الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيعة العراق وشيعة إيران .. ضغط الموروث التاريخي*

جعفر المظفر

2020 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


من جانب آخر لم يكن ممكنا أيضا فصل الساحتين الإيرانية والعراقية فصلا كاملا. من ناحية مذهبية بحتة تتراجع مخافر الجغرافيا السياسية أمام تداخل الحالة المذهبية المشتركة بين الأغلبية من الإيرانين والقسم الكبير من العراقيين الذي يشاركونهم نفس المذهب الإثني عشري, وكان إفتراضا أن يعمل ذلك في العراق لصالح الإيرانيين الذين تقاسموا مع الأتراك المناطق الإقليمية المجاورة نتيجة معاهدات حروب ومتغيرات جغرافية لم يكن لأهل البلد قرارا مشاركا فيها.
ونعلم أن الشاه لم يعترف بالدولة العراقية إلا بعد عشر سنوات على تأسيسها وبعد زيارة للملك فيصل الأول إلى طهران, وكان الشاه قد إستولى على أراض عربية واسعة كان من الحق أن تتبع العراق الجديد بعد إنهيار الدولة العثمانية مثل الأحواز أو إقليم خوزستان الذي تسكنه غالبية عربية لحد الآن.
على أن حالة التناغم المذهبي بين شيعة العراق وشيعة إيران لم يكن لها تأثيرا بيِّنا على الخطاب الشيعي الوطني العراقي, فرغم النقلة السياسية الكبيرة التي حدثت بعد خروج العراق من الهيمنة العثمانية فإن تأثير إيران السياسي على شيعة العراق ظل متدنيا, ويرجع الأمر على مستوى منه لصراع الهويات أولا, ولصراع المرجعيات ثانيا.
من جانب صارت الهوية العربية لغالبية قبائل أهل الجنوب والوسط فاعلة بإتجاه تغليب نزعة حماية المشروع الوطني العراقي كما أن كفة الصراع بين مرجعتي قم ومرجعية النجف كانت تميل لصالح الأخيرة. ولا يحتاج شيعة العراق إلى تزكية من أي طرف لتأكيد إنتسابهم العربي, وفي حالات عديدة ربما يكون العكس هو الصحيح, ورغم المواءمة الفقهية المذهبية على الجانبين فلقد تأكد تاريخيا أن الإنسجام المذهبي وحده لا يكفي لصنع الهويات المشتركة.
من ناحية أخرى علينا أن نعي إن سياقات تطور الحالة الشيعية في إيران تختلف عن تلك التي في العراق. إيران من ناحيتها لم تكن جزءا من الدولة العثمانية, لذلك فقد ظلت مرجعية قم بمنأى عن تأثير الظروف الضاغطة على مرجعية النجف ولهذا لم تكن هناك لمرجعية (قم) كيانها الموازي كما في الحالة العراقية, بل كان علماء الدين جزء من الكيان الشعبي العام ومحكومين بنفس المزاج.
وقد أدى ذلك بكل تأكيد إلى عزوف "القائمين" على شؤون المذهب في العراق عن العمل في السياسة حيث لم تشهد فترة حكم الهاشميين أي ميل شيعي حوزوي للإنخراط في العمل السياسي بل ظلت همومهم تدور حول الإبقاء على حدود الكيان الموازي وهي حالة تشي بوجود قراءة مشتركة تقضي بترك السياسة للسياسيين. أما القرين الإيراني فقد ظل يملك حرية التحرك السياسي مع أو ضد نظام طهران القاجاري ومن بعده البهلوي.
بل أن ظروف إيران إبان حكم الصفويين قد منحت رجال الدين الإيرانيين فرصا مختلفة بالكامل عن أقرانهم عرب العراق إذ هي لم تضعهم تحت إسقاطات حالة التبعية للعثمانيين, بل على العكس من ذلك كان إصطفاف حالة الدولة مع حالة المؤسسة الدينية كفيلا بتغييب حالة الكيان الموازي ومن ضمنه حالة الإبتعاد عن التدخل بالشأن السياسي بما جعل المؤسسة الدينية الإيرانية جزءا أساسيا من الشأن السياسي وجعلها ملتصقةً بحالة الدولة.
إن هذا يجعلنا على بينة أن للوسط الشيعي العراقي خصوصيته المختلفة عن الوسط الديني الشيعي الإيراني مما ترك لرجال الدين الإيرانيين مساحة واسعة وغير مقننة بخصوصيات الحالة العراقية.
وما عدا الأحداث التي رافقت ثورة العشرين نتيجة وجود قوات الإحتلال الإنكليزي على الأراضي العراقية فإن المراحل التي مرت بها الدولة العراقية المستقلة بعد الجلاء الإنكليزي ومنذ مجئ الملك فيصل الأول للعراق تؤكد على أن المرجعيات الدينية العراقية (مرجعية النجف) آثرت عدم التدخل بالشأن السياسي في حين كان الحكم الملكي حريصا من جانبه على التعايش مع حالة الكيان الموازي تاركا لمتغيرات الدولة العصرية أن تفرض حضورها وإسقاطاتها بما يفترض خروج الشيعة من حالة الكيان الموازي للدولة إلى حالة الدولة الوطنية ذاتها.
ولم تكن الساحة العراقية هي الوحيدة التي شهدت هذه التغييرات, بل أن الساحات العربية المختلفة كانت قد شهدت تقاطعا مع الحالة الوطنية بشكل أشد وضوحا وتأثيرا مما كان عليه الأمر مع الساحة العراقية. فلقد شهدت الساحة المصرية مثلا تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا زَعما أن دستور الأمة هو القران, ومؤكدا على مفهوم القومية الإسلامية كبديل للقومية المصرية والعربية.
ردة الفعل الإسلامية تلك, والتي كانت غايتها إعادة الروح لدولة الخلافة, جاءت من وسط لا يعاني من ضغط موروث الكيان الموازي التي كان أئمة الشيعة في العراق قد قبلوا به ثمنا لمهادنتهم أو تعايشهم مع دول الخلافة السابقة, كما أن سياقات تطور الحالة المصرية كانت تختلف عن سياقات الحالة العراقية لكون مصر لم تكن خاضعة كما العراق للسيطرة المركزية العثمانية بما أفرغها كثيرا من ضغوطات الحالة العراقية.
في مقابلة تلفزيونية شهيرة أجريت مع «مهدي عاكف»، المرشد الثامن لتنظيم الإخوان، تطرق الحديث إلى موضوع الخلافة الإسلامية وأفضلية تولي مسلم ماليزي مثلاً رئاسة مصر، من أن يتولاها مصري غير مسلم. احتدم النقاش بين المرشد ومقدم البرنامج، بعد أن أبدى الأخير استغرابه من الأمر، فقال له عاكف كلمته الشهيرة «طز فيك وطز في مصر", وأجزم أن عقيدة الإخوان المسلمين أينما كانوا لا تختلف عن عقيدة أخوانهم في مصر من حيث تقاطعها وتناقضها مع الهويات الوطنية ويكفيك أن تنتقد أردوغان أمام اي أخ مسلم عراقي أو ليبي ليكون جزاءك اللعنات والشتائم. وليكون أردوغان أيضا تاج الرأس مثلما كان عليه المالكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) دور محمد باقر الصدر في إشعال الحرب العراقية الإيرانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست