الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية وفكرة المساواة

بحضاض محمد

2020 / 7 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


منذ أن انطلقت البورجوازية في شرنقتها، ومنذ أن تحول نظام العصر الحديث إلى طبقة حديثة، صاحبتها البروليتاريا بالضرورة اللازمة المحتومة كظلها، بل إن مطالبة البروليتاريا بالمساواة أصبحت مطالبة البورجوازية عينها بالمساواة، وحين طالبت البورجوازية بمحو الامتيازات الطبقية، ظهرت مطالبة البروليتاريا بمحو الطبقات ذاتها، أولا على شكل ديني بالاستناد إلى المسيحية الأولى، ثم بالاستناد إلى النظريات البورجوازية نفسها، نظريات المساواة.
وقد ألزم البروليتاريون البورجوازية بكلامها "تحقيق المساواة" ووجدوا أن المساواة ينبغي ألا تقوم في الظاهر وحسب، أي في مجال الدولة وحده، بل ينبغي أن تتحقق كذلك بالفعل في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
إن المساواة التي تنادي بها الماركسية، تختلف عن بعض ضروب المساواة التي تبشر بها الاشتراكية الخيالية أو الوهمية أو العاطفية، إذ نادى "برودون" مثلا بالملكية الصغيرة الموزعة، وقد عارضته الماركسية بتصور مجتمع يمتاز بأن وسائل الإنتاج فيه تخضع لملكية مشتركة لا لملكية موزعة.
وغاية ما تهدف إليه الماركسية أن تقضي البروليتاريا بالنضال الطبقي على المجتمع البورجوازي وتدك صرحه، وتنسف دعائمه نسفا، وتستعيض عنه بمجتمع أمثل، لن يكون هو عينه مجتمع ترف وعطالة وتقاعس، إنه لن يكون مجتمعا سكونيا راكدا يستهلك فيه الإنسان ما يستهلك من غير أن يعمل أو يبذل جهدا، بل إن مجتمع الغذ سيتصف باستمرار النضال والكفاح، وستطرح فيه مسائل جديدة، وتقوم فيه نقائض ومفارقات، وإن أي تصور أي مجتمع على وجه يغاير هذا الوجه، إنما يتناول مجتمعا ميتا ويعني بعبارة أخرى ختام البشرية ونهايتها.
وحينما ينتقل المجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية يسمي ماركس هذه المرحلة بالمرحلة الأولى أو السفلى من المجتمع الشيوعي، ويصف ماركس هذا المجتمع بأن وسائل الإنتاج لا تبقى فيه ملكا خاصا للأفراد، بل تغدو ملك المجتمع كله، وكل عضو من أعضاء المجتمع يقوم بقسط معين من العمل، وينال من المجتمع أيضا بمقدار الكمية العمل الذي قام به، أي أن كل عامل ينال بمقدار ما بدله.
ويبدو أن المساواة هنا تامة، لكن في الواقع لسنا هنا أمام مساواة تامة بل أمام "حق متساوي"، والحق المتساوي هو إخلال بالمساواة، ذلك لأن الناس ليسوا متساوين، أحدهم قوي والآخر ضعيف، أحدهم متزوج والآخر أعزب، لدى أحدهم عدد أكبر من الأطفال مقارنة بالآخر...، ويخلص ماركس إلى أنه عند تساوي العمل وبالتالي تساوي الحصة من مخصصات الاستهلاك الاجتماعي، ينال الواحد عمليا أكثر من الآخر، ويظهر بأنه أغنى من الآخر، ولتجنب هذه النتائج، توجب ألا يكون الحق متساويا، بل عليه أن يكون غير متساو.
وبناء على ما سبق من معطيات، فإن المرحلة الأولى من الشيوعية، لا يمكنها أن تحقق المساواة، إذ تبقى هناك فروق في الثورة، إلا أن استغلال الإنسان للإنسان في هذه المرحلة يبقى مستحيلا، لأنه يصبح من غير الممكن أن يستولي الفرد على وسائل الإنتاج كملكية خاصة، على المعامل والآلات والأرض وغيرها، ويترتب على ذلك ضرورة وجود أحكام، وهو ما يعكس ضرورة وجود جهاز الدولة التي تصون الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وبذلك تصون تساوي العمل وتساوي توزيع الإنتاج.
رأينا إذن أنه لا بد من وجود جهاز الدولة إبان المرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي، كونها تكون أداة لصون تساوي العمل وتوزيع المنتجات على المنتجين بطريقة متساوية، وكذا أداة لردع البورجوازية ومطامحها الدائمة في الاستلاء على فائض الإنتاج وتملكه ملكية خاصة، إلا أن اضمحلال الدولة بصورة تامة لا يكون إلا عند تحقيق الشرعية التامة، أي عند تحقيق المرحلة الثانية أو العليا من المجتمع الشيوعي.
وبعد أن تزول عبودية الانسان الناتجة عن خضوعه لتقسيم العمل، وعندما يزول بزوال ذلك، التضاد بين العمل الفكري وبين العمل الجسدي، وعندما يكف العمل عن كونه وسيلة للعيش فقط، ويصبح هو نفسه أول متطلبات الحياة، وعندما تنمو القوى الإنتاجية مع النمو الشامل للأفراد، وتتدفق بغزارة جميع مصادر الثورة بالتالي تتحقق العدالة الاجتماعية، عندئذ فقط يصبح في الإمكان تخطي أفق الحق البورجوازي الضيق في المساواة، لمساواة أوسع نطاقا تشمل جميع الميادين، يصبح حينها بإمكان المجتمع أن يحول شعاره من: من كل حسن طاقته، إلى كل حسب حاجته، وعندها فقط تتحقق المساواة الكاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة