الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوجو ارض الرحيل ٢

صلاح حسن رفو
(Salah)

2020 / 7 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


كوجو ارض الرحيل (2_4)

حروب هذه الدولة لا تنتهي، فها هو الحصار الاقتصادي يفتكُ بمعظم البلاد، وإن كانت القرى ،و المناطق الزراعية أفضل حالاً من المدن الكبيرة، لكن آثار العوز والحرمان تظهر في كل مكان، أمّا سلطة الدولة فقد أصبحت مترهلة كـسيارةٍ قديمة تريد أن تصل بأي طريقة لمحطة استراحة مؤقتة، فرجع ثلة من السنجاريين للسكن في أراضيهم القديمة بحجة الزراعة والرعي، وكانت لعائلة الشيخ قاسم نصيبٌ في ذلك. بعد تخرج الأبناء من الجامعات والمعاهد، والمكوث أكثر من عقد من الزمن في مجمع العدنانية، نجحوا وبشكل باهر في تحويل أراضيهم في منطقة الصولاغ لمشروع دواجن صغير، سرعان ما كبر ،واتسع، وأصبح مشروعين، وثلاثة، وزرعوا تلك التربة بالمحاصيل ،والخضراوات الموسمية.
في ذروة الجوع الفتاك كانت زيارات "ميانا كوجو" لبيوت المعارف والأقارب تعني الكثير، فالكريمة ستجلب معها البيض والدجاج، وهذا أقصى ما كانت تحلم به تلك البطون الجائعة، ومثل أي مشوار في الحياة ينقضي ،ودّعَ الشيخ قاسم الحياة بقلبٍ مرتاح بعد أن اطمأن على الأبناء، ومستقبل الأحفاد، وكادت أن تكون الحكاية منطقية بعد أن وصلت "ميان" إلى خريف عمرها لولا أحداث الثالث من آب سنة 2014.
كحال كل الخائفين والهاربين من الموت، انطلقت السيارتان اللتان كانتا تحملان الأبناء الأحفاد نحو طريق الجبل، المأوى الوحيد للهروب من داعش الذي يحتل منذ الصباح أراضي سنجار وما حولها، وتقوم بالنهبِ والسرقة والقتل العشوائي. تعطلت السيارتان الحديثتان أثناء رحلة الصعود بسبب الحمل الثقيل والازدحام الخانق للجموع البشرية المرعوبة من هول الصدمة، بعد انسحاب المنظومة الدفاعية لقوات البيشمركة بأكملها بأتجاه مدينة دهوك فجر ذلك النهار البائس.
في المنعطف الثالث المتعرج كساقية مياه خائفة من الجفاف بأتجاه شمال الجبل وصلت الجحافل التي ترتدي الملابس السوداء القاتمة وتـأمرالناس بإخراج مالديها من مال ،وأجهزة هاتف نقال.
يقول الياس" الابن البكر لميان": طلبوا منا الهواتف وما نمتلكه من مال، وأعطوننا الأمان كي ننزل بعد رؤيتهم لما آل إليه حال أمي، وعجزها ،وكبر عمرها ومجموعة الأطفال، والنساء المرعوبين معنا، نزلنا بعد قيامهم بتصليحِ سيارتنا وتشغيلها، لنقابل أحد أمرائهم الذي كان مشغولاً بطعامه، والذي أمر بعد انتظارِ قصير بإيصالنا لأحد بيوتنا في داخل القضاء لحين السؤال عنا، بعدما قرروا بعائدية سياراتنا لغنائم الدولة الإسلامية. في بيت أخي الذي كان خالياً منذ صباح ذلك اليوم لكونه كان قد سبقنا في رحلة الهروب والوصول إلى معبر فيشخابور، ومن خلال اتصالاتنا التي لم تتوقف علِمنا بأن أخي الذي يصغرني سناً وعائلته وبعض من أطفالنا قد وقعوا في يد مجموعة أخرى من مقاتلي داعش، و بطريقة مختلفة عمّا حدث لنا، فأخي آزاد قد احتُجزَ في ( دائرة نفوس سنجار) أما زوجته ومن كانوا معها من أطفالها ،وبعض من أولادي، وأولاد أخي، وأختي كانوا قد نُقِلوا إلى سجن "بادوش" في الموصل.
كنّا أربعة عشرة نفراً حينما وصلنا إلى المنزل، وكانت حالة أمي يرثى لها، لا أعرف كيف مرت تلك الساعات ونحن منهكون خائرو القوى.
الاتصالات لا تنقطع من قِبَل إخوتي والأقارب والمعارف من أجل عدم البقاء.
الإعدامات العشوائية تحدث بين الساعة والأخرى، وأخذ النساء والأطفال_ وهما الحلقتان الأضعف اللتان نخشى عليهما _ إلى جهات مجهولة لا يدعنا نستقر على رأي معين، لا نعرف كيف مرت تلك الليلة، حتى باغتنا زوار الفجر بملابسهم المخيفة ولسان حالهم يطالبنا بأخذ جميع النسوة والأطفال لمكانٍ آخر مجهول.
المناقشة و السجال غير متكافئ مع فئة ضالة مجنونة معها أفتك الأسلحة ،قائد المجموعة ملثم الوجه عكس بقية الصبية المراهقين مكشوفي الوجوه ومعروفي اللهجة والنسب، كانوا جيراننا من القرى العربية القريبة. قبل صعود ذلك الملثم إلى الطابق الثاني حيث النساء والأطفال النائمين.
كانت أمي قد تمددت على فراشٍ بسيط منذ ليلة أمس عند الباب الداخلي للمطبخ المطل على الغرف والدرج، أمسكت بساقِ ذلك الوغد وأخبرته بلهجتها الكوردية التي لا تعرف غيرها: لقد اعطيتمونا الأمان قبل أقل من يوم، فكيف تخالفون ذلك العهد الآن؟!. تردد الرجل وتراجع قليلاً لكونه فهم لهجة أمي أو أثرت فيه كلماتها، وفهمنا نحن أيضاً بأن الشخص من كورد المنطقة وإن لم يظهر وجهه، طلب حينذاك من مرافقيه الذهاب، واستدار نحونا قبل الخروج من منزلنا هو الآخر: سنأتيكم في وقتٍ آخر.
عرفنا أو استنتجنا من كلامه أننا لم نعد بأمان هنا، وأن أية دقيقة تأخير أخرى ربما سنُحاسَب عليها لاحقاً، لكن لا خيارات واضحة أمامنا، فالأطفال ومعهم أمي لن يستطيعوا المشي لمسافات طويلة ولاحتى لمسافات قصيرة. كانت قريتا كوجو والحاتمية الوحيدتان من قرى الأيزيدية لم يغادرها أهلها، لبعدهما النسبي عن الجبل ولكون القريتين متلاصقتي الحدود مع أراضي القرى العربية التي انطلقت منها داعش، فاصبحتا محاصرتين بين ليلة وضحاها، إلا أن الأهالي، وكما رُوِجَ للعامة يحاولون ويفاوضون مقاتلي داعش منذ يومين لإيجاد حلول منطقية لهم، لكون أهالي القريتين يتصورون بأن لديهم تاريخا مشرفا من العلاقات الودية والمصيرية مع الجميع، وإن اختلفوا في الرؤى، والعقائد الدينية، ولكن شيوخ العشائر العربية التي أيدت داعش في الأسبوع الأول تحاول_ وإن لم تدعي في العلن_ رفع الحرج الكبيرعنهم والتنصل عن مسؤوليتهم التاريخية من بيان موقفهم من مُختارَي القريتين( أحمد جاسو و حسين برجس) وأهلهم المحاصرين.
في قرارٍ سريع ذهبنا جميعاً في ذلك النهار بعد أن جهز أحد شركائنا من عرب المنطقة سيارتين وانطلق بنا نحو قريتي كوچو ،والحاتمية، حيث مسقط رأسنا ومنزلنا الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية