الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم - الثورة الصامتة - يلقى بظلاله على الانتفاضة الشعبية المجرية عام 1956

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2020 / 7 / 12
الادب والفن


The Silent Revolution

بعد عقود من السبات، تمكنت صناعة السينما الألمانية من العودة إلى دائرة الأضواء ، من خلال عدة أفلام عرضت مآسي الماضي الألماني، كالحقبة النازية وحقبة النظام الشيوعي والتجربة الاشتراكية في ألمانيا الشرقية وبلغة جديدة ووجوه جديدة من السينمائيين الذين قاموا بصنع أفلام سلطت الضوء على الحياة الحقيقية في ظل النظام الشيوعي في المانيا الشرقية وكذالك الاضطرابات التي حدثت في البلاد أثر إنهيار جداربرلين، وباتت هذه الأحداث حقلاً خصباً للمخرجين والمؤلفين، فقد ساهمت العديد من الأفلام التي تروي قصصاً عن الشيوعية وانهيارها في فتح مجالاً جديداً وواسع أمام السينما الألمانية . ولعل هذا الارتباط الوثيق لقصص الأفلام الألمانية الحالية بواقع الحياة في شطري ألمانيا المقسمة هو سر النجاح الذي حظي به صناع السينما مؤخرا ، فهذه الأفلام تروي حكايات ذات علاقة وطيدة بالتطورات السياسية والاجتماعية سواء بحقبة تاريخية أو بقصص تظهر واقع الحياة في ألمانيا، كما إنها قصص واقعية لم تحكى من قبل . كما تميزت السينما الألمانية مؤخراً بظهورجيل جديد من صنّاع السينما الذي يسعى للتحكم في تاريخ بلاده من خلال تصوير بعض اللحظات المظلمة في تاريخ ألمانيا بجدية بالغة وبعيدة عن العاطفة ، ومن أهم هذه الأفلام ، فيلم"حياة الآخرين"للمخرج "فلوريان هينكل فون دونيرسمارك"، والذي حاز على نحو 32 جائزة ألمانية وعالمية ، ومن ضمنها جائزة الأوسكار لعام 2007 لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية . ويعد فيلم " حياة الآخرين" مثالاً واضحاً على هذه النوعية من الأفلام ، إذ نجح المخرج الشاب فلوريان هينكل فون دونرسمارك في إيصال مضمون الفيلم الذي يختلف كليا عن الأفلام الألمانية التي سبقته في علاج حقبة النظام الشيوعي في الشطر الشرقي من ألمانيا . إذ ركز على جانب جديد من الحياة هناك ، وهو الكشف عن تأثير الرقابة البوليسية على الحياة الاجتماعية الخاصة بالمواطنين ، وانتهاكها لأبسط حقوق المواطنة . وإلى جانب فيلم "حياة الآخرين" أُنتج كذلك فيلم "وداعاً لينين" الكوميدي التراجيدي للمخرج "فولفغانغ بيكر"، والذي تم إنتاجه عام 2003 . وتدور أحداث الفيلم حول شاب من (المانيا الشرقية ) ، يقوم بمحاولات متواصلة من أجل حماية والدته المريضة من صدمة انتهاء الشيوعية . ويضاف الى تلك القائمة فيلم( الثورة الصامتة ) الذي تم إنتاجه عام ( 2018) وقام بإخراجه المخرج الألماني ( لارس كرومة)، والذي يلقي الضوء على تاثير الانتفاضة المجرية على مجريات الحياة في المانيا الشرقية ، تلك الانتفاضة التي أندلعت في يوم 23 أكتوبر من عام 1956، ودامت من 23 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 1956. والتي هيأت لها التغيرات السياسية بعد الفترة الستالينية في الإتحاد السوفيتي، والحركات القومية للأحزاب الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وكذالك الاضطرابات الاجتماعية بسبب سوء الأحوال الاقتصادية العامة للمجريين ، وحينما ذهبت القوات السوفيتية إلى بودابست في 24 أكتوبر، حمل المجريون السلاح للدفاع عن النفس . رد إيمري ناج على النداءات المطالبة بإلقاء الأسلحة واستسلم بوعد من العفو. لكن الجماهير المجرية رفضت الثقة بناج. وتظاهروا بأنهم لا يثقون بأحد سوى أنفسهم . في 25 أكتوبر بدأ العمال بإضراب عام و خلال عدة أيام، تحشد كامل البلاد ضد البيروقراطية الحاكمة والقوات السوفيتية. بدأ العمال المجريون بتنظيم أنفسهم للمحافظة على النظام وتوزيع المأكل والملبس ، وقد أبدوا إصرارهم لانهاء الانتهاكات البيروقراطية، والامتيازات، وسوء الإدارة . تبنى الدستور مجلس عمال بودابست الأعظم في 31 أكتوبر 1956، وهو يصور عمق هذا الكفاح لديمقراطية العمال. يذكر الدستور بأن "المصانع تعود للعمال". العمال المجريون رفضوا الستالينية وجميع الرموز البيروقراطية المشابهة. لكنهم لم يرفضوا جوهر البرنامج الاشتراكي: الرقابة السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة تبدى خلال منظمتهم الرسمية الخاصة. مُنِيَ ثوار المجر في نهاية المطاف بالهزيمة تحت جنازير الدبابات السوفييتية وقصف نيرانها. قتِلَ ما يقرب من 2500 شخص، وأُصيبَ ما يزيد بكثير عن هذا العدد، في موجتين من القتال في الشوارع. وفي غضون أسبوع واحد، كانت الدبابات الروسية قد استأصلت المعارضة من شأفتها، رغم المقاومة البطولية من المدنيين العُزَّل من السلاح تقريبًا . ورغم ذلك، حقَّقَت هذه الثورة الوجيزة في أسابيع محدودة، من حيث وعي الجماهير وتنظيمهم، ما لم يكن من الممكن أن يحدث في سنين وعقود سابقة. لا تزال هذه الثورة تحجز لنفسها مكانةً مهمة في التاريخ كمصدرٍ لخبراتٍ ودروسٍ ثورية، لعل أحدها هو أن الثورة الجماهيرية تحتاج إلى إعدادٍ صبور وطويل المدى لضمان انتصارها . " ربما فضحت ثورة المجر في العام 1956، أكثر من أيِّ حدثٍ آخر، الوجه الحقيقي لما أُطلِقَ عليه “اشتراكية” الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي. ما بدأ في روسيا عام 1917 كثورةٍ عماليةٍ عميقة، تفسَّخَ في ظلِّ حكم جوزيف ستالين ليتحوَّل إلى نظامٍ إمبريالي يفرض هيمنته بالقوة تحت حماية الدبابات. حين انفجرت الثورة في المجر، في أواخر أكتوبر 1956، كان المطلب الرئيسي في المصانع والشوارع هو اشتراكية حقيقية تنهض من أسفل ". **
هذه الثورة القت بظلالها على مجريات الاحداث فيلم المخرج الالماني (لارس كروم) " الثورة الصامت" وهو قصة أبطال حقيقيين تم اقتباسها من كتاب السيرة الذاتية لديتريش غارستكا. العنوان الأصلي - الفصل الدراسي الصامت- أطلق الفيلم في عام 2018 ، ليس للمخرج الألماني سيرة سينمائية أو مشاركات وجوائز في مهرجانات يمكن أن ترفع من سقف التوقّعات في ما يخص فيلمهً هذا ، وإن كان هنالك تجربة سينمائية له -إضافة لتجاربه التلفزيونية- يمكن ذكرها هنا فهو فيلم «فريتز باور، بطل ألماني»، من زمن النازية، في فيلمه هذا «الثورة الصامتة»، حيث أقوى النقاط تنحصر في أنّ قصّته مأخوذة من أحداث حقيقية . تدور أحداث الفيلم في ألمانيا الشرقية إلى حد كبير في زمن لم يتم تناوله كثيرًا في السينما ، وتجري الأحداث في برلين الشرقية ، في عام ١٩٥٦، سنوات قليلة قبل بناء جدار برلين الذي فصل المدينة إلى شرقية يحكمها موالون للاتحاد السوفييتي وغربية مقسّمة بدورها إلى قطاعات أميركية وفرنسية وبريطانية ، وأبطالها هنا هم تلاميذ صفّ البكالوريا في برلين الشرقية ، تقع الاحداث في مدينة (ستالينشتات ) . يبدأ الفيلم في رحلة بقطار حين يقوم كل من"ثيو" يقوم بالدورالممثل الشاب (ليونارد شيشر) وصديقه كورت ويقوم بأداء الدورالممثل الشاب (توم جرامينز) ، وهما طالبان من طلاب المدارس الثانوية في ألمانيا الشرقية ، يسافران إلى برلين الغربية لزيارة قبر جد كورت ، وهو ضابط سابق في قوات الأمن الخاصة في القطار الذاهب من ستالينشتات الى الجزء الغربي من برلين من المانيا و المسمى القطاع الامريكي ( قبل أن يشيد جدار برلين في عام 1961)، وبعد زيارة القبر يذهبان إلى السينما دون أن يتوقفا عن الانبهار بالثقافة الغربية في هذه المدينة ـ و يتسللا خلسة الى الصالة من باب خلفي على أمل مشاهد فيلم فيه اثارة لغرائزهم ولكنهم تفاجئوا بتقرير أخباري يفيد بأنّ هنغاريا تشهد اضطرابات سياسية وأنّ الناس تنزل إلى الشوارع ، فيما سمّوه ثورة وهي الانتفاضة التي حدثت في المجر عام 1956 ، وشاهدوا لاول مرة تظاهر مئات الآلوف في بوداست ، من أجل حرية الصحافة ، إنتخابات حرة ، ونهاية الهيمنة السوفيتية . عند عودتهم الى الدار ولقاءهم بالاصدقاء من الطلبة في احدى الحانات ، يسرد كل من ثيو ووكورت رحلتهما الى الجانب الغربي ، وكيف انهم دخلوا الى السينما وشاهدوا تقريرا إخباريا وأظهر الثورة المجرية ، والمتظاهرين كانوا يطالبون بالانسحاب للقوات الروسية ، لكن احد الطلاب وهو( أريك ) يرد عليه ، إنها ثورة مضادة من قبل الفاشية ، وينتزع له الجريدة من الحائط ويقرأ له ماكتب في الصحافة من الجانب الشرقي من المانيا ، وتحت عنوان " المجر تسحق ثورة مضادة"، في 23 أكتوبر الامبريالية الاجنبية و العناصر المضادة للثورة ، حاولوا عمل إنقلاب مسلح ضد الدولة المسلحة "، لكن الشاب كورت يخبرهم ان الحقيقة غير ذالك ، بل أنهم يحاولون طرد الجنود الروس من بلادهم ، وهذا أمر عظيم ، يجب أن نتخلص من هؤلاء الحمقى. وبرد فعل ساذجة يرمي ثيو الجنود الروس المتواجدين في الحانة بالجوز، ويهربوا من الحانة بعد مطاردتهم من قبل الجنود الروس ، في البيت يوجه كورت السؤال الى والده هانز (ماكس هوب) وهو رئيس مجلس المدينة عن ثورة المجر:" هل الثورة في المجر يقودها الفاشيين ؟ ، يرد الاب :" ان الوضع في المجر معقد ، وكل الذي اعرفة انها ثورة مضادة للثورة الاشتراكية في المجر، ربما تكون أشبه بالانتفاضة التي شهدناها هنا في عام 1953 ، وكان المحرضون الاجانب في ذالك الوقت متورطون ايضا". يثور الاب عندما يعلم ان إبنه كورت قد ذهب الى القطاع الغربي من المانيا لزيارة قبر جده (والد أمه) وهو من رجال قوات الامن الخاصة ( أل. أس. أس) وسوف يدخله في مشكلة مع السلطات !. والصارمة تخفي بعض الأسرار ، في حين تبدو والدته آنا (جوديث إنجل )، التي أدت شخصية - الزوجة المعنفة ـ طيبة ولكنها مسلوبة الارادة امام جبروت الاب ، أماعائلة الشاب الاخر" ثيو" تتكون من الاب الذي يعمل في أحد المناجم والدته مع الاخوة الصغار( جاكوب ، وكارل) الذي يتعلق بهم ثيو كثيرا ، والد "ثيو " يأمل أن ينهي أبنه هذه الفصل الدراسي ويتخرج ويحصل على شهادته. يعلم طلاب الصف أن زميل المدرسة بول (إشعيا ميخالسكي) لديه عم غريب الأطوارهو إدغار (مايكل جويسديك)، ويعيش في مزرعة منعزلة على اطراف المدينة ، ويستطيعواعنده سماع الاخبار من الاذاعات الغربية عن أحداث إنتفاضة المجر. يلتقي عنده الشباب ويستمعون الى الموسيقي والاخبار الغربية ، وينصتوا الى صوت المذياع من اذاعة العالم الحر، الاذاعة الامريكية الاقليمية في برلين ، ويصغوا الى الاخبار عن المجر :( تكبد المتمردون خسائر كبيرة في نضالهم من أجل الحرية ، ضد قوات الاحتلال الروسي الليلة الماضية ، وسقط العديد من مقاتلي الحرية ، ويقدرعددهم بالمئات ، بما فيهم كابتن المنتخب المجري لكرة القدم (فيرينك بوشكاش). وفي ستراسبوغ ، أعضاء من الجمعية الاوربية المشتركة وقفوا في ذكرى هؤلاء ألابطال الوطنيين المجريين، والتزموا بدقيقتين من الصمت". وفي المدرسة وقبل بدء حصة التاريخ يطلب كورت من الطلاب " دعونا نقف دقيقتان من الصمت من أجل رفاقنا المجريين الذين سقطوا "، وعند إعتراض صديقهم الطالب العنيف(اريك) على الفكرة ، يقترح الطالب كورت التصويت على لحظة الصمت ، وافق الجميع ماعدا الطالب( أريك ) ، وعند بدء الحصة يدخل المدرس، ويلتزم الطلبة الصمت ويتركون مدرسهم في حيرة من سبب عدم إجابة تلاميذه على أي من أسئلته. وعندما يطلب توضيح لذالك السلوك يخبره الطالب" أريك " بانها إشارة احتجاج ، مما حدا بالاستاذ أن يغادر الصف ويبلغ الادارة بتصرف طلاب الصف ، في البداية يحاول المدير شوارز (فلوريان لوكاس) احتواء الأمر برمته ويعتبرها محاولة صبيانية ، لكن المشكلة تكبر حتى تصل الى مدير المنطقة التعليمية ، التي تأتي مديرة المنطقة- كيسلر (جورديس تريبل) للتحقيق ، رافضة التراجع حتى يتم تحديد زعماء هذه الوفقة الاحتجاجية ، وتبدأ التحقيقات والاستجوابات والتهديد بالفصل لمعرفة من هو صاحب فكرة قائد هذا الاحتجاج حتى يتدخل الوزير، وتظهر شخصية الوزير متعجرف
ومكروه وقد قصد المخرج في ذالك. وأبتدأ التحقيق في البداية من الادارة والطالب ألاول الذي بدأ التحقيق به هو الطالب ثيو ابن العامل البسيط . وأما مدير المدرسة فهو شخصية طيبة وتربوي حقيقي ويرى ان المسألة لاتستحق التاويل والتضخيم حتى لايؤثر ذالك على مستقبل الطلاب وخصوصا وهم على ابواب التخرج ، على عكس بعض المتشددين من المدرسين ( الرفاق) ، على جانب أخر ، يواضب طلاب الصف على التجمع عند الرجل العجوز" أدغار " والاستماع للاذاعة الامريكية من برلين ، وألاطلاع على الوضع في العاصمة المجرية بودابست ومستجدات الانتفاضة المجرية ، ويبدا الاحتفال بعد سماعهم خبر إنسحاب القوات السوفياتية بعد مظاهرات حاشدة من اجل استقلال اكبرمن الاتحاد السوفيتي ، وزعيم المعرضة إيميري ناجي سمي حكومته الجديدة وأعترف رسميا بالثورة ، وأعلن الاتحاد السوفيتي عن نيته لسحب قواته من المجر. بعد إستدعاء الطالب" ثيو" من قبل المدير الذي طلب منه تفسير للوقفة ألاحتجاجية ، أتفق مع الطلبة بعد أن إختلاق عذرأّ وهو إنهم وقفوا دقيقتين صمت حدادا على وفاة اللاعب الدولي بوشكاش، وهو بمثابة التفسير للحظة الصمت وحتى يتجنبوا العقوبة ، ويجري التصويت على هذه الفكرة ( العذر) وتكون النتيجة لصالح تقديم العذر بدل من كشف حقيقة الاحتجاج كي لا يعتبروا أعداء للدولة ، ويبدأ استدعاء الطلاب من قبل الادارة كل على حدة ، ويتم التحقيق القاسي معهم عن اسباب تلك الوقفة الاحتجاجية (لحظة الصمت) بحصة التاريخ قبل ايام ، وبتدخل المديرة كيسلر" مديرة المنطقة التعليمية " اصبح الموضع خارج صلاحيات مديرالمدرسة الطيب ، وكيسلر صارمة وقاسية ولها اسلوب مخابراتي في انتزاع اعتراف الطلبة سواءا بالتهديد او بالوعود الكاذبة ، و تفاجئ "كيسلر" الطلبة بصحيفة وفيها نفي خبر وفاة الاعب الدولي بوشكاش ، وأنه لازال على قيد الحياة لذا تريد سببا اكثر اقناعا ، وان هذا الخبر من ضمن الدعاية الغربية المضادة ، لذا تريد( كيسلر) أن تعرف من اين عرفوا الخبر ؟ ولماذا وأين يستمعوا الى الاذاعات المعادية ؟. وامام إصرار الطلبة على الإنكار. يخبرهم مدير المدرسة ان "كيسلر"مديرة المنطقة التعليمية سوف تكتب تقريرعنهم ، وهم على وشك التخرج ، ويعترض أحد الطلاب على طريقتها في الاستجواب التي تشبه اسلوب الغستابو، ينفعل المدير عند سماع تلك الكلمة ويصرخ " هل لديك فكرة كيف قاتلت أنا وبقية الرفاق ضد الفاشية ؟ ، انت تعديت الحدود ياثيو ، انتم حفنة من ناكري الجميل ، ولا تستحقون ان تكونوا في هذه المدرسة "، ويوجه عقوبة التوبيخ الى ثيو.
المخرج "لارس كرومي" قام بكشف بعض القصص العائلية ، حيث تبين أن والد ثيو- هيرمان (رونالد زيرفلد) من الطبقة العاملة شارك في انتفاضة ألمانيا الشرقية عام 1953 (من الغريب أن ابنه البالغ من العمر 18 عامًا لن يكون على علم بما فعله والده قبل ثلاث سنوات فقط) ، ويحاول منع ابنه من ارتكاب "خطأ" مماثل و لايريد من إبنه أن يكون بطلا على حساب مستقبله فهو يترجى إبنه :" أنت أول رجل من عائلتنا ، الذي أستطاع الدخول الى مدرسة جيدة ، قسم منهم قتلوا في الحروب أوالاخرين قضوا حياتهم كلها يكدحون في المناجم أو في محطات الطاقة أو كعمال الحديد مثلي " ، كذالك والد الطالب كورت وهو رئيس مجلس المدينة والذي يخاف على منصبه ومكانته الاجتماعية ، يحاولون ألاباء إقناع أبناءهم إن تضامنهم مع الانتفاضة المجرية هو الوقوف مع النازية و الفاشية من أجل اجهاض التجربة الاشتراكية . وعند وصول الزائر الثقيل وزير التربية والتعليم لانج ويقوم بدوره الممثل القدير" بورغارت كلوسنر"، وبلغة متعجرفة وذات نبرة تهديد يخاطب الطلبة :" أن محاولة عمل ثورة مضادة ليست بألامر المضحك)، أم انكم تظنون أن الامرسينتهي بعد توبيخ . هذه ثورة مضادة وسأكتشف من هم القادة ، أنا شيوعي ، وأعرف عدو الشعب جيدا ، لقد واجهتهم بالمعارك ، وانا لن أجلس وأشاهد عدو الشعب يحاول تقويض الاشتركية ، ببساطة إذا كنتم ضد الاشتراكيين فسأضربكم بقوة ، أطالب باسماء القادة خلال اسبوع ، وإذا لم أحصل عليها ، فلن يسمح لأحد في هذا الصف الحصول على شهاد الدبلوم في أي مكان في جمهورية المانيا الديمقراطية ، وستواصل الرفيقة كيسلر الاستجواب معكم خلال الاسبوع المقبل، إن لم تكسروا الصمت ، فسوف اغلق هذا الصف في نهاية ألاسبوع". ويبدا مسلسل الاستجواب بالطالب " إريك بابنسكي " ويقوم بالدورالممثل الشاب (جوناس داسلر)، والذي يدافع عن نفسه بانه ليس القائد ولم يكن مشاركا ولأنه ابن"بافل بابنسكي"المناضل الشيوعي سوف لن ينظم أبداّ الى الثورة المضادة" ، ولكنه تحت الضغط يكشف المكان الذي يستمعون فيه الطلبة الى الاخبار الغربية ، وهوعند العجوز أدغار". وهذه اولى بدايات خيانته لرفاقه ، ويتم إعتقال العجوز"ادغار". يعاد التحقيق مع الطلاب لمعرفة من هو صاحب الفكرة و(قائد) الثورة المضادة ينكر الطلبة معرفتهم ، وعند إستدعاء الطالب "أريك "مرة أخرى ، في البداية ينفي معرفته لقائد المجموعة ، ولكن الرفيقة – كيسلر- لم تقتنع بأجابته وتضغط عليه وتخبره أن والدته قد كذبت بحقيقة والده ، وأن اباه لم يمت بطلا بل أعدم لخيانته وتعاونه مع النازين ضد الشيوعيين، ثم تعطيه صورة لوالده ساعة اعدامه ، وتخبره أن لدية خياران :" أما تخبرني من صاحب فكرة الاحتجاج والصمت أو تنشر هذه الصورة لوالدك في الصحيفة الاسبوع المقبل " وتهدده بنشرها ، يضعف أريك ويكشف لها ان كورت هو صاحب الفكرة وهو القائد لتلك الحركة ، هل أنت متاكد من ذالك؟ انت تتهم ابن رئيس مجلس المدينة !!، وعند زيارة المسؤولة – كيسلر- الى بيت رئيس مجلس المدينة ، تخبره بأن الطالب "أريك" قد أدعى أن لحظة الصمت هي فكرة إبنه"كورت"، ونظرا لمكانة والده الاجتماعية عقدت المسؤولة "كيسلر" إتفاقاَ مع كورت ، بانها ستسدعية غدا وعليه أن يقول أن اريك هو المحرض وقائد الثورة المضادة و صاحب فكرة لحظة الصمت و ينتهي الموضوع وتعودوا الى دراستكم ويذهب أريك الى السجن .
بعد خروج كيسلر ، يلتفت الطالب كورت الى والدته ويوجه لها السؤال : " مامدى أهمية قول الحقيقية بالنسبة لك "، تتلعثم والدته وهي المعنفة على الدوام والمسلوبة الارادة وغيرقادرة على الحديث مع إبنها بحرية ، ولكنها تهمس في أذنه "غادر من هنا ولاتعود ، وعليك أن تغادر ألان" ، وفعلا ، ينسل كورت في الليل خلسة ويهرب الى الغرب ، من أجل أن يكمل الاخرين دراستهم ويحصلواعلى شهادتهم. وفي صباح اليوم التالي، وفي الفصل الدراسي تدخل(كيسلر) مديرة المنطقة التعليمية وتقول لطلبة الصف : كما تعرفون ان الوزيرطلب مني تحديد قادة الثورة اليوم ، وكما هو واضح أن الطالب كورت فيشتا قد اعترف بذنبه ، وان والده أخبرنا بان كورت هرب خارج البلاد ، ومع ذالك نريد كل واحد منكم أن يؤيد ويؤكد بأن كورت هو من دبر لحظة الصمت" ، وحين تطلب من صديقة ثيو التاكيد على ذالك ، يرفض ثيو هذا الامر بل يؤكد انها فكرة الجميع ، وبسبب هذا الموقف يطرد ثيو من المدرسة ولن يحصل على شهادة الدبلوم في اي مكان من المانيا الديقراطية !!! ، ويؤمر بمغادرة المبنى حالا ، ويتضامن معه الطلبة فتقرر المسؤولة ( كيسلر) فصل الصف باكمله من المدرسة ، وسط اعتراض المدير شوارتز الذي لايجدى نفعا ، وعند خروجهم يسألون ثيو ماذا نفعل ألان؟ ويخبرهم أن الكثير من الناس يزورون عائلاتهم وأقرباءهم في الغرب في عطلة بين أعياد الميلاد وراس السنة ، وضوابط السفر ليست صارمة ، إنها فرصتنا ، وفي اليوم التالي يستقل الطلاب القطار من محطة ستالينشتات في المانيا الشرقية الى برلين الغربية ، في النهاية يظهر لنا المخرج التايتل ونقرأ :( أن جميع الطلاب تقريبا غادروا بين عيد الميلاد والسنة الجديدة عام 1956 ، وحصلوا على الدبلوم في غرب المانيا ، بقى أربعة طلاب في وطنهم ، (حقيقة تاريخية توفي اللاعب المجري بوشاش في عام 2006). ومؤلف الكتاب الذي أعتمد عليه الفيلم ، هو ديتريش جارستكا، وهو أحد التلاميذ الذين شاركوا في الاحتجاج ، خاطر جارستكا بمستقبله عندما رفض الإجابة على أسئلة مدرس التاريخ خلال دقيقة الصمت لكنه قال فيما بعد " كان الاحتجاج بهذه الطريقة مهما بالنسبة لي كي نوضح لهؤلاء المنحطين أننا نفكر بطريقة مختلفة عنهم". وأضاف لرويترز ساخرا "لقد استخفوا بنا تماما ، واعتقدوا أننا دمى صغيرة تصدق كل ما يقوله الاشتراكيون العظماء". يروي الفيلم فصلًا مؤثرًا للغاية من مذكرات الحرب الباردة ، استنادًا إلى التجارب الشخصية والكتاب الذي يحمل نفس الاسم من قبل "ديتريش غارستكا " وهو واحد من إجمالي 19 طالبًا سابقًا في عام 1956 ، أحضروا جهازًا حكوميًا كاملًا ضد أنفسهم بإيماءة إنسانية بسيطة. تمكن المخرج وكاتب السيناريو "لارس كروم" مع مجموعة من الفنانين الشباب الواعدين والممثلين البارزين الراسخين للسينما الألمانية في فيلمه ( اثورة الصامتة). وعرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان برلين.
فيلم جميل ومؤثر وسينما أوروبية عالية الجودة ، مصنوع بدقة ومثيرة للاهتمام وملتزم ومثير للغاية ، خاصة في قسمها الأخير ، نحن نشاهد دراما تاريخية رائعة ، يتم تفسيرها وتجسيدها بمهارة قصوى من قبل طاقم الممثلين الشباب الأكثر تميزاَ ، أن الأولاد الابطال ، مدفوعين بالحماس ، تجمعهم روابط الصداقة والحب (ليس مثلث الحب الإشكالي الذي شكله كورت وثيو ولينا ، الشابة التي يحبها كلاهما ،) والتضامن ، متماسكين معًا رغم المخاطرة بمستقبلهم الأكاديمي ، من خلال الدفاع عن قضية يعتبرونها عادلة. هناك نموذج آخر ، أمثال المعلمين ، هي نماذح قاسية تربت على القمع الإيديولوجي الذي فرضته المؤسسات التربوية الاشتراكية على شبابهم. وأخيرًا ، انعكست مشكلة الطلاب على العائلات و التأثير على االشباب وجعلهم يكفرون عن خطايا الآباء باستخدام الخيانة من أجل البقاء. وهكذا تعطينا الثورة الصامتة رسالة أمل رائعة ، من خلال الوعد بأن الأجيال القادمة لن ترتكب أخطاء الماضي مرة أخرى. إنها دراما شبابية ، الثورة الصامتة الاسم الذي أعطي عنوانًا لفيلم ، هو رسالة قوية في الدفاع عن حرية التعبير، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أنه لا تزال هناك أماكن في العالم حيث لا يمكن تنفيذ مثل هذا الحق الأساسي بشكل طبيعي ، ويعاقب عليه بالسجن ، وحتى تصل الى عقوبة الإعدام ، وهو ما يشير إلى أنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه وخوض العديد من المعارك الصغيرة والنضال للفوز في جعل هذا العالم أفضل . حكاية بعناصرها الإنسانية تستحق المشاهدة، فلمجرّد الصّمت لدقيقتين في الصف، يتم ملاحقة التلاميذ ووضعهم ضمن خيارات صعبة ظالمة ، ما لا تفعله إلا الأنظمة السياسية المضطهِدة للشعوب، لكن تناول هذه الحكاية سينمائياً، من موقع التعاطف التام مع التلاميذ ، لا يكون دائماً تناولاً موضوعياً أو حيادياً، خاصّة إن كانت هنالك ثنائية واضحة وحادة بين طرفين: شرقية وغربية، السوفييت والأميركان… فذم واحدٍ من الطرفين من خلال المدح بالآخر ينفي عن المدح والذم أي مصداقية ممكنة، والسينما مجال واسع لذلك، يسمح، بسهولة، بالوقوع في إغراءات هذه الثنائية وهذا التباين، خاصة في أفلام تميل إلى التبسيط في نقل الحكايات، فالغاية الأساسية هنا هي إرضاء الجمهور، وهذا الأخير أكثر ما يرضيه، بالعموم، هو إمكانية استسهال تماهيه مع الشخصية الخيّرة، وذلك لا يكون بتلك السهولة إلا بزيادة جرعات الشر لدى الطرف الآخر، فهنالك قاعدة سينمائية هوليوودية تقول بأنّك، كمخرج أو كاتب سيناريو، إن لم تقتنع بأنّ بطلك قادر على استدرار العطف والتماهي من قبل الجمهور، أي أنه ليس بطلاً بما يكفي، اجعل الشخصية النقيضة، الشريرة أشد شرا .
القصة بسيطة بقدر ما هي حقيقية ، وحدثت بالفعل. في مدرسة تابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية يتضامن فصل التخرج في المدرسة الثانوية مع الانتفاضة الشعبية المجرية . الفيلم واقعي للغاية ودقيق في عرضه لفترة زمنية من تاريخ المانيا . كان هذا الفيلم ممتعًا وغنيًا بالمعلومات ، وهو فيلم رائع عن الشجاعة والتماسك ، فيلم يظهر الاختلافات بين ألمانيا الشرقية والغربية في الخمسينيات، وبين ألمانيا ما بعد الحرب ، حيث يتجنب الكاتب والمخرج بشكل مذهل أي نوع من الوعظ أو الانحياز.
المخرج لارس كروم (من مواليد 24 فبراير 1973) هو مخرج سينمائي وكاتب سيناريو ومنتج ألماني. أخرج 35 فيلماً منذ عام 1996 ، قام الممثلون الشباب بعمل رائع في نقل إحباط هؤلاء المراهقين المضطهدين الذين يحاولون إحداث فرق على وجه التحديد . من الواضح أن الصراع بين أصواتهم الفردية وأصوات السلطة وبطشها يتفجر غضب مكبوتا والذي استطاع الممثلون الشباب عكسه في انفعلاتهم وتوتراتهم ، مثل الممثل الشاب (ليونارد شيشر ) بدور ثيو ، والممثل (توم جرامينز) بدور كورت ، وكذالك الممثل الشاب (جوناس داسلر) بدور أريك ، بالاضافة الى الطالبة لينا (لينا كلينكي) والتي يتنازع على كسب قلبها كل من كورت وثيو . "الثورة الصامتة" هي عينة من نضال المجاميع. حيث يضطر الطلاب لمغادرة جمهورية ألمانيا الديمقراطية ليس لعدم القناعة بالقيم والمثل ، ولكن لعدم القناعة بالأساليب في الادارة . الأساليب التي تميزها الأجيال ، إن اختلاف الطلاب مع أولياء أمورهم
يعلّمنا طريقة عمل مختلفة. منهجية مختلفة للحياة ، ولكن في النهاية ، فإن الارتباط الأيديولوجي متشابك تمامًا ، الاضطهاد عند الفرد هو القهر المتساوي بغض النظر عن المثل العليا التي تدعمه.
يرى هؤلاء الطلاب أنفسهم في منتصف الاختيار: العائلة أو مستقبلهم الفردي ،هكذا نفهم الحجم الكبير لهذا العمل السمعي البصري ، في المحصلة يظهر لنا فيلم "ثورة صامتة" عواقب النظام ورقابته على الفرد. إنه صدام بين المجموع والفرد ، ونتيجة "الصالح العام" مع "الصالح الفردي". وبعبارة أخرى ، إنه عمل يقوم في حد ذاته بإجراء حوارات مع ماضي برلين منذ عام 1956 ومعنا ، في الوقت نفسه ، حوارات مع الماضي الألماني ، وبرلين عام 1956 وحاضرنا الحالي ، وإعادة التفكير في الماضي مع الحاضر ونهج المستقبل كمجتمع ، ولكن أيضا مع أدوارنا كأفراد ، قصة الثورة الصامتة على الرغم من طابعها الكورالي ، تركز اهتمامها ، بشكل رئيسي ، على اثنين من الأبطال ، ثيو (ليونارد شيشر) وكورت (توم جرامينز) ، أصدقاء لا ينفصلون يستخدمون عذر الزيارة إلى قبر الجد ، في مقبرة الحرب لعبور الخط إلى ألمانيا الغربية والتسلل إلى عرض لفيلم يشاع أنه يحتوي على مشاهد عري ، يغير تصوراتهم للواقع عندما يلاحظون ، في النشرة الإخبارية التي تسبق الفيلم ، القمع الوحشي الذي يتعرض له الشعب المجري على أيدي القوات الروسية. وإدراكا منهم أن المعلومات تصل إلى الطرف الآخر من ألمانيا بطريقة مشوهة ومتلاعب بها ، يُظهرلنا الفيلم التحقيق الذي أجراه مدراء المدرسة والمقاطعة وكذالك المدرسون . باستخدام تكتيكات وأساليب ملتوية أكثر قساوة من الجستابو لانتزاع أعتراف بأسماء الطلاب المروجين لفكرة الدقيقتين الصامتة ، وكذلك المعضلة التي يواجهها الأولاد عندما يضطرون ، تحت ضغط التهديد بالطرد من المعلمين ونصيحة الآباء المهتمين بمستقبلهم ، أن يختاروا بين البقاء مخلصين لقناعاتهم السياسية وعدم التراجع أو تمويه الحركة. تكريما للاعب كرة القدم . كانت الثورة الصامتة تصويرًا مثيرًا للاهتمام حقًا للعلاقة بين السياسة والشباب في ألمانيا الشرقية. كانوا ممزقين بين الخوف والقيام بما يعتقدون أنه "صحيح" ، وما يعتقده آباؤهم وأعراف المجتمع. أكد الفيلم على قوة الدعاية وكيف تتلاعب الأخبار بعقول الطلاب ، كما يعكس الفيلم المقارنة مع الحياة المعاصرة . حيث تمتلك وسائل الإعلام مثل هذه السلطة على معتقدات المجتمع ، وحيث غالبًا ما تكون هناك معركة بين الأجيال الأكبر سنا والأصغر ومعتقداتهم السياسية المتضاربة ، أظهر الفيلم العديد من هذه القضايا والتي لا تزال ذات صلة .

علي المسعود

هامش :
من مقالة بعنوان : المجر 1956: خريف الأمل نشرت في صحيفة –( العامل ألاشتراكي)- البريطانية -في 28 أكتوبر من عام 2006
https://socialistworker.co.uk/art/9796/Hungary+1956%3A+autumn+of+hope








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج