الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنوع القص في مجموعة من يحرث البحر إلياس فركوح

رائد الحواري

2020 / 7 / 22
الادب والفن


مجموعة قصص تتكون من اربع عشرة قصة، تتنوع مواضيعها من الاجتماعي إلى الوطني، قدمت بلغة تبحر في الوصف، حتى أننا نشعر أحيانا أن لغة القص هي بطلة القصة، وما يميز المجموعة طريقة القص التي جاءت بأكثر من صيغة، القص الخارجي، القاص هو المتكلم، تداعي ضمير المخاطب، أما بخصوص المكان فقد كانت بيروت هي الحضارة الرئيس في المجموعة، وهذا يشير إلى مكانتها وأثرها على القاص، وبما أن اسم المجموعة "من يحرث البحر" فإن هذا يشير إلى قوة البحر وأثره على القاص، وهذا ما نجده في العديد من القصص، حيث كان البحر حاضرا فيها.
وضع قصة العنوان كأول قصة في المجموعة يعكس اهتمام القاص بها، فهو يريدها أن تكون واجهة المجموعة، إن كان في طريقة التقديم، أو في اللغة، أو في الفكرة، وهذا ما كان، فكان الإبحار في الوصف واللغة كمن يمخر في البحر، جاءت في فاتحة القصة التي قدمت بواسطة القاص: "ليس من خيط يفصل العتمة عن الانقشاع، يتقدم الفجر خفيا، خفيفا، خاليا من أي صوت، مثلما الأشياء الرابضة في مطارها، إنارات واهنة في شرفات البنايات الكامدة" ص13، بهذه اللغة يتم القص حتى آخر فقرة في القصة، والقاص يبتعد عن المباشرة، ويسهب في الإيحاء، وهذا ما يجعل اللغة أقرب إلى النثر الشعري:"تطايرات في الماء أشياء في داخلها رفت وتاقت لكسر حدود الجسد، يصل الماء الركبتين، يمسك بطرف ثوبها المهفهف على جسدها، ينتفخ الثوب الشفيف، ينفخ الهواء فيه،... يجذبها الماء والرمل إلى قدميها الثقيلتين، الراسختين، تهتاج، تعكر الأشياء في عينيها وتستسلم لما يشبه الدوار، يسقط المزيد من نثار السماء الفضي، يرتقي الماء ويرتقي غامرا فخذيها، أسفل بطنها، يغرق تغرة السرة ويملؤها، يرتفع إلى أعلى، ... يبحر الجسد في البحر أكثر، يغمر الماء خصرها ويتسلق، موجا ثقيلا هادئا، ظهرها ليحيط بثدييها المبللين تحت الثوب اللاصق بها، تقشعر الحلمتان وتتصلبان، يباغتها ضيق في هذا الإلتصاق للثوب عليها، تخاله يخنقها كشيء زائد يدبق بالروح، تنحني نحو قدميها.. يختل توازن الجسد.. تباعد ما بين ساقيها ليستقسم جذعها ويسترد توازنه.. تهبط ثانية برأسها، وتمسك بأطراف الثوب.
...حقل محروث لا حد له من هذه الهضاب والكثبان، لا يفصل بين الصفوف سوى أثلام تحددها لتكون أراضي حرثها الموج في هياجه الليلي." ص18 و19، رغم أن المشهد يتحدث عن صراع امرأة مع مياه البحر، إلا أن طريقة التقديم جعلته منه مشهد حب، فهذا الإيحاء أكثر إثارة على القارئ من تقديم مشهد مباشر، كما أننا يمكننا أن نأخذه برمزية بيروت، المدينة التي وقفت وحيدة تواجه أعتى قوة عسكرية في المنطقة، وإذا علمنا أن تاريخ كتابة القصة 1985، وفي هذا الزمن كانت الحريات في الأردن معدومة، حيث الاحكام العرفية هي السائدة، وكان من المحظور والممنوع تناول أي ذكر إيجابي للمقاومة الفلسطينية، وهذا جعل القاص يستخدم هذا الإيحاء الرمزي، متجنبا المُسألة الأمنية، وحتى يستطيع تجاوز الرقابة العسكرية التي كانت تحول دون نشر أي مواد أدبية تخدم فكرة المقاومة.
وقد أشار القاص إلى المنع والحظر في قصة "قبل أن يأتي الذباب" من خلال الحوار الذي تم بين رجل الأمن وأحد الأشخاص:
"آه لو أستطيع إنطاق هذه الصغير. لا فائدة. لا فائدة منه ومن أبيه. أبوه. أم جده؟
ـ متزوج؟
ـ أعزب يا سيدي
ـ ومن تكون له؟
ـ عمه يا سيدي!
ـ وأبوه
ـ إستش... مات يا سيدي!
ولما لم يرى انزعاجا في وجه الضابط، ترك للسانه أن ينزلق:
ـ أنت تعرف. لبنان. إستش ...، وعاد ان خوفه، أو عاوده الخوف" ص112، مثل هذه الإشارات تفيد الجيل الجديد لمعرفة ظروف القمع التي عاشها الآباء والأجداد، وكيف أن الأحكام العرفية لم تكن تسمح حتى بالكلام، فما بالنا بالعملّ!.
في قصة "محطات الرجل والمرأة" يتقمص القاص دور المرأة ويسرد القصة على لسانها، وهي أطول قصة في المجموعة، أربع عشرة صفحة، وهذا يشير إلى انحيازه لها واهتمامه بها، والجميل فيها أن القاص أتقن التقمص، فبدا الحديث وكأننا أمام امرأة حقيقية: "...أمسك بي من كتفي ... تركه يفعل ما يشاء...فانسحبت السماء فوقي وغمزت لي نجمة. انسحب ثوبي من تحت ساقي. أحسست بملمس البلاط العاري. ارتفع إلى خصري. لا. رفعه هو. كنت أريد. أطل وجهه. رأيته للحظة قصيرة. واحدة. ثم أطبقت السماء. فسمعت صوتا ينفلت مني" ص43، مثل هذا السرد يؤكد على أن "إلياس فركوح" يحسن فن كتابة القصة، حتى لو جاءت القصة على لسان امرأة، فالمتلقي يشعر بعاطفتها ومشاعرها كما لو أنه أمام امرأة حقيقية وليست متخيلة.
قد يبدو للوهلة الأولى أن القاص شبق، ويتحدث عن الجنس بإسهاب، لكن من يقرأ المجموعة سيجد العكس تماما، فهناك الاهتمام ببيروت وحصارها وبحرها، حتى أن القارئ يشعر بأن القاص هو الذي حُوصر وليست بيروت، لهذا نجده يذكرها ويذكر بحرها في أكثر من قصة، فعلى سبيل المثل جاء في قصة "الجدار الأخير" والتي جاء القص فيها بطريقة "تداعي ضمير المخاطب": "في اليوم الأول لوصولك من الرحيل الجديد بكيت مرتين. مرة لخروجك من تلك التي اسمها "بيروت" ومرة لدخولك هذه التي تغيرت كثيرا، أهو الاختلاف ما هصر الدمعة فأسقطها؟..
ربما التفاصيل الصغيرة الصغيرة" ص64، وفي قصة "آخر النهار" والتي جاء القص فيها بواسطة القاص، والتي تتحدث عن الحرب وأهوالها: "ـ أطنان من الرصاص،، جبال من الإسمنت المحروق! شوارع مسحت بأكملها!" ص87، من هنا نقول أن "إلياس فركوح" جعل من أدبه مرآة للواقع الذي عاشه، فقدمه بصورة أدبية، فالمجموعة متعلقة بزمن محدد النصف الأول من العقل الثامن، وقد أرخ القاص كل قصة على حدة، وهذا خدم القارئ بتحديد فكرة عن زمن كتابة المجموعة وتريخها.
المجموعة من منشورات دار منارات للنشر، عمان الأردن، الطبعة الأولى 1986.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202