الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد حلمي الريشة/ شعرية الذات الرائية

علي حسن الفواز

2006 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



لايملك الشاعر محمد حلمي الريشة الاّ ان يكون مغامرا في خارطة الجسد الشعري ، ينتهك مواضعاته المهيمنة وينحاز الى لعبة المراودة ، يمارس من خلالها ايغالاته في تلمّس ما هو سري وما هو فاضح ! وكأنه يبرهن عبر هذا المفارقة بانه الكائن الرائي الذي يكشف عن مفارقة الجسد ذاته، اذ هو الفيض اللذوي السحري الباعث على التواصل ،واذ هو الجسد الارضي الباحث عن (الظل الضيق) والمغروز بركبتيه عند الكمائن والفخاخ ..
يعمد محمد حلمي الريشة الى توظيف تقنية المفارقة كاستجابة فنية لاصطناع قوة بصرية ترى العالم متسعا ومختلفا!! تدفع القصيدة باتجاه التخلص من الترهين الصوتي الذي ظل عالقا بالقصيدة الفلسطينية وتكريس نمطها الواحدي !! حاول ان يلقى عليها ظلاله المتوجسة من قصيدة تحذر من التورط في شرك اللامكان ،وباتجاه تكثيف الرؤيا ازاء الخارج الجسد/ العدو/ اللغة/ المرأة ، وهذه التوليفة المتناقضة تفترض بالضرورة نوعا من وعي المغايرة مثلما تفترض نوعا من الابصار العميق الذي يجوس في ما وراء العلامات الدالة والحاشدة في القصيدة الفلسطينية و موروثها الاستعاري المقدس .............
ولعل قراءة تجربة الشاعر الريشة هي مفتتح لقراءة جوانب مهمة من ملامح التجربة الشعرية الفلسطينية الجديدة التي تحاول ان تؤسس مشروعها الشعري خارج وطأة المهيمن الشعري الكبير بكل لغتة الباهية ورهابه الصوتي و اغواءاته التي تحوطها مرجعية مطمئنة الى بطولتها وحضورها وانجازاتها والتي تمثلها تجارب رائدة وفاعلة في الشعرية العربية والفلسطينية ، محمود درويش ،سميح القاسم ،احمد دحبور ، محمد القيسي ، مريد البرغوثي وغيرهم .
ولاشك ان الكشف عن( البعد الصوري) في قصيدة الريشة يمثل لنا استشرافا لقراءة تتلمس بعض خصوصية هذه التجربة عبر مشروعية انشغالاتها في أنسنة الاختلاف الفاعل الذي يثري القصيدة وكذلك عبر معرفة حساسيتها في التعاطي مع الجملة الشعرية غير المطمئنة واللجوجة بالحسية والرغبة فضلا عن مخزونها الذهني الذي يسعى الى اجتراح موقف اكثر اثارة وسرية ازاء الخارج ،ليس بحثا عن المغايرة وحسب وانما هو تأكيد على احالات كشفية غير مأهولة تتمثل لعوالم الشاعر القلقة ووعيه واسئلته ورغبته في ان يتخلص من رائحة الاهمال التي ظلت عالقة بتلابيب المكان الشعري القدري!!! وربما كان نزوع الشاعر الى كتابة بعض القصائد الاروتيكية هو تعبير خلاصي تمردي على عفونة المكان وتلمسا لمفاتن اخرى تمور بها الحيوات النقيضة لمكانه,,
في قصيدة (المرأة) ثمة امراة تتوهج بانتظارها ،يكتب عنها باغواء مر وكأنه يوهم ان حساسيته ازاء انتظاره هي كشف لرغبته العارمة التي ينقاد اليها عبر لغة وصفية تشتق من ايقونة الجسد احتمالاتها وتوليدها الاستعاري ، هذه القصيدة تحيلنا الى مزاج الشاعر وليس الى تاريخ كتابة الرغبة ،فهو يستسلم لنوبة الانتظار ويرسم ازاءها جسدا افتراضيا اشباعيا في نوبة جريان دائم،الجملة الشعرية تبدأ بحرف جر ايذانا بجر الحدث الى الحضور الذي يفترض الشاعر شواهده وتفاصيله واستعاراته

بانتظاري امرأة تربي ازهار الكستناء باهدابها
تخبىء شمع الياقوت الى حصار لايندمل
وعن سرفة الروح المنحازة للضيق
تطفىء غبار الزجاج بدمعة الم
واخرى لامل يتعالق مثل حنجرة
لبلابية في غناء!
وهذه التوليفة تتكرر في قصيدة(بياض) التي تبدأ بضربة فعلية (احسّك) تكشف ما بعدها عن انثيالات توليدية توجز ذروة رغبته المحمولة الى رغبة حلولية تفنى فيها الافعال الكاملة! كما يقول لكنها تنتهي عند ضربة ايهامية مضادة هي (بياض انتظاري) وهذا التقابل بين الحضور الافتراضي (احسّك) وبين المحو( بياض انتظاري) تتسارع حركة رمزية تكون المرأة قناعا دائما لها ،اذ هي افتراض اللذة وفنائية الحلول ، واجد ان حساسية الشاعر ازاء (اللون الابيض) هي تعبير عن رغبة تعويضية باتجاه البحث عن نقاء السريرة التي يتوهما الشاعر الرغبوي في اتيان تدوين طقوس خلوته ،وهذه تجعله الاقرب الى النزوع الصوفي الذي يرسم لذته ويشكلن طقوسها ويذوب في مجونها لكنه يتضاد في داخلها ليس لتحرير المكبوت وانما لاستعادة رغبته العالية في جسدانية اللحظة

دائرة العنّاب التي سالت
على
بياض الامسية
كانت طقسا
من حفل توقيع كتابك الوردة!
كنت:
اكثر من جسد لاحتلالي
كنت:
اكبر بياض من حلولي فيه
لم أزل اوبخني كثيرا
لاني نسيت لملمة دراق العناق
عن حقل عرشنا
لا اريدك ات تأتي برمادي
لا اريدك ان تذهبي ببياضي

ان اعتماد تقنية المفارقة الاستعارية في هذه القصيدة تكشف عن وعي الشاعر بقراءة وتشكيل لغته الجسدية، فهو ينعتق عن لغة الوصف الخارجية الى لغة حاشدة بالتشفيرات تتقابل وتتفارق فيها الطباقات ،وكأن الشاعر يجد نفسه امام غابة من العناصر التي تشحنه بكيماء الخلق،المرأة فيها تتعالى عن الجسد العضوي الى جسد اثيري والبياض اللوني يتحول الى فضاء غامر للحلول والفناء،وهذه الكتابة المفارقة تؤكد حقيقة انحياز الشاعر الفلسطيني الى امكنة يستحضرها بعيدا عن الذاكرة القهرية التي اكتوى بها الفلسطيني المنفي والمطرود ..ولاشك ان هذه التغايرات الاسلوبية في القصيدة الفلسطينية وحيوية الاجيال الجديدة (المتوكل طه ، غسان زقطان ،ابراهيم نصر الله ،محمد حلمي الريشة وغيرهم) تعكس فاعلية التجديد في ثياب (الامبراطور الشعري) وحرية الجسد في اصطناع طرق حريره بعيدا عن اغواءات( روائح التاريخ) ومقايسات المهيمن النقدي الذي اعتاد ان يضع القصيدة الفلسطينية في خانات محددة !
ان قصائد الريشة استوقفتني كثيرا لما تحملة من بطانة شعورية تتوهج بباعث الانسان المفروز بوحدته واسئلته خارج اطار مرجعيته الرمزية !! والذي يجعل رغبته اكثر حضورا في هندسة ما هو شعري وكأنه يستحضر ما قاله انسي الحاج بان( الشهوة تحرره اكثر من الحق) وهذا الانحياز الخالص للذات الشعرية يمنحه قدرة على اعادة مشهده الشعري على اساس مقابلته لنزوعه الجمالي وعدم احتباسه في الشكل المقطوع الى غنائيته ،،لتكون قصيدته هنا اكثر استعدادا لتمثل حدسه ورؤيته التي تجوس وتبحث وتكشف لان القصيدة هي نص مائي يحتاج الى الجريان لئلا يفسد ويحتاج الى التأويل لئلا يجف !!
ففي قصيدته (تحت) التي كتبت تحت هاجس النص التدويري ذات البنية السطرية ثمة توليدات متواترة للاستعاري الذي يكشف عن دلالات غير متوقعة ،وهي رغم وهج غنائيتها التي انحاز فيها الى مرجعية الصوت ،الاّ انه استعاد عبر كثافتها البنائية قوة البنية التصويرية التي تكشف عن حيوية الحركة في الزمن وفي دلالة المكان غير المشروط ،حيث يفكك الشاعر اشارة الوقت(هي في هذا الوقت) ليكشف عن وقته الشخصي الذي يخرجه عن محدوده الشرطي الى زمن رؤيوي يرتبط بالكشف والمعرفة وينزاح عبر امتداده اللا محدود نحو تحقيق اكتمال اللذة،

هي في هذا الوقت تقود خطاي الى حيث الوردة في قلب الظامىء للرائحة
الملموسة عن بعد، كيف اجيء اليها الان؟ أو تأتي من هذي الوحشة نحو
بقاء العزلة، وحدي معها اذ ينتفض الحضن اليها من كوة روح تتواثب نحو
تبرعم عشق فيّ اليها..

ان هذه القصيدة التوليدية ذات الاطار التفعيلي والتي كتبها بعض شعراء الستينيات خاصة الشاعر حسب الشيخ جعفر تعكس رغبة الشاعر في عدم الاستكانة للشكل الشعري المحدد وعد التمثل لشروطه،،فهو عمد الى استعادة اللغة الشعرية ووهجها في تنفيذ لعبته الشعرية ،وهذا يجعله امام فضاءات النص المفتوح الذي وجد في اغلب نصوصه النثرية مجالا خصبا لتركيب ظاهر لغته وتنافذها الى بهجة معانية المحمولة على شفرات ايروسية وحسية مترعة بايحاءاتها والتي تجعل الشكل عادة جزءا من فن لعبتها في في سعة البوح وفي فعل الاندفاع وصولا الى اعادة انتاج اللذة ذاتها ،حتى يبدو الشكل المدور هو معادل تعويضي للدورة الجسدية في استحضار واستعادة فعل اللذة ..
الشاعر محمد حلمي الريشة شاعر رؤيوي وهذه الصفة تجعله يضع الجسد الايروسي مقابل الجسد الارضي ويضع الوطن/المكان مقابل لحظته الوجودية ،،وهذا ما يمنحه حرية في التعاطي مع دلالة الوطن عبر قهر الرغبة ذاتها التي تؤرخن الوطن في المكان القديم بعيدا عن الملامسة وكأنه وطن /متحف أووطن ايقوني ، ففي قصيدة ( الكمائن) يبدو الوطن هو التفاصيل اليومية مثلما هو النشيد! واستعادة الوطن عبر استعادة التفاصيل تجعله امام الوطن الثوري والوطن الطاعن بالمحنة والمحاصر بالجنود ورهاب المكان المشوب بالعزلة والوقت المسفوح بالانتظار المفتوح على الابدية

كم الساعة الآن ايها الظل الضيق
هل خطوتي تصل الابدية؟
أم انها جاذبية خشب
مغروز الى ركبتيّ
الطرق المجروحة في طريقي
رطبة الطمي
بيضاء من لبن احيانا
بل هي هكذا ،جبال اسيرة
مفروشة بلحم النباتات الغريبة
اخشى عليها خطاي البطيئة
ان يذهب الربيع سريع الخطى في الحصار
ان هذا الاحساس الضاغط هو توصيف استثنائي ليوميات الاحتلال ويوميات الطريق الى الوطن! وهذا التوصيف يجعل الشاعر امام لعبة استعارية تمور بغموض شفيف يحاول من خلاله ممارسة وظيفة التدليل والحضور والنفي ،وهذا المركب الوظائفي يجعله ينسف الكثير من الترميزات التقليدية التي تضع الوطن امام كثافة ابلاغية وبلاغية تفقد سخونة التفاصيل وتشيء برعب كينوني فجائعي لاحدود له سوى الاشهار اللغوي المسكون برؤيا الفجيعة ،،في قصائد الريشة تحضر الذات الرائية ( رؤيا كلكامش ) التي تكشف عن الأثر في المكان والجسد مثما يحضرفيها الوطن بتفاصيله ويومياته ساخنا وضاجا ومكشوفا و حاضنا لهذيان الشعراء ومخيالهم وهم يبحثون عن امرأة تطرز المساءات باللهاث وتبادل الليالي بسيولة البياض الظاهر بفوضاه الجميلة ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا