الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح نبش في الأسس

محمد الرحالي
باحث في الترجمة والأدب والسينما

(Mohammed Rahali)

2020 / 7 / 11
الادب والفن


لا شك أن أبا الفنون لعب دورا مهما في صياغة شخصيته الأدبية حتى سمي بذلك ووقف عند المركز ليجد نفسه مساهما في تنمية الذوق الأدبي والوعي الجمالي ، ولئن كان المسرح العالمي قد شهد طفرات مختلفة وإرهاصات بدأت مع المسرح الإغريقي الذي كان يعد مؤسسة إدارية تابعة للدولة المدينة ثم سيشهد طفرة مع المسرح الروماني وعصر النهضة في أوربا الغربية الشيء الذي شكل انطلاقة قوية للخطاب المسرحي في إيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول ، لكن التيارات العامة التي برزت في خضم هذه التجارب الحديثة أغنت المشهد بشكل كبير أعقبه بروز تيارات مسرحية كبيرة أهمها المدرسة الرومانسية التي قامت على تكسير الوحدات الثلاث التي كان أرسطو قد اشترطها متجلية في وحدة الحدث والزمان والمكان ، ولا يخفى علينا عودة هذه المدرسة للطبيعة وفضائها باعتباره الأصل هربا من فساد المدينة لكن الرومانية المسرحية زاوجت بين الدراما والكوميديا وكان ذلك عاملا مهما في تنوع النص المنتج ، ثم انبثقت المدرسة الطبيعية التي كان لإميل زولا الفضل الكبير في بروزها وقيامها على التجريب وإعادة التجسيد لفهم السلوك الإنساني ، فيما قامت الرمزبة على البعد الداخلي للشخصيات ورمزيتها متجاوزين المظاهر الخارجية واعتماد اللامسرح من خلال تغليب الروحانيات والتمرد على الواقع المادي ، المدرسة التعبيرية قامت كذلك على أسس تعبيرية تجلت في تغليب الانزياح والمبالغة في الشكل ، وعلى غرار الرومانسية قامت المدرسة الدادية على أساس الثورة على الواقع المعيش من حروب ودمار والعودة للمبادئ، فيما شكلت السريالية حركة متفردة في ضوء قيام المسرح المتكامل وقامت على أساس فني سيكولوجي يستلهم التراث الفرويدي ومحاوره الأساسية كاللاشعور والحلم والعقل الباطن لأنه الأكثر تعبيرا على الواقع الإنساني ،فيما مجدت المدرسة المستقبلية المستقبل والحداثة والتي عملت على توظيف المسرح للتعبير عن انتظارات المجتمع والوعي بمهام المستقبل ، ويعد مسرح التغريب مع بريخت طورا مهما من النزوع بالمسرح إلى اللاواقعية واعتماد الفقر الدرامي من خلال " المسرح الفقير الذي يخلو من الديكورات المترفة ويستند تقنيا إلى استخدام السينما والأجهزة العارضة واللافتات الإشهارية مع التقريب بين المشاهد القصيرة ، ومزجها بتدخلات خارجية"1، ما جعل مسرح التغريب طفرة وثورة مسرحية أخرى كان عمادها الاعتماد على الملاحم عوض النصوص الأخرى المسرحية العادية ، ومن تلك التيارات مسرح أرطو أو المسرح المرضي الذي يعتبر المسرح وسيلة لعلاج المجتمع المريض ، فيما برز مسرح اللامعقول في مطلع القرن الحادي والعشرين مدمجا المسرح الدادي والتغريبيي ومنطلقا من لامعقولية الحياة ليعيد تشكيل النص المسرحي .
و لا شك أننا محتاجون في بداية النبش في أسس المسرح إلى اعتماد الحديث عن المسرح باعتباره جنسا أدبيا ونصا مكتوبا يقوم على الشخصيات وأقوالها وإرشادات تبين تموقعها والديكور والإضاءة والإخراج وغيرها ، ثم هناك العرض المسرحي الذي يقوم في الأساس على الأداء والتجسيد أو ما يسمى الركحنة أي نقل النص المسرحي نحو الخشبة وإخراجه لحيز الوجود ، فدعائم "المسرح ثلاث : المؤلف والممثل والجمهور ، وإذا فقد إحداها انهار "2، بالتالي فالجمهور طرف مهم لأن العرض يهدف لربط علاقة بالمتلقي وبالتالي كان الدور المهم للجمهور باعتباره الناقد الأول لذلك العرض ، فيما تلعب الإرشادات المسرحية دورا محوريا في الشخيص المسرحي âtralisationéLa th بالتالي فهي منطلق الإخراج المسرحي ، و" الإرشادات المسرحية ضرورية لتوجيه العرض المسرحي ، وإن كانت في حقيقة الأمر لا توجه إلا جانبا من العرض. وبذلك يبقى على الإخراج أن يبتكر كل الاشياء الناقصة التي لا يقولها لا الحوار ولا الإرشادات المسرحية"3، فالإخراج طبعا هو المرحلة المهمة والسلطة النافذة التي يعهد إلها التنسيق بين الأدوار والحوار والديكور والركح والإنارة والصوت وإدارة الخشبة حتى يكون الحوار في حلة الصورة الابهى فوق الخشبة .
ويبقى النص المسرحي هجرة للفكرة إلى التشخيص والعرض بعد الإبداع الأدبي الخالص بعد التأليف لأن النص المسرحي إبداع ككل نص أدبي مثل الشعر والرواية والقصة وغيرها من الأجناس الأخرى فهو كتابة تتطلب مقومات لغوية ولغة فنية ممزوجة بذات الكاتب الذي لا يخرج من النص المسرحي ، لأن هذا الأخير مسكون بذوات الذات الكاتبة التي تسافر بك عبر شخوص آخريين في معالم الفكرة التي تؤمن بها وربما في اختيارات معينة لبها تلك الكتابة القالب الفني والدرامي ولعل ذلك باد وهو ما بينه أحدهم قائلا :" إن أول ما يميز النص المسرحي هو انه ليس كتابة ذاتية ، والكاتب نفسه وبوعي منه يرف أن يتحدث باسمه الخاص . والحيز النصي الذي يكون فيه الكاتب ذاتا يتمثل فقط في تلك الإشارات الركحنة لأن الحوار في النص المسرحي علة وجوده وأصله الأول ، إنه ليس فقط صوت الآخر بل أصوات كثير من الآخرين ومنه صوت الذات الكاتبة "4، وبالتالي فالركحنة والعرض لا يخلو من ذاتية الكاتب فالمسرح هو صوت الانا اللفردية ( الكاتبة ) والجماعية ( المجتمع فردا فردا) ، بالتالي هي خطاب جمعي واع يتموقع في الركح ليفصح عن نفسه وشخصيته الواعية ويتضمن شخصية افتراضية مهمة لها كينونتها في اللاوعي الذي يحكم ويوجه عملية الإبداع .
فالكتابة المسرحية مهمة قبل وجود العرض فرض وجود النص وقبل الإخراج فرض الاختيار المناسب للوجوه الممثلة للأدوار وضبط الفضاء الديكور والخشبة والإضاءة ، والكواليس والتأكد من ضبط الشخصيات للحوار الشيء الذي يعن على حسن الإخراج ، فالإعداد مرحلة ما قبل الغخراج ولا تلغيه بل لها دور فاعل في إنجاحه وبالتالي فالعلاقة بينهما تكاملية ذلك أن " مفهوم الإعداد المسرحي قد أصبح يحتل في الآونة الأخيرة حيزا مهما في ساحة الإبداع المسرحي "5، ثم يبرز النقد المسرحي الموازي للمسرح شكلا أدبيا مهما لقيام أي مسرح فالمسرح الذي يستبعد النقد ولا يستفيد مهن رأي النقاد كمولود ولد ميتا ، يحكم على نفسه بالموت قبل الولادة حتى ، ذلك أن النقد هو الذي يعطي للمسرح حياته وتوهجه ويقوي القوة الإدراكية للحركة المسرحية وفي الإطار نفسه تقبل آراء الجمهور وتفاعله معه ، " لكن الناقد والباحث ا يلقي كلامه عن انطباع ، ولكن كلامه يكون منهجيا كاشفا للعمل الإبداعي موضع الحكم "6.
كما يرتبط فعل النقد بحركة الجمهور وفعل التلقي الذي يبقى هاجسا للمخرج والمؤلف على حد سواء فالمبدع وهو يكتب يحاول البحث عن آفاق المتلقي وخرقها بما يحقق له اللذة في التطهير والانتصار لذاته التي تحضر في اللاوعي النصي للمسرح ، وبذلك " يكون أثر الأعمال المسرحية أثرا سلبيا على المتلقي إذ لا يحض المتلقي ومن ثم المجتمع على التقدم والتغيير أو التحول "7.
ثم علاقة المسرح بالمجتمع باعتباره ابن بيئته منها ينهل ومنها ينطلق ومنها يبدع النص والعرض ، وبالتالي فعودة الكاتب للثقافة الأم ليس محض وفاء للانتماء بل هي ضرورة ملحة للكتابة والإبداع ذلك أن كل المسرح العالمي عاد لبيئاته الاجتماعية لتغذية ينابيع نصه المسرحي ، "إن الكاتب المسرحي برجوعه إلى التاريخ ومحاولته تحريف أحداثه وتغييرها أو العمل على تقديمها أو تأخيرها لا يعد بعمله هذا مخلا بالعمل الدرامي لأن الكاتب المسرحي ليس مؤرخا ولكنه كاتب دراما"8، وبالتالي يكون ذلك كتابة درامية ومسرحية محضة لا ينقص من قيمتها شيء بل عودة بعض الكتاب للتراث كانت عنصرا مهما في التألق سواء كتابات توفيق الحكيم في مصر أو كتابات الطيب الصديقي وأحمد العلج بالمغرب وآخرين ، " من هنا يمكن القول إن العودة للتراث يعتبر سمة مشتركة بين كل الاجتهادات والاتجاهات لمسرحية الحديثة "9، فتلك العودة هي مطلب أدبي للمسرح في أوربا والعالم العربي على حدة فعودة توفيق الحكيم مثلا لليالي العربية وهنا أقصد ألف ليلية وليلة في مسرحيته شهرزاد هو عمل إبداعي مهم جعل التراث في خدمة النص المسرحي المهم الذي قدمه ، وبالتالي " إذا كان المسرح الاوربي قد أخذ من التراث اليوناني والروماني باعتباره تراثا غربيا ، وعمل على تطويره وفق ما يقتضيه من مواقف مستجدة ، فإن المسرح العربي نسج على المنوال ما دامت الثقافة العربية تتوفر على تراث ضخم حافل بمجموعة من الطقوس والاشكال الاحتفالية ومن الروايات والأساطير"10 وهو علاقة منطقية بين المسرح والتراث.
ومن الأهداف الأولى للمسرح طبعا حسب النظرية الأرسطية في كتابه فن الشعر أنه يروم تحقيق التطهير عن طريق الفرجة من جهة وربما التطهير المأساوي كما يقال وهو ما يسمى بالفن الدرامي ، والفن المسرحي يجعل منطلقه في حديثه عن الذات المبدعة أنها في الحقيقة وهي تجسد الدور إنما تحقق لنفسها تطهيرا ثم تطهر نفوس المتلقين ، وتعرف الفرجة لغة على أنها "عبارة عن سلوك معاد أكثر من مرة " 11، ويعرفها كيلفورد كارتر أنها " قصة يرويها الناس لأنفسهم عن أنفسهم "12، وبالتالي فالفرجة هي تلقي سلوكات عن طريق الأدوار المتكررة فوق الركح في عرض أو عبر عروض مختلفة وهي تحقق حكايات عنا ومنا وإلينا ، فالفرجة هي تحصيل نفسي يتم عن طريق المشاهدات المباشرة للأدوار وما يولده من مشاركة ضمنية لنا في عيش الأدوار فوق الركح ، وبالتالي فالمسرح " فضاء : فضاء دنيوي ، وفضاء مخصص ، وفضاء احتفال ، والفضاء المسرحي حقيقة جد معقدة "13، وبالتالي فالفرجة والاحتفال مظهران ملازمان للمسرح وبغيته وأداته لتحقيق التطهير المرتجى .
الاحتفال هو طريقة في المسرح بل وصار جنسا مسرحيا قائم الذات لكنه أيضا من الاسس اتي قام عليها المسرح وهو مجموعة مكن الطقوس المتراصة التي تروم عبر المسرح تحقيق الوجود الإنساني في مختلف حالاته الواعية وتناول قضاياه الاجتماعي وتطهير للذات الذي وإن لم يتأت عبر الوسائل الأخرى "إلا الاحتفال فهو وحده الذي لا يمكن أن يؤخذ منه لأنه هو . ففي الاحتفالات إذن خبأت كثير من الشعوب تجربتها مع الموت والحياة ، والجدب والن، ومع المرض والوصب والوباء والفرح والحزن والقهر والعذاب "14، بالتالي فعلاقة الاحتفالي بالمسرح علاقة تكوينية وتكاملية وليس مجرد جنس من أجناسه . وهو ما سينعكس لا بد على قراءة وتلقي الخطاب المسرحي وما هذا إلا غيض من فيض لان المسرح بحر شاسع .
لنخلص أن قراءة التراث المسرحي هي أيضا من تلك الأسس التي عمل على توظيفها في مجال البحث والتحري ودراسة المتن المسرحي كما قلنا قبل أي حكم يتم إصداره ، "وهذا المفهوم القرائي يعتبر النص المسرحي نصا لا ينطلق فقط من العوال الاجتماعية أو التاريخية ، ولا يقدم انطلاقا من خصائص إبداعية وجمالية فحسب ، ولكنه قبل كل شيء يكون موجها إلى القراء "5.

الإحالات والهوامش / المصادر والمراجع:
1. جميل حمداوي ، المدخل إلى الإخراج المسرحي ، ط1، مكتبة المعارف ، الرباط 2010، ص 29.
2. خليل الموسى ، جهود القباني المسرحية والنقد الذي دار حولها ،وقائع الندوة الثقافية " المسرح السوري المعاصر : اتجاهات وآفاق ، ص 23.
3. يونس الوليدي ، التحليل الدراماتورجي للنص المسرحي (مقومات الفرجة في الكتابة المسرحية البحرينية ، عن كتاب المناهج المعاصرة في الدراسات الأدبية ، ط1، 1999، أنفو برانت ، ص93.
4. محمد المعزوز ، نحو مفهوم جنس مسرحي عربي ، مجلة المشكاة ، العدد 26، 1997، ص 57/58.
5. لحسن قناني ، الأفق الإشكالي لمفهوم الإعداد المسرحي ، مجلة المشكاة ، العدد 26، 1997، ص61.
6. أبو الحسن سلام ، اتجاهات في النقد المسرحي المعاصر ، بين النظرية والتطبيق، ط1، 2005، مؤسسة حورس الدولية ، ص 58.
7. أبو الحسن سلام ، اتجاهات في النقد المسرحي المعاصر ، بين النظرية والتطبيق، ط1، 2005، مؤسسة حورس الدولية ، ص 58.
8. مجموعة من الأساتذة ، دراسات في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم ، ط1، مطبعة المعار الجديدة ، الرباط 1994، ص 32/33.
9. مجموعة من الأساتذة ، دراسات في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم ، ط1، مطبعة المعار الجديدة ، الرباط 1994، ص 32/33.
10. مجموعة من الأساتذة ، دراسات في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم ، ط1، مطبعة المعار الجديدة ، الرباط 1994، ص 32/33.
11. خالد أمين ، رهانات دراسات الفرجة بين الشرق والغرب ، مداخلة في كتاب السرديات وفنون الأدب، وقائع الملتقى العلمي 18-19-20 اكتوبر 2010، ص 130.
12. خالد أمين ، رهانات دراسات الفرجة بين الشرق والغرب ، مداخلة في كتاب السرديات وفنون الأدب، وقائع الملتقى العلمي 18-19-20 اكتوبر 2010، ص 132.
13. يونس الوليدي ، التحليل الدراماتورجي للنص المسرحي (مقومات الفرجة في الكتابة المسرحية البحرينية ، عن كتاب المناهج المعاصرة في الدراسات الأدبية ، ط1، 1999، أنفو برانت ، ص93.
14. عبد الكريم برشيد ، الاحتفال وإشكالية الهوية ، مجلة المشكاة ، العدد 26، 1997، ص32/33.
15. مجموعة من الأساتذة ، دراسات في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم ، ط1، مطبعة المعار الجديدة ، الرباط 1994، ص 75.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق