الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس الشر، قراءة أولية في قرار مجلس الشر ( الأمن ) رقم ٢٥٠٤.

عمرو حديفة

2020 / 7 / 14
دراسات وابحاث قانونية


دائما ما تعمد الدول إلى تعيين خيرة اخصائيها الحقوقيين و السياسيين و اللغويين في مهمة مندوبها الدائم و فريقه في الأمم المتحدة. و هذا ما لاحظته جليا في الصدام الذي حصل في مجلس الأمن في الاسبوع المنصرم ( بين ٧و ١١ تموز الجاري). حيث احتد الخلاف حول اقتراح تمديد مفاعيل قرار مجلس الأمن رقم ٢٥٠٤ لعام ٢٠١٤، لمدة عام ( و هو القرار القاضي بإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل سورية من خلال عدة معابر حدودية، دون التنسيق مباشرة مع الحكومة المركزية في دمشق. حيث تقلص عدد هذه المعابر خلال سنوات الحرب على سوريا، تبعا للتغيرات الميدانية و استعادة الحكومة المركزية لسيطرة على ٦٣% من مساحة البلاد. و بقي حتى مطلع عام ٢٠٢٠ ثلاثة معابر ( هي اليعربية مع إقليم كردستان العراق، و باب السلام و باب الهوى مع تركيا). استطاعت روسيا في شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ تقليص هذا العدد إلى معبرين فقط ( المعابر مع تركيا)، و كان الخلاف على أوجه ُ في الاسبوع الماضي حول مطلب روسي صيني يقضي بتقليص العدد إلى معبر واحد فقط هو باب الهوى، و إيصال باقي المساعدات عن طريق التنسيق مع دمشق، و حول مطلب الماني- بلجيكي، يقضي بالإبقاء على المعبرين دون التواصل مع دمشق.
قدمت روسيا و الصين مشروعي قرار يتضمنان تقليص عدد المعابر إلى (واحد)، قابلة للتقيم بعد فترة، و تضمن ايضاً إشارة إلى العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على سوريا، كجزء من أسباب معاناة الشعب السوري، طبعا رفض القرار ب ( فيتو) من أعضاء حلف الناتو في مجلس الامن.
و في النهاية اتفق الأطراف على تمرير المقترح الاماني- البلجيكي، المعدل، و القاضي بتمديد عمل مفاعيل القرار رقم ٢٥٠٤ لمدة عام واحد فقط من معبر باب الهوى المسؤول عن منطقة ادلب الخاضعة للاحتلال الاخواني- العثماني.
هذا كان ملخص ما حدث، و الآن لنحاول الاجابة على بعض الأسئلة كمفتاح للتحليل:
١- لماذا اقترحت المانيا و بلجيكا تمديد القرار؟
٢- لماذا رفض مشروع القرار الروسي الصيني؟
٣- لماذا اقترحت روسيا و الصين مشروع القرار الذي رفض فيما بعد؟ ثم لماذا وافقوا على المشروع الألماني المعدَل للقرار ؟
٤- ما الذي سوف يجنيه الشعب السوري من هذا القرار؟
اولا: لماذا الاقتراح الماني بلجيكي؟
تعتبر المانيا و بلجيكا هما الدولتان المسؤولتان عن الملف الإنساني في المسألة السورية لدى مجلس الامن، هذا الظاهر . اما من حيث الجوهر فإن مفاعيل هذا القرار الذي اتخذ عام ٢٠١٤ كانت سوف تنتهي في ١٠ تموز يوليو الجاري. و إصرار الناتو على التجديد هو طبعا ليس بدافع انساني، وإنما إرضاءاً لاردوغان، و تفاديا لأي محاولة ابتزاز جديدة لهم من قبل الأخير، عن طريق فتح أبواب الهجرة بحجة عدم القدرة على تحمل النفقات، هذا من جانب. و من جانب ثاني الهدف هو سياسي و هو إبقاء السوريين الموجودين خارج سيطرة الحكومة المركزية في مآمن من العقوبات الأمريكية، تعزيزاً للانفصال الثقافي و الاقتصادي عن الدولة المركزية السورية و التي تظهر بوضوح أثناء التعامل بالليرة التركية في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي، و بالدولار الأمريكي في رواتب من يحارب دفاعا عن الاحتلال الامريكي شمال شرق سوريا.
ثانيا: لماذا رُفِضَ مشروع القرار الروسي الصيني؟
أرادت روسيا و الصين تقليص عدد المعابر إلى واحد فقط، هو باب الهوى، و أن تدخل باقي المساعدات إلى سوريا من خلال التنسيق مع دمشق، و أيضا تجريم العقوبات الأمريكية على سوريا بوصفها جزء من الأسباب الكامنة وراء الأزمة الإنسانية. ولكن رُفِض القرار من قبل الناتو، لان من شأنه أن يزيد الصعوبات على تركيا و خاصة في المناطق التي تحتلها، اي مناطق الباب و جرابلس و اعزاز شمال حلب، والتي كانت تدخلها المساعدات من معبر باب السلام. و بالتالي سيزيد الطين بلة بالنسبة لأردوغان، الذي يتسول المساعدات للسوريين لحل مشاكل داخلية بحتة في تركيا. و من الممكن أن يفلت الوضع من عقاله و تتفجر موجة نزوح جديدة إلى اوربا، و إلى خسارة الاحتلال التركي لمواقعه شمال حلب هذا اولا . ثانيا و هو الشق السياسي الخطير بالنسبة للغرب: التعامل مع الحكومة السورية حتى و لو على صعيد المساعدات الإنسانية، فإن ذلك سيعني اعتراف غربي بشرعية الحكومة المركزية، و الذي سوف يرتب عليهم التزامات دولية بموجب القانون الدولي من قبيل ( حفظ السيادة الوطنية السورية، رفع العقوبات الاوربية، وقف تمويل " المعارضة المسلحة" علنا، و وقف تقديم اي مساعدات مادية او لوجستية لقياداتها " أماكن الإقامة و الفنادق و القنوات الاعلامية" ) لان ذلك يتعارض مع مبدأ سيادة الدول و حفظ السلم و الأمن الدوليين، و هما أكثر كلمتان يتبجحوا بهما علينا. حاول الروس لتمرير مشروع القرار استخدام الدهاء اللغوي، و لكن المحاولة لم تنطلي على حلف الناتو.
ثالثاً: لماذا اقترحت روسيا و الصين هذا القرار، ثم وافقوا بعد ذلك على التعديل الألماني؟
ظاهريا فإن القلق الروسي كان إيصال المساعدات الإنسانية ولكن مع حفظ وحدة و سيادة الأراضي السورية، و شرعية الحكومة المركزية. ولكن يوجد شيئ جوهري خلف ذلك؛ و لفهم هذا الجوهر علينا أن نعرف أن القانون الدولي يعاني من مشكلة منذ تأسيسه و هو افتقاده إلى هيئة تشريعية، و بالتالي فمجلس الأمن هو التشريع و هو التنفيذ ( اي هو الخصم و الحكم)، و العديد من قرارات مجلس الأمن تعتمد على مصالح الدول الأعضاء و خاصة صاحبة حق الفيتو، و يعد القياس أحد أهم طرق سن القرارات في هذا المجلس المشؤوم. و القياس يعني قياس حادثة على حوادث سابقة فتتحول إلى قاعدة عرفية ثابتة في القانون. و هنا انسجمت الصين مع موقف السوفييت التاريخي الذي رفض إدخال مساعدات انسانية إلى التيبت عن طريق باكستان في خمسينيات القرن الماضي دون تنسيق مع حكومة بكين، و إذا وافقت على ذلك فإن هذا سوف يغذي الطموح الانفصالي في كثير من الأقاليم الصينية بدعم غربي، ولن تخشى هذه الأقاليم من الحصار لان انتهاك السيادة بحجة حقوق الإنسان سيصبح عرفا ثابتا و قانونيا. و كذلك روسيا في أقاليم الجنوب، و خاصة المسلمة منها.
ثم اتت عدم الممانعة (و ليس الموافقة)، الروسية-الصينية، على التعديلات الألمانية القاضية بتقليص عدد المعابر إلى واحد ، و جعل التمديد لمدة عام. و هكذا تكون روسيا و الصين قد تقدموا خطوتين للامام و تراجعوا خطوة واحدة، و هذا اسلوب سياسي معتمد في الكثير من المراحل التاريخية، ( أزمة صواريخ كوبا و التعاطي السوفيتي معها، يعتبر نموذج من هذا القبيل).
رابعاً: ما الذي سوف يجنيه الشعب السوري من هذا القرار؟
لا بد أن جزء من الشعب السوري الذي يسكن في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي، ( ما تبقى من ادلب حصراً) سوف يتلقى الفتات الذي ستقدمه الأمم المتحدة، و سوف يتباهى أعضاء مجلس الأمن بهذا. ولكن ٩٠% من الشعب لن تصله من ذلك إلا الخيبة و سوء الحال. فكما أوضحت في هذه القراءة الاولية، فإن هذا السعار السياسي و القانوني في مجلس الامن، ابدا ليس بداعي الحرص على الشعب السوري ، سواء إن نام جوعاناً أو متخوماً، و إنما بازار سياسي و انتهازي بحت. فخطابات حقوق الانسان هي (برفان) باهض الثمن من أجل تغطية الرائحة النتنة للرأسمالية. وكم من مساعدة إنسانية اتضح فيما بعد أنها ذخائر و سلاح، و آخرها في اليمن، الذي وجد على القذائف الصاروخية في معسكرات القوات السعودية في الجوف بعد طردهم منها، شعارات وكالة التنمية الامريكية.
في النهاية الصراع في مجلس الأمن هو حرب و لكن بقفازات بيضاء، و لا يعتقد اي شعب في العالم، و خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، أن هذا المجلس سيضمن له حقاً ما، إنه فقط تجمع للشر، و للتناطح الإمبريالي قانونيا على اقتسام العالم. ولكنه شر لا بد من مواجهته، فهو لن يفيدنا بشيئ و لكن تجاهله، يقتل.
أنها الرأسمالية و أدواتها العفنة في إدارة العالم. و هو صراع أغنياء العالم ( الأخوة الأعداء) ضد فقراءه، ولن يتغير الوضع ضمن آليات ذات النظام. لذلك الإطاحة بالرأسمالية لم تعد حلماً، و لم تعد خياراً، بل أصبحت أكثر من أي وقتٍ مضى، ضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا