الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الزمن الرديء ، الزمن الموبوء ، تصبح الخيانة نضالاً باسم حقوق الانسان مع سبق الاصرار

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


غريب امر هذا العالم الرديء ، العالم الموبوء ، وغريب هذا الواقع المر ، الذي انقلبت فيه الصورة لتعكس غير حقيقتها ، في زمن اختلطت فيه الأشياء ، واختلط فيه الحابل بالنابل ، واصبحنا عاجزين ، بل غير متقبلين هضم شوارد تنط وترقص امام اعيننا ، وتملء فضاءنا الذي اضحى بوجودها ، وبوجوهها اكثر من ملوث ... شوارد تائهة مفلسة وفاشلة ، تتراقص على نغمات سمفونية مزنجرة ، تمجد الخيانة ، وتدعو الى نصير ونصرة العدو ، ناكرة تراب الوطن الذي ازدادت فيه ، وعاشت فيه ، لا لشيء فقط لان الحاكم باسم الله ، وباسم الرب ، سليل النبي ، الأمير الراعي ، والإمام المنصور بالله ، اعتدى عليها وظلمها ... وهضم حقوقها ...
نعم شوارد ما اتى بها و بأمثالها زمان ، ولا عرف نماذجها سلطان ، او رحبة او مكان ، ولا عرفت الإنسانية امثالها في الخيانة ، والدونية ، والحقارة في الارتماء في حضن الشيطان العدو الذي يبيث الشر للإنسان المغربي ، وللمغرب البلد فوق كل اعتبار ...
وبالرجوع الى تاريخ المغرب ، تاريخ المعارضة الجذرية والمسؤولة ، من دعاة الجمهورية ، من بلانكيين ، وثوريين ، وسياسيين اصلاحيين، لم يسبق لاحد هذه المعارضة التي مثلها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وحركة الاختيار الثوري ، ومنظمة 23 مارس بعد البيان اليتيم في سنة 1974 ، ان تنكروا لوحدة المغرب ، ولا لترابه ، ولا لشعبه ، بل وهم يناضلون ضد النظام الملكي الجبري والدكتاتوري ، الأكثر من مستبد ، والأكثر من طاغي ، كانوا يتمسكون بالوحدة ، وبالدفاع عن حوزة المغرب ارضا وشعبا ، و يا ما عانت منظمة 23 مارس من ضغوط ، و يا ما تعرضت له من تنقيص وتشويه ، من قبل الرفاق الشيوعيين والماركسيين العرب ، ومن قبل حزب جبهة التحرير الجزائري ، فقط لتمسكها بالصحراء ... ، وبسبب نفس القضية ، من اجل الصحراء المغربية ، ووحدة المغرب ارضا وشعبا ، ستغادر حركة الاختيار الثوري الجزائر ، والالتحاق بفرنسا كلاجئين لمواصلة النضال ، النضال ضد النظام ( الديمقراطية ) ، والنضال من اجل الوحدة ( التحرير ) ، بل ان تلك المعارضة التي تركت بصماتها جلية ، في تاريخ الصراع السياسي الراقي ، الذي كان فيه الجميع حكاما ومحكومين يحترمون بعضهم البعض ، دون السقوط في السب ، والقدف ، والتنقيص من الاخر ، لان النظام كان يدرك حجمه ووزن وطينة معارضيه ، والمعارضة كانت تدرك حجمها ومشروعها ، ورغم جهنمية القمع لم يسبق للمعارضة المغربية ان تنكرت لوحدة المغرب ، ولوحدة شعبه نكاية بالنظام ، بل هي زاوجت في نضالها بين التمسك بخيار التحرير، تحرير الصحراء من الاحتلال الاسباني ، وبخيار الديمقراطية سواء كانت جمهورية ، او كانت ملكية برلمانية ، وحتى منظمة الى الامام قبل ان تتحول في سنة 1977 ، حين اكتشفت على حين غرة أسطوانة الشعب الصحراوي ، وابرقت نكاية في النظام المغربي تهنئ الرئيس بنجديد برئاسته للجزائر ، كانت مع تحرير الصحراء من الاسبان ، فنادت بالجماهير المغربية في الصحراء ، ثم الجماهير الصحراوية في الصحراء ، ثم الشعب العربي في الصحراء ، قبل ان تنهيها بالشعب الصحراوي في الصحراء ، والمنظمة في مواقفها المختلفة ، كانت تراهن على استعمال الصحراء لإسقاط النظام بتعميق تناقضاته ، وتعرية اخطاءه وهفواته ، لان في تنظيراتها ، الصحراء كانت تعتبر بؤرة ثورية .
ورغم انتهازية الخطاب ، أي المقامرة بالصحراء لإسقاط النظام ، فأطروحة المنظمة من الصحراء ، استمدتها من موقف لينين من تقرير المصير ، محاولةً تعميم المصطلح لتبرير الانفصال ، والحال ان هذا التوجه هو حق يراد به باطل ، فهو لا ينطبق على نزاع الصحراء الذي في اصله ،هو نزاع بين نظامين متباعدين ومتناقضين ، النظام المغربي المرتهن للنظام الرأسمالي ، والنظام الجزائري المرتهن للنظام ( الاشتراكي ) ، لان تقرير المصير كما حدده لينين ، يقصد به الشعوب التي تخضع للاستعمار الأجنبي ، وليس حق السكان في الانفصال عن وطنهم الاصلي ، وهو نفس المعنى قصده مفهوم تقرير المصير في ميثاق الامم المتحدة ، اي استقلال الشعوب التي تخضع للاستعمار الأجنبي ، ولا تعنى تزكية الانفصال وتفتيت الدول القائمة ..
ان الاستفتاء كان مشروعا ، وحقا من حقوق الانسان ، وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، حين كانت اسبانيا كدولة استعمارية اجنبية تحتل الصحراء ، لكن عندما استرد المغرب صحراءه ، ولم يبق هناك استعمار اجنبي ، اصبح مطلب الاستفتاء المروج له ، لا يؤيد الغرض المقصود من معناه ، بل اصبح يستعمل كدريعة لتفتيت الدول ، وتشتيت شعبها وترابها ، فاصبح بذلك بمثابة حق اريد به باطل ..
لقد انشطرت منظمة الى الامام ، و أصبحت عبارة عن كمشة أصابع اليد ، موزعة بين 30 غشت ، وبين الاماميّون الثوريون ، وبين البديل الجدري ، والنهج القاعدي ... لخ ، وهي مجرد أسماء ومسميات اسموها ، لا فعل لها في المجتمع الذي تسيطر عليه المنظمات الاخوانية والاسلاموية ... بل ان الكثير من الاماميين الذين اعلنوا ثوبتهم ، وانظموا الى مختلف مؤسسات الدولة ، اصبحوا من المدافعين الأوائل عن مغربية الصحراء ..
إذن مَنْ مِنَ المغاربة يعارض مغربية الصحراء ، ويناصر الانفصال ، ويتمسح بالنظام الجزائري عدو وحدة الشعب المغربي ، ووحدة الأرض المغربية ؟
خلال السبعينات ، كانت منظمة الى الامام هي وحدها من كانت تناصر الانفصال في الصحراء ، التي كانت تعتبرها بؤرة ثورية من بؤر الصدام مع النظام ، ونفس الموقف اتخذته حركة لنخدم الشعب الماوية .. وحتى سنة 1974 ستصدر منظمة 23 مارس بيانا يتيما ، تدعو فيه الى انفصال الصحراء ، ونصرة جبهة البولساريو الانفصالية ، لكنها سرعان ما ستتراجع عن هذا البيان اليتيم ، ولتنخرط الى جانب حركة الاختيار الثوري ، في الدفاع عن مغربية الصحراء من الجزائر التي كانوا بها كلاجئين سياسيين ..
ان هذا الموقف الوطني والمشرف ، سيكلفهما صعاباً ومشاقاً مع المخابرات الجزائرية ، التي بدأت تتحرش بالمناضلين لمساومتهم في قضية الصحراء ، وهو ما كان وراء الهجرة الجماعية من الجزائر الى فرنسا ، لمواصلة النضال السياسي في شقيه الديمقراطي والتحريري .
لكن اين نحن الآن مِنْ مَنْ اصبح يعارض مغربية الصحراء ، ويشجع الانفصال ، ويبجل ويمدح النظام الجزائري ؟
لحسن الحظ ان المعارضين الجدد لمغربية الصحراء ، والمناصرين للجمهورية الصحراوية ، من جهة ليسوا بمنظمات او أحزاب سياسية فاعلة ، ومن جهة فهم ينشطون كأفراد يجمعهم معاداة مغربية الصحراء ، ويفرقهم كل شيء ، حيث لا يترددون في تبادل السب والقدف بينهم ، ومن جهة فهم ليسوا بإيديولوجيين ولا بسياسيين ، لكنهم اشخاص ينكرون على المغرب صحراءه نكاية في النظام ، اعتقادا منهم انهم يؤثرون عليه ، والحال انه لا يشعر بهم هل هم موجودين او غير موجودين ، طالما ينطُّون كأشخاص ، ولا ينشطون كمنظمات ..
بالأمس وظفت التنظيمات المعارضة لمغربية الصحراء ، المبادئ والقناعات الأيديولوجية ، لشرعنة الانفصال ، وهي في قرارة نفسها كانت تعتقد ان مشكل الصحراء المُستغل بشكل انتهازي ، يجب الدفع به الى أقصاه ، بما يؤثر على قوة النظام الآيلة في اعتقادهم للسقوط ، فالصحراء هي من سيعجل بإسقاط النظام ، أي يجب استعمال الصحراء لتحرير المغرب من النظام ، وليس النظام من سيحرر الصحراء .
ان استعمال الصحراء في اسقاط النظام ، وبهذا الشكل الانتهازي اللاّأخلاقي ، يجعل من هؤلاء يخدمون كوكلاء النظام العسكرتاري الجزائري الذي يتربص الشر بالجميع ، إيمانا منهم ان انفصال الصحراء إذا كان سيحقق الجمهورية المغربية ، فلا مشكل بالحاق الصحراء بالجزائر ضمن دولة كنفدرالية ، او دولة فدرالية ، فالمهم بالنسبة لهم هو اسقاط النظام الذي لم يسقط حتى الآن ، ما دام لم يفرط في الصحراء كنزاع استراتيجي إقليمي ، مع النظام العسكرتاري الجزائري الذي ينتظر التوسع على حساب الصحراء .
ونظرا لان المعارضين للصحراء حاولوا تبرير مواقفهم بالمبادئ وبالإيديولوجية ، فهم نشروا كتابات عديدة ، وكراسات متنوعة تمجد انفصال الصحراء عن المغرب ، كما وزعوا مناشير في أماكن مختلفة تدعو الى انفصال الصحراء ، خاصة بفرنسا حيث كانت جريدة 23 مارس الوحدوية ، تجابه دعوات الانفصال ، وتتصدى لأطروحة الجمهورية الصحراوية .. وبسبب الموقف من الصحراء ، سيفشل اللقاء الذي جمع بجامعة Nanterre كل من منظمة الى الامام الانفصالية ، وحركة الاختيار الثوري الوحدوية . فالصحراء كانت كما لازالت تلعب أدوارا بالنسبة للنظام الذي انْ تمسك بها تجنب سقوطه ، والمعارضة الوطنية التي تعطيها الصحراء متنفسا للتحرك وللحركة ، كما تمكنها من لعب دور الشعب الملتصق بالصحراء ..
و بإلقائنا نظرة عن نوع المعارضة التي ترفع اليوم شعارات تقرير المصير ، وتنكر مغربية الصحراء ، وتناصر الانفصال الذي يخدم النظام العسكرتاري الجزائري ، فإننا لا نجد أي تشابه بين هؤلاء الذين ينشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، وبين معارضة الامس لمغربية الصحراء .
ان معارضة السبعينات والثمانينات كانت معارضة مثقفة ، فكانت في سبيل تبرير مواقفها المعادية لمغربية الصحراء ، تصدر الكراسات والنشرات ، وكانت تنسق مع المنظمات العربية التي كانت تناصر تقرير المصير في الصحراء ، ويستوي هنا المنظمات العربية خاصة الفلسطينية ، كالجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وكل أحزاب اليسار ، والأحزاب الشيوعية الاوربية التي تناصر الانفصال في الصحراء .
اما ما يسمى اليوم بمعارضي مغربية الصحراء ، فباستثناء النشاط عبر الفيسبوك ، فلا احد منهم تفضل بنشر ولو كراس يعالج مشكلة نزاع الصحراء ، بل الخطير انهم يجهلون جهلا كليا تاريخ الصحراء ، ويجهلون التكالب الامبريالي التي تعرضت له الصحراء منذ سنة 1884 والى اليوم ..
فهل يمكن اعتبار هؤلاء معارضين للنظام من خلال معارضتهم لمغربية الصحراء ، وهل يملكون من كارزمات لمقارنتهم بمعارضي الامس لمغربية الصحراء ؟
اذا قارنّا هذا السيف بتلك العصا ، كان ذلك تقليلا من قيمة السيف حيث لا قياس مع وجود الفارق بينهما . ان ما يسمى بمعارضة اليوم لمغربية الصحراء ، هم اشخاص وليسوا جماعات حتى لا نقول منظمات او أحزاب ، وبناء عليه فان معارضتهم لمغربية الصحراء لا تؤثر في الوسط الاجتماعي والسياسي للدول الاوربية التي يتواجدون بها ، فتبقى من ثم خرجاتهم الباهتة شاردة وغير مؤثرة .
ان معارضتهم لمغربية الصحراء كأشخاص ، ليس قناعة إيديولوجية او سياسية ، او انها قناعة مبنية على مبادئ او عقائد ، لكنهم في قناعتهم وفي فهمهم المفلس ، ان تبني موقف معارضة مغربية الصحراء ، هو تشفي ونكاية بالنظام الذي يربط وجوده بالصحراء ، فهم يعتقدون ان مجرد القول بالانفصال في الصحراء سيعجل بسقوط النظام ، لكن دون طرحهم للبديل بعد سقوط النظام ، لأنه كما قلت أعلاه هم مجرد اشخاص وليسوا بمنظمات او أحزاب ..
هكذا نجد انه كلما اكفهرت سماء بعض الناس مع النظام المغربي ، كلما صبوا جام غضبهم على مغربية الصحراء ، وكأن الصحراء ، هي سبب مشاكلهم ، ومظلوميتهم مع النظام ...
فما العلاقة بين التنكر لوحدة التراب الوطني ، وبين معارضة نظام باتريمونيالي ، أوليغارشي ، بطريركي ، كمبرادوري ، ثيوقراطي ، أثوقراطي ، استبدادي ، دكتاتوري ، ظالم ، ومعتد آثم ؟
وهل معارضة النظام تقتضي التنكر لوحدة الارض ، ولوحدة الشعب ؟
ومنذ متى كانت آليات إقبار النظام واضعافه ، تختزل في الاصطفاف الى جانب العدو ، والتنكر لوحدة الارض ؟
ان مناسبة طرح هذه التساؤلات ، هو الانقلاب على المواقف السابقة التي كانت تؤيد مغربية الصحراء ، الى مواقف تتنكر لها فقط لسخطها على النظام .
فلا يجب الخلط بين وحدة الارض ، ووحدة الشعب ، وبين معارضة النظام .. فإذا كانت معارضة النظام تعتبر سلوكا وحقاً مشروعا ، وتؤكده كل المواثيق الدولية ، فان التنكر لمغربية الصحراء ، وتدعيم تقسيم التراب ، والارض ، والشعب ، هو تصرف غريب غير مقبول تحت اية حجة كانت ، إنها الخيانة في اقبح صورها .
ان وحدة الارض ، ووحدة الشعب سابقة على ظهور النظام . ان وحدة الارض ووحدة الشعب تعود الى آلاف السنين ، اما عمر النظام فلا يتعدى ثلاثمائة وخمسين سنة خلت . لذا لا يجب المقامرة على حساب المغرب الكبير، لتسقطوا في خدمة مخططات اعداء الوحدة الترابية للمغرب ، ومخططات اعداء شعبه .
واسألوا من له مصلحة في تقسيم المغرب ، واضعافه ؟
انه هو من يدمر اليوم الدولة الواحدية في الشرق الاوسط ، لصالح تفتيتها وتجزئتها الى كيانات صغيرة ، وكانتونات عميلة لن تستطيع العيش دون المظلة الصهيو -- امبريالية .
فاتقوا الله في بلدكم وفي شعبكم ، ولا تخلطوا بين معارضة النظام ، وبين التنكر للأرض والشعب ، فإن ذهب النظام سيأتي نظام آخر ، وإن ذهبت الأرض فلن تعود .. واسألوا عن فلسطين ، وعن لواء الاسكندرون ، عن سنافير وحلايب ، وعن الصحراء الشرقية المغربية ، وعن ستراسبورگ ، وجزر الكوريل اليابانية ...
تمسكوا بالوحدة عنصر القوة ، وعارضوا النظام كما شئتم وطاب لكم ..
تصبحون على مغرب موحد ارضا وشعبا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254