الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة

فاطمة ناعوت

2020 / 7 / 26
الادب والفن


أحدُ أعمدة "المسرح القومي" المَهيب. الذي ندخلُ بوابته برهبةٍ واحترام، كأنما مستشرفون محرابًا جليلا. وكان "المسرحُ القومي" هو المكافأة المقدسة التي تقدمها لنا أمي إن حصدنا درجات فائقة في المدرسة، لنشاهدَ روائع المسرح العالمي. وهو بالفعل محرابُ أدبٍ وفنٍّ وثقافة وتنوير، ولغة عربية رصينة. تعلّمنا من العملاق: "عبد الرحمن أبو زهرة"، ومن جيل العمالقة، على خشبات المسرح وخلال درامات الأدب العالمي في "البرنامج الثقافي" بالإذاعة المصرية، كيف نضبِطُ لسانَنا العربيّ حين نقرأ الشعرَ والقطع الأدبية الرفيعة. لكن يدَه البيضاء لم تتوقف عند صدورنا نحن الأدباءَ والشعراء، بل امتدت نحو قلوب الصغار كذلك. فقدّم بصوته "متعدّد الألوان والطبقات" دوبلاج شخصية "الأسد سكار" في كارتون "الأسد الملك Lion King" من إنتاج "ديزني". ولأن "ديزني" مؤسسةٌ عريقة تحترمُ أصولَ الإبداع، فقد كرّمته بشهادة تقدير لنجاحه الفائق في تعليم الصغار اللغة العربية الفصحى، التي أجاد مزجَها بالفصيحة السيّارة لكي تصل إلى عقل الطفولة الناشئة. فمؤسسة بحجم "ديزني" تقدِّر الفائقين ولا تسمح إلا بالرفيع في أعمالها، وسبق وتحدثتُ عن ذلك في مقال: “ميكي يتحدثُ العربية بطلاقة".
منذ تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية في خمسينيات القرن الماضي، قدّم الأستاذُ للمكتبة الفنية المصرية والعربية، مئات الأعمال الرفيعة من مسرحيات وأفلام ومسلسلات وسهرات تليفزيونية ودراما إذاعية وأفلام الكارتون والأعمال التاريخية ومسلسلات الأطفال ودوبلاجات الروايات العالمية وغيرها من خوالد الأعمال. كوميديان وتراجيديان في آن. استثنائيٌّ في صناعة الضحكة التي تُشرقُ في وجوه المشاهدين، وفائقٌ في استلاب الدموع من وخز قلوبهم. "عبد الرحمن أبو زهرة" طاقةٌ فنيّة مذهلة تستحقُّ الدراسة والتأمل وخلع القبّعات احترامًا وتبجيلا. لم يتوقف يومًا طيلة حياته المهنية منذ تخرجه عن العطاء الفني والثقافي الرصين، لمصر وللعالم العربي. بدأ مشواره الفني من أعلى نقطة في هرم الإبداع المصري: “المسرح القومي" بمسرحية "عودة الشباب" للعظيم "توفيق الحكيم"، ثم أشرق وجهُه على شاشات السينما وأشرق صوتُه من ميكروفونات الإذاعة، ودخل بيوتنا ضيفًا يوميًّا خلال دراما المسلاسلات. العملُ هو غذاؤه وماؤه ودواؤه. إن توقّفَ عن العمل يومًا، خبا بريقُه وجفًّ نُسغُه ووهن قلبُه الخافقُ بالفن والحُبِّ والحياة. تلك الأعمالُ الخالدة تصبُّ في ميزاننا نحن، قبل أن تصبَّ في ميزانه. فخوالدُ الأعمال تبقى في رصيد الوطن، بعدما نذهبُ ويذهبُ صانعوها. لهذا فإن طلبَ الأستاذُ العملَ، فإنما يطلبُ أن "يُعطي" لا أن "يأخذ". فهو لن يحصدَ شهرة ومجدًا مثلما حصد بالفعل. لكننا، نحن أبناءَ هذا الوطن، مازلنا متعطشين للفن الرفيع الذي لا يُشبع منه ولا يُستكفى.
كان لي شرف اللقاء الشخصي مع الأستاذ في مهرجانات وأسفار، كان آخرها "مهرجان الجونة" 2019. وفي الأسفار تُعرفُ الأعماق. “عبد الرحمن أبو زهرة" إنسانٌ بسيطٌ مثقفٌ ومرح. ينثرُ البهجة في قلوب مَن حوله. كان الأستاذُ فاكهةَ المهرجان، نتحلّقُ حوله لنتعلّم ونتثقفَ ونشحن طاقة إيجابية تجعلُ القلبَ يبتسم. ولأنه ابنُ المدرسة الرائدة، فهو يُقدِّسُ "الإتقان". لهذا قد يُصحِّحُ لمن حوله إن أخطأوا في اللغة أو البيان أو المعلومة. وطوبى لمن يجدُ معلّمًا عظيمًا يقدّم المعرفة هديةً مجانية. وربما هذا ما قصدته الفنانةُ التي لم تختر كلماتِها على النحو الذي يوضِّح مقصدها.
وهنا، أجدِّدُ الشكر للأب المثقف "بطرس دانيال" رئيس المركز الكاثوليكي للسينما. لأنه دائمًا يتذكّرُ عظماءَ الفنون والإبداع الذين قد تنساهم مصرُ بسبب هَول مشاغلها. منح "أبو زهرة" "درعَ مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما" الرفيع، في دورته الثانية والستين. وقال عنه الأب "دانيال" كلمةً نبيلةً جميلة. ولا عجب و"الأب بطرس دانيال" موسيقارٌ عظيم، يعرف قيمة الفنون. أناشدُ الرئيسَ "عبد الفتاح السيسي"، الداعمَ للفن والإبداع في مصر، وأناشدُ صُنّاعَ القرار الفنيّ، أن يُمنحَ الأستاذ "عبد الرحمن أبو زهرة" جائزة وطنية قيّمة تليقُ بعطائه الثري لمصر على مدى ستين عامًا من إثراء صفحة مصر الفنية.
أستاذي الجميل "عبد الرحمن أبو زهرة"، لا يليقُ بك "الاكتئابُ" وقد منحتَ قلوبَنا البهجاتِ والمعرفةَ والأملَ الجميل. لا يليقُ بك إلا الفرحُ مثلما منحتنا الفرحَ طوالَ مشوارك الثريّ الغنيّ. أنت العملاقُ الذي لا ينالُ منه شيءٌ أو أحدٌ أو موقفٌ؛ لأنك تقفُ فوق جبل شاهقٍ من الخوالد، وتتكئ على صخرة صلبة من التاريخ المجيد. عِش ألفَ عام وداومْ عطاءك لنا، فنحن أهلٌ له. ننتظرك في أدوار كثيرة وجميلة قريبة كما عهدنا منك. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يُثري الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله