الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- آيا صوفيا وتراشقات الرأي العربي 1 -

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لقَد تهافتَ الكثيرونَ على التّأييد لقرار المحكمة التركيّة القاضي بإعادة كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجِد، والتي مرّت بحُقبٍ كثيرة، فرضَت عليها ما يِجب أن تكون حسبَ قانون القوّة الذي كانَ يحكمها في كُلّ حُقّبة . فمنذ القرن السادس ميلادي وهي تأخذ معبدًا " كنيسة" لأصحاب الديانة المسيحيّة، إلى حين دخول محمّد الفاتح القُسطنطينية، وقيامه بشرائها بمالهِ الشّخصي، وتحويلها لمسجِد لأكثر من أربعمة عام، حسبَ الرواية العُثمانيّة التي لَم تتمكّن كُل الكُتب التي اهتمّت بالدولة العثمانيّة وتاريخها، مِن أن تتحقّقَ من صحّة هذه الرواية، إلى وقتِ سقوط الدولة العُثمانيّة وإنداثارها، و وصوول " كمال اتاتورك" للحكم، ليحوّلها الأخير إلى متّحف يجمَع ما بين الحضارة الإسلاميّة والمسيحيّة، لكنّ عدّاد عُمرها كمُتحف، توقّفَ اليوم، بعد مطالبات واسعة بدأت مِن عام 1995 لإعادتها إلى مسجِد، لتُعزّز هذه المُطالبات إلى السّاحة من جديد، في عام 2014، في وقتٍ كانَت هذه المُطالبات تقَع على عاتِق جمعيّة تُعرف بإسم " جمعيّة شباب الأناضول " لتستجيب المحكمة بموافقةٍ أردوغانيّة على هذه المطالب، وتقوم بإعادة هذا المُتحف على ما كانَ عليهِ في عهدِ الدولة العُثمانيّة .

إنّني أؤمِن إيمانًا تامّا، بأن تأييد هذه الفئة -التي تُمجّد السياسية الأردوغانية المُتدثّرة بعباءة الدين- لهذا القرار ، يندرجُ تحت أحقيّة التّعبيرِ عن الرأي، وللمُتغنّينَ بهذا التأييد، الحُريّة المُطلقة بمَن يعجبونَ وبمَن يكّرهون . لكن، للأسَف، أنّه وعلى ما يبدو أنّ هذه الفئة التي فرِحت بإعادة معبَد ديني إسلامي، وعبّروا عن إبتهاجِهم بهذا القرار، لا تؤمِن بمَن يُقابلها أو يُعارضها - كما يقولون- بالرأي، فهي تحاول أن تُسكتهُ قصرًا وليسَ طوعًا، إذ أنّ بعضهم قال لي " شخصيًّا" حينما أبديتُ رأيي في هذه القضيّة، بعد أن أرسلَ لي رسالةً واتسابيّة تؤيّد القرار، وتعتبرهُ إنتصارًا للإسلام والمُسلمين أجمَع " لتسكُت الأفواه التي تنعَق بغيرِ الحقيقة " . وهُنا لا بُدّ مِن أن أذكّر هذا الشّخص ومَن يؤمِن بما يقوله هذا الشخص ؛ أنّهُ ليسَ بالأمر الحسَن أن نُسكِتَ تلكَ الأفواه التي قوّلَت من الكلامِ ما لَم تقلهُ، فسكوتُ هذه الأفواه، لأنّها لا تُناسِب ولا تمتزِج مع ما نقول وما نعتقِد، هو أمرٌ ذو دلالةٍ دكتاتورية، ونحن كمسلمين، لا يوجَد بقاموسنا الإسلامي ما يُشير إلى الدكتاتوريّة .

مُحاولًا أن يُدخلَ أسلوب المُقارنة بهذه القضيّة، يسعى بعضهم إلى أن يُفاضلَ ظرفيًّا بينَ ما فعلهُ "الفاروق" في كنيسة القيامة في العهدة العُمريّة، حينما رفضَ أن تُهدم الكنيسة، أو أن يُجتزئ من حيّزها ومالها، وبينَ ما فعلهُ " الفاتح" حينما قامَ بشراء " آيا صوفيا" وحوّلها إلى مسجِد، قائلًا " أنّ الفاروق دخلها صُلحًا، بينما الفاتِح دخلها حربًا" . وهُنا، وبحكمِ إطلاعي على الخلافات الإسلاميّة، وأهمّها الخلافة الراشدة، التي كانَت ترعى أهلِ الذمّة برعايةٍ أفضَل مِن تلكَ الرعاية التي كانت تكرّسها للمُسلمينَ أنفسهم، أستطيع أن أقول : " بأنّهُ لا يجوز الإعتداء على الرموز الدينيّة " الإسلاميّة والمسيحيّة" بما فيها المعابِد . فالكنائس كما هي المساجِد، لا يجِب أن يُمسّا، فسيدنا عُمر - رضي الله عنه- لَم يعرِض على " صوفرونيوس" شراء كنيسة القيامة، مع أنّني أجدُ إختلافًا كبيرًا عن ما قامَ بهِ الفاتِح إن قامَ الفاروق بهذهِ البيّعة ؛ لأنّ شروط البيعة من " حُريّة وسلام" في وقتهِ كانت مُحقّقة، على خلاف ما قامَ بهِ الفاتِح، من استدعاء القساوسة لفرضِ بيّع الكنيسة له، ليحوّلها بعد ذلك إلى مسجِد " .


ومِن جانبٍ آخر، يقول ‏بَعض المؤيدينَ، أنّ هُناكَ أحقيّة -لا جدالَ فيها- بأن يقوم القائمونَ على الأوقاف ببيّعها كيّفما شاؤوا، دونَ أن يكونَ لأحد التدخّل للتصدّي لهذه البيّعة !!

وبعيدًا عن النّقاش في التركيبة العقليّة لهؤلاء الأشخاص، إلّا أنّني أوَد أن أطرحَ عليهم سؤالينِ بسيطين، وهو :

‏الأوّل : منذ متى وهؤلاء القائمونَ يمتلكونَ هذه الأحقيّة، وإن كانَ حقًّا كما تزّعمون أنّها أحقيّة لهُم، فلماذا تسمّونها وقِف إذًا ؟!

الثاني : لو سلّمنا لكُم الأمر، واتّفقنا على أحقيّتهم، ألا يعني هذا، أنّ هُناكَ أحقيّة لكُل مسؤول عَن المُقدسات " الإسلاميّة والمسيحية " ببيعها، ‏خاصة تلكَ التي تدنَّس وتُتغصَب على الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة . و وفقًا لما تزعمونهُ فإنّ القائمون على حمايةِ تلكَ المُقدّسات - أي مُقدسات الأراصي المُحتلّىدة- هُم أولى بها، وأنّ بيعهم لها، يُعطيهم الحقّ القانوني، ويجعلها إرثًا مِن حقّ المُشتري .

ختامًا، ما استنجّته من هذا القرار، أنّهُ ليسَ بذلكَ الإنتصار العريق الذي يُسجَل للمُسلمين، فالإنتصار لا يكون إنتصارًا إلّا على عدو، وليسَ بوضعِ الكفّ على دور العبادة إسلاميّة كانت أو مسيحيّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس