الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين كتاب الأوهام(بول أوستر) وظل الريح(كارلوس زافون)

بلال سمير الصدّر

2020 / 7 / 13
الادب والفن


نعتقد أن القارئ الناجح هو من يلاحق الكاتب وليس الذي يلاحق العنوان،ولكن لهذه القاعدة استثناء واحد،وهذا الاستثناء على قدر كبير من الاهمية،بل هو الذي يجعلك تلاحق الكاتب من اساسه...
ألا وهو العنوان الأول...والعنوان الأول قاعدة تنظبق على كارلوس زافون ولاتنطبق-بالنسبة الينا-على بول أوستر..
ظل الريح للكاتب كارلوس زافون-الذي توفي منذ فترة قريبة جدا أسبوع تقريبا من تاريخ كتابة هذا المقال-هي رواية-أو دعونا نقول عنوان كلفظ يتناسب مع موضوع المقال أكثر- لاحقتني بشهرتها كثيرا-وطبعا الفضول سيدفعني الى قراءة هذه الرواية لأكتشف بأني لن ألاحق الكاتب (كارلوس زافون)مرة أخرى ولن يدفعني الفضول هذه المرة الى قراءة ثلاثية أو رباعية مقبرة الكتب المنسية....
موضوع كارلوس زافون وظل الريح تحديدا يشبه الى حد كبير دان براون وتحديدا شيفرة دافنشي،فإن عدنا الى الوراء قليلا قبل عقد من الزمن،كان الموضوع الرئيسي المطروح بالنسبة للرواية هو شيفرة دافنشي،على ان الشهرة احياننا تؤدي ايضا الى نوع من النكوص بالنسبة الى بعض القراء،ففي ذلك الوقت لم اكن مهتما بقراءة رواية من النوع التشويقي تلاحق الألغاز المستعصية الخفية للوحة العشاء الأخير...
المهم بالنسبة الينا...اين دان براون الآن وأين شيفرة دافنشي؟
الموضع برمته أصبح من التاريخ،لأن رواية شيفرة دافنشي حققت شهرة كبيرة ومن ثم أنطفات بنفس سرعة شهرتها وأعتقد أن هذا سينطبق على رواية ظل الريح لاحقا...
رواية ظل الريح هي رواية من النوع البوليسي لاأكثر ولا أقل،وأي وصف آخر لها فهو مجرد وهم خالي من الواقعية،فحتى لو استفاد زافون من عوالم بورخيس فهذا لن يضفي عليها شيئا أكثر من عوالم تشويقية محملة بالتقرير وفصل ختامي سيكشف كل الألغاز المتشابكة المعقدة المجهولة بجرة قلم واحدة،وليس من باب المبالغة أن اصنف هذه الرواية شخصيا كرواية للصبيان...
ولكن ما علاقة رواية (كتاب الأوهام) للكاتب الامريكي بول أوستر مع ظل الريح للأسباني كارلوس زافون
هنا سأعقد مقارنة بين الروايتين(ظل الريح 2001) و(كتاب الأوهام 2002)
للوهلة الأولى يبدو أن تاريخ نشر الروايتين متقارب جدا،بحيث يجعل من الممكن الافتراض بعدم تأثر أحدهما بالآخر بل التشابه الشديد في الحبكة هو مجرد التقاء أو توارد خواطر...
بول اوستر هو كاتب جعلني لم الاحق عناوينه على الرغم من الشهردة الشديدة لعناوين على شاكلة )ثلاثية نيويورك) فشهرته ككاتب جعلتني الاحقه هو ككاتب وليس كعناوين على الاطلاق...
كانت تجربتي الأولى مع اوستر كانت مع كتاب (اختراع العزلة)،وهو كتاب تأملي رائع يتحدث فيه عن نفسه ككاتب،بل قدره الوجودي كعاشق للعزلة،بين السيرة الذاتية للعالم الماضي وعلاقتها بتأطير نفسية الكاتب وعلاقتها ايضا بالكاتب نفسه،فهو يضفي في الكتاب معنا مزدوجا على الابداع،بين البيئة التي عاش فيها الكاتب وسنوات حياته،/وعلاقتها بالتشكيل وبين الكاتب نفسه الذي يجب ان يكون مؤهلا-ربما ربانيا-للأبداع وأول هذا الت"أهيل هو امتياز العزلة...
الشيء الذي لن انساه أبدا من ضمن كتاب (اختراع العزلة) هو حيرة الوالد اليهودي الذي يمتاز بشيء من البخل اتجاه ولده:كيف لي ان اتصور ان شخصا مثلك-يقصد بول اوستر-يمتلك شهادتين جامعتين يعيش مثل هذه الحياة...
غرفة متواضعة،تقريبا حقيرة يعزل فيها بول نفسه عن العالم...ينكمش على نفسه ليلاحق ابداعه ويلاحق همه الوجودي الانساني الأساسي...
الذي يمتلك شيئا من اي حس ابداعي-مهما كان نوعه أو اتجاهه-سيتفهم تصرف أوستر بالطبع...
عند ملاحقة الكاتب قد لانفشل مثلما نلاحق العنوان،وهو الشيء الذي دفعني الى ملاحقة بول اوستر اكثر بل والتعرف على انتاجه السينمائي كمخرج،فشاهدت فيلم دخان 1995 وفيلم (مركز العالم 2001 ) وفيلم (لولو على الجسر1998)،وكلها أفلام تستحق المشاهدة،ومن ثم قراءة كتاب الأوهام التي حققت نجاحا نقديا منقطع النظير،ولكنها كعنوان لم تصل الى شهرة ظل الريح ،ومع كثير جدا من التحفظ من الممكن القول أن كلا القصتين هم قصة واحدة...؟
تلاحق كلتا القصتين قصة كاتب عند بول اوستر قام هو باحراق كتبه(هكنور مان)،وفي ظل الريح كنا نظن لوهله ان احدا ما قام باحراق كتبه،ولكننا في النهاية نكتشف بأنه هو من قام باحراق كتبه.
عند اوستر تقع هذه القصة كمصير قدري بين يدي كاتب ايضا مثقف ينحو نحو التقوقع الحياتي نتيجة موت عائلته كاملة في حادث سير،فمن الطبيعي ان تتغير نظرته الى الوجود ويحاول ان يقتل وقته بترجمة كتاب ( مذكرات من وراء القبر-للكاتب فرانسوا رينيه شاتوبريان )
تتطور القصة ليلاحق هذا الكاتب قصة كاتب آخر قام باحراق كتبه قبل وفاته(أو ربما لم يمت بعد)
ومن ثم يبدأ التحقيق مدفوعا بالفضول لنكتشف الغازا عن هذا الكاتب الذي كان ذات مرة ذا شأن في السينما ومن ثم تنكشف الاسرار تواليا وكأن المنحى القدري لهذه الحكاية يجعله يضفي شيئا من التبرير على قدره السابق.
تعالج كتاب الأوهام بكاملها مصير الانسان الخفي وغير المتوقع هل هذا الوجود...على هذا الكون....للتسلسل غير المعقول للحياة الانسانية المليئة بالتناقضات والتقلب المبهم لتدفع الانسان من أعالي المجد الى الانطواء Pass Onlyعلى النفس والرضا بالقليل وقبول المسار غير المتقطع للحياة بهدف المرور فقط...
الحياة هي محطة للمرور ليس الا،فنحن نعيشها مرغمين ولا حل لنا سوى المرور أو الانتحار،واذا استبعدنا الخيار الثاني نكون قد عشنا فقط لنسيان الذكريات أو الوصول الى نقطة النهاية من دون الذكريات...من دون الاشارة حتى الى نقطة البداية،فالكاتب الذي يحرق كتبه لايحرق مجرد كتبه فحسب،بل هو يحرق الحياة برمتها،فالحياة بالنسبة اليه ليست سوى كتابا من الأوهام...بل هي الوهم برمته
تتفق هذه النظرة لبول اوستر في كتاب الأوهام مع عنوان فيلمه(دخان 1995)،فالحياة بالنسبة اليه ليست الا دخان...كمن يعبق دخان سيجارة في الشهيق ويخرجها في الزفير...
هذه الوجودية المكررة تنبع هذه المرة من شعور اساسه النظر الى الحياة...بول اوستر لايشرح فلسفة،لايقدم الغثيان كتطبيق أو نموذج لنظرية وجودية،ولا في انتظار غودو كمحاولة شرح او توضيح لامعقولية الحياة...أنه يلتقط من الحياة نفسها...انه يعبر عن نظرة الفرد الى الحياة مستبعدا اي نظرية وجودية سابقة،بل مجرد تأمل محض...
ولكن كل هذه ةالنتائج التي توصل اليها بول اوستر،تتفق مع نظريات ورؤية سابقة لكتاب آخرين مثل كونديرا وسارتر وكامو وكيركغارد وصموئيل بيكيت...فما هو الشيء المختلف الذي قدمه أوستر؟
الشيء المختلف هو طرح االنظرية من الحياة نفسها...
فمع شيء بسيط من التأمل في الحياة مدفوعة بمحرك وجودي(حادث السير في حياة الكاتب الأول) والحوادث المختلفة في حياة الكاتب الثاني،مع نظؤة مكثفة نوعا ما للمحيط والظروف نجد من دون الاغراق بفكر أو فلسفة معينة بان الحياة عبارة عن وهم ليس الا فتتساوى عندئذ جميع المتناقضات...
الغنى والفقر،العبث والطمأنينة والحياة والموت
كل ذلك يقدمه اوستر من خلال تأملية رقيقة وسطحية للحياة،من دون ان يحصر نفسه باطر مدرسة فلسفية أو فكرية أو ادبية معينة...يصل الى نتائجه بابسط التعبيرات اللغوية والتأملات العادية أو الأقل من عادية...

لكن ماذا عن ظل الريح:
ظل الريح هي رواية مركبة من عدة،بل من الكثير من الاحداث المتشابكة ضمن المسار البوليسي المألوف الذي سيؤدي كل حدث مرتبط بالحدث الرئيسي الى مزيد من اللألغاز حول الموضوع برمته حتى تنحل كل العقد كالزجاج المهشم...
دانيال يلتقط كتابا من مقبرة الكتب المنسية-والاسم يوحي بالكثير-صدفة يدعى بظل الريح،لكاتب مجهول الهوية يدعى بخوليان كاراكاس،ويكشف ان هناك من يتتبع كتب خوليان بقصد احراقها،ويظهر مبدأيا بانه أحد شخصيات الرواية(ظل الريح) والذي يدعى بالشيطان،ثم-وأنا لا اقصد الاختصار-تبدأ الحبكة الطويلة المكونة من جميع عناصر التشويق التي تصلح بالتأكيد لفيلم سينمائي بكل سهولة،من الماضي الخفي والاسقاط السياسي عن زمن الحرب الاهلية الاسبانية،والمنزل المهجور الذي يعبق بالاشباح والزنا والبيانو في بيوت الدعارة...
هنا يقدم كارلوس زافون حبكة روائية من الدرجة الاولى،سردية عن المغامرة وعن الغموض وعن البوليسية وادب الجريمة-تماما مثل شيفرة دافنشي-ولكنها بعيدة تماما عن العمق الأدبي التأملي،فظل الريح كفيلم شبك التذاكر بالضبط الذي يرتاده فقط طلاب المتعة...
نحن امام قصتين متشابهتين الى درجة كبيرة-ولااريد استخدام لفظ التطابق-مع اختلاف واضح ومؤثر في المعالجة:
كتاب الأوهام هو رواية عن الخطة العبثية في هذه الحياة
بينما ظل الريح هي رواية عن المغامرة التي لم تتحقق أبد...
29/6/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل