الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل شكري بلعيد لعبد القادر بلحاج نصر- الرواية التي تعود بالرواية إلى قواعدها

نائلة الشقراوي
إعلامية وباحثة في الحضارة والأدب العربي

(Naila Chakraoui)

2020 / 7 / 21
الادب والفن


طبعة انيقة اصدرتها منشورات زخارف للروائي عبد القادر بن الحاج نصر لروايته "من قتل شكري بلعيد".استحضر الكاتب شخصية شكري بلعيد ضمن شخصياته مستخدما خياله وبعض ما كتب عن حادثة الاغتيال في نقل الوقائع التي تخص الشهيد ولكنه مع باقي الشخصيات استند الى واقع تصويري لكل شخصية من خلال الحوار الديناميكي الذي يدور بين الابطال ويكشف عن تاريخ ورؤى لفترة مهمة جدا في تاريخ تونس .ولم يكن التأريخ هدفا للسرد وانما الروائي عبد القادر بلحاج نصر اتخذ حادثة الاغتيال بؤرة يفيض منها كل ما يتصل بالواقع الإجتماعي و السياسي التونسي قبل الثورة وبعدها .
الواقع لم يتغير بنظر الكاتب لا لأننا إزاء نفس الأشخاص بل للتأثير المتواصل للموروث الإجتماعي في السلوكات .شعب تربى على عقلية يتحكم بها البوليس السياسي ويوجهها كيفما تشتهي إرادة الحاكم لن يكون ابدا شعبا ذو إرادة خاصة تنأى عن إرادة السلطة لذلك حمل الكاتب كل مآسي الوطن وشعبه الى جهة محدد أسماها سدنة الجهاز السري(إذا اخترقت رصاصة جسدك وأنت سائر على الرصيف أيها العاشق لوطنك فأعلم أنهم سدنة الجهاز السري، وإذا حاصروك و مرغوا وجهك بالتراب فاعلم أنهم سدنة الجهاز السري..)وأعلن عبد القادر بلحاج نصر في روايته "من قتل شكري بلعيد "عن رأيه الصريح من القضايا والجرائم المرتكبة وحتى من ثورات الربيع العربي التي قال انها ليست من صنع العرب بل من تخطيط اجنبي فاستخدم شخصيات الرواية لتمرير تلك الرؤى سواء بالإفصاح او التضمين .
"من قتل شكري بلعيد" سؤال بلا علامة استفهام تنهيه ،في انتظار اجابات متعددة لأن الاغتيال حسب الكاتب لم يطل الناشط السياسي شكري بلعيد فقط وانما هو سلوك متكرر يتعرض له جزء واسع من الشعب .اغتالو أمننا الشخصي ،أحلامنا ،طفولتنا براءتنا(رقية) ،شبابنا (هيثم وفاطمة) ،واقعنا ومستقبلنا ،قدر لأبناء الشعب البسيط ان يهجروا ،ان يشقوا من اجل لقمة عيش تأتي مغمسة بالعرق والدم في حين جزء آخر من الفاسدين ينهبون خيرات الوطن ليتمرغ فيها من كان على دينهم أو من صلبهم ،وقسّم الكاتب على لسان بطلته فاطمة الشعب الى فئتين ابناء السلطة والأذرع التي تخدم مصالح بقائها وابناء البسطاء الذين تمارس عليهم مختلف الإرهاصات حتى يندثروا .
الشخصية المحورية في الرواية هي عثمان ،عميل المخابرات او احد المتعاونين مع الأجهزة السرية التي تكون وظيفتها عادة جمع المعلومات وتنسيق العمليات القذرة ،عثمان الذي اغتصب في ما مضى الطفلة رقية والذي لم يشعر ابدا بالندم عن هذا الفعل ،جعله الكاتب المحرك الاساسي للسرد والقطب الذي تدور حوله الاحداث وليس عثمان سوى رمزية للعقول المخططة والمنفذة للجرائم التي تحاك ضد الشعب وحين تحايلت رقية على تعرية عثمان من ملابسه وكشفت عورته امام الكل جاءت عملية اغتيال شكري بلعيد وهذه اشارة تضاف الى عدة اشارات واضحة من الكاتب في كل الرواية وهي ان من قتل الشهيد هي عدة اذرع اتفقت على ان تكون في جسد واحد يخطط وينفذ ،هو الكيان المنبوذ الذي استلم السلطة بعد ثورة بنظر الكاتب مدبرة ليواصل سياسة قطع الرؤوس التي تطلعت دوما للحرية وما عاشتها.قاتل شكري بلعيد هم نفسهم من خططوا لثورات الربيع العربي فتغلغلوا في نسيج المجتمع التونسي وغيروا جيناته المتآلفة لتسيل انهار الدم دون ان يطبق القصاص (دماء كثيرة أنهار جرت على الأرض واغلقت الملفات)
اسلوبيا أعاد عبد القادر بلحاج نصر مجد الرواية الواقعية دون ان يكون في حاجة لتضخيم قذارته بالسلوكات المتخيلة او اللغة المعقدة ،اذ ينساب سرده وفقا لقاعدة التشويق والمتعة التي تخلقها سلاسة سرد الاحداث وتصويرها .حتى الشخصيات على اختلافها مشاربها تشعر بأنها قريبة منك وتشبه جيرانك فتتابعها لتتعرف على نفسك او معارفك بينهم . وهذا هو اسلوب الكاتب المعروف عنه حيث يبتعد عن الفانتزايا والديستوبيا التي انتشرت في الروايات الحديثة للتعبير عن الانهيار القيمي في المجتمع المعاصر والتي أحيانا ينفر منها القارئ لما تختزنه من سواد وقذارة ليس للكاتب ذنبا بها سوى انه اختار الاسلوب الذي لا يرتقي الى إجماع الذوق العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3