الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعبية نتنياهو تتراجع أمام -كورونا-

يعقوب بن افرات

2020 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لم تشهد إسرائيل منذ زمن طويل مظاهرات كمظاهرة يوم الأربعاء الماضي 14 تموز/ يوليو أمام مبني رئيس الحكومة في القدس، التي تعتبر أعنف المظاهرات التي عرفتها إسرائيل وأكثرها زخماً في السنوات الأخيرة. عدد كبير من الشباب الغاضبين انضموا إلى الجنرالات المتقاعدين الذين نصبوا خيمة اعتصام في المكان لمطالبة نتنياهو بالتنحي عن رئاسة الحكومة بسبب الفساد، وهو بالفعل موجهة ضده لوائح اتهام بثلاث قضايا فساد منفصلة، وهي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. مظاهرات الأربعاء عُرفت باسم "الأعلام السوداء" تعبيراً عن احتجاج وقلق معارضي نتنياهو من دمار الديمقراطية وتحويل إسرائيل إلى دولة "أردوغانية".
جاءت مظاهرات القدس، ذات المطالب السياسية، بعد أقل من ثلاثة أيام من مظاهرات تل أبيب، ذات المطالب الاقتصادية، التي احتشدت فيها الجماهير في ميدان رابين يوم السبت الماضي، 11 من تموز/يوليو، نظمها ممثلو القطاعات الاقتصادية المتضررة من الحجر الصحي وإغلاق الاقتصاد للتصدي لوباء كورونا (كوفيد 19) منذ شهر آذار/مارس الفائت. وقد أدى هذا الإغلاق وبشكل تلقائي إلى بطالة وصلت نسبتها إلى 20%، وانهيار قطاعات اقتصادية مهمة، على رأسها الطيران والقطاع السياحي ومجال الثقافة والمطاعم وغيرها.
أسباب اقتصادية
هناك أكثر من سبب لغضب الناس وعدم الثقة في نتنياهو، وأولها تذبذب الحكومة، بل والتأخر في تعويض المتضررين المباشرين من الاغلاق الاضطراري. ويبدو ذلك واضحاً من المظاهرة الجماهيرية في تل أبيب، التي لم ترفع شعارات سياسية حيث امتنع المتظاهرون عن توجيه أصابع الاتهام لنتنياهو واكتفوا بمطلب واحد وحيد وهو "بدنا فلوس"، بمعنى نريد من الحكومة أن تضع في حسابنا في البنك مبلغ مالي كاف لاحتياجاتنا الأساسية أسوة بما حدث في أمريكا وأوروبا. وتلخصت مطالب متظاهري تل أبيب "الاقتصاديين" وشكواهم من الحكومة بقولهم: "سبعون سنة ونحن ندعم الحكومة ورتبنا حياتنا دون مساعدتها ولكن وفي وجه كارثة اقتصادية من هذا القبيل على الدولة أن تدعمنا. دفعنا الضرائب لحزانة المالية وللتأمين الوطني واليوم نتساءل أين تلك الأموال وأين الدولة؟ لما نحن بحاجة لها؟!"
بدوره، نتنياهو حاول أن يستبق الأمور وبادر إلى الاجتماع مع منظمي المظاهرة قبل يوم من انطلاقها، لكي يعطيهم الانطباع بأنه يريد الاستماع لمطالبهم، ووعدهم بأنه سيعلن خلال أيام عن خطة اقتصادية بقيمة 25 مليار دولار، مما يمنح نحو 2000 دولار لكل متضرر. إلا أن هذا الوعد لم يفلح بمنع المتظاهرين من الاحتجاج، لأن الشعب أصابه اليأس ولم يعد يثق بالوعود ولن يتراجع عن الاحتجاج إلى أن يرى بأم عينه أن المبلغ الموعود يدخل إلى الحسابات البنكية للمتضررين.
ان وبتأثير مباشر من الغضب الشعبي قرر نتانياهو يوم الأربعاء 15 تموز/يوليو تخصيص ما يعادل 2 مليار دولار إضافي وبموجب الخطة يتم منح كل مواطن بين 200 دولار الى 1000 دولار حسب عدد افراد العائلة. إعلان الخطوة الجديدة تم اتخاذه رغم المعارضة الشديدة من قبل المسؤولين في وزارة المالية لها.
من الواضح إذن، أن خطة نتنياهو واستقباله للمتظاهرين كان نتيجة خوفه الكبير من الغضب الشعبي، وما إعلانه عن المبلغ الضخم ليس سوى محاولة لشراء ذمم الناس ولامتصاص غضب الشارع. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المتظاهرين في ميدان رابين بتل أبيب هم ممن صوّت لنتنياهو رغم كونه متهم بالفساد، وهم من منحه الحصانة والفرصة ليدعي بأن ما تقوم به النيابة العامة هو محاولة "انقلاب على إرادة الشعب" الذي صوّت له ثلاث مرات وراح يعبر عن ثقته بالبراءة.
شعبيته على المحك
لكن اليوم وبعد أن فشل نتنياهو بمعالجة الأزمة الصحية وما رشح عنها من تداعيات اقتصادية، وبتعويض المتضررين، الأمر الذي جعله يشعر بأنه محاصر من كل الجوانب. فالمحكمة تنتظره مع 300 شاهد ضده، والجماهير غاضبة ولا تثق به، وحتى داخل الحكومة شريكه غانتس بات يمارس نوع من المعارضة داخل الحكومة. ويتضح أن شعبية نتنياهو وتصويت ناخبيه له رغم تهم الفساد التي تلاحقه، مرده وسببه الأساسي هو الازدهار الاقتصادي الذي تمتع به الشعب، فقد كانت رسالة الشعب واضحة خلال السنوات الأخيرة: "لا يهمنا رشاوي نتنياهو واستغلاله لمنصبه من أجل أغراض شخصية، طالما يحرص على رفاهيتنا وسلامة جيوبنا". هذا المنحى الأناني وضيق الأفق هو الذي أغضب الشرائح الليبرالية في إسرائيل، التي شهدت كيف يقوم نتنياهو بتدمير منهجي للمؤسسات الديمقراطية مثل النيابة العامة والمحكمة العليا والصحافة وحتى الشرطة والجيش. يبدو أن الغضب والانتقاد الذي يواجهه نتنياهو، والذي تراكم خلال فترة طويلة، هو الذي يتفجر بشكل عنيف في المظاهرات الحالية.
وقد يدفع نتنياهو ثمن سياساته الاقتصادية التي خلقت نوع من وهم الازدهار الاقتصادي، خلال العقد الأخير، فقد انخفضت نسبة البطالة إلى 3% تحت قيادته، لدرجة أن الشيقل الإسرائيلي أقوى من الدولار واليورو بالنسبة لعدم وجود تضخم مالي، كما امتلأت خزانة المالية حيث بقي العجز في الميزانية بنسبة تقل عن 3% من الإنتاج الإجمالي، وصناعة "الهايتك" التي احتلت أسواق العالم وثقة الأسواق المالية العالمية بلغت في الاقتصاد الإسرائيلي أعلى درجة. وإذا ما أضافنا إلى ذلك الاستقرار الأمني، الناتج عن التعاون مع السلطة الفلسطينية، فلقب نتنياهو بـ"الساحر" يعتبر أمر محق.
إلا أن هذا الازدهار الاقتصادي اختفى بضربة واحدة من جراء أزمة فيروس كورونا، وأتضح بأنه كان مبنياً على نظرية نتنياهو الرأسمالية حول القطاع العام "السمين" والقطاع الخاص "الضعيف". وقلبت سياسات نتنياهو الاقتصادية المعادلة على أساس تجفيف القطاع العام من الميزانيات وفي المقابل دعم رأس المال الكبير الذي سيطر على مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي.
وعندما وصل فيروس كورونا إلى شواطئ إسرائيل وجد امامه منظومة صحية غير جاهزة لمواجهة مثل هذا الوباء، بل والمنظومة الاقتصادية القائمة على "رفاه فقير وبخيل" لا تعرف كيف تعوض الناس عن خسائرهم المالية. وعلى الرغم من تمكّن نتنياهو من الانتصار على كورونا في الجولة الأولى، واثباته "عبقريته" من جديد لدرجة ارتفعت مقاعد حزب الليكود بزعامته إلى 40 مقعداً في الكنيست حسب الاستطلاعات، ولكن عندما أن فتح الاقتصاد من جديد، تفجر وباء كورونا بكل عنفوانه مرة أخرى، انفجار أفقد الحكومة السيطرة على الأمور. وقد اعترف نتنياهو بغلطته قائلاً بأنه "تسرع في فتح الاقتصاد بشكل كامل" وليس بالتدريج، لأن سياسة التسرع هذه جعلت الشعب يظن بأن كورونا أصبح من ورائنا وبات بالإمكان العودة إلى الحياة الحلوة مثل ما كانت عليه من قبل.
توفير المال على حساب الصحة
والسؤال هو لماذا أخطأ نتنياهو وتسرع بفتح الاقتصاد؟ الجواب بسيط برأينا: لأنه أراد أن يوفر المال حتى لا يضطر للإنفاق على الجهاز الصحي وخلق مئات الوظائف الضرورية لمواجهة الوباء وأن يوفر أموال البطالة وتعويضات متضرري الإغلاق.
وقد فهم الناس بأن سياسة نتنياهو كانت مبنية على مبدأ "دبروا حالكم!"، بمعنى أن على الناس أن يجدوا لأنفسهم فرص عمل، كأن يفتحوا المطاعم وشركات النقل واستديوهات اليوغا ومكاتب الإرشاد السياحي وصالات الأفراح، وغيرها من المهن من دون أي دعم وإرشاد حكومي. إلا أن كثير من هذه المشاريع شغلت عمال بأجور زهيدة على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات غلاء المعيشة وعدم الاستقرار الاقتصادي. وكان همّ الناس ينصب على البحث عن لقمة العيش لكي يتمكنوا من التمتع بمستوى معيشة محترمة، وقد نجحوا في أن يتأقلموا مع هذا الواقع، لدرجة أن نتنياهو حظي بالمديح لأنه سمح بهذا النمط من الحياة، إلا أن الضربة الثانية من كورونا كشفت بأن ما كان يعتبر اقتصاداً قوياً سقط أمام أزمة صحية، التي تحولت أزمة اجتماعية واقتصادية بسبب سياسة رئيس الحكومة الذي عمل على إضعاف القطاع العام "السمين".
تراجع شعبية نتنياهو هو مؤشر إضافي إلى أن عهده قد انتهى، ليس بسبب مشاكله الشخصية، بل بسبب الطريق المسدود الذي وصلت إليه السياسة الاقتصادية الرأسمالية المبنية على الخصخصة وتفضيل رأس المال على حساب العمل.
نتنياهو وترامب معاً
إن الاستمرار في نفس السياسة يدل بأنه (نتنياهو) أصبح أعمى وفقد البوصلة ولا يقدر على قراءة الواقع الذي يقول بوضوح بأن أزمة وباء كورونا قد غيّرت كل المعايير وأن الواقع ما بعد كورونا لن يكون كما قبله. الأمر الذي سيدفع نتنياهو نحو الهاوية السياسية. وهنا لا يقف نتنياهو وحيداً بمواجهة مصيره أمام ضربات هذه المحنة، بل جنب إلى جانباً مع صديقه وراعيه الأساسي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يجد نفسه هو الآخر اليوم أمام نفس المشكلة.
فشل ترامب في السيطرة وكبح جماح الوباء في ظل الجهاز الصحي الأمريكي المنهار، وقطاعات واسعة من المجتمع تعيش تحت خط الفقر، ومظاهر العنصرية الممنهجة التي تتبين من خلال عنف الشرطة ضد المواطنين السود، ونسب الوفيات العالية لأبناء الطائفيتين اللاتينية والسوداء – كلها أمور تسبب الغليان في الشارع الأمريكي ومظاهرات عارمة تهدف لإسقاطه في الانتخابات المقبلة في شهر نوفمبر/تسرين ثان.
نحن من دون شك على أبواب حقبة جديدة تقول بأن أمثال ترامب ونتنياهو باتا جزءاً من الماضي. ومن سيخلفهما سيضطر على تبنى سياسة اقتصادية مبنية على مراعاة المواطن وليس رأس المال، بعد أن أثبت وباء كورونا بأن المجتمع القوي لا يمكن أن يراهن على القطاع الخاص الذي أوصل العالم إلى الكارثة الاقتصادية وإلى الفقر والاستبداد، الأمر الذي بات يهدد النظام الديمقراطي نفسه. إننا أمام تحولات ثورية على كل المستويات، ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية، فأهلا وسهلاً بكورونا الذي أثبت من جديد القول المأثور "رب ضارة نافعة!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة