الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية الخطاب الروائي في رواية -غالية-للكاتبة هند الزيادي

نائلة الشقراوي
إعلامية وباحثة في الحضارة والأدب العربي

(Naila Chakraoui)

2020 / 7 / 21
الادب والفن


يعرف سعيد يقطين الخطاب الروائي بأنه "الطريقة التي تقدم بها المادة الحكائية للرواية وقد تكون المادة الحكائية واحدة لكن ما يتغير هو الخطاب في محاولة كتابتها" وقد لمسنا حرص الكاتبة هند الزيادي في روايتها "غالية أو الرجل الذي سكن البرج مع ماتريوشكا" الصادرة عن دار زينب للنشر على تجسيد فلسفة الجمال ونمذجة اسلوبها الروائي والارتقاء به من وضعية الخطاب العادي الى الخطاب الأدبي الحديث.
الغلاف: غلاف أسود يتوسطه إطار مذهب لصورة بالأبيض والأسود تجسد ثلاث بنات ستنقل عنهن الكاتبة هند الزيادي الكثير من الأحداث المتشعبة في تماسك ،و التي تمثل محور السرد.لون يتأكد لنا لاحقا ان اختياره كان بعد دراسة لمضمون رواية ستغرقنا لاحقا في سواد التفاصيل وتهزأ من توقعاتنا حول نهايتها و تحرمنا حتى من أمل بابتسامة في آخرها ولو تشفيا بمصير الشخصيات السلبيةالعدوانية، أو فرحا باستقامة ميزان العدل ولو بعد قرون.(كنت اتمنى لو انني ساعدتك على الايمان بأن الحياة يمكن ان تكون عادلة وأن النهايات دوما من جنس العمل لكنني سأخيب ظنك) قالتها غالية بحرقة بعدما حرمت حتى من التشفي بموت شنيع لزوجة العم القاسية والتي كانت سببا لمآسي عائلتها الصغيرة .
العنوان :منحت الكاتبة روايتها عنوانا آخر كرديف للعنوان الأصلي "غالية" وهو "الرجل الذي سكن البرج مع ماتريوشكا".وغالية هي الشخصية الرئيسية وأحد الأصوات الساردة بالرواية والتي جعلت القارئ يتابع حركتها السردية السريعة بانتباه حتى لا يتسبب كسر الكاتبة للنظام الزمني في افلات بعض من تسلسل الأحداث منه .
أما الرجل الذي سكن البرج فهوالصحفي المتقاعد و السارد الثاني الذي استخدمه ذكاء الكاتبة لتوظيف تقنية الاستباق للكشف عن ما سيطرأ لاحقا من أحداث (العثور على عظام الاخت الصغرى مدفونة)
لئن اختزل العنوان الشخصيات الرئيسية فقد حدد أيضا المكان. فالبرج هو المكان الذي دارت فيه وحوله الاحداث وهو سكن فاخر لمشغلها الغني من خلاله نقف على علوية الطبقة الغنية التي تشرف من فوق على تسيير العمال والخماسة والخدم كعبيد احيانا تدفع لهم مقابل عملهم ما يسد جوعهم ويجعلهم فقط على قيد الحياة كعبيد. وقد كان لغالية علاقة وشائجية به ففيه تغير واقعها للأفضل ومن خلاله حققت بعض احلامها البسيطة في أن تنام على شبع أو تلعب او أن تهنأ ببعض الأمن بعيدا عن حياة سحقها الفقر واليتم والمعاملة الخشنة من زوجة عمها زينة .البرج ايضا كان بعد قرون سكنا للصحفي الذي لم يكن حاضرا زمن الحكاية وانما كذلك فهو ليس طرفا محايدا بها .هناك كان التداخل المقصود من الكاتبة زمنيا وكذلك في الأحداث حتى انه يتهيأ لنا بالأول اننا إزاء روايتين في رواية واحدة لنتافجأ بعدها ان الفصول التي كان يكتبها او يرويها الصحفي سيكون لها علاقة بنهاية الرواية و بعض ازماتها .الصحفي مهمته الإخبار والبحث عن الحقيقة وقد كان اداة سردية بيد الكاتبة للكشف والاعلان بأسلوب مختلف تماما عن اسلوب غالية في الحكي فهند الزيادي استعانت بتقنية ادب الترسل الذي يمنح الرواية زوايا نظر اضافية ويربط ما بين الماضي فيها والحاضر .غير أن الحقيقة التي كانت هدفا لغالية والصحفي ليست واحدة بالرواية لانها لا تشمل فقط الكشف عن مصير غزيل ومن تسبب في موتها وانما لكل شخصية حقيقتها الخاصة التي تظهر على ملامح رسمتها الكاتبة بدقة نفسيا ومظهريا وخططت لها جيدا .التخطيط هنا كان بهدف تحقيق توءمة ما بين الوصف الخارجي والداخلي او ما بين النوايا و السلوك ومستويات بلوغ كل منهما اهداف السرد الفني دلالة ومضمونا .يتجلى هذا في مقارنة سلوكات الصحفي العاطفية تجاه ابنه بسلوكات قمرة ام غالية والتي تشابهت في الاهمال و الافتقار للحنان.المشكلة إذن ليست في الفقر وصعوبة العيش واليتم والجوع والعراء فقط وانما في قسوة القلوب ."البشر أمرهم غريب لا يعرفون قيمة المحبة إلا ساعة الفراق"هكذا قال الصحفي في رسائله لابنه الميت . الحب كفكرة في أحداث الرواية كان منعدما الا في ما يخص غالية واخواتها ماعدا ذلك فكل الشخصيات تقريبا ولأسباب عديدة متعلقة بالجهل و بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة لم يكن للحب قيمته ولا تأثيره في تغيير السلوكات او إضافة بقعة من البياض في مساحة متسعة من السواد تتعدد عناصره وتصبح قضايا تعالجها الكاتبة في روايتها (استغلال الاطفال وتشغيلهم ،زواج القصر،دونية المرأة ،التفاوت الطبقي..) ولئن كانت الأحداث الرئيسية زمن الاستعمار فإن القضايا التي تطرحها الكاتبة والتي استعانت في سردها بغالية والصحفي او السارد الثالث كلبه لازلت متجددة في اشكال اكثر فظاعة ولم تنتهي بالتقادم ولا بالتطور ولا بالمدنية ولم يكن استدعاء شخصيات من الماضي سوى تذكير بالحاضر ومقارنة ضمنية في مستويات التشابه بينهم في واقع انساني موحش، إذ لا ننسى ان العنوان ورد به ايضا إسم ماتريوشكا (الدمية الروسية التي ترمز للمرأة الريفية) وماتريوشكا تحتوي على 3او 4 دمى متشابهة ولكنها تختلف في الحجم ويمكن ان يرمز التشابه الى الاشتراك في الوضع والحجم الى اختلاف مستوياته او الى مستويات الحقيقة داخل البشر و التي أجمعنا على صعوبة بلوغها معرفة او تجريبا، لذلك انهت الكاتبة روايتها بجملة تكتنز المعنى ألا وهي"هذه كانت رؤيتي للحقيقة والأمر متروك لك"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .