الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية تَرمي بِشرَرِ: عالم من اللذة والخوف والممنوع

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2020 / 7 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



رواية "ترمي بشرر" للروائي السعودي "عبده خال"، الحائزة على جائزة البوكر لعام "٢٠١٠"، والتي تعرضت للجدل الكثير بين المثقفين العرب لنيلها الجائزة. إلا أن رئيس لجنة التحكيم طالب الرفاعي دافع بشدة عن الاختيار باعتماد اللجنة على "لوحة المعايير"، " وجدة موضوع الرواية، وقدرة اللغة الروائية، وتفرد بناء الشخصية، ولعبة الزمن والعلاقة بين زمن القص وأزمنة التذكر"، وأن نقاشاً حراً وموضوعياً جرى بين أعضاء اللجنة، وتم التصويت أربع مرات حتى تم اختيار الرواية بنزاهة وشفافية، ووصفها بأنها " تصور برمزية فائقة عوالم السلطة المطلقة، ولا ترى العالم في إطار ثنائيات فجة، وتقدم راهناً إنسانياً مرعباً"، و "هي استكشاف رائع للعلاقة بين الشخص والدولة، وتوضح من خلال عيون بطلها صورة حية عن الحقيقة المروعة لعالم القصر المفرط في كل شيء، وهي ساخرة فاجعة تصور فظاعة تدمير البيئة والنفوس بالسلطة والمتعة المطلقة بالثراء، وتقدم البوح الملتاع لمن أغوتهم أنوار القصر الفاحشة فاستسلموا إلى عبودية مختارة من النوع الحديث".

تبدأ الرواية بالعشق السوداوي الذي بدأ بالإهداء بيد طارق-بطل الرواية- إلى "هنو التي لم تلوح يدها للغياب"، والذي كان يسكن في حارة للفقراء والبسطاء والذين يعملون في الأعمال البسيطة وصيد الأسماك، والتي كان يسمونها حارة أهل "الحفرة"، أو "جهنم". وبعد توقف الصيد والقوارب وصناعي الشباك لم يعد لهم عمل، بفعل القصر الجديد، وملاحقة هيئة الأمر بالمعروف، تحول أغلب شبابها إلى كائنات مشوهة يبحثون عن الحشيش، والخمر، وملاحقة الصبية، والنساء في البيوت مخمورات، ينتظرون أوامر الرجال.
وفجأة بدؤوا بتنفيذ سور ككورنيش للبحر، وأقاموا القصر الجديد، بأنواره المتوهجة والتي عجز البشر عن تعدادها. وكان السيد-بدون اسم له-هو صاحب القصر، الفاحش الثراء، حيث يتحكم بسوق الأوراق المالية، والمناقصات العامة، والحشيش، والمشروبات الكحولية. وممنوع الحديث بالسياسة وعن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأساليبها المتعددة لخنق الشعب. ووصفوا القصر ب "الجنة"، التي يحلم كل إنسان بالدخول إليه والتنعم بمباهجه، وأنواره، ورائحة الأشجار والثمار.
وكان عيسى أول الداخلين إلى القصر، ليدير شؤونه، وأدخل طارق المنحوس والذي تم رمي الفضلات على رأسه من الأعلى، وكان مغضوباً من أمه وعمته صاحبة اللسان السليط، الذي يلاحقه أينما كان، وتم تشغيله آمر للجلادين، الذي يعذب من يأمر السيد بذلك، ويعذبهم، ويغتصبهم جنسياً، ويجعل الآخرين عاجزين جنسياً. ويقول عن نفسه "خسِئَت روحي، فانزلقتُ للإجرام بخطى واثقة". وأسامة الذي بدأ يجمع للسيد النساء من السوق متسلحاً بدعم السيد وأمواله، وكذلك مربي للكلاب وقائد لليخت، وخدم. وكان الجميع لا يعارض السيد بأية كلمة، وكل من يعرض ينزل إلى الجلاد، والقتل والصرف من الخدمة. أما السيد، فهو يعمل على مشاهد من التحلل الإنساني مع زواره من رجال الأعمال، وهم شخصيا ت مشوهون نفسياً، وهم مخزون للقاذورات، حيث يحتسون الخمر ويمارسون الاغتصاب الجنسي، وفض بكارات النساء، مع مومسات أو أشخاص مشوهون، ويتم تصوير العمليات بالكامل، حيث إن كل الغرف في المبنى مزودة بكاميرات خفية حتى لا يغيب عن اليد أي فعل يقوم به سكان القصر. فكل من دخل القصر تحول إلى عبد مختار "على الطريقة الحديثة"، وهذه العبودية، لا هدف لها إلا إرضاء لشهوات وملذات سيد القصر.

والحب هو العنوان المثير في الرواية. وطارق الراوي "الجلاد"، يفض بكارة تهاني ويهرب من البيت، وحين يكتشفها أبوها يقتلها في القرية، وكانوا يسمون قبرها ب "قبر الملعونة"، والذي عمل علاقة مع "مرام" وهي المفضلة عند السيد. وعيسى الذي عقد قرانه مع "موضي" شقيقة السيد، وحين يكتشف ذلك يجعله مفلساً، فيهرب عارياً من البنك نحو الشوارع، ويقرر قتل السيد ويغرق في دمه، لكن الخدم يمنعونه، ويحوله للتعذيب ويقتله في النهاية. وأسامة يتم الاستغناء عن خدماته، وعن الباقين من الحارة مستبدلاً إياهم بمجموعة من الخارج. وفي المشوار الأخير لطارق الذي يزور أخاه التقي "إبراهيم"، الذي لم يزره منذ تسع سنوات، بعد رفضه حضور جنازة أمه، ورفضه مساعدة شقيقته، وحين يقدم المال لأخيه يرفضه "لأن المال الفاسد له رائحة فاسدة". ويقرر قتل السيد بعد أن حمل جثته في مخيلته، "وفي كل ليلة أقتله بطريقة مغايرة عن الليلة السابقة، آه كم هي المسافة بعيدة بين الخيال والواقع". وتبقى الدعوة لقتل السيد هي نهاية لحبكة الرواية. لكنها تظل لها علاقة بالحلم للمستقبل، ولم تتحقق في الواقع.


عنوان الرواية " تَرمي بِشرَرِ" مشتق من الآية القرآنية من سورة المرسلات‏ "إنّها تَرمي بِشرَرٍ كَالقَصرِ , كأنّه جِمالةٌ صُفْرٌ"، وهذا جديد في الروايات العربية، ويعني أن القصر يُلقي بشروره على البشر الفقراء الساكنين بجواره، وهو تحدٍ مع الخطاب الديني لدولة تطبق الشريعة الإسلامية، وسيف الوهابية الذي يبطش بالفقراء والمساكين، وتناقضه مع ما يحدث خلف القصور في المملكة من الخمر وحفلات الجنس الإباحية، والفسوق والفجور، حيث يلخص مقولته بأنه "لا خير في أمة تقيم الحد على الضعفاء، وتغض الطرف عن الوجهاء"، ولذلك تم منع الرواية من المملكة، بحجة أنها لا تتفق مع الشريعة والثقافة السعودية.
والحديث عن العشق يستغرق أكثر صفحات الرواية، سواءً عند السيد وممارسته الدعارة مع رفاقه الذين يرافقونه حيث "كان سفك دم العذارى، هو المتعة التي توصل زوار القصر إلى قمة النشوة"، حيث تُعامل المرأة كجسد مومس تبيع جسدها وبكارتها مقابل المال، ولا يكون لها رأي أو موقف محدد، يعارض ذلك.

ولماذا هذا الاهداء يا طارق إلى "هنو" يعني "تهاني"، التي لم ترفع يدها أبداً، فأي حياة اقترفتها حين لم تلوح من بعد؟! لها ولبقية من عصفت بهم في طريقي، ينداح هذا البوح القذر." فأنت الذي فضضت بكارتها-مثل سلوك السيد- وعرضتها للقتل، فكيف سترفع يدها أمام البوح القذر. ثم كراهيتك لأمك التي تزوجت ممن تحب، بعد وفاة والدك الذي عاشت معه بدون حب. حيث وصفت أمك مثل "النساء كالإسفنج تمتص أي سائل، وهذا هو عهر النساء، فمن ينام على صدورهن تخفق له قلوبهن، وأن الأسرار لا تدفن في صدور النساء، فصدورهن كفروجهن". هذا الموقف المهين للمرأة عموماً، فكم من النساء تم إجبارهن على الزواج ممن لا يحبون، وظلت أسرارهن في قلوبهن حتى الممات. فالصدور، أي القلوب التي لا يمسها الا العشاق، مختلفة عن الفروج التي تستقبل السائل مرغمة من أجل المال أو الزواج. إن اغتيال المرأة جسدياً ومعنوياً، كما هو اختفاء "جليلة" في رواية "فسوق"، يجعله لا ينظر إلى المرأة بوصفها كائناً بشرياً يستحق التقدير والاحترام، إنما بوصفها أداة للبغاء من قبل الرجل الفاسق، وهذا يجعل الروائي في مكان مناقض للثقافة بكافة أشكالها، ولا يمثل الموقف الليبرالي المنشود، الداعي إلى الحرية والكرامة الإنسانية.

لغة السرد بسيطة وقوية، حيث تنقلك عبر حبكتها السوداوية، من حدث لآخر، بلسان طارق بما فيه حديثه عن المرأة، إلى أن تصل إلى النهاية، وهي قتل السيد، ومن معه من رفاقه، وهيئة الامر بالمعروف. وتتسم بشاعرية بسيطة لوصف الأماكن والأشخاص، وانفعالاتهم النفسية المتعددة، تجاه الحب والكره، والخير والقتل، وبحيث "كل إنسان يتخفى بقذاراته، ويخرج منه مشيراً لقذارة الآخرين". وبحيث إن الرواية تقدم للقارئ العديد من أحداث السواد والعذاب، وقذارات النفس البشرية، "فلابد من أن يشقيك هذا الشقاء، لابد أن يكون روائياً موهوباً تحبه لموهبته، وتكرهه لأنه يذكرك بالمأساة الانسانية"، بتعبير "غازي القصيبي.

-ماذا يريد الروائي؟
إنها صوت المهمشين-برأي المستشرق الفرنسي "فريدريك ليجرانج-الشخصيات البائسة، المعدمة، الذين يعقدون صفقة مع السيد أي "الشيطان"، كي يتحولوا إلى عبيد له. إنها دعوة لهم لكي يرفضوا هذه العبودية، لكي يواجهوا الواقع، وأن يحبوا ويكرهوا، وأن تتحول قذاراتهم بوجه السلطان والدعوة لإسقاطه، وليس حالة الوئام والعبودية بين السيد والفقراء التي سادت في الرواية، وقتل عيسى لأنه أحب أخت السيد وتزوجها. وليس تحويل قذاراتهم إلى أنفسهم، ويقتلون أنفسهم، كما حصل مع طارق بأن قص لسان عمته خيرية، لوقف لسانها السليط، وكسر أصابعها كي لا تتصل بالهاتف، ثم في النهاية أضاعها ولم يجد لها مأوى أو جثة. فالرواية "ترفع السجاد الفاخر لترينا ما كنس تحته من قاذورات لم تستطع أن تخفيها ديكورات القصر البديعة، ولا تمكنت عطوره النفاذة من تغييب رائحتها القذرة". والقصر يمثل كل قصور المملكة الحاكمة برعاية هيئة الأمر بالمعروف، التي تحول الشعب إلى كتلة من القاذورات ضد نفسها. وأن يتحول المال والسلطة ليس للتفريق بين السادة والعبيد، إنما لبشر، وحقوق الانسان فوق الجميع.
من: القدس العربي،١٨مارس-٢٠٢٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك