الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف السياسي لفيروس -كورونا المستجد- في سوريا

مالك الحافظ
كاتب وباحث

2020 / 7 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


بعد شد وجذب في أروقة مجلس الأمن الدولي حول تمديد القرار القاضي بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، مطلع الشهر الجاري، نجحت روسيا في آخر المطاف بتمرير رغبتها التي أفسحت المجال خلالها لدخول المساعدات عبر معبر واحد فقط (باب الهوى على الحدود السورية التركية شمالي إدلب)، وذلك في توجه روسي يحمل رسائل سياسية عدة وجهتها موسكو لأكثر من طرف ليس آخرهم أنقرة.

اللافت فيما تلى المماطلة الروسية التي ابتدأت منذ أول شهر تموز، أن مشاغبات موسكو التقطتها أنقرة التي كانت تدرك بشكل جلي أن ما تصبو إليه موسكو أكثر من مماحكة وتحد لواشنطن، التي فرضت أولى حزم عقوبات قانون "قيصر" منتصف الشهر الفائت.

تحليل الوقائع حول ما جرى من إعلان لأول إصابة بفيروس "كورونا المستجد" (كوفيد-19) في الشمال السوري الذي تفرض فيه تركيا نفوذها؛ لا يعني اتهاماً للأخيرة، غير أنه محاولة ربط وتفسير لما جرى ويجري على الأرض هناك.

الإعلان عن أولى إصابات "كورونا" في الشمال السوري (10 تموز 2020) بالتزامن مع المشاغبة الروسية في مجلس الأمن الدولي، يبدو وكأن تركيا تقول من خلال ذلك لروسيا أن لا قدرة لديكم لتنفيذ مآربكم سواء في التضييق على دخول المساعدات الإنسانية والطبية؛ فالمنطقة باتت تحتاج لضخ أكبر من ذي قبل من أجل مواجهة الفيروس الخطير، عدا عن أن تركيا تستبق أيضاً مطلباً روسيّاً ملحاً ويتمثل في تفكيك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر فعلياً على المعبر الوحيد لدخول المساعدات إلى سوريا، لذا فإن الروس لا بد أنهم سيطالبون بتسليم المعبر إن كان من خلال عمل عسكري أو غيره، فضلا عن الانتقال للمرحلة التالية التي تتبع تفكيك "تحرير الشام" والمتمثلة بضرورة إنهاء ملف التنظيمات الجهادية في الشمال السوري و الموضوعة على قوائم الإرهاب (منها "حراس الدين" ذراع القاعدة في سوريا).

بعيداً عن الأحاديث الشعبية خلال الشهرين الماضيين هناك، والتي دائما ما شككت باستحالة غياب فيروس "كورونا" عن مناطق الشمال، معتبرين أن رغبة سياسية لسلطات الأمر الواقع ترفض الاعتراف بذلك، في ظل عدم وجود أية إجراءات وقائية تواجه خطر الفيروس، فضلاً عن أن المعابر الحدودية مع تركيا كانت تستقبل على الدوام استثناءات متعددة الأشكال والمستويات للقادمين من تركيا دون أية فحوص وإجراءات سلامة معقولة، إضافة إلى وصول يومي لموظفين أتراك للداخل السوري ومخالطتهم بالضرورة لسوريين بشكل دائم في مناطق "درع الفرات" (شمال وشمال شرقي حلب) و "غصن الزيتون" (عفرين ومحيطها).

إلا أن مصادر أهلية أكدت نقل عناصر عسكريين أتراك (لا يتجاوزون الستة أفراد) من نقطة حراستهم في منطقة "غصن الزيتون" نحو تركيا في شهر أيار بسبب إصابتهم بفيروس "كورونا"؛ وحرق مقرهم بما فيه دون أن يتم الإبلاغ عن الحادث، ما قد يؤكد بعض تقارير متناقلة خلال الفترة الأخيرة تفيد بإصابة جنود أتراك في سوريا بالفيروس دون تحديد أية معلومات تفصيلية.

حال الشمال السوري لا يختلف كثيراً عن الجنوب، فكان ملف تزايد إصابات فيروس "كورونا" وإدارته من حكومة دمشق ذو صبغة سياسية بحتة، وهي التي انتقلت من مرحلة إنكار تفشي الفيروس طيلة 3 أشهر، حتى موعد عقوبات "قيصر" (16 حزيران 2020) و لتبدأ بعدها دمشق مرحلة جديدة تميزها تحميل عقوبات "قيصر" مسؤولية تفشي الفيروس بشكل واسع، متجاهلة أي مسؤولية تقع على عاتقها في كل ما وصل إليه ملف القطاع الطبي المتهالك وكذلك الاقتصادي بالتأكيد، وعدا عن ذلك وبدلا من تطبيقها لإجراءات صحية/اجتماعية رشيدة للمحافظة على صحة المواطنين، تسعى دمشق لفتح معركة جديدة صوب الشمال لتصدير أزماتها المتعددة (كورونا والتدهور الاقتصادي الخ…)، وإلهاء الحاضنة الشعبية التي بدأت التذمر والتململ.

لقد تغاضى الفيتو الروسي/الصيني المتكرر في مجلس الأمن، والذي وقف حائلاً دون تمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبرين (باب السلامة وباب الهوى) والاكتفاء بواحد فقط، تغاضى عن معاناة ملايين النازحين السوريين في الشمال السوري، يعيشون هناك في أوضاع سيئة بعدما تعرضت مناطقهم لقصف ممنهج حتى مطلع العام الجاري، في وقت لا تتوفر فيه هناك شبكات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب ومياه غسل اليدين، في ظل الانتشار الحالي لفيروس "كورونا" في الشمال.

روسيا كانت قد تسببت عبر استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن أواخر العام الفائت؛ بتقليص عدد المعابر المخصصة لإيصال المساعدات إلى سوريا، من 4 معابر إلى اثنين، وهما "باب الهوى، وباب السلامة"، حيث انتهت صلاحية آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سوريا من المعبرين الحدوديين في الـ 10 من الشهر الحالي، قبل أن يتم التمديد لمعبر واحد في اليوم الذي تلى انتهاء صلاحية الآلية.

تسييس الملف الإنساني بات واضحاً، وما شهدناه مؤخراً في مجلس الأمن تسببت به بلا شك الخلافات الروسية الأميركية في سوريا، وإضافة إلى الرسالة الروسية المبطنة صوب تركيا بوجوب تحركها لتفكيك التنظيمات الجهادية/الإرهابية، وفي مقدمتها "تحرير الشام" التي تسيطر على منطقة المعبر، فضلا عن سيطرة فصائل أخرى على محيط الطريق الدولي "إم 4" (حلب-اللاذقية الدولي). فإنه يضاف إليها أيضاً الرسالة الروسية لواشنطن، حيث تريد القول من خلالها للجانب الأميركي أن ملف المساعدات الإنسانية سيكون ورقة مساومة لها داخل الملف السوري، طالما أن واشنطن باتت تلوح بعصا "قيصر" أمام روسيا -وإن كان ذلك بشكل غير مباشر-.

الرسالة الأخرى التي أراد الروس توجيهها كانت للمجتمع الدولي؛ الذي ستُحمّله مسؤولية التعامل مع "هيئة تحرير الشام" التي تشرف على منطقة المعبر (باب الهوى)، وهو التنظيم الموضوع على قائمة الإرهاب الدولي، فهي بذلك تتقدم للدفع صوب إعادة سلطة دمشق عليه، بخاصة وأنها تسعى في واقع الحال لوصول قوات النظام السوري إلى تلك النقطة المتقدمة في الشمال، وهي (روسيا) التي تريد إعادة سلطة دمشق ضمن محيط واسع من محافظة إدلب، وليس الاكتفاء فقط بالوصول إلى الطرق الدولية "إم 5" و "إم 4".

كاتب صحفي وباحث سياسي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي