الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة والمقدس والتمرد في قصيدة -سورة البركان 2- محمود السرساوي

رائد الحواري

2020 / 7 / 24
الادب والفن


المرأة والمقدس والتمرد في قصيدة
"سورة البركان ـ 2"
محمود السرساوي
يستوقفنا عنوان القصيدة "سورة البركان" الذي نجده متمردا على المفهوم الديني، فكلننا يعلم أن لفظ "سورة" متعلق بالقرآن الكريم، الذي لا يمكن الزيادة عليه أو الانتقاص منه، وإن يأتي أحدا ما ويتحدث عن "سورة البركان" فهذا يعد تمردا على ما هو سائد، وإذا ما حاولنا تفكيكه، سنجده مكون من لفظ مؤنث/سورة، وآخر مذكر/بركان، وهما يعطيان مفهوم صراع/ سورة، التي تعني المعرفة المقدسة، والبركان التي تعني الشدة والقسوة، فالعنون يحمل أثارة وفي الوقت نفسه يمثل حالة تمرد/ثورة على ما هو سائد، وبهذا يكون الشاعر قد جعل العنوان أحد عناصر التخفيف التي يلجأ وقت الضيق والشدة، كحال المرأة، والطبيعة، والكتابة/الفن.
إذن نحن أمام عنوان جاذب للقارئ، يحثه على التعرف أكثر على حالة التمرد وتجاوز ما هو سائد، فما هي التورات الأخرى التي أقدم عليها "محمود السرساوي"؟، الاجابة نجدها في متن القصيدة:
"دثري قلبي يا ليمار
وامسحي جبينه بأصابعك
أصابعك التي نقطت سورة بركانه
في الحيوات السبع
دثريه
كي ينهض معك الآن
قبل شروق الشمس
فأهلي هجروا
علقوا أرواحهم على مقابض الأبواب
ورحلوا"
فعل الأمر "دثري" يأخذنا إلى بداية نزول الوحي على النبي محمد (ص) وكيف عاد إلى زوجته "خديجة" مرهقا تعبا، قائلا: "دثريني، دثريني" والشاعر هنا يتماثل مع النبي في (نزول) الوحي عليه قائلا لامرأته/لمحبوبته/ليمار "دثري قلبي" فهو يظهر ضعفه وحاجته للمرأة ما خلال لجوئه إليها، فهو منهك ومرهق، لهذا يطلب منها "أمسحي، دثريه" واللافت أن طلب المساعدة لا يقتصر على الشاعر مباشرة: "دثري قلبي"، بل متعلق بشخص (آخر): "أمسحي جبينه، دثريه،" وكأن الشاعر مكون من حالتين/شخصين/كائنين، لهذا (أوجد) هذا الآخر، فما الحاجة إليه؟، وهل هناك منطق يوجب وجود الآخر؟.
اعتقد أن الشاعر يحاول التهرب من حالة الضعف والقسوة التي يمر بها، لهذا أخذ يتحدث عن نفسه بصيغة الآخر، وهذه وطريقة (للهروب) من المباشرة والواقع، حيث يتحرر الشاعر من الحديث عن ألمه هو، من خلال حديثه عن ألم الآخر، وهذا يعطيه شيئا من الراحلة التي يحتاجها: "أمسحي جبينه"، من هنا نجد مجموعة ألفاظ ناعمة وهادية: "أمسحي، جبينه، أصابعك، نقطت، سورة، الحيوات، السبع، ينهض، شروق، الشمس" فهذا الألفاظ كلها جاءت بأثر حضور المرأة "ليمار"، التي استطاعت بواسطة أفعال "دثري، امسحي، دثريه" إزالة التعب والإرهاق عنه.
وإذا ما توقفنا عند معنى فعل "دثري/دثريه" نجده متعلق بالحالة الجسدية والنفسية معا، بمعنى أن معاناة الشاعر مزدوجة، وهذا خدم وبرر فكرة وجود حالتي للشاعر، أنا "دثري قلبي" وهو "دثريه" من هنا نجده يعود إلى ضمير الأنا/المتكلم في:
"فأهلي هجروا
علقوا أرواحهم على مقابض الأبواب
ورحلوا" والتي بدت قاسية موجعة، فهناك مجموعة من الألفاظ القاسية والمؤلمة: "هجروا، علقوا، مقابض، ورحلوا" وبما ان الشاعر قمها بصيغة الجمع، فهذا يشير إلى قتامة الحال، وبما أنها جاءت بعد حالة من البياض التي وجدناها في ألفاظ: "أمسحي، جبينه، أصابعك، نقطت، سورة، الحيوات، السبع، ينهض، شروق، الشمس" وهذا يشير إلى الطاقة والقوة التي أخذها الشاعر بعد أن دثرته المرأة "ليمار"، فالقوة التي أخذها منها جعلته قويا وقادرا على تحدث عن أهله الذين "هجروا، علقوا، ورحلوا"، فالحديث عن الألم وهو ألم إضافي، فكان لا بد من الاستعانة بالمرأة وبعناصر التخفيف الأخرى، التمرد، ليقدر على مواصلة حديثه.
"هناك حيث البيوت ماتت ولم تنتبه
فاقرئي ما تيسر من سورتك يا ليمار
لتغمر انفاسك الشوارع
وبنادق المحاربين
والزنزانات التي ابتلعت رفاقي
فقضوا كمدا أو تحت التعذيب
تحت التعذيب يا ليمار"
يستمر حديث الشاعر عن ألمه، وألم أهله ورفاقه وجيرانه، ويستحضر معالم المكان دون أن يسميه، وهذا الأمر يشير إلى حجم الألم الذي تعرض له، بحيث جعله غير (قادر) على ذكره، مفضلا تجاهله، لكن وقع المكان المؤلم حاضر في الفاظ: "ماتت، ولم، والزنزانات، ابتعلت، فقضوا، كمدا، التعذيب" فهذا المقطع غارق في السواد، فكيف استطاعت الشاعر تقديمه؟، ومن أين حصل على القوة/الطاقة ليقدر على الحديث؟.
لقد استعان (بسورة ليمار) التي قوته من خلال: "فاقرئي ما تيسر من سورتك يا ليمار" ومنحة القدرة على (الصمود) أمام هذه الأهوال، فسورة ليمار كسور القرآن، تزيل الغمة وتمنع الشر، وتقوي النفس والروح بالإيمان.
بعد هذا المشهد القاتم والمتعب الذي مر به الشاعر، كان لا بد من الخروج إلى حالة هادئة، فهو (استعان بسورة ليمار) ليزيل الشر والخوف، وها هو يستعين بها من جديد ليدخل عالم البياض والهدوء والسكينة:
"أقرئي سورتك
علمي الورد كيف يكون اللفظ
علمي الشتاء كيف يكون الخفقان
والأشقياء حتى الأشقياء يا ليمار
علميهم كيف يبسملون باسمك"
المطلوب من "ليمار" أفعال "أقرئي، علمي، عليمهم" وكلها تتعلق بفعل المعرفة، الكتابة والقراءة، وإذا أضفنا "اللفظ، يبسملون" نكون أمام استحضار عنصر أخر من التخفيف/الفرح، عنصر الكتابة/القراءة، وهذا اشارة من الشاعر إلى أهمية ودور المعرفة في التقدم إلى الفرح/البياض، والتخلص من السواد/الألم، وبما أنه في البداية استحضر الطبيعة والتي نجدها في "الورد، الشتاء" فإن هذا يعطيه طاقة ليتحدث عن الشر والسواد الذي نجده في تكرار "الأشقياء"، وبهذا يكون الشاعر قد استخدم كافة عناصر التخفيف/الفرح، المرأة/ليمار، الطبيعة/الورد والشتاء، الكتابة/أقرئي وعلمي، والتمرد/أقرائي سورتك.
لكن الشاعر لا يكتفي بما انجزه ويريد الاستمرار في تمرده، فالثورة لم تنتهي بعد:
"اقرئي سورتك
لعلي أبصر معنى آخر للإيمان
واشرح للملائكة على الكتفين
كيف تدخلني معاصيك
إلى معابد الحياة
وكيف كانت تحفظ الاشجار
في حديقة تشرين حفيف ابتسامتك
وكيف كان بائع الورد والمصور والاعشاب
يتعمدون بماء ضحكتك
وكيف كانت هتافات الشباب في المخيم
جارفة كالسيول"
الشاعر يقدم (عقيدة/إيمان) جديد، فهو يصر على استخدام "أقرئي سورتك"، وكأنه بها يريد أن يمحو الإيمان المتداول، لكنه يستخدم مفردات الدين عينها "سورة، ملائكة، معاصيك" ويضيف عليها شيء جديد: "معبد، يتعمدون"، ورغم أن المقطع يتحدث عن الماضي، ويخدم حدث حصل وانتهى، إلا أنه ُقدم بصيغة المضارع: "أبصر، وأشرح، تدخلني، تحفظ، يتعمدون" وكأنه اراد بهذه الصيغة الإشارة إلى استمرار الثورة والحياة والناس والمكان، وهذا ما نجده في "حديقة تشرين، بائع الورد، والمصور، هتافات الشباب، المخيم".
واللافت أن اهتمامات الشاعر متعددة، منها ما هو شخصي: "لعلي ابصر" ومنها ما هو عام: "هتافات الشباب"، فهو مرتبط بالآخرين، لأنه يرى نفسه بهم ومن خلالهم، وهذا ما أكده في خاتمة القصيدة:
"فاقرئي سورتك
لعل يد السماء تنتشل الغرقى
الهاربين من عواء القذائف قبل أن يموتوا
لعل أرضي الطافحة بالاحتلالات والطغاة والأوبئة
تستطيع الجريان في لهب جديد
لعلي انهض قبل شروق الشمس
واضمك بما استطعت من قوة
واتلو اية عشقي
واقبلك بكل حواسي
قبلة الحرية
الحرية يا ليمار"
وهنا يؤكد على أن الحديث عن العام/المجموع يحمل بين ثناياه الألم والقسوة: "الغرقى، الهاربين، يموتوا"، وحتى الصورة العامة للطبيعة لم تسلم من القسوة: "أرضي الطافحة بالاحتلالات والطغاة والأوبئة" وهذه اشارة إلى أن السواد والألم متعلق بالناس وبالمكان، وبما أنه ـ أيضا ـ كرر تجاهله لذكر اسم المكان أو تحديده، فإن هذا يخدم فكرة امتعاضه وسخطه مما جري في المكان، ففضل عدم ذكره كي لا يزيد عليه الألم.
واللافت في خاتمة القصيدة حجم البياض الذي جاءت به، إن كان من خلال المضمون/الفكرة، أو من خلال استخدامه ألفاظ: "وأضمك، وأتلو، آية، عشقي، وأقبلك، حواسي، قبلة، الحرية (مكررة)، ليمار" وكأنه بها أراد أن يرسم معالم المستقبل الزاهي بالحياة، متجاوز الألم والقسوة التي مر بها، إن كان ما حصل على الأرض الواقع، أو من خلال القصيدة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى


.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب




.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً