعاة العلمانية في الجزائر يقصون الاسلاميين من المواطنة ويرون أن الجلوس معهم في نفس الطاولة يجعل منك ارهابي حتى ولو كنت على غير عقيدتهم ! فهذه إذا علمانية أصولية اقصائية لا تختلف عن تطرف الإسلاميين الذين يكفرون العلمانيين، فهذا يقصي بإسم الدين وذلك بإسم الايديولوجيا ، ففكرة العلمانية المعتدلة التي يمكن لنا تقنينها مع الطبيعة الجزائرية لخلق علمانية جزائرية لازالت فتية وتحتاج على مفكرين للتنظير لها .

وما نحن بحاجة اليه اليوم هو عقد إجتماعي يفرض على الجميع إحترام حد أدنى من المبادئ نابعة من فكرة أن الجزائر شارك في تحريرها الجميع ، المسلم والمسيحي، الاسلامي، العلماني، الشيوعي ... وبهذا فهي ملك الجميع، والسلطة تكون حسب البرامج التي تخدم الدولة ومصلحة جميع المواطنين كمواطنين وليس كمناضلين أو اتباع أو مؤمنين.
يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ


.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا




.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟