الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهة الشرقية في ميزان التنمية، قراءة تأسيسية لتحقيق اقتصاد تنافسي للغد.

البرني نبيل

2020 / 7 / 12
الادارة و الاقتصاد


أحدثت الجهة الشرقية بمقتضى الظهير 77-71-1 الصادر بتاريخ 16 يونيو 1971، وتتكون من عمالات وأقاليم وجدة- أنجاد، الناظور، فيجيج، بركان، تاوريرت، جرسيف، وتغطي الجهة الشرقية بموجب تقسيم 2015 مساحة 90130 كلم مربع، أي ما يعادل %12،7 من مساحة التراب الوطني، ويحدها شمالا البحر الأبيض المتوسط وغربا أقاليم الحسيمة وتازة وبولمان ومن الشرق والجنوب الشرقي الجزائر ومن الجنوب الغربي إقليم الراشيدية، وتتكون الجهة من 17 دائرة مكونة من 124 جماعة ( 96 جماعة قروية و28 جماعة حضرية)، وهو ما يمثل تقريبا %8،3 من مجموع الجماعات على الصعيد الوطني ( 1503 جماعة قروية وحضارية).
وحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، بلغ عدد سكان الجهة 2314346 نسمة، أي ما يعادل %6،8 من مجموع سكان المملكة، وتتوفر الجهة على مؤهلات اقتصادية هامة من شأنها تحقيق تنمية شاملة ومتكاملة، إذا ما استغلت بشكل عقلاني، إلا أنه ورغم توفر الجهة على إمكانيات ومؤهلات واسعة بشرية وطبيعية كما سنتطرق إلى ذلك لاحقا، فإن كثيرا منها لا زال في حاجة إلى جهود ضخمة قصد تفعيلها وتعبئتها وتثمينها ضمن خطة اقتصادية جهوية مندمجة .
وقد تحكمت مجموعة من الاعتبارات في اختيار هذا الموضوع "الاقتصاد والتنافسية، أي اقتصاد تنافسي للغد؟" كموضوع لهذه المحاولة، أولا لغيرتنا على الجهة ورغبتنا كطلبة باحثين في المساهمة قدر المستطاع بأفكار ومقترحات في قطاع يعد حجر الزاوية في كل النماذج التنموية، وثانيا ما يتعلق بطموح وهاجس تحقيق المغرب الذي يرغب فيه الجميع، من صعود سوسيو- اقتصادي مستدام، لا يتحقق بدون حكامة وعدالة مجالية مندمجة في الديناميات الجهوية والوطنية، وبعبارة أخرى يتعلق الأمر بضعف التنمية الاقتصادية والبشرية في صفوف السواد الأعظم من ساكنة الجهة موضوع الدراسة، واستمرار الفوارق والتهميش والفقر المتزايد، بالرغم من الإمكانيات والمؤهلات البشرية والطبيعية التي تزخر بها الجهة، التي ينبغي تنميتها من أجل بناء اقتصاد تنافسي للغد، وتحقيق التنمية الاقتصادية ومنها البشرية المستدامتين للجهة.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الوضعية الاقتصادية للجهة من خلال تتبع أهم المؤشرات الخاصة بالوضع الاقتصادي وكذا تقديرات النمو وحصيلة التنمية الاقتصادية في ظل النموذج التنموي الحالي، من خلال أرقام وإحصائيات مستقاة من الدراسات الدورية التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط .
ويهدف هذا المجهود الشخصي إلى تحقيق الأهداف التالية:
1 - تشخيص واقع التنمية الاقتصادية بالجهة الشرقية من خلال معايير ومؤشرات.
2 - تقديم تحليل لمختلف إكراهات وإشكاليات التنمية الاقتصادية بالجهة.
3 - الانطلاق من المؤهلات والإمكانيات لاقتراح حلول عملية لبناء اقتصاد تنافسي وتحقيق التنمية الاقتصادية على مستوى الجهة.
وانسجاما مع هذه الأهداف قسمت هذه المحاولة إلى عنصرين أساسيين، يتعلق الأول برصد واقع التنمية الاقتصادية بالجهة وتشخيص إكراهاتها، تم عنصر ثاني يهتم بالإمكانيات والمؤهلات التي تتميز بها الجهة على مستوى جميع الأصعدة، والانطلاق منها لاقتراح حلول عملية لبناء اقتصاد تنافسي وتحقيق التنمية الحقيقية.
فما هي الوضعية الاقتصادية لجهة الشرق في ميزان النموذج التنموي الحالي؟ وما هي إكراهاتها الشاملة؟ وما هي مؤهلاتها وآفاقها؟ وما هي السبل الكفيلة بتحقيق اقتصاد تنافسي للغد بالجهة الشرقية؟.









واقع التنمية في الجهة الشرقية و إكراهاتها.
يعرف النموذج التنموي الحالي عجزا يكاد لا يختلف عليه أحد، بقصوره في تحقيق التنمية الشاملة، والاستجابة لتطلعات المواطن على المستوى الجهوي والوطني، فإذا اقتربنا من الجهة الشرقية موضوع دراستنا في ضوء النموذج التنموي الحالي، نجدها جهة غير قادرة على تحقيق وضمان تطور مطرد للنشاط الاقتصادي يسمح بخلق الثروة وتوسيع فرص الشغل، إلى جانب ضعف وثيرة النمو التي تسجلها الجهة، وتفاقم إكراهات التنمية بها ، ما سنأتي على ذكره بالأرقام والإحصائيات.
تعاني الجهة الشرقية من محدودية وأزمات واضحة على المستوى الاقتصادي موضوع دراستنا، الذي سنحاول رصده وتشخيصه من خلال معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الساكنة، و إكراهات مسار بناء اقتصاد تنافسي على مستوى الجهة، تجعله غير قادر على مواكبة الحاجيات الاجتماعيات والمتطلبات المتزايدة لسوق الشغل، واقتراح بعض الحلول التي نراها معقولة وفي متناول الفاعلين كل في مجال تخصصه، لتجاوز إكراهاته أو على الأقل التقليص في حدتها، وبناء اقتصاد تنافسي للغد.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة ومختلف الاستراتيجيات المتبعة على المستوى القطاعي ( الفلاحة، الصناعة التحويلية، الطاقة، المعادن...)، فإن تطور الإنتاجية يظل ضعيفا ومحدودا، إذ لا يزال النمو يعتمد على الفلاحة، والحال أنها دائما خاضعة للتقلبات، إلى جانب محدودية هذا القطاع على مستوى الجهة، بسبب مجموعة من الإكراهات التي تجعل منه قطاع محدود سواء على مستوى المردودية والإنتاجية، أو على مستوى توسيع الطاقة الاستيعابية لسوق الشغل، إلى جانب التفاوت ألمجالي لمؤهلات وإمكانيات هذا القطاع في الجهة بين إقليم وآخر، إذ سجل البحث الوطني حول التشغيل الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2020 أن أعلى معدلات البطالة على المستوى الوطني مسجلة في الجهة الشرقية بمعدل %18،8، والمعدل مرشح للارتفاع بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا، متجاوزة بذلك ( الجهة الشرقية) معدل البطالة الوطني الذي يسجل 10.5%، وتعرف البطالة تفشي واسع في صفوف الشباب والفئات القادرة عن العمل بحوالي %37.3 من نسبة العاطلين بالجهة، مقابل% 41.9على المستوى الوطني، أما حسب وسط الإقامة فإن معدل الشغل بالوسط القروي يفوق نظيره بالوسط الحضري ب 12 نقطة، كما تسجل الجهة ضعف كبير في مساهمة ومشاركة النساء في سوق الشغل بنسب متواضعة جدا على الرغم من أنها تمثل نسبة 50.4% من مجموع ساكنة الجهة ويتزايد الوضع تفاقما بالوسط الحضري، حيث لا تتعدى نسبة النساء النشيطات المشتغلات 14.4%، وهكذا بلغ عدد النشيطين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق 556914 شخصا يفوق عدد الإناث المشتغلات بخمس مرات ما يقارب ثلاث أضعاف على المستوى الوطني .
هذا ما يجعل الجهة تسجل ضعف كبير في مساهمة النساء في سوق الشغل، كما أن أزيد من نصف الساكنة النشيطة المشتغلة بالجهة 58.1 % لا تتوفر على شهادة، مقابل %58.6 على الصعيد الوطني، وبالتالي فإن %41.9 من الساكنة النشيطة فقط تتوفر على الأقل على شهادة الابتدائية، هذا ما يجعل الجهة تواجه شباب حامل لشهادات عليا من مختلف التخصصات والجامعات والمعاهد لا تجد لها موطئ قدم في سوق الشغل، الذي يوفره النموذج التنموي الحالي، هذا ما يستدعي ضرورة وقفة تأمل في هذا الوضع، وضرورة القيام بالدراسات الإستراتيجية والمستقبلية وتوفير الحلول التي من شأنها أن تخرج الجهة من أزمة البطالة والتسريع في عجلة النمو الاقتصادي، عبر توفير الظروف الملائمة لبناء اقتصاد تنافسي في مستوى التطلعات، والحد من هجرة الشباب إلى وجهات غير معروفة.
هذا ما يجعلنا نتساءل عن واقع المقاولة الذاتية في الجهة التي تعرف أزمة عميقة على جميع المستويات، رغم الجهود المبذولة من أجل تحسين مناخ الأعمال والبيئة الاقتصادية بشكل عام، ما يبرهن عن عجز منظومة الدعم المخصص للمقبلين على إحداث مقاولات ( صغيرة، متوسطة، ذاتية...) وعن ضآلة ذلك الدعم والآليات التي تم وضعها من أجل النهوض بريادة الأعمال والمشاريع المبتكرة، وذلك راجع إلى صيغ التمويل الخاصة ( رأس مال التمويل، رأس مال المخاطر...)، بالإضافة إلى تأثرها سلبا بما يعتري الإطار القانوني من غموض، هذا ما يجعل إنشاء المقاولات محفوفا بالمخاطر بالنسبة للمواطن، الذي يصبح أمام ضرورة البحث عن فرص العمل المأجور، وهو نفسه ما يفسر محدودية إنشاء المقاولات التي تعد في الوقت الراهن آلية من بين أكثر الآليات قدرة على النهوض بالاقتصاد والرفع من تنافسيته، ما يؤدي بشكل مباشر إلى تفشي البطالة في صفوف الشباب وخاصة الشباب حاملي الشواهد العليا .
هكذا تكون البطالة على رأس قائمة المشاكل و الإكراهات التي تعاني منها عجلة التنمية الاقتصادية في الجهة الشرقية، التي تعتبر من أهم المؤشرات على محدودية النموذج الاقتصادي المتبع بالجهة، بضعف تنافسيته وعدم مواكبته لمطالب اليد العاملة، لا سيما ذات الكفاءات العالية، بتغييب الاستثمار في المؤهلات البشرية والاستفادة من قدراتها، وبالتالي ضياع فرص كبيرة وإهدار الوقت لتحقيق تنمية شاملة، وضمان عيش كريم عبر بناء اقتصاد جهوي تنافسي للغد على المستوى الجهوي والوطني .
يسجل النموذج التنموي الحالي ضعف مهول في الاشتغال على تطوير القطاعات الصناعية وجعلها قاطرة للتنمية على مستوى الجهة، كما هو الشأن مع أغلب النماذج والتجارب التنموية للعديد من الأمم التي حققت إقلاع اقتصادي حقيقي، فهذا القطاع على الرغم من بعض الجهود المبذولة لتطويره، إلا أنه قطاع يسجل ضعف كبير على مستوى مساهمته في الحصيلة التنموية للجهة بسبب التفاوت ألمجالي لتوزيع الوحدات الصناعية على مستوى أقاليم الجهة ( الناظور، وجدة)، أو من حيث بنية هذا القطاع المحدود الذي يقتصر على الصناعات الغذائية والمعدنية والكيماوية، وضعف تنافسيتها التي لا ترقى إلى مستوى الطلب وتطلعات الساكنة ومتطلبات سوق الشغل، إلى جانب انتشار المواد المهربة إلى حدود السنوات الماضية القليلة ذات الأثمنة الزهيدة المفضلة لذا المستهلك موازاة مع قدرته الشرائية المتواضعة، التي تبقى حجرة عثرة في وجه الجهود المبذولة لإقامة صناعة قطاعية حقيقية بالجهة الشرقية .
يمكن كذلك ربط محدودية هذا القطاع، بمجموعة من الاعتبارات و الاكراهات التي تعرفها الجهة التي يجب العمل على تجاوزها لتحقيق إقلاع اقتصادي قوامه الصناعة والقطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، فإلى جانب ضعف المستثمرين والتسويق الإعلامي لمؤهلات الجهة، تسجل الجهة ندرة في المياه الذي يشكل تحديا حقيقيا أمام التنمية المستدامة، باعتبارها جهة تعاني من حاجيات مائية ملحة، خصوصا وأن الجهة أمام تحديات كبرى تتمثل أساسا في التطور العمراني والضغط الديمغرافي وتوسع المجال الفلاحي والتوسع النسبي في القطاع الصناعي، باعتبارهما قطاعان يستهلكان كميات كبيرة من المياه لتحريك قدرتهما الإنتاجية، وذلك راجع إلى كون مجال الجهة شبه صحراوي، يعرف ضعف في التساقطات المطرية التي لا تتعدي أحيانا 100 ملم في السنة، إلى جانب الاستنزاف والاستعمال غير المعقلن للفرشاة المائية، الذي يزيد من تعميق أزمة الماء في الجهة .
هذا الوضع المقلق يرخي بضلاله على القطاع الزراعي الذي لا يكاد يكتسي أهمية إلا في المناطق السقوية، وبالتالي انتشار واسع للأراضي غير المستغلة إلا للنشاط الرعوي، هذا ما جعل القطاع الزراعي يعرف تراجعا كبيرا بمحدودية وضعف مردودية الإنتاج بسبب الزحف العمراني واعتماد الطرق التقليدية في الإنتاج وقصور في الانفتاح على الطرق العصرية من طرف الفلاح الصغير .
كما وأنه في تجارب كثيرة من الدول التي حققت إقلاع اقتصادي في وقت قياسي ( تركيا مثلا)، تثبت أنه لا تنمية شاملة بدون سياحة قادرة على الدفع بالاقتصاد الجهوي أشواطا متقدمة في مساره التنموي، إذ تظل الجهة الشرقية رغم مؤهلاتها وإمكانياتها الضخمة التي قد تجعل منها رائدة على المستوى السياحي وطنيا خاصة في ظل اقتصاد وطني قوامه السياحة، تبقى الجهة الشرقية مغيبة عن المشهد السياحي باستثناء المحطة الشاطئية للسعيدية، وذلك راجع إلى موقع الجهة البعيد عن المحطات السياحية التقليدية في المغرب (مراكش، أكادير)، وعن نقط الوصول ( الدار البيضاء، الرباط)، وعدم التعريف الكافي بمؤهلاتها السياحية لدى المستثمرين والسياح، وهو تقصير يبقي الجهة متأخرة سياحيا وحجر عثرة أمام التنمية الفعلية للمنطقة .
كما يسجل كذلك العالم القروي على المستوى الوطني بصفة عامة والجهة الشرقية بشكل خاص، ارتفاع حدة الفوارق بصفة عامة، سواء تلك القائمة بين الوسط الحضري والوسط القروي، أو بين المرأة والرجل، وبين الإنسان ومجاله، فمعظم الجهود المبذولة على المستوى القروي تقتصر فقط على تعزيز التجهيزات دون الاهتمام بالاستثمار المستدام في العنصر البشري، ما يؤدي إلى ضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية وهشاشة البنيات التحتية الاقتصادية والإنتاجية وتفشي الهجرة القروية نحو المدن، وما يثيره ذلك من إشكاليات و إكراهات على الوسطين معا .
فوضع العالم القروي يقف دليل على محدودية ما أنجز في مجال التنمية لهذا الوسط في النماذج التنموية السابقة، وذلك بسبب ضعف تتمين مؤهلات هذا الوسط على مستوى الجهة، وضعف الجهود المبذولة على مستوى تنويع الأنشطة الاقتصادية عبر تشجيع القطاعات المنتجة غير الفلاحية التي من شأنها أن تمكن الساكنة في هذا الوسط من الحد من ما تعانيه من فقر وهشاشة وأوضاع صعبة، إذ أن شخصا واحدا من بين خمسة أشخاص في هذا الوسط مهدد بالفقر في كل حين ، وتضل بذلك مساهمة المناطق القروية والجبلية في التنمية الاقتصادية رغم إمكاناتها الواسعة محدودة جدا على المستوى الوطني، إذ لا تتجاوز %5 من الناتج الداخلي الخام و %10 من مجموع الاستهلاك الوطني .
فمن هذه المنطلقات التي انطلقنا منها في معالجة هذا الموضوع، وفي ظل تعدد وتنوع الاكراهات التي تعاني منها التنمية الاقتصادية لجهة الشرق التي تقف حجرة عثرة أمام بناء اقتصاد جهوي تنافسي قادر على رفع المنافسة على الصعيدين الوطني والدولي، فهذا الوضع يتطلب وقفة تأمل وحشد العزائم وتعبئة القدرات وتتمين والاستثمار في الإمكانيات الذاتية الواسعة للجهة، في إطار نظرة مندمجة و حكامة حقيقية، لوضع اقتصاد الجهة على المسار الصحيح في أفق تحقيق تنافسية فعلية وتنمية شاملة وعدالة مجالية- اجتماعية ورفع البؤس والهشاشة وضمان عيش كريم للساكنة.
مؤهلات وتوصيات.
تنقسم هذه الرؤية الأفقية للبديل التنموي الجديد لجهة الشرق عموديا إلى أهداف والأهداف إلى برامج والبرامج إلى مشاريع، تحدد بموجب دفتر تحملات يلم بالحيثيات الدقيقة لكل المشاريع المدمجة والمندمجة ودور كل واحد من المتدخلين والفاعلين كل في مجال تخصصه، في أفق الاستثمار في العنصر البشري واستهداف خلق الثروة وتشجيع الشباب على العمل الذاتي في إطار مقاولات وتعاونيات، والاعتماد على المؤهلات الذاتية للجهة، في إطار مقاربة مندمجة تشاركية تراعي تحقيق التنمية على صعيد الجهة ككل، وضرورة اعتماد مقاربة شمولية تتجاوز النظرة الأحادية القائمة على التركيز على مؤهلات إقليم دون إقليم آخر.
تتوفر الجهة الشرقية بشكل عام على مؤهلات وإمكانيات بشرية وطبيعية وسياحية متنوعة وموقع استراتيجي مهم يربط المغرب الكبير ببلدان الاتحاد الأوربي، وفي المجال الطبيعي والإيكولوجي تتوفر على مناظر طبيعية جذابة تشمل الشواطئ والوديان والجبال والصحاري والواحات وغيرها كثير.
فعلى مستوى المؤهلات البشرية يسجل الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014، أن عدد سكان الجهة الشرقية بلغ 2314346 نسمة أي ما يعادل نسبة% 6،8 من مجموع السكان على الصعيد الوطني كما ذكرنا في تقديم هذا المشروع، مسجلة بذلك كثافة سكانية بلغت حوالي 26 نسمة في كلم مربع، وتشكل الساكنة الحضرية نسبة% 65،4 من مجموع ساكنة الجهة، كما يسجل السكان في سن النشاط الاقتصادي ( 15- 59 سنة) ارتفاعا مهما، إذ تسجل نسبة 64،5 في المائة من مجموع السكان حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، هذا ما يقف دليل على فتوة الهرم السكاني للجهة، ووفرة اليد العاملة والطاقات الشابة التي يمكن أن تكون قاطرة للتنمية الشاملة على مستوى الجهة في حالة استغلال قدراتها وكفاءاتها بشكل صحيح .
إذ يعتبر البعد المتعلق بتنمية الفرد حاضر وبقوة في مضامين كل النماذج التنموية التي تستهدف تحقيق التقدم والتنمية، ذلك أن هذا البعد لا يشكل أحد نتائج عدم فعالية النموذج التنموي فحسب، ولكنه يعتبر أيضا سببا رئيسيا في انعدام تلك الفعالية، على اعتبار أن الفرد في نهاية المطاف هو فاعل في العملية التنموية ومستفيد منها في نفس الوقت ، ولا بد هنا من الإشارة إلى أنه يجب على الجهة الشرقية تتمين الفرد وقدراته ومصاحبة تكوينه وتوجيهه لملاءمة متطلبات سوق الشغل والتنمية الاقتصادية على المستويين الجهوي والوطني معا.
فما نقترحه ويجب التشديد عليه هو أنه حان الوقت لجعل الفرد والمواطن محور كل مشروع تنموي باعتباره أهم مشروع على الإطلاق، وتجاوز النظرة التنموية الضيقة القائمة على تعزيز البنيات التحتية والتشييد والبناء الإسمنتي، إلى بناء الإنسان والفرد القادر على الإبداع والابتكار الهادف إلى تطوير قدراته التي تعاني من إهمال كبير يحول دون اضطلاعه بدوره على الوجه الأمثل في تحقيق التنمية الشاملة للجهة.
من جهة أخرى تتوفر الجهة الشرقية على إمكانات ومؤهلات فلاحية وبحرية ومعدنية وصناعية تؤهلها لاحتلال مكانة اقتصادية وازنة في المستقبل، إلا أنه ورغم ذلك فإن الكثير منها لا يزال في حاجة إلى جهود ضخمة قصد تفعيلها وتنميتها ضمن خطة اقتصادية جهوية مندمجة، لتجاوز المشاكل و الاكراهات التي ذكرناها سابقا، وتلافي معيقات التنمية الجهوية بالشرق، و المتمثلة أساسا في الضغط السكاني على المراكز الحضرية، والهجرة القروية وتوالي سنوات الجفاف المتكررة وتناقص المخزون المائي السطحي والجوفي وتآكل الغطاء النباتي ومحدودية الأنشطة الفلاحية.
فعلى صعيد القطاع الفلاحي تعد الفلاحة من القطاعات الواعدة في الجهة الشرقية، حيث تقدر المساحة الصالحة للزراعة بما يناهز 617 ألف هكتار، بحوالي %7 من الأراضي الصالحة للزراعة، وتبلغ المساحة الإجمالية للأراضي المسقية بالجهة حوالي 1005300 هكتار، أي ما يناهز حوالي% 17 من مجموع الأراضي الزراعية خاصة في إقليمي الناظور وبركان، اللذان يوفران أهم منتوجات الحوامض والخضر والفواكه .
ونتساءل لما لا يتم العمل على تثمين هذه المؤهلات والدخول في مجال التصنيع من أوسع أبوابه، إذ نقترح ونشير إلى أهمية تشجيع وتطوير الصناعات التحويلية في القطاع الفلاحي في المجالات الزراعية كبركان ( الخضر والفواكه) و جرسيف- تاوريرت ( الزيتون( و العروي ( الأعناب...) ... التي توفر إنتاج فلاحي متنوع، وقادرة على أن تكون نموذجا قويا للصناعات الغذائية، وقاطرة للتنمية على المستوى الجهوي والوطني على حد سواء، والتسريع في عجلة النمو الاقتصادي عبر الرفع من الإنتاجية وتوفير فرص الشغل والتقليص من معدلات البطالة في صفوف الشباب والنساء، والرفع من وثيرة ضبط الأوضاع المالية العامة والتوسيع من قاعدة التصدير وبالتالي الزيادة في إسهام مكاسب الإنتاجية في النمو الاقتصادي لضمان تحسين سوق الشغل وتوسيع الشمول الاقتصادي وتعزيز التماسك.
كما تتطلب التنمية في الجهة الشرقية، ضرورة الاستثمار في كل إمكانياتها ونشير إلى تربية المواشي، هذا القطاع الذي يحقق معدلات هامة جدا في اللحوم الحمراء والجلود المعروفة بجودتها المرتفعة والتي يمكن الاستفادة من قيمتها المضافة محليا وجهويا بل ودوليا كذلك .
كما أن المنطقة تزخر بعشرات أنواع المياه الغازية الطبيعية التي نقترح الاستثمار فيها لخلق فرص الشغل والمساهمة في خلق الثروة على مستوى الجهة، فباستثناء مياه "فزوان" و"لالة شافية" و"عيشون" التي هي مياه معدنية في الأسواق من منابع جهة الشرق، ما زلنا نجهل أسباب غياب تشجيع الاستثمار في عيون "عين بني مطهر" و"تندرارة" وغيرها، لخلق فرص الشغل والاستفادة من القيمة المضافة رغم إجماع الأطباء على منافعها.
وتتميز الجهة الشرقية بثرواتها المعدنية الهائلة، نظرا لما يزخر به باطنها من إمكانيات كبيرة أهمها الرصاص، الفحم الحجري، الزنك، الطين الرسبي، الفضة، البارتين... فهذه الإمكانيات لا يمكن أن تظل بدون استغلال حقيقي في ظل وضعية وطنية ودولية تشهد ارتفاع الطلب على الثروات المعدنية والطاقية بمختلف أنواعها، فهذه الإمكانيات تتطلب ضرورة الاستثمار فيها واستغلال المؤهلات، لخلق فرص شغل إضافية والتقليص من تحديات و إكراهات الجهة ورفع التحدي في وجهها من قبيل المعدلات المرتفعة للبطالة والضغط السكاني، وتوالي سنوات الجفاف المتكررة ...
فالمؤهلات المعدنية لجهة الشرق يجب تتمينها وتحدي ما تطرحه من صعوبات على مستوى الإنتاج والاستخراج والتسويق، هذا يتطلب ضرورة التفكير في آليات وسبل تمكن من عدم التفريط في هذه المؤهلات التي قد تعود بالنفع الكبير على المنطقة، عبر إعادة الحياة للوحدات الصناعية المتوقفة في المنطقة منذ 2001.
ونقترح كذلك لما لا يتم التفكير في تعويض استخراج الطاقة الأحفورية بمدينة جرادة المدينة المنجمية بامتياز، بالطاقة البديلة ( كالريحية والشمسية)، ومما لا شك أيضا فيه أن أربع عناصر أساسية متكاملة متوفرة في معظم أقاليم الجهة، يمكن أن تنهض بها اقتصاديا واجتماعيا، كمحركات للتنمية يتعلق الأمر بمصدري الطاقة النظيفة وهما الشمس والرياح ومحركي عجلة التنمية الأرض والهواء، ولا يتجادل اثنان على وفرتها في أقاليم الجهة مع وجود الفارق، ولا على استعدادها لتقديم العون للعنصر البشري كذلك في جميع الاختصاصات، عبر جعل المنطقة الشرقية بناء على مؤهلاتها وإمكانياتها قطبا رائدا على مستوى توليد الطاقة النظيفة المتجددة، عبر بناء المروحيات الهوائية والألواح الشمسية على مساحات واسعة من أراضي الجهة، وخلق منصات لتجميع المنتوج الإيكولوجي قصد تصديره والحصول على العملة الصعبة، وخلق فرص الشغل بطاقة استيعابية واسعة، خاصة وأن تطور وتوسع النمو الديمغرافي والأنشطة الاقتصادية مع مرور الزمن سترفع من الطلب الطاقي وستطرح المزيد من الإشكالات على الجهة، الأمر الذي يستدعي ضرورة الاشتغال على النهوض بهذا القطاع والاستثمار في إمكانياته الواسعة.
كما أنه ومما لا شك فيه أن البعد البيئي أحدث رجة في الوعي العمومي، ذلك أن التدبير المستدام للموارد الطبيعية يواجه اليوم الكثير من الاكراهات المرتبطة أساسا بالتغيرات المناخية، التي تهدد التنمية الشاملة للجهة الشرقية، التي تتطلب التزاما شاملا من طرف جميع الفاعلين من أجل العمل على توفير آليات المنافسة للاستعمال الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية وتحسين استغلال الموارد المائية، عبر تدبير أكثر عقلانية للمؤهلات المائية للجهة التي تتطلب تعزيز بناء السدود لتجميعها واستغلالها بشكل معقلن، والدفع بعجلة التنمية بالجهة على أكثر من صعيد، وحماية الساكنة القروية والحضرية بالجهة من مخاطر الكوارث الطبيعية ، كما نقترح التعجيل بالتحرك في مجال تثمين النفايات، الذي من شأنه أن يقلص من انعكاساتها على المناخ واستهلاك أقل للموارد، كما أنه يمكن أن يكون قطاعا واعدا من الناحية الاقتصادية، إذ أن مختلف أساليب تثمين النفايات من شأنها تشجيع خلق فرص الشغل من خلال بروز مهن بيئية " خضراء" جديدة، وتطوير اقتصاد يفرز نسبا منخفضة من الكاربون، والتخفيف من الضغط على الموارد الطبيعية.
ونتساءل كذلك عن واقع السياحة لجهة الشرق، التي تكاد تغيب عن المشهد السياحي على المستوى الوطني في ظل اقتصاد وطني قائم على السياحة كما ذكرنا سابقا، ولماذا لا يتم الاستثمار في هذا القطاع الذي يعد في جل النماذج التنموية قاطرة حقيقية لتحقيق تنمية فعلية؟، فلا تنمية بدون قطاع السياحة، فالجهة الشرقية من حيث المؤهلات تعتبر قوية باعتبارها تتوفر على واجهة بحرية، وواحد من أحسن الشواطئ على المستوى الوطني في مدينة السعيدية، كما أن الجهة تتوفر على واحد من أجمل الكنوز الطبيعية المتمثل في "واحات فيجيج" بكنوزها المعمارية وحماماتها ذات الخصائص العلاجية، إلى جانب ما يزخر به إقليم تاوريرت من مؤهلات سياحية هامة كالمرتفعات الجبلية المحيطة بمدينة دبدبو التي تتميز بشريطها الأخضر، تم عين "سبيلة" وهي منطقة سياحية بيئية خضراء يمكنها أن تشكل موردا تنمويا اقتصاديا واجتماعيا، و"قصبة المرينيين" و"عين تافرنت" بدبدو التي توصف بكونها " جوهرة الشرق" وهي فضاء يتوفر على مؤهلات سياحية مهمة، إلى جانب مناطق ونقط سياحية أخرى في مختلف الأقاليم بالجهة كجرسيف وتافوغالت... ، فهذه المؤهلات بإمكانها أن تصبح قبلة وطنية ودولية للسياح شريطة فك العزلة عنها عن طريق تعزيز البنيات التحتية وشبكات النقل وتحسين تجهيزات الاستقبال والإيواء وتجاوز ورفع التحدي في وجه الإكراهات التي تعيق نمو المنطقة وتأهيل هذا المجال الذي يتوفر على كل مقومات السياحة المستدامة التي يمكن أن تلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا في تحسين مستوى عيش السكان.
هذا ما يتطلب ضرورة الانخراط الفعلي والفوري في المجال الرقمي والتنزيل الفعلي والواقعي لهذه الإستراتيجية على أرض الواقع، وتشجيع التسويق الرقمي الرامي إلى جعل التكنولوجيا الحديثة أحد أهم مصادر الإنتاج والقيمة المضافة، واعتبارها قاطرة لتحقيق التنمية على مستوى الجهة وتقوية قدرات وتأهيل الموارد البشرية، خاصة لذا فئة الشباب لتشجيع انخراطها في تحسين تنافسية المجال الرقمي، و تجسير العلاقة بين البحث العلمي وقطاع الاستثمارات العمومية والخاصة، لخلق بنية تنافسية بغية الرفع من تسويق المنتجات، الأمر الذي قد ينعكس على تطور الاقتصاد الجهوي ويؤهل مكوناته للاستجابة لمتطلبات السوق، فالاقتصاد الرقمي من شأنه أن يرفع من تنافسية الجهة على المستوى الوطني، وتجاوز ضعف تنافسيتها مقارنة مع باقي الجهات بالنسبة للاقتصاد الكلاسيكي، عبر خلق فرص الشغل وإعطاء دينامية جديدة للتنمية الجهوية على جميع الأصعدة.
إلى جانب أن عنصر خلق الثروة وتحقيق التنمية الشاملة على مستوى الجهة يتطلب بشكل ملح الاهتمام بالعالم القروي الذي يعاني ما يعانيه من فقر وتهميش وهشاشة، لذلك نقترح على هذا المستوى أهمية تشجيع المستثمرين والاستثمار الذي نشدد على أهميته في القطاع الخاص والممولين ( محليا، وطنيا...) وذلك من خلال وضع تدابير تحفيزية في القطاعات ذات القيمة المضافة ( الصناعة التحويلية، قطاع الطاقة، المعادن...) وإشراك الفاعلين من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مما ينبغي على المستثمرين المستفيدين من التدابير التحفيزية المساهمة في تكوين ومصاحبة الشباب القروي وجميع البرامج المتعلقة بتكوين ومصاحبة الفاعلين، لخلق فرص الشغل عبر تطوير وتشجيع الأنشطة غير الفلاحية وإنشاء المقاولات، والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية والحد من الهجرة القروية.














خاتمة:
وفي ختام هذا المشروع نعتبر أن التحولات والأزمات الاقتصادية العميقة التي تعرفها الجهة الشرقية خلال السنوات الأخيرة، تتطلب تغيير النماذج والمقاربات التنموية المتبعة، لكي تتمحور حول تنمية العنصر البشري كبوابة نحو تحقيق التنمية الشاملة، وتجاوز اعتبار البنيات التحتية والخدمات غايات في حد ذاتها، بقدر ما ينبغي اعتبارها وسائل يعد قياس قيمة أثرها على ساكنة الجهة والعنصر البشري والتنمية الاقتصادية للجهة، هي المؤشرات الوحيدة والحقيقية لنجاح البرامج والنماذج التنموية المعتمدة.
فعلى المستوى الاقتصادي ككل، ومن أجل خلق اقتصاد تنافسي للغد، يتطلب تنمية شاملة وضرورة العمل على إذكاء المبادرة الوطنية وتنمية السوق الداخلية لكسب المعركة ضد الهشاشة والفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي، والحرص على تقوية الاستثمار العمومي الناجع والمنصف في جميع القطاعات والانطلاق من مؤهلات الجهة، وعدم التمادي في السياسة النقدية والمالية، والقطع التام مع الاحتكار والريع وسن نظام ضريبي منصف ومتوازن مع دعم القدرة الشرائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة


.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية




.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط


.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل




.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ