الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضواء على مشكل التعليم في المغرب.

البرني نبيل

2020 / 7 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


يشكل هذا المقال قراءة في كتاب " أضواء على مشكل التعليم في المغرب" لصاحبه محمد عابد الجابري، يقدم فيه نظرة عامة وبشكل دقيق لمشكلة التعليم في المغرب الراهن بعيد الاستقلال إلى حدود منتصف السبعينات( 1974)، اعتبارا لأهمية هذه المرحلة في مسار بناء الدولة الوطنية الحديثة في المغرب، باعتبارها المرحلة التي عرفت البناء المؤسسي للمغرب المستقل، ورسم التوجهات والتخطيط على المستويين المتوسط والبعيد، فالجابري في هذا الكتاب يعتبر التعليم قطاع من القطاعات التي تعرف مشاكل مزمنة وبنيوية لم تعرف طريقها نحو المعالجة الجدية والحل الصحيح، ولعلها من المشكلات الأكثر تعقيدا وتشعبا في المغرب الراهن لانعكاساتها السلبية على المجتمع ومتطلبات التنمية الشاملة.
فالجابري يعرض في هذا الكتاب لمشكلات هذه المؤسسة، ويحرص على التأكيد على أنها مشكلات بنيوية يعانيها هذا القطاع، بكونها مشاكل تعود جذورها إلى تراكمات عبر الزمن.
فمشكلة التعليم لها جذورها، ولفهمها يجب العودة إلى فهم مولداتها، هنا يعتمد الجابري مقاربة تاريخية في تتبع ومعالجة هذا المشكل، بالعودة والتركيز بشكل أساسي على مرحلة الحماية وسياساتها التعليمية وما أنتجته من انعكاسات وخيمة على هذه المؤسسة التي استمرت تداعياتها حتى مرحلة المغرب المستقل.
فمع مطلع القرن العشرين ستعرف المؤسسة التعليمية في المغرب دخول عناصر وهياكل تعليمية جديدة على الهياكل التقليدية المحلية المكونة من المسيد والكتاتيب القرآنية التي تقتصر على تعليم القرآن والسنة النبوية... جاءت هذه الهياكل الجديدة المستجدة على المجتمع المغربي مع البعثات الفرنسية الموجهة لتعليم أبناء الجالية الأوربية المقيمة بالمغرب من جهة، واختراق المجتمع المغربي الثقافي من جهة أخرى، إذ ستشرع فرنسا في سياستها التعليمية منذ 1913 مع تأسيس مصلحة التعليم العمومي، واعتماد المؤسسة التعليمية سلاح من أسلحتها الموجهة ضد المغاربة لخدمة المخططات الاستعمارية الفرنسية بالمغرب، وتمهيد الطريق أمام الجيوش الفرنسية عبر دراسة المجتمع المغربي واختراقه ودراسة خصوصيته، بالاعتماد على منظرين لهذه السياسة من قبيل ( جورج هاردي، بول مارتي...).
قام التعليم الفرنسي بالمغرب على أسس طبقية عرقية بالحرص على الإبقاء على التقسيم الطبقي للمجتمع المغربي الذي يتكون من طبقة النخبة المكونة من الأعيان والعلماء، ثم طبقة العامة من حرفيي المدن وفلاحي البوادي، كما حرصت هذه السياسة على مواءمة البرامج التعليمية بخصوصيات كل طبقة الاجتماعية والاثنية والجغرافية، لتكوين جيل من الشباب المغربي موجه لخدمة الفرنسيين، فمدارس الأعيان تنجب جيل وطاقات موجهة للاشتغال في الإدارة والمناصب الحكومية، في حين تنتج مدارس العامة في البوادي والمدن جيل يشتغل في الضيعات والوحدات الصناعية للمعمرين، في إطار إستراتيجية قائمة على الغزو الذهني والاستلاب الثقافي والأيديولوجي للمغاربة، في أفق استمرار الحماية الفرنسية بالمغرب وخدمة مصالحها.
إلى جانب اعتماد المدرسة قناة لتمرير المخططات الاستعمارية كما وقع مع السياسة البربرية الهادفة إلى القضاء على الكيان المغربي وقوميته ووحدته، عبر الحرص على تفريق " العنصر العربي" عن " العنصر الأمازيغي" من خلال التمييز بين المدارس في المناطق الناطقة بالأمازيغية عن نظيرتها في المناطق الناطقة بالعربية، من خلال مدارس مشبعة بالتراث الفرنسي والقيم المسيحية والغربية في المناطق الأمازيغية كإموزار، خنيفرة، أزرو، أهرمومو...
إلا أن هذه المخططات الفرنسية في سياستها التعليمية سرعان ما تم إفشالها مع مطلع الثلاثينات، بقيام الحركة الوطنية التي كانت على وعي بخطورة هذه المخططات الاستعمارية وحرصت على الحد منها، والعمل على مواجهة السياسات التعليمية الفرنسية الاستعمارية بأخرى وطنية مغربية عربية من خلال المدارس الحرة الناطقة بالعربية، إلى جانب عملها على توعية الشعب المغربي بخطورة هذه المخططات على وحدة المغاربة القومية، إذ تكون وعي لدى شرائح واسعة من الفئات الشعبية التي أصبحت رافضة للسياسة التعليمية الفرنسية، وأخذت تعتكف على إرسال أبنائها إلى المدارس الفرنسية بمختلف أنواعها، الأمر الذي جعل حصيلة التعليم الفرنسي بالمغرب ضئيلة خلال فترة الحماية.
لكن على الرغم من ذلك كانت لهذه السياسة انعكاسات واضحة على المجتمع المغربي الذي أصبح مقسم إلى فئات تلقت تعليمها في المدارس الفرنسية ومتأثرة بالثقافة الغربية ووسائلها التقنية، وفئات تلقت تعليمها في المدارس التقليدية المغربية التي ظلت متشبثة بالثوابت والتقاليد المحلية، ما سينعكس سلبا على النخب المغربية التي تولت مناصب حكومية في المغرب المستقبل بسبب الاختلاف والبون الشاسع في الرؤى والتوجهات بين الطرفين في مسألة البناء المؤسسي والأيديولوجي للمغرب الجديد.
كما أنه بالقدر الذي تكون به لدى المغاربة نفور من التعليم الفرنسي خلال فترة الحماية، بالقدر نفسه تكون لديهم أهمية وضرورة تعليم أبنائهم خلال فترة الاستقلال، إذ بمجرد بزوغ فجر الاستقلال تكون لدى عامة الناس قناعة أن التعليم هو القناة الضرورية والأولى لتحقيق ارتقاء اجتماعي والعيش الكريم في المغرب الجديد.
فمنذ هذه الفترة التي ستعرف ارتفاع الطلب على المدارس ستشرع الدولة والسياسات الحكومية في تسطير قوانين و وحلول لمواجهة مشكل الضغط المتزايد على المؤسسات التعليمية، إذ احدث اللجنة الملكية للتعليم منذ 1957 في نفس السياق.
وضعت في هذه الفترة أربعة مبادئ لمواجهة مشكل التعليم وهي " التعميم، التوحيد، التعريب، المغربة"، وهي مبادئ عمل الجابري على ربط العلاقات القائمة بين عضها البعض ومناقشة محدودية ما أنجز على مستواها، إلى جانب انعكاساتها على التطور الذي عرفته المؤسسة التعليمية، باعتباره أنها مبادئ خلقت لتكرس الازدواجية وتفسح المجال للتراجع عن التعريب، الأمر الذي يجعل التعليم بعد الاستقلال يبقى في دائرة مغلقة ومفرغة متخبطا ذات اليمين وذات الشمال، كما حدث بالفعل وما زال يحدث، والنتيجة كونه تعليما موجها للنخبة في أغلب الأحوال.
كما يقدم الجابري بمعطيات وإحصائيات واقع ما أنجز على مستوى هذه المبادئ وعلى مستوى المؤسسة التعليمية بشكل عام، باعتباره أن " التوحيد" بقي شعار لا غير لم يرى النور للتحقق في ظل تعدد أنواع المدارس بين مدارس حكومية وأخرى خصوصية وأخرى تابعة للبعثة الفرنسية، الأمر الذي يكرس الازدواجية اللغوية في المدرسة المغربية، كما يسجل الجابري قصور هذه الأخيرة سواء على المستويين الكمي أو الكيفي، فعلى المستوى الكمي يسجل ضعف سياسة التعميم والمغربة التي انتهجتهما الدولة في تلك الفترة، أما على المستوى الكيفي يسجل ارتفاع نسبة التكرار والانقطاع عن الدراسة بسبب عدم استقرار المناهج التعليمية وإقرار الازدواجية فيها، ثم ضعف مستوى المعلمين وعدم تعاون البيت مع المدرسة، كما يسجل كذلك مشاكل في مجال التكوين السريع، الأمية وعودة الأمية، التحجر الثقافي والفكري، ضعف التجهيزات، ضعف التأطير، أزمة الأسس، أزمة البنيات، أزمة الأهداف...
ويرى الجابري أن الحل يكمن في التخلص وتجاوز رواسب الماضي المشبعة بالعديد من المفاهيم والمعطيات التي يصعب فيها الفصل بين ما هو نتاج الماضي وما هو نتاج الحاضر، كما أنه يدافع عن التعريب بشكل واضح ويدعو إلى تعريب المدرسة والإدارة والحرص على مواجهة سياسات الاستعمار الجديد ومخططاته في مختلف المجالات لبناء مدرسة وطنية ديمقراطية قائمة على المزج بين النظري والعملي وتجاوز التلقين والحفظ وإغناء الفكر وإكساب المهارات اليدوية والقضاء على الفوارق الطبقية.
فالجابري في هذا الكتاب يقدم تشخيصا لمشكلات التعليم التي عرفها المغرب بعيد الاستقلال من جملة مشكلات أخرى مرتبطة بالبناء المؤسسي للدولة الوطنية الحديثة، فمشكل التعليم حسب الجابري لن يجد حله الصحيح والوحيد إلا في إطار حل جدري للمشكل العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل عام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا