الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب لك تنحني الجبال من مراثي الأحبة االجزء العاشر

بلقيس الربيعي

2020 / 7 / 14
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


رفيق عصي على النسيان


يصعب على المرء احيانا الكتابة عن شخص أثير لديه ، فقده فجأة ، وترك في داخله ظلالا كثيفة من الحزن والالم. ورغم تقادم الايام والسنين ، تبقى تلك الصعوبة متشبثة بمواقعها ، ساعية للأستقواء بالزخم العاطفي والوجداني ازاء ذلك ألانسان، الذي عادة ما يكون استثنائيأ في سماته الشخصية وفي عطائه ونظرته الانسانية.
واحد من هؤلاء الافذاذ هو الشهيد الدكتور " محمد بشيشي " أبوظفر .
تعرفت اليه في بقعة نساها الله والبشر ، تقع عند حافة الربع الخالي في اليمن الديمقراطية سابقا ، وفي المحافظة الرابعة تحديدا، تسمى " عتق " وهي منطقة صحراوية جرداء تتوسط السعودية واليمن ، وتأكل فيها الماشية اوراق الصحف لشحة الاوراق الخضراء ! وهذه ليست نكتة على الاطلاق ، بل أوردتها بالمعنى الحرفي للكلمة . كان الموظفون اليمنيون عندما يعينون فيها، اما انهم يرفضون التعيين منذ البداية ، او يعبرون الحدود الى السعودية بعد اسبوع واحد من وجودهم فيها . لكن كوكبة من الشيوعيين العراقيين يربو عددهم على الخمسين استطاعوا تجاوز محنة التخلف ، وحياة القرون الوسطى في هذه المنطقة النائية ، فأشاعوا الدفء والآمل بين اهاليها ، وانسجموا معهم الى الحد الذي دفع قيادة الحزب الآشتراكي اليمني الى الطلب من الحزب الشيوعي أبقاءهم هناك واستثنائهم من الذهاب الى كردستان ، لآن البدو من سكان المنطقة قالوا لهم بصريح العبارة ، اذا كان هؤلاء هم الشيوعيون، فكلنا سنكون شيوعيين ! وفي طليعة هؤلاء المناضلين كان" ابوظفر" يعمل بنكران ذات ، وبهدوء ما بعده هدوء . يصل الليل بالنهار لخدمة أهالي المنطقة ومعالجتهم ، مهما بعدت المسافات وكانت الطرق غير سالكة . كما لم يغفل معالجة الرفاق والآهتمام بهم ورعايتهم. وكم مرة أنقذ حياة رجال ونساء كانوا على وشك الموت بفطنته وذكائه وخبرته المهنية الكبيرة . ولذلك اصبح مضرب المثل في عموم المنطقة .
لم يقتصر تميزه على الجانب المهني وحده ، وانما كان بارعا أيضا في نسج أفضل العلاقات السياسية والأجتماعية مع اليمانيين وشكلت ثقتهم العالية به سابقة غير معهودة في كل اليمن الديمقراطية ، عندما طلبوا منه حضور اجتماعات اللجنة المحلية للحزب الآشتراكي اليمني في المحافظة للاستفادة من أرائه ومقترحاته ونصائحه .
وفي داخل بيته الذي خصص له من قبل ادارة المستشفى التي عمل فيها ، كان يستضيف برحابة صدر رفاقا عديدين بصورة دائمية ، ورفاق اخرين يأتون لقضاء عطلة الاسبوع ، فيصل العدد الى (15) رفيقا ورفيقة. وفي أحيان أخرى أكثر من هذا العدد .
كانت الأبتسامة لا تفارق ثغره مهما كانت الظروف ، وسعى لتوفير كل مستلزمات الراحة والأنسجام لنا جميعا، فكنا حقا عائلة واحدة ، نقتسم كل ما يخصص له من أدارة المستشفى .حتى الطعام الذي كانت تتبرع في اعداده، زوجته الوفية " أم ظفر" رغم مشاغلها الكثيرة ، فهي كانت مدرسة للغة الأنكليزية ، ولديها طفلان رائعان هما " ظفر ويسار " ومع ذلك كانت تجد الوقت الكافي لأعداد مائدة جماعية يتسابق الرفاق في التهام ما تحتويه .
كان الشهيد يبتكر وسائل وأساليب عديدة لأشاعة المرح والسرور في نفوس عائلته ورفاقه ، فأوجد لنا لقاءأ في كل يوم أربعاء ، على غرار البرنامج المعروف في الأذاعة المصرية أنذاك والمسمى ب " حديث الأربعاء " كان يطلب فيه أن نسأله عن أي شيء ، بدءً من القضايا الصحية ، وانتهاء بالسياسة . وكان الفقيد " ابوسنية " متميزأ في طرح الأسئلة الطريفة والمهمة في أن واحد .
ويوم كانت الجرأة والشجاعة في الطرح ، مثل كاعب حية ، ما أن تطل برأسها حتى تسحبه على الفور ، كان الشهيد " ابوظفر " نموذجأ رائعأ في التفكير بصوت عال . وطرح كل ما يدور في ذهنه من أراء وافكار ومقترحات ، سواء ما يتعلق منها بالأوضاع السياسية في العراق ، أو لتطوير العمل الحزبي ، دون خشية من أحد . ودخل مرات كثيرة في حوارات ساخنة مع مسؤول المنظمة الطيب والحريص والذي كان يلقب ب ( النينو ) من قبل اليمانيين ، لرقته وقصر خطواته وتسارعها .
ورغم حاجة اليمانيين له ، ووجود قرار حزبي ببقائه في اليمن ، الا انه أصر على الذهاب الى كردستان ، ومشاركة رفاقه الأنصار في نضالهم ضد الدكتاتورية .
وهناك أبدع أيضأ ، فكان شعلة وهاجة لا يهدأ لها أوار ، يتنقل من قاعدة الى أخرى ، لمعالجة من يحتاج الى المعالجة ، وساهم في العديد من المعارك البطولية ، وأخرها ذلك الكمين القاتل يوم (27/09/1984 ) ، عندما عاد مع رفاقه من سوريا وهو يحمل الأدوية وبعض المعدات الطبية ، حيث فاجأهم الجحوش والقوات الخاصة وهم في وسط النهر فتبادلوا اطلاق النار معهم ، وأستشهد عدد من الرفاق وجرح أخرون ، كان من بينهم الرفيق " أبوظفر " الذي تعرض الى تعذيب بشع على أيدي جلاوزة السلطة وأجهزتها القمعية ، فاستشهد بطلاً والتحق بقافلة الخالدين دفاعأ عن مبادئه وطموحات شعبه ، ليكون شمسأ تضيء للسائرين على هذا الدرب النبيل ، ونموذجأ لشهيد شيوعي ، أبى الا أن يترك بصمته في سجل المجد والخلود .


جاسم محمد اللبان













سماوتك لن تنساك


كانت هوايتنا المفضلة هي قراءة الكتب ، وكنا نرتاد المكتبة العامة الوحيدة في السماوة بشكل يومي تقريبا ، وكان بيننا منافسة في عدد الكتب التي نقرأها ونتناقش في محتواها دائما . كانت أفكارنا ومداركنا تتنقل بين نجيب محفوظ وطه حسين والمنفلوطي وسلامة موسى وإحسان عبد القدوس وأرنست همنغواي وسيجموند فرويد ... الخ ونضجت شخصياتنا من خلال هذه القراءات وتبلورت افكارنا وكنا نشعر بالفخر بأننا سبقنا أعمارنا في الإدراك والتفكير بخطى ثابتة .
كان الشهيد ابو ظفر صادقا ، وفيا ، محبوبا ومتفوقا في دراسته . وحين كان لايزال طالبا في كلية الطب كانت لديه رغبة وإستعداد لدراسة الحقوق في الدوام المسائي . ليس لديه إهتمامات جانبية في حياته سوى الدراسة وا لقراءة والتثقيف الذاتي . كان يحمل افكارا تقدمية وليس لديه إنتماءات سياسية خلال حياته الدراسية الى ان تخرج من كلية الطب ،و بعد أن تعين طبيبا في معمل سمنت السماوة ، تبلورت لديه فكرة الإنتماء الى الحزب الشيوعي العراقي بعد ان كان صديقا للحزب .

هاشم نعمة


المجد والخلود لك يا ابا ظفر


كنا نسكن في زقاق واحد و أنهينا الدراسة الإبتدائية سوية . وفي عام 1964جمعنا صف دراسي واحد في ثانوية السماوة الوحيدة في مدينتنا في ذلك الوقت . أكملنا الثانوية بتفوق ودخلنا كلية الطب وتخرجنا عام 1970. تعين ابو ظفر طبيباً في معمل السمنت في السماوة ، المدينة الوادعة الحالمة . كان ظاهرها يتسم بالهدوء الماكر الحكيم ، ولكنه يستبطن العنفوان ويرنو الى الإبداع والتجديد وتفجير طاقات الشباب المثقف الواعد . وفي مقدمة الطليعة كان ابو ظفر ... ، كالنخلة باسقة الطول كبرياءً وشموخاً ، وكسعفها تواضعاً ورحمة وكثمرها عطاء وحباً لمن يعرفه ومن لا يعرفه ... كالنخلة كان ثابتا على مبادئه وعلى الدوام تتعمق جذورها في الأرض الطيبة ، وإن تعرضت النخلة للريح مهما كانت شدتها فلا نجد منها إلا حركة لابد منها في سعفها مع تساقط الثمر ، بجني من حولها .. هكذا عرفتُ ابا ظفر ولهذا احببته …المجد والخلود لك !

الدكتور : سعد محمد شاكر


ابا ظفر … في قلوبنا

كنت معجبا بشخصيته ، بتواضعه واسلوبه في الكلام وإبتسامته التي لاتفارق شفتيه . وكنت اسمع عنه من عمال شركة سمنت السماوة بانه محبوبا وقريبا منهم ويقدم لهم كافة المساعدات الطبية …
بعد ان تهدم جدار الجبهة الهش ، غادر ابو ظفر العراق مرغما . كان بإمكانه ، وهو الطبيب الناجح ، ان يعيش مع عائلته في اي بلد برفاهية وأمان ، لكنه إختار النضال من اجل حرية وسعادة شعبه . وفي سوح النضال استشهد وبكيناه دما .. وفي عدة مناسبات ، طالبت ان يُطلق اسم الشهيد محمد بشيشي الظوالم على احد الشوارع أو إحدى المؤسسات الصحية في السماوة وفاء لدمه الذي إسترخصه من اجل الوطن …


الشاعر : صادق الزعيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي