الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختيار الحليف، مقارنة بين العراق وسوريا

احمد هاشم الحبوبي

2020 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أميركا اغتصبت العراق. والعرف يقول أما أن نقتل المُغتصِب (وهذا ما لا نقدر عليه) والمُغْتَصَبة (وهذا ما نفعله كل يوم)، أو نزوّجهما «صوناً للعرض». وهذا ما تريده أميركا وتريد أن توثق الزواج في المحكمة. لكن «أهل الغيرة» يرفضون ويصرون على تزويج المغتصبة بآخر «خصي».

سوريا
ترتبط سوريا وإيران بعلاقات ثنائية متينة منذ عام 1979، العام الذي شهد ابتداء العهد الجمهوري على أنقاض العهد الامبراطوري. وبالرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين سوريا القومية وإيران الإسلامية، شهدت علاقتهما تطوراً متصاعداً وازدادت رسوخاً مع الأيام بحكم التقاء مصالح البلدين واتفاق رؤيتهما حول كافة ملفات المنطقة. ولم يبتعد أو يخذل أحدهما الآخر.

في بداية الأزمة السورية التي اندلعت في سنة 2011، تولت أجهزة الدولة السورية التعاطي مع تداعياتها. ومع تعاظم قوة التنظيمات التكفيرية المسلحة وارتفاع الخطاب المذهبي على الخطاب المذهبي على حساب الحراك المدني الداعي لتغيير طبيعة النظام، احتدمت المواجهة وصارت أكبر من قدرات القوات النظامية. عندها اقحمت إيران فصائل شيعية مسلحة عراقية ولبنانية ومتطوعين أفغان وباكستانيين وإيرانيين لدعم القوات الحكومية النظامية. إضافة لـ «مستشارين» عسكريين من الجيش النظامي الإيراني.
وحين اشتد اوار الحرب وبدأت الأمور تفلت من الجيش العربي السوري وحلفائه، طلبت الحكومة السورية يد العون من روسيا التي لبت النداء السوري فوراً وبدأت عملياتها في أيلول 2015. وما زالت القوات الروسية عاملة في سوريا.
لقد طوّرت الحكومة السورية تحالفاتها بما يتناسب ومصلحتها، مع تقدير مصلحة الحليف بالطبع، الأولوية هي منع التنظيمات التكفيرية المسلحة من الاستيلاء على سوريا. وقد وفقت في ذلك، لكن ليس بهذه الوردية. فقد شبعت سوريا قصفاً على يد القوة الجوية والصاروخية الإسرائيلية لمنع «حزب الله اللبناني» وإيران من إقامة قواعد ثابتة على الأرض السورية. يجرى القصف الإسرائيلي تحت مرأى ومسمع وسابق معرفة القوات المسلحة الروسية التي تمتلك أحدث أجهزة الرصد والرد. وإني على يقين بأن الحكومة السورية ستصحح هذا الخلل الفادح الذي لا يتناسب مع براغماتيتها وواقعيتها.

لم تعترض إيران على الوجود العسكري الروسي في سوريا، بل رحبت به، فالرواية الرسمية (أو شبه الرسمية) الإيرانية تشير إلى أن التدخل الروسي إنما تم بحثٍّ إيراني. كما لم يتذمر الإيرانيون، على الأقل علناً، من الصمت الروسي إزاء العدوان الإسرائيلي شبه الأسبوعي على مقرات يشغلها إيرانيون على امتداد الأرض السورية. قد يتذمر إعلامي في صحيفة أو محازب في مقابلة تلفزيونية، لكن ليس أكثر.

العراق
العراق قصته قصة. الفشل هو السمة الغالبة على تحالفاته، قبل وبعد عام 2003. إن الاستعداء الغبي الذي مارسه النظام السابق هو الذي اوصلنا إلى سقوط 9 نيسان 2003. أما بعد هذا التاريخ فالدولة العراقية فقدت الهوية والمنطق.

اثناء الفترة بين نيسان 2003 لغاية كانون الأول 2011، كان العراق تحت الوجود الأمريكي المباشر. لذلك لا يمكن الحديث عن تحالفات لأن البلد كان محتلاً احتلالا مباشراً. غادرت القوات الأمريكية العراق وهو «ربّي كما خلقتني»، دون جيش حقيقي قادر على تأمين حدوده وسيادته، ودون أجهزة امنية قادرة على حفظ أمنه. لم يحسن رئيس الوزراء نوري المالكي إدارة الدولة. عاد التوتر الطائفي وانهدم الكثير من القليل الذي أعيد بناؤه في الجيش والسلم المجتمعي. المحافظات السنيّة بيد الدولة في النهار، ومع غياب الشمس تصبح تحت رحمة الفصائل الإرهابية المسلحة. المحافظات الكردية تقضم أراضي جاراتها وتقتطع ما طاب لها من الميزانية الاتحادية. بغداد والمحافظات الشيعية غارقة في الفساد والفشل الإداري والإرهاب الذي يضرب حيثما ووقتما يشاء. وقد غطت الواردات النفطية على بعض هذا الفشل لأن الناس عاشوا في بحبوحة اقتصادية بفضل تعاظم واردات النفط. أما علاقاتنا الخارجية، فتحسنت كثيراً مع إيران. وساءت مع دول الجوار الأخرى. وتراجعت مع الولايات المتحدة.

وجاءت ساعة دفع حساب قصر النظر هذا بـ«مؤامرة سقوط الموصل» حين أقدم تنظيم «داعش» على احتلال محافظتي نينوى وصلاح الدين في حزيران 2014 (ثم الرمادي مركز محافظة الانبار في أيار 2015). عندها طلب العراق رسمياً مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. واستجاب الرئيس باراك أوباما وبدأ بإرسال الطائرات والقوات البرية لمنع «داعش» من السيطرة على مطار بغداد الدولي. ثم الولايات المتحدة بتقديم الدعم الجوي والاستخباراتي حين باشرت القوات العراقية بالرد المقابل لتحرير المدن المحتلة من براثن «داعش». حتى انتهى الأمر بتحرير كل المدن من دنس «داعش» واستعادت الدولة هيبتها وكرامتها.

لم تتمكن إيران من حمايتنا من مؤامرة «داعش». ساعدتنا إيران في الوقوف بوجه «داعش»، لكن إلى حد معيّن، لأنها عاجزة عن تأمين الجهد الاستخباري والعمليات الجوية اللذين أمّنهما التحالف الدولي. واللذين لولاهما لما تمكنّا من تحرير أراضينا من براثن «داعش» وتحقيق النصر الناجز المستدام على العدو.

بعد انتهاء عمليات التحرير، تعالت أصوات حلفاء إيران مطالبين بانسحاب القوات الامريكية. يسوق الداعون نفس الحجج الواهية التي ساقها المنادون بالانسحاب الأول. وهي حجج ثبت بطلانها في حزيران 2014. فالقوات المسلحة العراقية ليست قادرة بعد على تأمين حدود البلد ولا أمنه الداخلي. قواتنا ما زالت بعيدة عن التمكن الاستخباري والعمل المهني الذكي الذي ينتج عنه انجاز قابل للصمود على الأرض.

لا يمكن لإيران أن تحول العراق لورقة تضغط بها على الولايات المتحدة، فلا العراق طيِّع لتشكله إيران كيفما تشاء، ولا الأخيرة تعاظمت فصارت نداً للولايات المتحدة. لذلك حين تمادت إيران وقررت الضغط على الولايات المتحدة عبر استهداف سفارتها ومعسكراتها، أقدمت الأخيرة على اغتيال قاسم سليماني (أيقونة التدخل الإقليمي) في بغداد في الثالث من كانون الثاني 2020 [1].

إثر ذلك رفعت الحكومة الإيرانية شعار «الانسحاب الأمريكي مقابل مقتل سليماني». واوعزت لفصائلها المسلحة الناشطة على الأرض العراقية باستهداف المصالح الأمريكية. لكن على الخفيف. والسبب معروف.

وفي اثناء زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لطهران، ابلغ المرشد علي خامنئي «رئيس الرئيس الإيراني»، وهنا أنا اقتبس من صحيفة الأخبار اللبنانية، أنّ «بلاده لن تتدخل في علاقة بغداد بواشنطن»، محذّراً إيّاه في الوقت عينه من (نتائج) «الوجود الأميركي بالقرب من الحدود العراقيّة ــ الإيرانيّة، الذي يتسبّب في انفلات أمني». كما قال له إن «إيران لن تتدخل في علاقات العراق مع أميركا، لكنّها تتوقع من الأصدقاء العراقيين أن يعرفوا أميركا، ويدركوا أن وجودها في أي بلد يسبب الفساد والدمار والتدمير»، مضيفاً: «طهران تتوقع الالتزام بالقرارِ البرلماني العراقي الملزم بطرد القوات الأميركيّة من البلاد». وفي معرض انتقاده النفوذ الأميركيّ في بلد الضيف، قال الخامنئي إن «إيران تعارض ما يضعف الحكومة العراقية، عكس واشنطن التي لا تريد حكومة عراقيّة مستقلّة وقويّة منتخبة عبر تصويت شعبي». انتهى الاقتباس [2]. احتوى حديث المرشد علي خامنئي على الكثير من التهديد والوعيد والأمر والتدخل في شؤوننا الداخلية.

إيران لديها تاريخ طويل في حسن استخدام الأذرع الداخلية التي تمتلكها لابتزاز الدولة العراقية وتهديد كيانها طوال عمر العراق الحديث. فقد استخدمت إيران الإمبراطورية «الحليف الكردي» لانتزاع تنازلات كبيرة من الحكومة العراقية. وهو ما تجسد في المعاهدة التي نتجت عن «اتفاقية الجزائر» عام 1975. وإذا كانت إيران الامبراطورية تمكنت من ابتزازنا بـ«الحليف الكردي» وحده، فإيران الجمهورية تملك «الفصائل الولائية» و«الحليف الكردي» معاً. الأول حليف مُؤطرٌ بهالة دينية لا تبلى، والثاني حليف أزلي لم يخذلها يوما. لذلك، رغم الضغوط القصوى والوجود العسكري الأميركي، فإن إيران قادرة على تهديد استقرار العراق وأمنه الداخلي بفضل «الفصائل الولائية».
ما الحل
السبب الرئيس الذي يقف وراء مباركة إيران للتدخل الروسي في سوريا ورفضها للوجود الأميركي في العراق، هو العداء المستحكم بين الولايات المتحدة وإيران. إضافة لعدم تعدد مراكز القرار في الحكومة السورية، بالعكس من العراق.

إيران لا تقبل بالعراق نداً لها بوضعه الحالي. والعراق لن يكون ذيلاً لإيران. لذلك علينا أن نلتقي في منطقة وسط تلبي بعض طموح الطرفين حتى نستعيد عافيتنا الوطنية ونبني قوتنا التي تؤمن لنا حماية حدودنا وأمننا الداخلي. وذلك لن يتحقق دون تحقيق التوازن عبر تعزيز علاقاتنا الإقليمية (مع تركيا والسعودية في المقام الاول) والدولية (مع أميركا وروسيا في المقام الأول).

يجب ألا تكون علاقتنا مع إيران (وغيرها من دول الجوار) إما «صفر» أو «واحد». أود أن ألفت نظر حكومتنا ومحبي إيران وكارهيها أن هناك حيزاً كبيراً بين «الصفر والواحد». والحدة لا تنفع حتى الأقوياء، فكيف بالخارجين تواً من خمسين عاماً من الخراب (وخمسة آلاف عام من الاحتراب). هناك مدى واسع بين الارتماء في الحضن والعداء، بين الشح والندى. وعلى ذكر «الشح والندى»، يطيب لي أن أنهي مقالي ببضعة ابيات من «مقصورة» شاعرنا الأكبر محمد مهدي الجواهري طاب ثراه.
ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها ... كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى
ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ ... تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى
تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ ... يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى

المصادر
[1] لمزيد من التفاصيل عن أجواء اغتيال قاسم سليماني، اقترح قراءة: "أسبوع مقتل قاسم سليماني". أحمد هاشم الحبوبي. موقع الحوار المتمدن. 5 كانون الثاني 2020.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=661273&r=0

[2] صحيفة الأخبار اللبنانية. "الكاظمي في طهران: الدعوات إلى طرد الاحتلال الأميركيّ تتزايد". 22 تموز 2020.
https://www.al-akhbar.com/Iraq/291781/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B7%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%AA%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254