الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادارة ترامب تجرجر اميركا نحو الهاوية

جورج حداد

2020 / 7 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر



حينما انتخب ترامب لرئاسة اميركا في نهاية 2016، فهو جاء واميركا لا تزال تعاني بشدة اثار الازمة المالية ـ الاقتصادية التي انفجرت في 2008. وجاء ترامب من اوساط البيزنس مباشرة، ومن خارج دائرة رجال السياسة المحترفين. وحينذاك سارت ضده المظاهرات والاعتصامات، وطرحت شعارات وافكار مثل "الموت ولا ترامب" و "ترامب سيخرب اميركا" و "ترامب آخر رئيس لاميركا". وكانت تلك الحركة الاعتراضية في الشارع، على انتخاب رئيس، هي الاولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية. واعتبر الكثير من المحللين حينذاك ان هذه الحركة ليست موجهة ضد ترامب شخصيا اكثر مما هي نوع من التنفيس عن الغضب الشعبي عن الحالة الاجتماعية التي وصلت اليها اميركا حينذاك، من بطالة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، ونقص الخدمات الاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر.
وحينما دخل ترامب البيت الابيض رفع شعار "اميركا اولا"، واعطى الانطباع بأن الهم الاول له ولادارته سيكون تعزيز الاقتصاد عامة، ومن ثم تحسين الشروط المعيشية في اميركا. وفي ظل هذا الانطباع الوهمي اصدر قوانين في 2017، ينتهي مفعولها في 2021، وتقضي بتخفيض الفائدة بشكل ملحوظ على الانتاج والتوظيفات والاستثمارات والخدمات والسلع الاستهلاكية، لتحفيز الناتج المحلي القائم، وزيادة الوظائف وفرص العمل وتخفيض البطالة ومعدلات الفقر. واعلن فرض رسوم جمركية جديدة على السلع المستوردة بدأها برسوم اضافية تتراوح بين 10% و25% على استيراد الالومنيوم والصلب، وذلك بدون التشاور مع الدول المعنية، ومنها "الصديقة" التقليدية لاميركا ككندا والمانيا.
وبمختلف الحجج والذرائع عمدت ادارة ترامب الى مضاعفة العقوبات الاقتصادية بشكل خانق تماما ضد روسيا وايران وكل الاطراف التي تتعامل معهما. كما عمدت الى شن الحرب التجارية المسعورة ضد الصين. وذلك كله في محاولة يائسة لتقليص واضعاف الدور الذي تضطلع به تلك الدول "المعادية" في الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية، ولا سيما في قطاع الطاقة والاسلحة والتكنولوجيا العليا.
وفي نظر الكثير من المحللين بدا وكأن ترامب وفريقه يعملان كل شيء لاجل النهوض بالاقتصاد الاميركي وتحسين شروط حياة المواطنين الاميركيين. واستنادا الى هذا الانطباع الوهمي كان ترامب يأمل في النجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة والحصول على فترة ولاية ثانية. ولهذه الغاية، وبحجة انقاذ الاقتصاد الوطني، كان ترامب ومستشاروه على استعداد، وباستهتارية فظة واجرامية، لان يضحوا بحياة عشرات ومئات الالوف من الاميركيين ولا سيما المسنين والمرضى لدى انفجار وباء كورونا.
وفي هذا السياق كان ترامب على استعداد ان يتقبل، كحقيقة لا يرقى اليها الشك، كل ما ينسجم مع سياسته واهدافه. وكان يستبعد من الدائرة المحيطة به كل من لا ينسجم مع رأيه، ويستبعد مصدر كل انتقاد يوجه لسياسته. وكان يتجاهل كل الوقائع التي تعيق حساباته السياسية. وكانت اجندته السياسية واضحة للغاية وهي:
ـ1ـ ان يجعل الاغنياء اكثر غنى،
وـ2ـ ان يدعم الجماعات الراديكالية، العنصرية (البيضاء الانغلو ـ ساكسونية) والدينية (البروتستانتية والمسيحية المتصهينة واليهودية)،
وذلك من اجل الحصول على الاصوات في الانتخابات الرئاسية القادمة، ومهما كانت نتائج هذه السياسة الخرقاء.
وحتى بداية ازمة كورونا كان هذا التاكتيك يعمل بنجاح. فكان الاقتصاد يدور، والمعطيات المجمّلة عن البطالة اصبحت اكثر جمالا. وكانت النواة الضيقة حول ترامب تغتبط لهذا "الرجل القوي" في البيت الابيض، الذي يقوم بمظاهرة امام العالم كم هي عظيمة اميركا حينما تهتم فقط بنفسها على حساب الاخرين جميعا، اعداء وخصوما وحلفاء واصدقاء.
وفجأة ظهر الفيروس القاتل، كصاعقة في يوم مشمس وسماء صافية. فأحترقت جميع الاوراق الذهبية التي كانت في يد ادارة ترامب.
ولكن في حين كان العالم بأسره مشغولا باتخاذ الاجراءات الضرورية للوقاية من الفيروس، فإن ترامب رفض منذ البداية الاعتراف بالواقع المستجد. وبدا وكأنه يقوم بـ"عرض واقعي" Sho realistic في التلفزيون، عرض كتب هو بمفرده السيناريو له.
ومنذ اليوم الاول للوباء بدا ترامب والقسم الاكبر من مستشاريه بأنهم على استعداد ان يضحوا بعشرات ومئات الالوف من المواطنين ولا سيما المسنين والمرضى، فقط وفقط كي لا تعود المؤشرات السيئة للاقتصاد، وان يضمن النجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة. فأصرت ادارة ترامب ان تستمر الحياة الاعتيادية كما في السابق: لا إغلاق للمخازن التجارية، ولا تخفيض لعجلة الدورة الاقتصادية. فنتج عن ذلك وقوع نيويورك في أتون حقيقي للوباء. وكان على ترامب حينذاك ان يتحمل المسؤولية، وأن يضع صحة وحياة المواطنين الاميركيين في المقام الاول من الاهمية. وكان يتوجب عليه ان يدعو الناس لوضع الكمامات والمحافظة على التباعد الاجتماعي، حتى لا تسوء الامور اكثر مما كان. وهو ما لم يحدث. بل اصر ترامب على الاستمرار في الظهور بمظهر الرجل القوي الذي لا يعرف الضعف، واوحى وكأن مجرد وضع الكمامة هو عمل سياسي ضده. وقد جرى استغلال كل شيء وتحويله الى اداة تحمل رسالة سياسية ـ حزبية. وليس من الصدفة ان غالبية الجمهوريين اصبحوا يعتبرون الكمامة بمثابة رمز تظاهر لصالح الدمقراطيين. ولهذا السبب انتشر الوباء اكثر ما انتشر في المناطق التي يهيمن فيها الجمهوريون.
وفي حين كان يراد مساعدة الاقتصاد، فإن الذي حدث هو العكس. حيث ان الولايات التي عانت اكثر من الوباء هي بالتحديد الولايات التي كانت اكثر ليبيرالية وتخفيفا للاجراءات الوقائية ضد الوباء. وقد حظي المسؤولون عن تلك الولايات بدعم خاص من ادارة ترامب.
واخيرا، حينما اضطر ترامب للاعتراف بخطورة الوضع فإنه عزا كل شيء الى "عمل عدائي" ووجه اتهاماته الحادة خاصة ضد الصين.
وفي هذا الصدد يقول بعض المحللين ان انتشار الوباء كان "صناعة اميركية" وتطويرا للحرب التجارية ضد الصين الى حرب بيولوجية كان هدفها تخريب الاقتصاد في الصين وزعزعة الاستقرار السياسي فيها. ولكن الصين استوعبت الهجوم البيولوجي بفعالية كبيرة وسرعة قصوى، وردت على الهجوم بهجوم مضاد.
واذا افترضنا جدلا ان الاتهامات الترامبوية للصين هي صحيحة، وبالتالي ان نظرية الهجوم الصيني المضاد هي صحيحة، فهذا يقودنا الى الاستنتاجات المنطقية التالية:
ـ1ـ إن الهجوم المضاد الصيني لن يتوقف، طالما ان الاتهامات الاميركية ضد الصين (لتبرير عجز ادارة ترامب تجاه الوباء) لن تتوقف.

ـ2ـ ان عدد الشركات الاميركية، الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، التي تعمل في الصين، يبلغ الالوف. وبالتالي ان حركة التنقل بين البلدين للاشخاص (الاميركيين، والصينيين، والاجانب، العاملين والمتعاملين مع الشركات الاميركية في الصين) يبلغ الالوف.
ـ3ـ ان السلع الرخيصة الصينية تدخل كل زاوية وكل مرفق وكل بيت في اميركا.
ـ4ـ لا يعلم الا الله ما هي "الهدايا الخاصة" التي يحملها الوف الاشخاص الوافدين الى اميركا من الصين، ومئات ملايين السلع الصينية المصدرة الى اميركا.
ـ5ـ وفي هذه الحالة فإن اميركا تقف الان امام احتمالين كل منهما اسوأ من الاخر:
أ ـ اما القطيعة الكاملة والاقتصادية التامة مع الصين، والمنع التام للسفر بين البلدين وخسارة جميع الشركات الاميركية في الصين، ومنع استيراد السلع الصينية الرخيصة التي تبلغ قيمتها الوف مليارات الدولارات. وهذا يعني الانهيار التام للاقتصاد والمجتمع الاميركيين، لانه ليس لدى اميركا المعاصرة بديلا عن كل ذلك. وبالتالي تفكك الدولة الاميركية وزوالها.
ب ـ واما استمرار الحركة بين البلدين واستمرار استيراد السلع الصينية، ومن ثم عجز الادارة الاميركية عن مواجهة الهجوم المضاد الصيني، والمغامرة بتحويل وباء كورونا الى تسونامي بيولوجي يقع ضحيته ملايين الموتى وعشرات ملايين المصابين من الاميركيين. وبالتالي يكتسح التسونامي الوبائي تماما الاقتصاد الاميركي ويمزق الدولة الاميركية ويدمرها.
ـ6ـ ان الازمة التي تمر بها اميركا ليست ازمة جزئية او مؤقتة او عابرة، بل هي ازمة وجودية حقيقية.
وحينما انتخب دونالد ترامب، اعتبر بعض المحللين انه جاء "من خارج" الازمة الوجودية للدولة الاميركية. وانه سيتعامل مع هذه الازمة ويعالجها بجرأة وعقلانية "من خارجها". ولكن الوقائع الجارية تثبت اكثر فأكثر ان مجيء ترامب هو احد تمظهرات الازمة وانعكاس لها. وهذه الازمة ستستمر بوجود ترامب وبدونه.
ولكن ترامب وفريقه و"حزبه"، الذين وضعوا اميركا ضد العالم، ووضعوا الشعب الاميركي امام المصير الاسود المجهول، يسرّعون عملية جرجرة اميركا نحو هاوية الانهيار التام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا