الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مِجَسَّات تلك الغرفة/ قصة قصيرة

داود السلمان

2020 / 7 / 18
الادب والفن


أرخى الليل سدوله، اخذت اسنان الوحشة تمزّق ذاكرته المنخورة، تكالبت عليه الاحزان من كل حدب وصوب، كقطع الغيوم السوداء في ليلة مظلمة، احس بأن جدران غرفته المتداعية تريد أن تطبق عليه انيابها المكشرة.
ظل يتململ على فراشه، هم بالنوم، ابتعد سلطان النوم عن عينيه، اخذت الافكار تعبث في مخيلته، كأنها معاول للشياطين تريد أن تحفر نفقا في قاع قلبه المتهالك. انتفض مذعورا، انتبه لما حوله، اجال النظر في الجدران الاربع لغرفته، طفق يلامسها بنظراته الثاقبة، لم يرَ شيئا يثير الانتباه، هاجت عليه حساسية الذكريات بالحاح، اخذت تنهشه من الداخل، شطح به الخيال المصحوب باللوعة والغياب، مزقت الظنون شرايين صبره، شعر بالتقيؤ والغثيان. نهض ليفتح الشباك على مصراعيه، راح يستنشق الهواء الخارجي ملئ رئتيه، انعش الهواء كل مسامة من مسامات جسده الناحل، راح يجيل النظر في الخارج.
كان الشارع موحش، مكتأب، كأنه فاقدا عزيز، السكون مطبق، لا توجد في الشارع ثمة حركة لبشر، الا بقايا من حركات الهواء التي راحت تعبث بأوراق الشجر المحاطة بالشارع، هنا وهناك.
شعر بالظمأ، وتيبس في جوفه، توجه الى الاناء الذي وضعه على الطاولة منذ سويعات، وجده باردا، ومغريا، فسكبه في جوفه بجرعة واحدة، فقضى على آخره.
عاد الى فراشه ليستأنف النوم، ويريح جسده المتعب، المنهك، رمى بنفسه على فراشه الوثير، رفض النوم أن يستجيب دعوته، اتجه بأنظاره صوب الساعة الجدارية، ذي الدقات الرتيبة، ليعرف الوقت، وجدها تشير الى العاشرة والنصف. فكر بينه وبين نفسه "أن الوقت لا زال مبكرا، والليل بعدُ في اوج بدايته".
نهض من السرير، والغى فكرة النوم عن باله، قام بجسد وئيد وارجل تتهاوى، اتجه الى مكتبته العامرة بصنوف الكتب، المجاورة لغرفة نومه، ضغط على زر المصباح، ظهر نور المصباح يملئ فضاء الغرفة ويسد كل مسامات الظلام التي اخذت بخناق ذلك الفضاء. دنى فتدلى من المكتبة، اجال النظر الى رفوفها بارتياح، وراح يدقق بالكتب الملونة.
كانت الكتب موضوعة على الرفوف بشكل هندسي، كأنها لوحة تشكيلية رسمتها انامل فنان ماهر يجيد صنعته، مدّ يده الى اول كتاب وقع عليه نظره، فكان رواية "مائة عام من العزلة" للروائي الكولومبي ماركيز. تذكر أن هذه الرواية قد قرأها قبل اكثر من عشرين عاما، ابتسم، بيد أنه لا يتذكر احداثها وكيف كانت النهاية، قرر أن يعيد قراءتها تارة أخرى.
فتح الصفحة الاولى من الرواية، وذاب في بحر القراءة، ذلك البحر العذب، نسي نفسه، حيث اخذت منه نشوة القراءة كل مأخذ، راحت تداعب لبه، وتنقل مخيلته الى احداث شيقة، فلم يشعر الا وخيوط الشمس قد تسللت من خلف النافذة، لتملئ بنورها الوهاج، كل مجسة من مِجَسَّات تلك الغرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا