الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شاعر الشام وشاعر الحركة التصحيحية ...
مروان صباح
2020 / 7 / 24مواضيع وابحاث سياسية
/ في مستوى أول ، تختصره كوكبة أخرى من التساؤلات ، كيف نميز بين الشعر الجيد وأخر يشبه قراءة الكف ، فمنذ الأزل كانت ومازالت الاشياء الرفيعة ، جليلة بذاتها ، لا بحاملها أو بمحتفظها ، بل قد يتساءل الذهب بينه وبين نفسه ، هل قيمتي تنقص إذا كنت في عنق بخيلة أو في خزينة عرديد ، وهل الشريف بأخلاقه لا نسبه ، يتوسخ إذا إنزلقت قدماه في الوحل ، وهل يتأثر القمح من الذُرة لأنهما بجانب بعضهما ، أو لأن الورد ينبت من بين الشوك ، سيمنع قاطفه من قطفه ، أو ايضاً ، هل جميع من سجلوا اسمائهم في سجلات التاريخ من شجعان وشرفاء وكرماء وعلماء سيتساون مع الأخساء والنكرات والجواسيس لأنهم اجتمعوا في مقبرة واحدة ، لا ابداً ، لأن بإختصار ، طالما العطر يبقى عطراً حتى لو استنشقه ضبعاً ، فإن أصحاب الأخلاق لن يتأثروا بإجتماعهم القسري مع اللُعكاءُ .
سجل الشعر العربي بسجلاته عمر ابوريشه كواحد من أهم شعراء التقليدين الجدد ، ولد شاعر الشام عام 1910م في عكا من أب سوري وهو عالم / الشيخ شافع بن الشيخ الحلبي ، وأمه العكاوية الصوفية من عائلة اليشرطي ، كانت كما وصفها عمر أبنها ، ( مكتبة ثمينة على رجلين ) منها تعلم الشعر والمطولات والإحساس والعزلة ، ودرس في مدارس حلب ثم بيروت وبعدها أرسله والده إلى لندن لكي يتعلم الكيمياء ، لكن الرجل وقع في حب إمرأة بريطانية وبوفاتها المفاجئ ، ترك الدراسة وأصدر قصيدته الطويلة ، ( خاتمة الحب ) وبعد مشواره الشعري اللافت وتميزه في إصداراته وانخراطه بالعمل السياسي ، تم تعينه سفيراً من قبل الرئيس حسني الزعيم التى شهدت مرحلته بمرحلة الإنتقال من حكم العائلات الاستقراطية إلى حكم الشعب السوري والذي استطاعت بفترة قصيرة القضاء على الفساد ، اشتغل ابوريشه في السلك الدبلوماسي سفيراً من فترة 1949 - 1971) ، تنقل خلالها بين البرازيل والأرجنتين والهند واخيراً الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد ترك أعمال كاملة من الشعر ولديه ايضاً إصدار شعري باللغة الإنجليزية ، كان مع من نادوا في وقت مبكر من خلال قصائده بضرورة التصدي لمشروع الاستعمار ومنع تشكيل أنظمة ديكتاتوريات عربية ، لكن حلمه كما أغلب الحالمين لم يرى النور ، فالمنطقة للأسف خرجت من الاستعمار حتى وقعت بإستبداد الأنظمة .
دون أدنى شك ، بإتفاق أغلب النقاد ، يعتبر ابوريشه الأقوى إيقاعاً وصاحب حضور مميز ، وهذا قد أظهرته واقعة مثوله في البيت الأبيض ، عندما قدم أوراق إعتماده للرئيس جون كيندي كسفير للجمهورية المتحدة التى كان يرئسها الرئيس عبد الناصر ، اختصه كنيدي من بين الحضور وأمام موظفو إدارته وموظفين الخارجية آنذاك سأله ، يا سعادة السفير هل لك أن تحدث من في القاعة عن سوريا والسوريين ، أننا جميعاً كما أرجح ، لدينا فضول لكي نعرف أكثر عن بلدك وذاك الشعب الذي أنت تنتمي إليه ، فما كان لشاعر الشام سوى إبهار كنيدي والحاضرين بجواب لم يكن ابداً تقليدياً ، صحيح أنه استعان بعبارة قصيرة ، لكنها أقتصرت الرؤية الواسعة لحضارة سوريا والعرب ، قال هكذا ، يا فخافة الرئيس ( جدنا السوري هو يسوع المسيح ، أي أنه ربكم يا سيدي ) ، ومن هنا تحديداً وبهذه العبارة المقتضبة بدأت علاقة الرئيس كنيدي بالشاعر عمر ابو ريشه ، بل في إحدى الليالي وأثناء إستماع كنيدي لأفكار ابوريشه من خلال دمج الشعر بالتاريخ ، استفاقة الرئيس جون على فكرة يتيمة ، عندما تمنى لو كان الشاعر عمر ابوريشه أمريكي الجنسية ، كان يرغب بتعينه مستشاراً في البيت الأبيض ، لكن الشاعر ، رد بأدب عالي على تمني الرئيس ، بطريقة امتزج بها بين الطرافة والثقة ، قال ، لو كنت أمريكياً لكنت جالساً مكاناً يا فخافة الرئيس .
أما الطابع الأوضح للشاعر ، كانت في واقعة استقالته عندما تولى الأسد الأب مقاليد الحكم في سوريا ، يُعتبر الموقف الأكبر في حياته ، لم يتردد لحظة واحدة بل لم ترف جفنه ، كان شديد الوضوح عندما قال مقولته الشهيرة ، أنني لا أستطيع أن أمثل دولة تحكمها عقلية مافيوية ، بالطبع نبوءة الشاعر تحققت للأسف ، تغيرت سوريا واستبدلت شاعرها الشامي ، الذي قال ذات مرة من على منبره المتجول ، ( أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للعلم / أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى / علاك في فمي / أي جرح في إبائي راعف / فاته الآسي فلم يلتئم / ألاسرائيل ، تعلو - رايةً / في حمى المهد وظل الحرم / كيف أغضيت على الذل ولم / لم تنتفضي عنك غبار التهم ) ، لقد استبدلت سوريا شاعرها الشامي بشاعر الحركة التصحيحية / صاحب قصيدة ( يا صبحة هاتي الصينية / وصبي الشاي لكي وليا / والهوى يا صبحة طاب / يا صبحة يا أحلى صبية ) ، وبالتالي تحولت سوريا في زمن الأسد الأب ، لا تشبه تلك الضاربة في عمق التاريخ وباتت لا تعرف ، وأصبح كل من فيها يردد كلمات شاعرها المفروض بقوة اقبية الترهيب ، وأصبحت لسوريا وجهاً جديداً عبر إذاعة دمشق التى استمرت في تقديم الأغنية على مدار الساعة ، لدرجة أعتقد البعض بأن من الممكن أن تستبدل بالنشيد الوطني ( حماة الديار ) ، هكذا أراد أبو الحركة التصحيحية أن تكون سوريا .
إذن ، بالفعل ما يستحق التعمق به أكثر ، هو الفارق بين شاعر الشام وشاعر الحركة التصحيحية ، فالثاني بطبيعته المفرطة لا يغويه التريث أو التأمل أو أنه يفتقد للصبر الذي هو شرط جوهري لإنتاج كل شيء جيد ، ولو كان عمر ابوريشه من جماعة صبحة ، ما كان الرئيس جون كيندي جعله صديقاً له أو أعترف بإبداعه وتمنى لو كان أمريكياً ، بل بقرب كيندي من وعي عمر ابو ريشه ، تحول الرئيس الأمريكي المغتال مناصراً للثورة الجزائرية ، وألقى كنيدي خطبة نادرة ، بارك فيها للشعب الجزائري وقيادته بنصرهما على المستعمر ونيل استقلالهم ، وتمنى لهم النجاح وأكد على المصير المشترك في تحقيق الحرية من الاستعمار وحثهم على تبني مشروع النهوض السريع ، تماماً كما فعلت أمريكا . والسلام
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لمى مروان تا?مر حسين بن محفوظ بفتح محادثاته الخاصة ????
.. تركيا.. المعارضة في مواجهة انتخابية جديدة على رئاسة البلديات
.. بوتين: إذا زود الغرب أوكرانيا بمقاتلات إف-16 فستسقطها روسيا،
.. مليار وجبة طعام كانت تنتهي يومياً في سلات النفايات خلال عام
.. جورج خباز: لا خوف على الفنّ في منطقتنا اليوم، فالفنّ يولد من