الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا سياسة منذ الأمس .. (النظام الدولي الهجين)

فؤاد النمري

2020 / 7 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يتوجب بداية قبل الشروع في كتابة الجزء الثالث وهو الأهم في موضوع السياسة، أو الأحرى إنتفاء السياسة، أن نؤكد الوحدة العضوية لنظام الإنتاج في العالم بدءاً بالنظام الرأسمالي التي اكتشفها ماركس وكانت الأساس الذي بنى عليه نظريته العبقرية شاهقة الشرفات ؛ كما أكد لينين الوحدة العضوية للثورة الإشتراكية مع الثورة الوطنية في رسالته لشعوب الشرق في العام 21 وقد تجلت تلك الوحدة بالنجاحات الباهرة التي حققتها ثورة التحرر الوطني تحت مظلة الحماية السوفياتية الجبارة ؛ وتحققت مرة أخرى عندما لم يسمح النظام الدولي للرئيس الأميركي بوش الإبن الاستمرار في الإعتماد على مبدأ العزلة (Isolation Doctrine) في إدارة الدولة وهو ما كان قد قرره في خطاب توليه الرئاسة 20 يناير 2001 وقابله مختلف القومجيين واليسارويين في العالم العربي بالاستنكار والاحتجاج الشديدين بدعوى أنه لا يجوز لدولة عظمى كالولايات المتحدة أن تترك الشرق الأوسط يعاني من أزمات عميقة وخاصة تلك المتمثلة بالقضية الفلسطينية التي فشلت في حلها إدارة كلنتون وهو ما دفع ببوش الإبن إلى أعتماد مبدأ العزلة ومبدأ "أميركا أولا" في سياساته العامة . لكن جريمة القاعدة في 11 سبتمبر وتهديم البرجين التي أطاحت بهيبة أميركا كدولة عظمى، ثم رفض حكومة طالبان في أفغانستان تسليم بن لادن للمحاكمة أُرغمت بوش على التخلي عن سياسة العزلة والشروع في حرب عالمية على الإرهاب .
لم يعد هناك أدنى شك في الوحدة العضوية غير القابلة للتشطير للنظام الدولي التي اكتشفها ماركس في النظام الرأسمالي وفي أي نظام آخر من بعد .
بناء على هذه الحقيقة الراسخة فإن أي برنامج سياسي (Platform) لا يتساوق مع النظام الدولي السائد إنما هو بضاعة زائفة يتاجر بها السياسيون الأفاقون الأوغاد لتحقيق مغانم ليست مستحَقة .
ما من سياسي اليوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار جرؤ على إعلان قراءة للنظام الدولي السائد وذلك ليس بسبب قصور فكري، كما قد يُفترض، بل يسبب عدم وجود أي نظام دولي معروف للإنتاج سائد في العالم وليس أدلّ على ذلك من أن العالم اليوم مدين وفق المراجع الدولية المختصة بـ 255 ترليون دولاراً وهو ما يعادل ثلاثة أمثال مجمل الإنتاج السنوي للعالم وذلك يعني وفق المعايير السائدة أن عالم اليوم هو في حالة انهيار مروّع .

كثيرون هم الذين سيستهجنون الإدعاء بأن العالم في حالة انهيار مروع وهم يرون شعوب دول كثيرة تعيش في بلهنية لم يسبق مثيل لها، ورأوا بأم العين انهيار الدول الإشتراكية في حين أن الدول الرأسمالية إزدادت قوة وثراء، وهو ما بشير إلى أن النظام الرأسمالي قد تغلب على النظام الإشتراكي وطرده نهائياً من سجل التاريخ . الحقائق الثابتة التي لا ترى بالعين المجردة هي أضعاف تلك التي ترى بلايين المرات . زعماء الدول الرأسمالية الخمسة الكبار (G 5) وبعد أن تحققوا من انهيار نظامهم الرأسمالي في بداية سبعينيات القرن الماضي إجتمعوا بتاريخ 16 نوفمبر 75 وكان هدفهم الرئيسي هو إخفاء الإنهيار كيلا يتعرف عليه الناس مما يمكنهم من تصريف نقودهم التي فقدت قيمتها وشرعيتها بانهيار نظام الإنتاج فيها، ولذلك أعلن أولئك الخمسة المتآمرون على مستقبل الإنسانية تكافلهم على الحفاظ على أسعار صرف نقودهم في أسواق المال . أولئك الخمسة الخبثاء ما كانوا ليعلنوا مثل ذلك التكافل المخادع لو كانت نقودهم قادرة على الاحتفاظ بقيمتها المفترضة بذاتها من خلال غطائها البضاعي .

الحقائق الراسخة التي لم يرها المستهجنون المنتصرون للنظام الرأسمالي وهي أن الأقانيم الثلاث التي تشكل منها النظام الرأسمالي وهي محطات دورة الإنتاج الرأسمالي الثلاث (نقود1 – بضاعة – نقود2) لم يعد أي منها ماثلاً اليوم . لا النقود اليوم هي نقود حقيقية ولا البضاعة اليوم هي البضاعة الرأسمالية المعهودة .
الحقيقة الماثلة اليوم في كل بلدان العالم دون استثناء هي أن الدولار الأمريكي هو الغطاء الوحيد لمختلف النقود . ولما كان الدولار الأمريكي قد فقد كل غطاء له وهو ما أعلنته الإدارة الأميركية في العام 71 وهو لذلك عملة زائفة لا قيمة لها، فإن نقود العالم بختلف أشكالها ومنابتها هي نقود زائفة ولا تسوى نقيرا .
سيُدهش الكثيرون من ادعائنا بأن البضاعة الصينية أيضاً هي بضاعة زائفة لا قيمة تبادلية لها ؛ صحيح أنها ذات قيمة استعمالية كاملة كما البضاعة الرأسمالية لكنها ليست ذات قيمة تبادلية كما البضاعة الرأسمالية حيث تتم مبادلتها في أميركا بعشرة أمثال قيمتها الحقيقية . فساعة العمل في الصين قيمتها بالمتوسط 1.5 دولار تتم مبادلتها بـ 15 دولاراً في أميركا . أميركا تسرق العالم من خلال تزييف الدولار والصين تشارك أميركا في الأموال المسروقة وتبيع بضاعتها بأموال مسروقة وزائفة . أن يكون بدل البضاعة نقود زائفة فذلك يقطع بأن البضاعة هي أيضاً زائفة .
النظام العالمي الماثل اليوم – إن جاز لنا أن نسميه نظام – هو نظام هجين تخلّق في عتمة ليل بهيم من تواصل حميمي في العام 72 بين رئيس أميركي هارب من انهيار النظام الرأسمالي هو ريتشارد نكسون ورئيس صيني هارب من استحقاق الاشتراكية هو دنغ هيساو بنغ . كانت جريمة هتلر النازي أهون شراً من حريمة نكسون – بنغ التي دفعت بالعالم إلى خارج سكة التطور التاريخي ليعاني العالم منذ أربعين عاماً من فوضى قاتلة لا شفاء لها في وسائل الإنتاج .
كل نقود العالم بشتى أشكالها ومنابتها هي مدولرة بالدولار الأمريكي الزائف وكل بضاعة العالم بشتى أشكالها ومنابتها هي مستبضعة صينياً بالبضاعة الصينية الزائفة . ستظل أمريكا تطبع الدولارات المزيفة حتى الإنهيار وستظل لصين تنتج البضائع الزائفة حتى الإنهيار دون أن تلويا حراكا .
الحقيقة الأولى التي يتحتم على كل سياسي مهما كانت توجهاته أن يأخذها بالاعتبار قبل أن يعلن أي موقف سياسي له هي أن النظام الدولي الهجين الماثل في العالم منذ أربعة عقود أو أكثر يخنق العالم ولات مناصاً . يسود الإعتقاد أن أميركا تحكم العالم وأن الصين تتنامى بخطوات عملاقة كيما تنافس أميركا على زعامة العالم، مثل هذه المعتقدات خاطئة ومضللة فكلتا الدولتين مخنوقتان أشد اختناقاً من الدول الأخرى ولا تستطيعان حراكاً، ومثل ذلك هم المتفائلون يتطور العالم إلى عالم متعدد الأقطاب وكأن فيه منجاة للبشرية !! عالم اليوم محكوم بنظام دولي هجين غير قابل للإستقطاب .

يترتب على كل سياسي لا يقبل مثل هذا التقديم للنظام الدولي السائد أن يشير إلى قابلية التطور لهذا النظام وإلى التناقض الرئيسي محرك التطور فيه. التناقضات تتواجد في الأشياء الحقيقية المادية ولا يمكن الإدعاء بتواجدها في أشياء مزورة وغير حقيقية . النظام الدولي الماثل اليوم نظام هجين ولد من نقود مزورة أمريكية وبضاعة مزورة صينية جرت وما زالت تجري مبادلتها خارج السوق حيث السوق بمكانزماتها الدقيقة وبجلال صنميتها لا تقبل البضائع والنقود المزورة .
النظام الدولي الهجين الماثل اليوم لا يتطور ولا يكرر ذاته فالحيوان الهجين كالبغال لا تكرر ذاتها ولا تتوالد . وعليه فالنظام الدولي السائد اليوم لن يتطور ولن يتغير حتى النهاية، النهاية الكارثية للبشرية جمعاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - !النظام الهجين
نعيم إيليا ( 2020 / 7 / 15 - 11:03 )
((النظام الدولي الهجين الماثل اليوم لا يتطور ولا يكرر ذاته فالحيوان الهجين كالبغال لا تكرر ذاتها ولا تتوالد .))

:هذا معقد الإزار في رأي الأستاذ القدير فؤاد النمري. ولنا أن نسأله
ماذا يفسر لنا رأيك في أن النظام الدولي هجين؟
أيفسر لنا الحالة الاقتصادية للمجتمعات في العالم؟ أيفسر لنا بتعبير أدق أنها خالية من الطبقات وبالتالي من الصراع الطبقي؟


2 - الأخ العزيز نعيم إيليا
فؤاد النمري ( 2020 / 7 / 15 - 13:13 )
شكراً يا عزيزي على سؤالك الصميمي ودعني أعبر عن سعادتي بأن هناك من يقرؤني قراءة علمية دقيقة
ليس هناك ما يصوغ الإدعاء بأن هناك ما زال في العالم مجتمعات طبقية بعد انهيار العوالم الثلاث الموروثة عن الحرب العالمية الثانية .. انهارت الاشتراكية العائدة للعمال وانهارت الرأسمالية العائدة للرأسماليين وانها ر معسكر التحرر الوطني العائد للبورجوازية الدينامية (الكبيرة) وبناء عليه انتهت المجتمعات الطبقية وانتهى الصراع الطبقي

تغيب هذه الحقائق عن من يعتبرون البورجوازية الوضيعة طبقة قائمة بذاتها بينما هي وسيلة انتاجها الوحيدة هي خدمة الانتاج وليس الانتاج

جميع بلدان العالم اليوم واميركا والصين في الطليعة تحكمها عصابات البورجوازية الوضيعة التي هي ليست طبقة اجتماعية وفق علم الاقتصاد السياسي


3 - الصراع الطبقي
رائد محمد نوري ( 2020 / 7 / 16 - 09:54 )
ماذا لو قام أحدهم في دولة طرفية كالعراق أو الأردن بمحاولات جدية لإحياء الصراع الطبقي من جديد، ترى هل بالإمكان ذلك؟
وإذا أمكن ذلك ما أثره على مجتمعاتنا الطرفية؟
سؤالي هذا أوجهه لك رفيقي وأنا أنظر إلى مئات المصانع المعطلة في بلدي العراق
لك خالص مودتي


4 - الرفيق البولشفي العزيز رائد محمد نوري
فؤاد النمري ( 2020 / 7 / 17 - 07:54 )
حاولت يا عزيزي أن أرد على تعليقك رداً شاقياً وافياً وفشلت لأسفي

وعليه ترتب علي أن أكتب مقالا في موضوع الصراع الطبقي سأنشره خلال ايام قليلة بالرغم ن أن الكتابة غدت تثقل علي كثيراً لبالغ الأسف

تحياتي البولشفية

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري