الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر واثيوبيا ونهر النيل

محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق

(Mohamed Ibrahim Bassyouni)

2020 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ينبع النيل الأبيض في منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، أبعد مصدر يوجد في جنوب رواندا ويجري من شمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا، إلى أوغندا ثم جنوب السودان، في حين أن النيل الأزرق يبدأ في بحيرة تانا في أثيوبيا ثم يجري إلى السودان من الجنوب الشرقي ثم يجتمع النهران عند العاصمة السودانية الخرطوم.
إجمالي طول النهر 6650 كم (4132 ميل). يغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم²، ويمر مساره بأحد عشرة دولة إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل.
النيل الأزرق هو مصدر أكثر من 80 في المئة من مياه النهر، ويخرج من أثيوبيا التي لا تحتاج سد لاحتياجاتها المائية ولكن لتوليد الكهرباء خصوصا بسبب نمو اقتصادها. المشكلة إن مائة مليون مصري حياتهم معتمدة على النيل.
فيه قاعدة لطيفة تقول إن كل الدول التي عندها نهر رئيسي يكون بالضرورة عندها نظام حكم مركزي، ومن زمن الفراعنة كان التحكم في النهر من اختصاصات الحكم. حتى لو مصر عملت محطات تحلية مياه بحر، سيظل عشرات الملايين من السكان في الدلتا معتمدين على وجود النيل كمصدر وحيد لحياتهم وزراعتهم.
الجفاف ممكن يحدث لو أثيوبيا قررت ملء خزان السد خلال مدة قصيرة لأن سعة الخزان 74 مليار متر مكعب وهذه يساوي حصة مصر والسودان مع بعض السنوية من مياه النيل، ممكن يؤثر على شكل الحياة في مصر للأبد. خطر التلاعب بحصة مصر المائية والتي هي اصلا في فقر مائي بالفعل، أكبر تحدي لمصر يمكن تصوره.
المطلب المصري خلال المفاوضات لم يكن التوقف عن بناء السد ولكن الاتفاق على ملء خزان السد على مدى سنوات ومراعاة سنوات الجفاف. أثيوبيا رفضت خصوصا وأنها لا تعترف باتفاقيات تقسيم حصص مياه النيل زي اتفاق 1929 لأنه ينتمي إلى الحقبة الاستعمارية. كمان بتتكلم عن أهمية السد في توليد الكهرباء
في المجتمع الدولي هناك مفهوم "مجتمع الدول ذات السيادة" والتي من ضمن القواعد المنظمة له عدم الاعتداء على سيادة الدول وإلا واجهت الدولة المعتدية العزلة وفرضت عليها العقوبات ضمن المظلة الدولية التي بتوفرها الأمم المتحدة، وقد يصل الأمر إلى حالة الحرب مثل حرب تحرير الكويت في 1991.
وبالتالي مصر لا تستطيع التحرك عسكرياً ضد أثيوبيا وإلا تم اعتبارها دولة معتدية على دولة مستقلة تنتمي لمجتمع الدول ذات السيادة. ومن هنا كان السير في مسار التفاوض حتى النهاية ثم الذهاب لمجلس الأمن. أما عسكرياً فالتحرك بشكل منفرد أمر صعب بسبب المسافة وبسبب حجم السد الهائل.
ضربة عسكرية لسد بحجم سد النهضة محتاج قدرات عسكرية غير متوفرة غير لدى الولايات المتحدة عبر استخدام قنابل زي GBU-43/B المعروفة باسم Mother of All Bombs أو أم القنابل. وهذه أقوى قنبلة غير نووية في الترسانة الامريكية وليست للبيع أو الاستخدام خارج القوات الجوية الأمريكية. أو استخدام عشرات صواريخ الكروز من طراز توماهوك مع دقتها العالية في إصابة الهدف، والتي ممكن إطلاقها من طائرات مقاتلة خارج الحدود الأثيوبية أو من مدمرات بحرية في المياه الدولية. ونحن نتكلم عن شئ استخدمتها القوات الأمريكية ضد العراق وأفغانستان أو روسيا مؤخراً في سوريا.
التفاصيل العسكرية حول أي سيناريوهات لضرب سد النهضة هي تفاصيل معقدة وهناك بالفعل فيديوهات تعرضت للنقطة هذه بشكل مفصل وفيه جهد ممتاز ومحاولة للتعامل مع عمل معقد مثل ضرب السدود. بالمناسبة هذه كانت من عمليات القصف المعقدة أمام سلاح الجو البريطاني في الحرب العالمية الثانية ضد سدود ألمانيا.
بما إن الخيارات التي أمام مصر في موضوع سد النهضة هي خيارات معقدة، من المهم تذكر إن مصر في الخمسينات والستينات كان لديها دور هائل في أفريقيا وكان لديها سياسة حقيقية في دعم الشعوب هناك وكانت قوتها الناعمة كبيرة.. ولكن كل هذا اتردم عليه لاحقاً وتم تدميره وصولاً لأزمة سد النهضة.
وطبعاً النقاش الحالي قائم على عدم المقارنة بين سياسات مصر في أفريقيا ودورها هناك في الستينات والاكتفاء بالسخرية وشوية العبارات المستهلكة، أو الحديث عن سيناريوهات تدمير السد وشن حرب على أثيوبيا بنفس سهولة الحديث عن استراتيجيات تدمير الخصم في لعبة الفيديو الشهيرة Age of Empires.
من المفيد أيضاً محاولة معرفة لماذا هناك دول إقليمية ساعدت إثيوبيا في بناء السد رغم إن بعضها لديه علاقات جيدة مع مصر؟! ولماذا مصر لم تستطع جعل سد النهضة أمراً يمكن للدول في الإقليم أن تقف فيه معها وأن تدرك هذه الدول إن هذا ملف لا يمكن اعتباره ورقة ضغط ولكن ملف حيوي بالنسبة لدولة بحجم مصر
أزمة سد النهضة، رغم تعقيدها ورغم صعوبة التعامل معها ومحدودية الخيارات فيها، يمكن أن تكون بداية جيدة لإعادة النظر بشكل جذري في دور مصر الإقليمي وخصوصاً دورها في أفريقيا وفي كيفية الحفاظ على مجالها الحيوي وعلى أمنها الذي دائماً كان يبدأ خارج حدودها وليس على حدودها كما البعض يتصور.
خيارات مصر الصعبة في أزمة سد النهضة..لو ملف سد النهضة لم يصل إلى حل ممكن مائة مليون ينطلقوا في جميع الاتجاهات بحثاً عن الحياة وساعتها سيكون فيه مشكلة هائلة في الشرق الأوسط والبحر المتوسط وسوف يكون التعامل معها أمراً خارج السيطرة.
إن مصر تعطش معناه ضرر هائل على جنوب أوروبا وعلى الشرق الأوسط أكبر من الحرب في سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فى المليان
هانى شاكر ( 2020 / 7 / 16 - 21:53 )

فى المليان
____

كلامك استاذنا فى المليان ... تجوع او تعطيش مصر معناه مائة مليون لاجئ.

لم يجرؤ احد على شرح او تقديم الموضوع بكل هذه البساطة و الوضوح

الإنفجار السكانى الحشرى دمر مصر و اثيوبيا ( و غيرهم ، نيجيريا مثالا ) . إما ان تدفع هذه الامم و الشعوب فاتورات هذا الجنون ، او تدمر محيطها

....

اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا