الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 7 / 24
دراسات وابحاث قانونية


ثانيا _ أما العوامل الداخلية _ التي شجعت وألهبت نفوس البعض من الناس ومساهمتهم في استشراء هذه الظاهرة فأنها من الممكن إجمالها بالنقاط التالية:.
1. التركيبة الأجتماعية للمجتمع العراقي الذي لازال في طور المجتمع الريفي في سلسلة التطور النوعي الحضاري له وغياب دور المدنية بمفهوم فرض علاقات المدينة وقيم النظام الذي تتصف به، وخاصة في الضواحي الجديدة التي نشأت من ظاهرة الهجرة الاقتصادية من الريف للمدينة، وما نشأ عنها من تجمعات سكانية عشوائية هجينة لكنها حملت معها الإرث القبلي العشائري وكافة السلبيات التي كانت في معظم حالاتها السب الرئيسي والحاسم للهجرة، وبالتالي فالاختلاط الذي حصل بين سكان مجتمعات محصورة ومضيقة في أفقها الثقافي والفكري مع انفتاح المدينة وعلاقاتها المجتمعية والاقتصادية لم تفلح في لجم الشعور بالانتماء للريف وليس للمدينة، والتخلص من أرث هذه الرابطة بالرغم من توالد أجيال جديدة متوالية لم تكتشف هويتها بعد لا كونها من سكان المدن ولا ارتباطها بالريف وقيمه وتقاليده ومنها الارتباط القوي بالعشيرة والخضوع لقوانينها ولإرادتها.
2. وينشا من هذا العامل بالنتيجة عامل أخر هو كون المجتمع العراقي أيضا لازال مجتمع الأب وليس مجتمع الأسرة وهذا ينعكس أفقيا وعموديا على كل العلاقات التي تنشأ من هذا الوضع، فالعلاقة داخل الأسرة بوجه عام علاقة تقوم على فرض سلطة الأب ورؤاه دون النظر إلى ما يمكن أن يكون صالحا بالضرورة لقيام الأسرة كما أرادها الإسلام وما تبنته المجتمعات المتحضرة، فالديمقراطية الأسروية وفرض علاقة نجاح الأسرة ومستلزمات هذا النجاح لا قيمة لها أما الإصرار الأبوي على القيادة والتفرد في اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، ومنها الزواج والطلاق وما ينشأ عنها من إشكالات ونتائج تلقي بضلالها السوداء على المجتمع داخل وخارج الأسرة.
3. هناك مشكلة بنيوية خاصة بكل القبائل وتعاني منها على وجه الخصوص القبائل والعشائر الكبيرة وهي مسألة الانقسام والتشظي مما يقلل من سيطرة القيادة القبلية والعشائرية على أفرادها، وبالتالي ومع تشجيع بعض الممارسات الرسمية والحكومية على أرخاء يد القيادات الحقيقية للمؤسسة القبائلية والعشائرية لصالح الأطراف البعيدة والمنفلتة، إضافة إلى التنافس بين ورثة القيادات الحقيقية بعد رحيل أصولها مما شجع على التنافس السلبي لقيادة مجموعات منقسمة تبحث عن وجود مستعينة بالسلطة التي يفرضها أعضائها أو من خلال الخدمات التي تقدما لمراكز القوى في المجتمع العراقي، ومنها السلطات الرسمية أو الحزبية السياسية أو قوى مؤثرة تقع خارج أطار القبيلة والعشيرة ذاتها، وهذا الحال ساعد كثيرا على تجاوز الكثير من القيادات الجديدة لكثير من القيم والخطوط الحمراء للوصول إلى مكاسب أما جماعية أو فردية مالية أو سلطوية.
4. ويلاحظ أيضا أن الكثير من القيادات العشائرية والقبلية الجديدة والتي تسعى لفرض نفوذها أمام الخصوم والمنافسين وأمام القوى الفاعلة تتميز بالكثير من ما يمكن أن نسميه الأمية العقائدية الدينية والأمية القانونية والقضائية، وبالتالي فأن الكثير من المواضيع التي تتصدى لها لا يمكن أن توصف بالمطالبات والإشكاليات القانونية أو الشرعية وحتى في المنهجية القضائية التي تمارسها، فأنها تتنافى مع الكثير من الأصول القضائية السليمة والمستقرة في مجتمعنا وأقرب المجتمعات إلينا، ومنها مثلا أثبات المسئولية وقواعد التجريم ومنشأ المسئولية القانونية المدنية والجنائية مما يجعل الكثير من القضايا التي تتصدى لها هي في الحقيقية لا أساس لها لا من شرع ولا من قانون، بل تتجاوز أحيانا على العرف المستقر لتنشي عرف جديد لا حدود بإمكانية ضبطه أو تحديده وهنا نقع في مشكل أخر وهو ضرب قاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص).
5. ولازال الكثير من القيادات العشائرية تعيش حالة من الشرذمة والتمزق بين الانتماء للشريعة أو الاصطفاف مع القانون، فهي تنتمي للاثنين حسب المصالح المستوجبة للانحياز دون أن تعي أن مجتمع يقوم على قواعد موحدة يكون أكثر قدرة على الاستقرار وبناء العدل البيني بين أفراده والأخر، وهذا يتطلب حسم موضوع الولاء لجهة دون أخرى ومن مظاهر هذا التشرذم ما أشره الدكتور المرحوم على الوردي عالم الأجتماع العراقي بمقولته الشهيرة (أن العراقي لديه انفصام في الشخصية فهو مرة مستر ستيوارت ومرة حجي عليوي)، ويقصد بذلك الانفصام الأجتماعي وما ينتج عنه من انفصام سلوكي تحصيلي، وهذا المؤشر لا يمكن أن نجنب القيادات العشائرية والقبلية منه بل لابد من تحديد وجهة أعتقادية تضبط السلوك والتكوين الأجتماعي لهم ومن خلالهم إلى القاعدة العشائرية الواسعة.
6. وأخيرا نشاهد أن الذين يلجئون إلى القضاء والفتيا العشائرية هم من الطبقات المحرومة والفقيرة التي تفتك بها عوامل التأخر والأمية التعليمية والثقافية، فهم على الأغلب مادة الصراع العشائري العَشائري لقلة الخبرة في التقاضي، أو لاعتقاده بقداسة العلاقة العشائرية وتقديمها لمصلحتها على مصلحة الفرد مما يعزز من حضور طالب الخصومة، وبالتالي السعي للمفاخرة والتنافس وسد النقص التكويني في شخصية المتخاصم، ناهيك عن فرصة ضياع الحقوق مقابل المساومات والمجاملات بين أفراد العشيرتين المتخاصمتين وما يمكن أن تسببه من ألام لأطراف أخرى لا علاقة لها بما تنازع من أجله الطرفان، بل نجعل من أطراف آخرين ضحايا اجتماعيين وقنابل موقوتة تهدد العدل والإصلاح والاستقرار المجتمعي مثل ممارسة الفصل (بالنسوان)، أو قتل أو اغتيال أحد أقارب الجاني دون أن يكون قد سبب أو تسبب بأصل الخصومة.
لقد أشرنا في هذا البحث المتواضع أسباب وعلات نشوء القضاء العشائري وعلات استفحال هذه الظاهرة التي تكاد تعصف بالمجتمع العراقي ووحدة مكوناته لكن دون أن نضع اللوم جميعا على المؤسسة العشائرية والقبلية، ولكنها وإن اشتركت فيها الكثير من العوامل والأسباب إلا أن معالجة الموضوع بالصورة التي تنمي الشعور بالانتماء للمجتمع العراقي الموحد هو مسئولية تظافريه ومشتركة بين كل المؤسسات العاملة الدينية والقانونية والقضائية والتشريعية والأكاديمية والإعلامية، ولابد من الشعور بروح المسئولية في مواجهة المشكلة والتصدي لأثارها القريبة والبعيدة من خلال صياغة إستراتيجية أجتماعية تعتمد الأسس التكوينية للمجتمع العراقي، والتجاوز على كل أسباب الفرقة والتمزق مسترشدة بمنهج رسالي واحد موحد يجمع ولا يفرق تحت شعار {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }المؤمنون52







أوجه القصور في القضاء العشائري
لعل العيب الرئيس الذي يمكن ن نوجه للقضاء القبلي هو عرفية ذلك القضاء وغياب التدوين الكتابي الذي يجعل من القواعد التي يحتكم إليها متصلة ومتعلقة بالاجتهاد الكيفي والظرفي له، دون مراعاة لأهمية الشفافية في تطبيق الأحكام والتجريد الذي يجب أن تتصف به القواعد القانونية والقضائية، مما يجعل منه قواعد عامة تتصل بأصل الحق أو ما ينشأ عنه وله، وهذه المفصلية مهمة جدا في بيان الحقوق والواجبات، فالذي يلجأ إلى القضاء هذا إنما يتجه لمجهول غير محسوب وغير واضح المعالم فيما يخص النتائج والمسئوليات.
ومن هنا فالتجريد والعمومية والتدوين السابق يحمي طرفي النزاع من الحيف والميل أو التفريط والإفراط في إصدار الأحكام الذي تستند في الغالب إلى قدرة الحكم أو (الفريضة) في فهم وتقدير الفعل وعلاته ودوافعه ونتائجه، معتمدا على عامل بشري في الغالب يمكن أن نسميه كما سماه الشرع الإسلامي (الإنسان الخطاء)، فالإنسان بطبيعته خطاء بل كل الناس خطاؤون إلا من عصم وهذه حالة إستثنائية لا يمكن تطبيقها على العام وجرها إلى صفة سلوكية بشرية تحمي العدل وتصون الحقوق.
ولتفصيل أوجه القصور وتحديدها بالتخصيص لابد لنا أن نستعرضها على شكل نقاط هامة ونبين مدى التناقص الحاصل بينها وبين قواعد القضاء الشرعي والقانوني ومن ثم ومن خلال هذه الكيفية يتضح أمكانية المعالجة والتقويم لهذه النقاط وإمكانية العمل على تلافي أوجه القصور إن أمكننا ذلك.
أ‌. من أهم أوجه القصور هو عدم استناد القضاء القبلي أو العشائرية إلى مجموعة قواعد واضحة المعالم وإلى فلسفة خاصة تستند فيها إلى رؤية موحدة ومحددة وصريحة دون من انتقائية أو كيفية عشوائية في بيان الفعل والمسئولية عنه، سواء أكانت المسئولية مدنية أو جزائية، وهذا ما نعبر عنه بقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) حيث يستند في الغالب الحكم على قاعدة شخصية هي ما يسمونه (الحظ والبخت)، وهو تعبير مطاط لا يفيد التجريد ولا العمومية وهو عامل متغير ومتكيف مع التأثيرات والمؤثرات الإنسانية السلوكية، ومنها الخبرة والتجربة والقواعد العقدية في بعض الأحيان كما تشتمل في جزء منها على سوابق عرفية أو محددات تتعلق بالشكل وليس بالمضمون في غالب الأحيان.
فالمتخاصمان عندما يتنازعان أمام الحكم (الفريضة) إنما يعلقان الموضوع جملة وتفصيلا على المقدرة الشخصية والنفسية للحكم، ولا يستندان إلى عوامل يمكن قياسها والتنبؤ بها سلفا أو على الأقل يمكنهما من تقدير النتائج على وجه التقريب، وهذا عيب بنيوي وتفصيلي مهم في سلامة واطمئنان طالبي العدل وهو جوهر مهم في القضية العدلية والقضائية.
كما أن غياب الرؤية المستقرة والموحدة والمجردة والعامة كمقدمة لبناء عدل حقيقي يضعف من قيمة الحق وأصل التسليم بنتائج المحاكمة أو التقاضي، وهو شرط لا بد له كمقدم واقعي وعملي في بناء عدل يستهدف ترصين القيم الأجتماعية ويحافظ على دوام وأستمرارية الاستقرار والسلم الأجتماعي، وهذا الخلل وحده يكفي لأن يجعل من العدل المستهدف بالقضاء القبلي العشائري عامل زعزعة وتفريط بالحقوق والواجبات، ناهيك عما يسببه من حيف وتعدي في مرات عديدة والنتيجة أن العملية القضائية قد أصيبت بالصميم في وجودها الضروري.
فتحديد الرؤية الواضحة والشفافة والمجردة والعامة كفيل بالإيمان بعدالة هذه المؤسسة الرديفة والتي ما كان لها من وجود لولا أهمية في بسط العدل وإحقاق الحق، وهي حاجة وضرورة تتعلق بوجود المجتمع وحماية له وللعلاقات البينية بين أفراده، فالمسألة أذن تتعلق بأبعد من حالة خاصة لتتجه إلى أسباب وجودية وضرورات عامة وهو هدف تسعى المجتمعات الحضارية أن تصون مقدماته ونتائجه حفاظا على نفس المجتمع من التعديات والتجاوزات الهادمة والمولدة للشقاق والأحتراب بين أفرادها.
ب‌. ومن أوجه القصور المهمة غياب مبدأ إنساني وحضاري مهم وهو حق الدفاع القانوني المتمثل بمنح المتخاصمين حق توكيل من ينوب عنهم من القانونيين أو الحقوقيين المتمرسين الذين من صلب وظائفهم تقديم الدفوع القانونية التي تساعد هيئات القضاء في الوصول إلى الحكم العادل والمنصف، وهذا المبدأ لا نجد له أثر في القضاء العشائري القبلي وتترك مهمة الدفاع للفرد أو من يعينه من أفراد العشيرة وفق صفقات وتنازلات يتوسل للوصول إليها بما يشبه الكدية والتماس الأعذار التي تقدم لاحقا للفريضة (الحكم) وللخصم، وتبقى معلقة بقدرة هذا الطرف في تحقيق التنازلات على المهارة الكلامية أو ما يسمى بالجاه والخاطر.
إن غياب حق توكيل أطراف النزاع أو من يمثلهم أو ينوب عنهم لحفظ الحقوق ومساعدة المحكم أو المحكمين للوصول إلى العدالة يقدح في فاعلية القضاء العشائري من جهة، ومن جهة أخرى يفوت عليه إرساء نوع من التكامل بين الرؤى المتعارضة التي تساعد بدورها في إنضاج العقلية العدلية والقضائية، وبالتالي يعجز في استكشاف الطريق المؤدية إلى نضج الخبرات وتبادل المعلومة والفكرة، وهذا النقص متعلق أصلا بعدم وجود قواعد منضبطة ومعلومة وشفافة مدونه يمكن الركون إليها والاعتماد على ما تنتج من أحكام ثابتة ومستقرة تشكل بدورها مجموعة قانونية وقضائية متفردة ومميزه.
ت‌. ومن المثالب التي تسجل أيضا على القضاء العشائري عدم وجود التدرج في الترافع من درجة إلى أخرى استئنافا وتميزا أو حتى الأعتراض على الأحكام الغيابية، أو التي تمس حقوق وواجبات أطراف أخرى خارج المجموعة المسئولة عن الأفعال والنتائج أو الأحكام الصادرة منه، ففي القضاء العشائري يصدر القرار مبرماً دون أن يكون من حق الأطراف التي تتولد لديها قناعات بعدم عدالة وحقانية النتائج اللجوء إلى درجة أعلى بالتقاضي، فأما أن يتم القبول بالحكم صفقة واحدة أو الرفض الذي يعني إلزامه أيضا بالنتائج، ولكن مع حق مضاف متولد من رفض النتيجة أياً كان السبب، وهذا النظام يولد كنتيجة تبرم حقيقي وعدم تحقق العدالة المطلوبة التي يسعى لها أصحاب الحقوق.
إن الانتقاص من حق الأطراف المتضررة أو التي لديها وجهات نظر أو قناعات بعدم عدالة القرارات يتناقض أيضا مع حقوق الإنسان الأولية، ومنها شرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويتناقض أيضا مع مبدأ الاستقرار الأجتماعي والبيني بين أفراد المجتمع، وبالتالي فأن جذور الخلاف تبقى حية وتبحث عن أسباب ومبرارات لتجدد النزاعات متى ما سنحت الظروف والمستجدات بذلك، وهنا لم تكن العملية العدلية قد أحكمت أرادتها في إنهاء النزاع وإخماد الأسباب المؤدية له.
ث‌. ولعل من أهم الطعون التي توجه للقضاء العشائري هو افتقاره إلى قواعد إجرائية وأصولية يمكن الأحتكام بها في حالة أن تكون هناك ضروريات أجتماعية ملحة تلجئ الناس إليه، وخاصة في حالة سد النقص في بعض الجوانب القانونية والقضائية والتي تفرضها طبيعة المجتمع العشائري العراقي وهو في طور الانتقال نحو مجتمع المؤسسات الجماعية والجمعية والتي تستمد قوتها وشرعيتها من النظام العام، ومستحقات التطور الحتمي مع انتشار مجتمع الدولة الحاكمة وفلسفته القائمة على سلطة القانون المجردة والعامة.
وهنا يأتي دور الحاجة إلى التقليل بقدر الإمكان من حالات اللجوء إلى القانون والقضاء العشائري من خلال دعم سلطة القضاء الرسمي وتفعيل دو القضاء الشرعي، وإيجاد الآليات المنظمة والحاكمة للتنسيق بين مختلف جهات التقاضي وفق منهجية تراعي كونية وحتمية التطور الواعي والمدروس لقواعد العدالة، وتنسيق النتائج المترتبة عن تلك الأقضية بما يسمح بوحدة الجزاء وعدم تعددها كما هو الحال الجاري الآن، والتي نشاهد فيها تعدد الجزاءات على الفعل الواحد من خلال ألمتعارضات التي تحصل بين الحق الفردي والحق العام والذي يشمل مثلا أن يتعرض المتنازعون لما يسمى بحق المجتمع الذي يقتصه القضاء الرسمي، وما يترتب أيضا من خلال الأحكام التي يفرضها القضاء العشائري.
ج‌. وأخيرا لابد لنا من أن نؤشر لحالة من الخلل يفرضها واقع التعامل والتعاطي بالقضاء العشائري ألا وهي عدم ثبات الأحكام ووحدة المنهج الذي تطبقه على حالات متشابهة، والتي يفترض ضروريا أن تكون واحدة على نفس قاعدة التقاضي، ولكن الحال العملي لا يؤشر لهذه الوحدة ولم يعطي هذا القضاء أهمية كبيرة لأن تكون هناك قواعد عملية تتبلور مع كل الحالات المتماثلة مع وحدة الظروف وتشابه الأسباب أو المؤديات.
ناهيك عن عيب تكويني وعملي يتكرر كثير في حالة العود إلى نفس حالات التنازع بين الطرفين والتي لم ينجح القضاء العشائري في معالجتها جذريا، فتحدث أن يتكرر الفعل المفصول به والذي ترتب عليه جزاء ما فيحكم هنا بالتشديد اللا مبرر والذي يسميه المختصون والمتعاملون به بـ (المربع )، وهو أن يكون الجزاء في مثل هذه الحالات بأربعة أضعاف الحكم السابق، وقد يظن البعض فيه حالة رادعة تنجح في تفويت الفرصة على تكرار الفعل المفصول به إلا أنه من الناحية التشريعية والشرعية والإنسانية فيه تمييز متعمد، يخل بأصل مفهوم العدل والعدالة ويتعدى على حقوق الإنسان وخاصة في مجتمع لا يزال يرى فيه أفراده أن لأستحصال الحقوق بموجب قواعد عادلة تماما محل تشكيك، ولابد من أستحصالها بالطريقة المباشرة والفردية خارج المؤسسة القضائية بكل تفرعاتها وألوانها.
إن هذه المؤاخذات التي يمكن أن نلاحظها مع أي تعامل مباشر فعلي وعملي مع القضاء العشائري لابد لها من مواجهة حقيقية ونقدية تكشف العيوب التكوينية وترتقي بمفهوم العدالة المؤسساتية المبنية على قواعد ضابطة موحدة وعامة ومجردة، للنهوض بمفهوم المجتمع الحضاري القائم على مفهوم المواطنة والمساواة، ولكي نبني هذه الأستراتيجية لابد لنا من عمل ممنهج وأصولي وفق رؤية شمولية تهتم بالعدالة كقيمة تكوينية أولية للنهوض بالمجتمع والارتقاء به نحو الكمال النسبي، الذي تعتمد قواعده على الإرث الشرعي والتاريخي ممتزجا بما يمكن أن يجعل من هذا الإرث الحضاري عامل وحدة واستقرار وتطوير العملية القانونية والقضائية التي يمكن أن تستعين بالإرث والتطور الإنساني والتجربة العالمية من أي مصدر تكويني بما يحفظ للشخصية القضائية الهوية الأصلية والمستفيدة من تجارب الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا