الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو عالم متعدد الاقطاب

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2020 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


نحو عالم متعدد الأقطاب
د. جاسم الصفار
21/07/2020
كثيرة ومختلفة هي التكهنات حول نظام العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي في المستقبل. ولكن ما يتفق عليه معظم الخبراء والمحللين السياسيين، أن العودة إلى نفس النظام العالمي الذي كان سائدا قبل بداية هذا العام أصبح مستحيلا لأسباب موضوعية. ومع انه من المرجح أن تبقى بعض العناصر الأساسية من النظام العالمي الذي مازال قائما، ولكن الحفاظ على النظام بأكمله كما هو قبل الأول من يناير 2020 بات ضرب من الخيال.
يحاول اللاعبون الأكبر والاهم في النظام الاقتصادي العالمي وقادتهم السياسيون إبطاء وتيرة التغيير. فلم تكن الولايات المتحدة الامريكية ولا دول الاتحاد الأوروبي ولا روسيا ولا الصين مستعدين لمثل هذا التغيير المتوقع والسريع للنظام السياسي والاقتصادي العالمي، على الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية قد سعيتا من اجل الوصول الى نظام عالمي جديد خال من الإملاءات والهيمنة من قبل قطب عالمي واحد مهما بلغت عظمته واي كانت نواياه.
ومهما يكن الموقف من سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مجال العلاقات الدولية، فانه يجب الإقرار بانه نجح في تسليط الأضواء على النظام العالمي القائم على أساس هيمنة القطب الواحد مختزل بدولة عظمى واحدة. فعلى مدى عقود، شاركت النخبة السياسية الامريكية من كلا الحزبين بتجسيد فكرة الأممية الليبرالية القائمة على أساس ان على واشنطن الحفاظ على النظام العالمي الذي يشجع الأسواق الحرة، والسياسة المفتوحة، ودولة المؤسسات وما الى ذلك. الى ان جاء ترامب ليقوض أسس تلك الأممية الليبرالية.
فمن الشك في أهمية الناتو إلى إهانة الحلفاء والتخلي عن الاتفاقيات التجارية والعسكرية واتفاقيات الحفاظ على البيئة. كل هذه وغيرها من المواقف السياسية للرئيس ترامب، شكلت انحرافات جدية وخطيرة عن المسار العام للعقيدة السياسة الامريكية، التي تم التأسيس لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. مما دفع خبراء السياسة الخارجية الغربيين إلى التشكيك في المبادئ الأساسية لاستراتيجيتهم لأول مرة منذ عقود. والآن بعد أن تم التخلي عن أساسيات الأممية الليبرالية، فإن الجدل حول الاستراتيجية الأمريكية العالمية وحدود مصالحها الجيوسياسية والنظام العالمي الوحيد القطب يشهد مشاركة واسعة من قبل الخبراء والمهتمين بالسياسة الدولية.
ونتيجة لذلك فان عدد من الخبراء الغربيين بدئوا يتنبؤون بتراجع هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على مقدرات العالم بحلول نهاية العام الحالي وظهور بداية عصر ما يسمى بـ "عالم متعدد الأقطاب" وهذا لا يشترط حلول قوة عظمى محل أخرى ولا الاحتكام لميزان قوى جديد يفرض إعادة النظر بتقاسم حدود الهيمنة الجيوسياسية على العالم. والتعويل سيكون على حقيقة ان مصالح الدول العظمى وتحقيق التطور الاقتصادي سوف لن يتحقق لأي دولة منها دون الوصول الى حالة استقرار من نوع جديد في النظام العالمي.
بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020، وبغض النظر عما إذا كان ديمقراطيا أو جمهوريا من سيتولى القيادة في الولايات المتحدة الامريكية، سيتعين على سلطات الولايات المتحدة أن تعيد التفكير في دورها ومكانتها في عالم مضطرب وطموح للتغيير. خاصة وان النظام العالمي الذي ولد بعد الحرب الباردة وانهيار نظام القطبية الثنائية، بنهاية حلف وارشو، قد وصل الى طريق مسدود لا سبيل للتحكم بمستقبله بعد ان فشلت اليات ضبط استقراره عن طريق "العقوبات" بمختلف اشكالها.
وتجدر الإشارة هنا الى ان انتشار وباء فيروس الكورونا، وما كشفه عن حالة ضعف وفشل في مواجهته من قبل النظام الرأسمالي الامريكي الى جانب النزاعات الاجتماعية التي اجتاحت البلاد، أدت الى إغراق الولايات المتحدة في أزمات واسعة النطاق لم تجد إدارة ترامب من خيارات لمواجهتها سوى الهروب الى الامام بتأزيم العلاقات مع الصين واوربا وروسيا وإيران مع تفاقم عوامل فشلها في حل أزمات استفحلت في اسيا وافريقيا، اليمن وسوريا وليبيا مثالا، كانت بالأساس من صنع يدها.
ورغم كل اللغط الإعلامي والتصريحات الرنانة، يبدو "أن الملك عاريا" عن حق. وتشاء الاقدار ان تكون ازمة النظام الأمريكي وضعف هيمنته على العالم، فرصة لبداية تعافي كونية من عقدة الخوف وتنامي مشاعر الكبرياء الوطنية والسعي لاستقلالية القرار السيادي الوطني.
بدأ قادة أوروبا بالانسحاب المحسوس من تأثير واشنطن، وانطلقت تصريحات احتجاجية حتى من رؤساء دول اوربا الشرقية على الغطرسة والاملاءات الامريكية، واستناداً إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها زعيما فرنسا وألمانيا، يتعين على الولايات المتحدة ان لا تعتمد على اوربا في مغامراتها العسكرية مستقبلا. وعلى الأرجح، ستشرع اوربا بإنشاء قوات مسلحة أوروبية مستقلة عن الناتو والولايات المتحدة.
سيتعين على واشنطن إما أن تتعلم صداقة بكين وموسكو، أو الاستعداد لأسوأ سيناريو يمكن أن يدمر الكوكب بأكمله، لأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على إملاء شروطها على روسيا والصين. كما أن اتحاد القوتين العظميين لن يسمح للولايات المتحدة الامريكية أن تصبح مهيمنة عالمياً.
ومع ادراكي أن لدى روسيا والصين مع الولايات المتحدة اختلافات عميقة في القيم وفي العديد من القضايا في مجال الاقتصاد والدبلوماسية والأمن. لكن استمرار الصراع لا يفيد أي من الجانبين. كما أن هناك مشاكل سيساعد حلها على تحسين العلاقات في المثلث العالمي - وهي بيئة الكوكب، والسيطرة على الأسلحة النووية، والإرهاب الدولي، واستكشاف الفضاء ومجالات رحبة أخرى كثيرة تعود بالنفع على سكان المعمورة جميعا.
وأخيرا، فانه سيتبدد الشك المتبادل وانعدام الثقة في العلاقات مع روسيا والصين إذا أظهرت الولايات المتحدة استعدادها لبدء حوار جوهري حول قضايا الخلاف. عدى ذلك، يمكننا أن نتوقع الاستمرار بالتصعيد الأمريكي وحمى العظمة وما يرافقها من تبديد للموارد الاقتصادية وانخفاض في قيمة الدولار، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي