الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب كمشروع تركي إسلامي

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما قرر الرئيس التركي أردوجان تحويل كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجد أصبح السؤال مُلحّا: من المستهدف من هذا القرار؟..هل هو العالم المسيحي الغربي أم العالم الهندوسي اللاديني الشرقي أم العالم الإسلامي والعربي؟

يَصعُب القول أن المستهدف هو العالمين المسيحي واللاديني فلا مكسب واحد وراء ذلك بل على العكس لقد حصل على السخط الكافي لتصوير تركيا كمشروع دولة مارقة تريد الزعامة على أسس دينية وعرقية أشبه بما كان عليه النظام النازي في القرن مما يستدعي مستقبلا وجود جبهة عالمية قوية تتصدى لهذا المشروع العنصري المكرر والتي بدأت ملامحها بتشكيل جبهة إقليمية معارِضى لهذا المشروع تتكون من الثلاثي (مصر والإمارات والسعودية) كنواه لمشروع دولي كبير على الأرجح ستتبناه فرنسا، وبالتالي لم يعد لدينا سوى هدف واحد هو الجمهور العربي والإسلامي لعدة اعتبارات نذكرها تباعا:

1- تركيا منذ عام 2012 وقد تحوّلت من سياسة صفر مشكلات كما أعلنها حزب العدالة والتنمية إلى (عشرات المشكلات) ذي الطبيعة الدينية والسياسية والأيدلوجية، فالدولة التركية بعد هذا التاريخ نجدها قد صعّدت موقفها عسكريا في العراق وسوريا وقطر وليبيا، ولديها حضور يمكن أن يرقى لمشروع قومي يحيي نفوذ الدولة العثمانية في السودان والقرن الأفريقي..مما يعني وجود حاجة ضرورية لكسب تعاطف هذه الشعوب لخدمة النظام الإسلامي الذي يؤسس حاليا وظهرت مقدماته في تحويل تركيا من النظام البرلماني للرئاسي وطرد آلاف من الضباط والقضاه المعارضين في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016

2- سياسة أردوجان بشكل شخصي تميل للاستقطاب في أوقات (الأزمات والانتخابات) ففي ظل أي انتخابات تركية نجده يُصعد حدة خطابه ضد المعارضة وصلت أحيانا لاتهامات بالكفر والخيانة خصوصا ضد الأحزاب الكردية، وفي الأزمات لا أفق سياسي لديه ليحل مشاكله بعيدا عن الصراع فيضطر للاستقطاب أملاً في جذب شريحة المتدينين بالخصوص كهدف يبدو أنه استراتيجي لم يحيد عنه منذ ظهوره بجانب أربكان في الثمانينات، لكن الفارق يسجل الآن أن الرجل أصبح زعيما إسلاميا وحيدا بعد تخلي عبدالله جول عنه لأسباب تبدو أنها فكرية ..

3- الجمهور العربي بالذات أكثر تأثرا وقبولا لخلط السياسة بالدين واستجابة للمشاعر الدينية والدعايا القائمة على التميز والانتماء للهوية، وقد وقفت على سلوك أردوجان في مخاطبته حين تعمد في إعلان قراراه تحويل آيا صوفيا إلى مسجد باللغة العربية أن يحشر فيه المسجد الأقصى ويعدهم بتحريره بينما لم يذكر ذلك في حساباته الأخرى بالإنجليزية والتركية، مما يعني أن الجمهور التركي لا يهتم بالأقصى والعداء مع إسرائيل كما يهتم بالرجل ويريد تصدير هذه الصورة البطولية لحكومته..

4- العرب والمسلمين بالذات عانوا من الاستعمار الغربي لقرون والذي جرى تصويره من الجماعات على أنه احتلال صليبي مسيحي أثار الغُبن والكراهية في نفوس المسلمين ضد الديانة المسيحية، وبالتالي أصبح أي عمل ضد المسيحية لا يستدعي فقط روح المقاومة والانتصار بل يستدعي الشعور الحضاري الإسلامي والتفوق العربي إبان عصر الغزوات، وهذا سر النشوة التي تجتاح حاليا أوساط الإسلاميين بحيث لم يترددوا عن إخفاء مشاعرهم في استدعاء جرائم المسيحيين سابقا حتى لو حدثت قبل 900 عام، فهي مبرر قوي لما فعله أردوجان يصبح فيه التاريخ حُجّة، فعندما تعترض على تحويل آيا صوفيا تجد الرد مباشرة لقد حوّلوا مساجد الأندلس..وهكذا نجح أردوجان في جرّ المسلمين والعرب لصراعات القرون الوسطى دون النظر في نتائج ذلك في صعود اليمين القومي المسيحي أو استدعاء عنصرية الرجل الأبيض من جديد..

المشترك الذي يجمع أردوجان بمعارضيه من العلمانيين القوميين هو التعصب للهوية التركية التي يمكن تفسير بعض جوانبها في التفوق العثماني طيلة القرون الوسطي عسكريا، فالقومية التركية لم تنجر حضاريا سوى في هذا الجانب السياسي الذي هو آداه جيدة في يد الإسلاميين لحشد الناس معهم دون الصدام مع التيار القومي، فالذي يجمع الفريقين تاريخ واحد في الحقيقة عدا أن القوميين الترك يعلمون بمبدأ "تركيا أولا" لذا نجد بينهم خلافا شديدا ومعارضة علنية لحروب أردوجان في الخارج بالخصوص في ليبيا التي لا يراها القوميون مصلحة تركية خلافا لسوريا الجارة التي تشترك مع تركيا في نفس التنوع الديني والديموغرافي تقريبا..

وهذا سر من أسرار ضعف علمانية تركيا أنها يغلب عليها الطابع القومي المحلي وحصر الإنجاز التركي على يد الكماليين في استبداد الجيش، مما أكسب العلمانيون ضعفا آخر وهو ربطهم بالانقلابات والاستبداد السياسي والإعدامات والسجن على أساس حزبي كما حدث مع مندريس وأربكان وأردوجان من قبل، وتفسيري لهذا الضعف أنه نتيجة طبيعية لكسل الأتراك عن فهم جوانب العلمانية الفكرية والذوبان في الحضارة المعاصرة والاعتراف بالحداثة مما يلزم ذلك نقد التراث الديني أولا..ونقد الهوية العثمانية ثانيا، والأخيرة تسبب القصور فيها بحنين تركي للعهد العثماني لم يجرؤ القوميين على انتقاده أو الطعن فيه مما يشير إلى أزمة هوية وفراغ كبيرة في الشعور التركي وبحثهم عن انتماء بديل ظل طوال96 عاما متجمد في مكانه كوسيط بين العلمانية وأيدلوجيا الإسلام السياسي، فلا هم يفصلون بين الدين والدولة حتى يمنعوا أي حزب على أسس دينية ولا لديهم الجرأة على نقد الإسلام السياسي فكريا وأيدلوجيا ، وإن انتقدوه سياسيا وظلوا على موقفهم الرافض للخلط دون الخوض في جوانب هذا الرفض ومناقشة أبعاده التاريخية والفلسفية..

بالتأكيد لقد ربح أردوجان من قرار تحويل آيا صوفيا لمسجد والمبالغة في تغطية ونشر احتفالات أول صلاة جمعة ، وجوهر ذلك الربح ليس فقط داخليا بكسب مشاعر المسلمين أو تحييد معارضية القوميين والراديكاليين المنتمين للنموذج الأتاتوركي في التدين، ولكن توقيته جاء مرافقا لحملة تركية عسكرية في الأراضي العربية داخل سوريا وليبيا والعراق لها تبعاتها وأهدافها المستقبلية برسم خريطة تركيا من جديد كما صرّح بها أردوجان في أحد تصريحاته السياسية المتلفزة أن تركيا الحقيقية ليست هي تركيا المعروفة بل تتعداها لخارج حدود سايكس بيكو ..

وعن مشروعية القرار من الناحية الدينية فيظل جدليا لسيطرة التراث الديني على الشعوب العربية والعكوف عن تجديده بسرعة أو فرض التنوير بالقرارات العلوية أسوة بما حدث في السودان منذ شهر بإلغاء حد الردة وتجريم التكفير..إلخ، فلو قال أحد المعارضين أن الإسلام يمنع تحويل آيا صوفيا لمسجد لحُرمة الاعتداء على معابد الغير لكان الرد فورا (بل يجوز) اعتمادا على فتاوى الأئمة والأدلة من ذلك بسلوك الخلفاء والأحاديث، وهي منطقة لم يبلغها المسلم العادي بعد فهو لا زال يتأرجح بين الرؤية التنويرية للدين والتي يمثلها قطاع النخبة المثقفة وتتبناها السينما والفن في الغالب، وبين الرؤية التقليدية التي يمثلها رجل الدين أو الأصولي كما شرحت ذلك في مقال "أقسام النظر لكتب التراث" في شهر مارس الماضي.

والمواطن العادي لا يميل لرؤية النخبة والسينما والفن لإقرار نوع تدينه أو علاقته بربه، بل يثق تماما في رجل الدين كرمز للعلاقة مع الله ، ويمكن أن يتغير هذا الميل الطبيعي منه إذا حصلت الحكومة على شعبية مناسبة والسيطرة على الدولة ..مما يعني أن نجاح الحكومة في السياسة والاقتصاد كمثال هو جزء لا يتجزأ من تحديات التنوير وأهلية الدولة لفرضه بالقانون، لاسيما أن الثورة السودانية هي خير ممثل لهذا التحدي الآن بالانتقال من الرجعية القرووسطية التي كان يمثلها نظام البشير إلى عصر التقدمية والحداثة وفرض الحريات بالقانون اعتمادا على قوة الدولة وشعبية الحكومة على أرض الواقع ..

أختم بأن نتائج قرار التحويل التركي لآيا صوفيا لن تتوقف على إنكار التعددية الدينية وتهديد الحقوق المدنية للأفراد، بل هي رسالة شعبية تحمل بصمات "الإسلام السياسي" للعالَم كله بأنه لم يمت، وأن مشاريع الخلافة ستظل حية ومطالب هؤلاء لن يوقفها ثورة أو انقلاب أو حرب بل ستظل ممتدة في ضمير ووعي الأجيال إذا لم يقرر العالم رفع أسلحته الفكرية ضد هذا النوع من التدين الإسلامي الخطير الذي أنتج داعش سابقا ويهدد الآن باستدعاء دولة شبيهة ، والمتابع للشأن التركي الداخلي سيلمس تغيرا ثقافيا وأيدلوجيا كبيرا في قرارات السلطة منها مشروع نقابة المحامين والسيطرة على التواصل الاجتماعي، آخرها مشروع أردوجان في الانسحاب من اتفاقية اسطنبول عام 2011 لمكافحة العنف ضد المرأة ، وبرأيي أن هذا الانسحاب يتوافق تماما مع عقلية الإسلامي الذي يرى فيها المرأة وعاء جنسي يجوز ضربها وإقصائها من الحياة العامة وبخس حقوقها في الميراث تمهيدا لفرض الحجاب على تركيا كهدف سيتحقق حتما في تلك الأجواء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح