الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشركات تضع يدها على عمارة الفقراء

آزاد أحمد علي

2020 / 7 / 13
الادارة و الاقتصاد


عرفت العمارة الطينية، تلك التي شيدها البناءون والعمال المهرة بعمارة الفقراء، وعلى الأرجح أطلق عليها هذه التسمية المعمار المصري الرائد حسن فتحي أواسط القرن العشرين. فقد تطورت العمارة الطينية التراثية كثيرا في العقود الأخيرة، مما اكتسبت الصفة والاشتراطات التي تؤهلها أن تندرج تحت مسمى (العمارة الطينية الحديثة)، تنقسم هذه العمارة الطينية الحديثة إلى عدة اتجاهات أو أنواع بحسب طرائق وتقنيات التنفيذ. إذ يكون التصنيف عادة حسب تقنية البناء المستمدة من التراث المحلي أو المبتكرة تماما. تتداخل العمارة الطينية الحديثة مع اتجاهات ومدارس معمارية عالمية، فهي تترابط مع العمارة الخضراء (Green Architecture)، والعمارة أو الأبنية المستدامة (Sustainable Building )، كما تتسع أساليب البناء بالمواد الترابية يوما بعد آخر لدرجة أنها باتت أحد أهم الطرق للبناء بالنفايات والأنقاض، وبالتالي تساهم في تدوير المواد الملوثة للبيئة، والتخلص منها. لكن من خلال دراسة المنجز المعماري في العقود الأخيرة، يمكن ترجيح أهم هذه الاتجاهات، وهي طريقة البناء بالجدران الحمالة المدكوكة.
 البناء بالجدران المدكوكة ضمن القالب (Rammed Earth)
هي طريقة قديمة، عرفت منذ مراحل قديمة في مناطق عدة من العالم، خاصة في الصين وأمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا، فمن المحتمل أنها كانت الطريقة الرئيسية في بناء سور الصين العظيم. هذا وقد تطرق ابن خلدون لطريقة وتقنية البناء هذه بالتفصيل في مقدمته ضمن فقرة: صناعة البناء، وسماها بالطابية: "ومنها البناء بالتراب خاصة يتخذ لها لوحان من الخشب مقدران طولاً وعرضاً باختلاف العادات في التقدير وأوسطه أربع أذرع في ذراعين فينصبان على أساس وقد بوعد ما بينهما بما يراه صاحب البناء في عرض الأساس ويوصل بينهما بأذرع من الخشب يربط عليها بالحبال والجدر ويسد الجهتان الباقيتان من ذلك الخلاء بينهما بلوحين آخرين صغيرين ثم يوضع فيه التراب ثانياً وثالثاً إلى أن يمتلئ ذلك الخلاء بين اللوحين على صورة ويركز كذلك إلى أن يتم وينظم الألواح كلها سطراً من فوق سطر إلى أن ينتظم الحائط كله ملتحماً كأنه قطعة واحدة ويسمى الطابية" لمزيد من التفاصيل راجع كتاب: (آزاد أحمد علي وآخرون، الفكر الاجتماعي الخلدوني، بيروت، 2004).
اعتمدت طريقة الجدران المدكوكة (الطابية) بشكل واسع في العمارة الطينية الحديثة وتم تبنيها من قبل معماريين مميزين وكذلك منظمات الحفاظ على البيئة، فضلا عن اعتمادها من قبل شركات الإنشاءات في العديد من الدول، كأمريكا وأستراليا. مما تم إخراجها من دائرة عمارة الفقراء لتدخل عالم الرأسمال.
فهذه الطريقة المستحدثة صالحة لتشييد مباني الخدمات العامة، كالمدارس والمتاحف والاستديوهات والمراكز الثقافية، وبشكل واسع في المباني السكنية. لقد عمت تجربة البناء بالجدران الطينية المرصوصة مختلف أنحاء العالم، من المناطق البادرة في كولارادو الأمريكية وأقاصي كندا الى الصحارى والمناطق الحارة والجافة في أفريقيا.
تم تطوير المبدأ الأساسي في التشييد، أي البناء بالجدران الحمالة، وتنفذيها ضمن قالب محكم الثبات، عن طريق مد خلطة التراب الرطب مع الرمال والحصويات داخل القالب، تمد الخلطة على طبقات بسماكة 20 سم، ثم يتم رصها ودقها يدويا، بواسطة مطرقة، أو ميكانيكيا بواسطة رجاج. على أن لا يقل سماكة الجدران عن 40 سم، أو بحسب ارتفاعها والحمولات التي ستتحملها. ويختلف من بناء بطابق واحد أو متعدد الطوابق.
الخلطة مؤلفة من نسب محددة ومدروسة من الترب والحصويات، وفي أغلب الحالات يضاف نسبة من الاسمنت الى خلطة التربة والحصويات، ليزداد مقاومتها على التماسك والضغط، وكذلك لمقاومة الرطوبة. في المحصلة هذه الخلطة تشبه ما يمكن تسميته بالخرسانة الطينية.
من ميزات هذه الطريقة، الحصول على تصاميم حديثة، حفظ الحرارة وتحقيق العازلية الجيدة، تدني كلفة الإنشاء، حيث يعتمد غالبا على المواد التي تستخرج من موقع المبنى تماما أو في جواره. لكن بعض نماذجها تشيد بشكل مبالغ في رفاهيتها وتكاليف اكسسواراتها، لاقتنائها من قبل بعض الأثرياء من محبي الطبيعة والحفاظ على البيئة.
في المحصلة تدرج العمارة المنفذة بطريقة الجدران المدكوكة ضمن العمارة المستدامة والخضراء، لأنها تحقق معاييرها، خاصة من زاوية عدم الإفراط في استخدام الطاقة أثناء التشييد وطوال فترة الاستثمار، وهي قليلة التكلفة، فقد بينت بعض الدراسات أن طريقة البناء بالجدران المدكوكة تحقق وفرا في تقارب 50% من كلفة البناء، وكذلك توفر الطاقة اللازمة للتدفئة والتبريد بحوالي 70%.
ومن ميزاتها أيضا عدم الحاجة لمواد إكساء الجدران، فقد يجد المصمم طرائق لإبراز ألوان المواد الحصوية والتربة الداخلة في تركيبة خلطة الجدران.
التجارب الناجحة بطريقة البناء هذه عديدة وواسعة الانتشار لدرجة لا يمكن حصرها في مختلف أنحاء العالم، لكن تبنيها من قبل الشركات الإنشائية في العالم الرأسمالي تدفعها أيضا لتكون موضوعا للربح و لتحقيق مزيد من الأرباح ومنافسة المنشآت المشيدة من الخرسانة المسلحة، وبالتالي إفراغها من هدفها الجوهري وهو تأمين سكن مريح وقليل التكلفة لأكبر عدد من المحتاجين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة


.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية




.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط