الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب السبعينات بين النجف وبغداد*

جعفر المظفر

2020 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بغض النظرعن موقفك السياسي من حدث الرابع عشر من تموز, فإن الأمر الذي يجب أن نعترف به هو أن قانون الإصلاح الزراعي الذي إختطته دولة العساكر قد أدى بدوره إلى الإطاحة بالنظام الإقطاعي الذي كان مهيمنا على أغلبية فلاحي العراق, وقد أدى ذلك إلى هزة عنيفة نالت بشكل أكيد من بنية ذلك الكيان, وحيث أصدرت الثورة أيضا قانون إلغاء نظام العشائر على الطريق لبناء حالة المواطنة التي تتكرس من خلال علاقة المواطن المباشرة مع دولته دون المرور من خلال قنوات أخرى وسيطة, وبذلك جردت شيوخ العشائر من سلطتهم القانونية، وحررت الغالبية من أبناء الشعب من تبعيتهم لأولئك الشيوخ.
أما قانون الأحوال المدنية ( الشخصية ) الجديد فلم يثر أيّ ردود فعل شعبية ضده مما يؤكد أنَّ عموم الشعب كان يتقبل قوانين الدولة المدنية العلمانية. ولم تفلح إدانات رجال الدين العلنية عن ثني حكومة قاسم عن متابعة خطواتها ومضت قدما في تطبيق قانونها المدني.
والحال أن التحالف العشائري الإقطاعي الديني الموروث الذي كان قائما إبان الدولة العثمانية لم يمسسه النظام الملكي ببعض ضرر, بل على العكس من ذلك وجد سياسيو العهد الملكي أن ذلك التحالف لم يكن يتقاطع مع وسائل هيمتنهم على نظام الحكم في العراق, بل لعله كان يمثل إحدى أهم تلك الوسائل. وستعلمنا العودة إلى زمن تلك المرحلة كيف ان ذلك التحالف كان قد قد أغلق على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي بوابات التطور وكان أحد الأسباب التي منحت الخطاب الإنقلابي في الرابع عشر من تموز مقومات نجاحه. وبغض النظر عن مدى حقيقة الإطروحات التي تتحدث عن الضرر الذي ألحقه التطبيق غير المدروس لقانون الإصلاح الزراعي بالإقتصاد العراقي إلا أنه لا يمكن غض النظر على الإطلاق عن المضمون الأخلاقي والتقدمي لذلك القانون.
ولئن كان الشيوعيون والقاسميون قد هددوا دولة الكيان الموازي للمرجعية من خلال تعميق حالة الإنتساب الوطني لشيعة العراق على حساب الإنتماء الطائفي فإن البعثيين والقوميين لم يكونوا أقل ضرر حينما دعموا فكرة الوحدة العربية التي كانت ستخلخل من جانبها رصيد المرجعية القائم على مبدأ الكيانات المذهبية.
وهكذا أصبحت المرجعية, حتى مع وجود سياسي قومي وبعثي لا يتقاطع مع الحالة الدينية, أمام خطر يفوق الخطر الشيوعي والقاسمي, ليس بمقدار تناقض العقيدة البعثية مع الدين, كما هي في الحالة الشيوعية, فهي هنا, أي هذه العقيدة إنما تطرح نفسها بديلا إلغائيا للمؤسسة الدينية, بدلا من أن تطرح نفسها بديلا إلغائيا للدين كما فعلت الشيوعية.
وبرأي فإن ذلك كان قد شكل خطرا أكبر على المرجعية وكيانها مما كان عليه الحال مع الشيوعية, فمع هذه الأخيرة إستعملت المرجعية سلاح الدين بكل شراسة, أما مع البعثيين فلم يكن بمقدور المرجعية أن تفعل ذلك وصار حالها مثل حالة الجندي الذي دخل إلى المعركة بدون سلاحه.

إن خطورة العقيدة البعثية قد تجلت من خلال تعطيل الخطاب المرجعي الذي كان قد إستسهل المعركة ضد الشيوعيين على إعتبار إنهم كفار وملحدون كما جاء في فتوى الحكيم الشهيرة التي أعلنها للدفاع عن الكيان المرجعي الذي بدأ يتراجع حينها لصالح الدولة الوطنية الجديدة.
وبعد أن كان بإمكان المرجعية أن تدخل في ساحة المعركة ضد الشيوعيين وهي مسلحة ومدرعة بفتوى التكفيرالتي أعلنها الحكيم في الثاني عشر من شباط عام 1960 فإنها مع البعثيين لم يكن بإمكانها أن تفعل ذلك, ليس لأن هؤلاء كانوا قد ناصروا فتوى الحكيم وتبنوها وسوقوها, وإنما لأنهم لم يكونوا بالأصل على تناقض مع المسألة الدينية, بل تراهم كانوا ملتصقين ومستفيدين على الأقل من الجانب السياسي للإسلام لكونه أساسيا في تشغيل مفهوم الأمة.
الأكيد إذن أن الشيوعيون والقاسميين لم يكونوا لوحدهم من هدد دولة الكيان الشيعي الموروث, البعثيون من جانبهم كانوا أشد خطراعلى ذلك الكيان, فالفكر البعثي نفسه لم يكن يبعث على الإطمئنان لأنه دخل على الخط محاولا إيجاد التوليفة الثورية بين الإسلام والقومية.
ورغم أن الحكم البعثي الثاني كان قد دخل على خط الصراع الساخن مع مرجعية الحكيم (تم إعدام أو قتل أو إغتيال ستة من أبناء الحكيم العشرة) لإتهامات متعددة كان من بينها تهمة التجسس التي نالت من "مهدي الحكيم" أحد الأبناء, إلا أن المرجعية ظلت متمسكة بما أسماه "عادل رؤوف" خط الإمام الحسن وظل خط الحكيم محافظا على حالة من الهدنة التي لم يكن سهلا ضبط خطوطها وحظوظها.
ثمة سؤال لا بد وأن يطرح نفسه هنا وهو, إذا كانت مرجعية الحكيم لم تخرج على خط الإمام الحسن التعايشي مع النظام السياسي على إختلاف إتجاهاته وهويته, سواء كان قاسميا أم عارفيا أم بعثيا, فما الذي أثار حفيظة البعثيين ضده إذن حينما إرتضوا الدخول في حرب السبعينات بين النجف وبغداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دور محمد باقر الصدر في إشعال الحرب العراقية الإيرانية (8)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخطر البعثي والخطر الشيوعي ايام قاسم
غسان الصفار ( 2020 / 7 / 27 - 23:30 )
تحياتي دكتور جعفر

تاريخيا كان هنالك تحالف بين البعثيين والإسلاميين السنة والشيعة ضد قاسم والشيوعيين منذ 1959 لغاية 1963 وكانت مرجعية الحكيم داعمة ومتحالفة مع الحزب الإسلامي والبعثيين والقوميين والإقطاعيين ثم إنضم إليهم الكرد في 1961 والكل تحالفوا مع الأميركان لإسقاط النظام وكذلك مع عبد الناصر وكان الأخوين دلاس (وزير الخارجية ومدير المخابرات الأميركية) يعتبران صعود الشيوعية في العراق الخطر العالمي الأكبر....
لذلك لا أعتقد إن المرجعية الشيعية كانت تشعر بخطر البعث بصراحة للأسباب أعلاه إضافة إلى إن التأثير المجتمعي للفكر الشيوعي كبير جدا مقارنة بالفكر البعثي وبالتالي لا أويد ماذكرته عن خطورة البعث التي كانت تفوق خطورة الشيوعيين....
وأعتقد إن الكثير من الإقطاعيين شجعوا أبنائهم للإنتماء للبعث في ذلك الوقت..كما يقال إن أول قرار لسلطة البعث الأولى في 1963 كانت تعديل قانون الأحوال الشخصية..
مع التحيات


2 - غسان الصفار
جعفر المظفر ( 2020 / 7 / 28 - 01:58 )
الأستاذ الكريم غسان الصفار
تحية وشكرا للمداخلة
فترة الخمسة سنوات ما بعد ثورة تموز كانت إلى حد بعيد مثل الرمال المتحركة على صعيد بعض التحالفات وأخص بالذكر منها العلاقة بين الشيوعيين والبعثيين إذ شهدت تلك العلاقة بعض التقارب في الفترة ما بعد الستين وإلى أن حدث الصدام الكبير بعد 8 شباط
في هذه المقالة أنا لا أعالج طبيعة التحالفات السياسية التي دخلت إلى حيز التطبيق والتي كان معظمها يسير بقوة التخادمات السياسية وليس بقوة التناغمات العقائدية
على الإطلاق لا توجد وثيقة تؤكد على وجود تنسيق أو تعاون مباشر بين الإخوان والبعثيين
أما مع بقية القوى فالتحالفات السياسية كانت قائمة بقوة الأهداف السياسية قبل قوة التجاذبات .
.العقائدية
في واقع الأمر ما يهمني هنا ليس القول بأفضلية طرف على آخر وإنما محاولة بناء لخلفية الصراع الذي إنفجر بين بعثي السبعينات ومرجعية النجف وشقها التابع لمحمد باقر الصدر تحديدا.
تحياتي


3 - ملاحظة
منير كريم ( 2020 / 7 / 28 - 07:12 )
تحية للاستاذ المطفر
كلما ورد في المقال صحيح
ولكني اظيف ان المرجعية ومحمد باقر الصدر لم يكونا مستقلين عن ارادة واهداف ايران في كل مرحلة من مراحل التاريخ الحديث للعراق سواء كانت ايران تحت حكم الشاه او تحت حكم الاصولية الدينية
محسن الحكيم كان اسمه محسن الطباطبائي الحكيم ثم اختفت بعد ذلك كلمة الطباطبائي
هؤلاء ذوي الميول والاصول الايرانية مسيطرون على الطائفة الشيعية للاسف ودفعوا العراق الى الهاوية
على المثقفين الشيعة كشف هذه السيطرة وتعريتها
شكرا جزيلا


4 - تكملة
منير كريم ( 2020 / 7 / 28 - 08:02 )
لقد انصف عبد الكريم قاسم الشيعة كثيرا , الا ان المرجعية وتوابعها عادت عبد الكيم قاسم لان قاسم دخل في صراع جيوسياسي مع ايران حول شط العرب والكويت
ولو حصلت ايران على ماتريد من امريكا واسرائيل سيتبخر العداء عند الميليشيات الشيعية ضد امريكا واسرائيل
انها تبعية مزاجية وعقلية فوق سياسية
شكرا ثانية

اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف