الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصانُها الجامح... قصَّة قصيرة

مديح الصادق

2020 / 7 / 11
الادب والفن


لا ترمِ المرأة، ولو بزهرة. من قالها مجنون فعلاً، أو نصف مجنون؛ إما أنه شاعر حالم، كما هم الشعراء في خيالهم سارحون دوماً، أو عاشق مهووس استنفذ الحيلة في أن يستميل من أحبَّ؛ فألقى الخطاب في حضرتها كما يُلقى الطعم لأسماك النهر أو البحر، تمهيداً لأسرها، ثم بكلِّ ما توفرت لديه من قيود تسنَّى له تكبيلها، والأمر سهل، فلكلِّ قيد ما يبرِّره، وتحت عنوان واحد تندرج جميعها، أعراف المجتمع، تقاليد العشيرة، شرائع الدين، وحينذاك لا تكفيه زهور حديقته ليقذفها عليها، بل يستحضر كلَّ قواميس الألفاظ التي تحطّ من قدرها، أصلية كانت أم مُعرَّبة، وقد يكون طوق نجاة له اعتراضها؛ فيمين الطلاق جاهز مثلما الزوجة الأخرى جاهزة، وإن تعدَّدت النساء فلا ضير، إن كنَّ وفق العدد المسموح، وصاحب الشأن بمال الحرام أو الحلال محشوٌّ جيبه، وبالعقاقير مُستعين.
بامتعاض ما كانت به تقرأ عنها أزاحتْ، جسدَها ألقتْ على سريرها الناعم المُعطَّر كما كان ليلة عرسها، وكلّ شيء كما كان حولها، الليلة خلاف باقي الليالي، اكتملت زينتها، البدلة الأنيقة التصقت بالجسم، شعرها الطويل الأسود الفاحم قد داعب ما تحت العجيزة منها، ووجهها الحنطي، للسمرة مائل؛ جماله الطبيعي أغناها عن الإيغال بصبغه، سندانة اللبلاب تسلقت قضبان الشرفة حتى باتت تشبه لوحاتها التي تحاكي الطبيعة في ألوانها، أمامها على الحائط الصورة التي يحتفظ بها الأزواج مدى العمر، ليلة زفافهما، البدلة البيضاء لم يزل ناصعاً بياضها، صناديق الهدايا التي رصفت حسب تواريخها، صندوق الموسيقا وما فيه مما كان بأيام جنون العشق يُذكِّرهما، في الركن الآخر أنواط، نياشين، باجات، دروع تكريم، وعلى كلّ منها تأريخه والمناسبة، ذاك لمهرجان شعر كانت فيه مُميَّزة، هذا لمعرض فني تألقت فيه، ففازت لوحاتها، الآخر يوم الشهادة العليا بامتياز حصدت، وهنا درع تكريم لامرأة في مجال حقوق المرأة كانت ناشطة، ألا يكفي كلّ هذا زوجاً، إن كان عاقلاً؛ كي بها يفاخر، وبما نالت يرفع رأسه؟ أهملت السؤال فهي مقدَّماً أدركت جوابه، ومن يُدرك الجواب لا يعنيه سؤاله.
أيا جسدي الفاتن، ويا شعري الطويل، وصدري الناهد، أيها الوجه الذي به تغنّى الذين لم يكتموا ما أثار عندهم، مَنْ غزلاً كتب القصائد في طرف خفيَّ لكَ مُلمِّحاً، أو مَنْ، إعجاباً، رسم اللوحات التي من تقاسيمك اقتربت، والأوقح من هذا وذاك عميد الكليَّة ذو أثمن ساعة، وأنواع الخواتم، بالمسبحة الطويلة التي بالفضة قد رُصِّعت، وعلى جبينه آثار تعبِّد قد وُسمت؛ إذ عرضَ التعيين عليك مقابل أن له تستسلمي، وما الأمر صعب؛ فلكلِّ ما يصعب مخرج، وهو ذو شأن لدى أحزاب السلطة التي تتحكم بأدق التفاصيل.
أمّا أنتِ، أيتها المسكينة الجائعة التي ما لذَّ وطابَ من أصناف الطعام تحيطها، لا باقة فككتِ، ولا رغيفاً قد ثلمتِ، العروض على الشاشة ازدحمت، والصوت فيك يصرخ من أعماقك، والبركان يستعر، الرغبة الجامحة التي يغذيها ما عنه تبحثين في محطاتك، أو ما تثيره فيك أحاديث ذوات الأزواج من زميلاتك، وما به يُلمِّح المُعجبون من أصدقائك، ماذا بوسعها أن تفعل، ابنة حواء؛ إن هي ما بين السندان والمطرقة انحشرت؟ الزوج لعوب، فُتحت له الأبواب كعجل حبله على قرونه، الكسب الحرام قد أغناه بعد فقر، وقد استبدل القميص الذي رقَّعته له يوماً، والياقة التي على البطانة قد قلبتها؛ بفاخر اللباس، وأنواع المركبات والحماية، والجواز الدبلوماسي، وحسب ما به يسمح الشرع تعدَّدت زوجاته، والعشيقات؛ فكان نصيبها هي الهجر، ومن كل ما هو من حقها قد حُرمتْ، وكم من ليلة حتى الصباح على كل الجهات تقلَّبتْ!.
أمام خيارين هي الليلة، صبراً لا تطيق بعد اليوم، الاستسلام لما به حُكِمت من زوجها الذي رفض الطلاق، ناهيك عمّا به مُقيَّدة ممّا حولها، أو إعلان الثورة، حصانها الجامح صائل بانتظار أن تُطلق عنانه، وإذ ذاك يُحطِّم السواتر، والعوائقَ يرفس، الفارس عند الباب يعدّ الدقائق مُحكِماً لاثنين سرجَه، وهي على وجه الكمال قد جهَزتْ، وما لهذا اليوم ممّا خفَّ حمله قد أحضرتْ، وليكنْ ما يكون بعدها، ساعة الصفر قد أزفتْ.
دورة الوداع دارت بغرفتها، دسَّت الألبوم فيما حملتْ، ساخناً كان دمعها، والغصَّة ما فارقتْ صدرها، يداً مدَّتْ تفتح الباب، ونحو صورة على الحائط جيدها لوَتْ، الباب ها قد فُتحتْ، الطبل يُقرَع، والأغاني، الكيكة والشموع قد أُشعلتْ، ثلاث نغمات سوبرانو صدحتْ: عيد ميلاد سعيد لك يا ماما، (هبي نيو يير، ماما)...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه