الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبدأ من الأسس في أي تنمية مستقبلية.....26

محمد الحنفي

2020 / 7 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الإهداء إلى:

ـ اليسار المغربي المناضل.

ـ فيدرالية اليسار الديمقراطي، في سعيها إلى توحيد اليسار، على أسس أيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ـ كل داعمي اليسار المناضل، من أجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

ـ في أفق بناء حزب يساري كبير.

ـ من أجل تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

ـ من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، كدولة للحق، والقانون.

محمد الحنفي

اعتبار كل مسؤولية حكومية أو سلطوية أو برلمانية أو جماعية تستلزم التصريح بالممتلكات:.....20

اي ـ والتطور الذي لا يكون إلا مرتبطا بالذات، وبالموضوع معا؛ لأن الذات، لا تتطور إلا بتطور الموضوع، والموضوع، لا يتطور إلا بتطور الذات، في تفاعلهما المستمر، الذي يتجاوز البنيات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأنه ينفذ إلى عمق تلك البنيات، ويسعى إلى قطع الطريق أمام إمكانية تراجعها، على جميع المستويات، المترابطة فيما بينها، والمرتبطة، في نفس الوقت، بالإنسان، وبالشعب.

وهذا التطور المرتبط بالذات، وبالموضوع، في نفس الوقت، يتبين بوضوح، في:

أولا: البنيات الاقتصادية، التي تنتقل من بقايا العبودية، وكل التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية البائدة، ومن الرأسمالية التابعة، ومن الرأسمالية، ومن الاستغلال الهمجي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، الوطنية / القومية، التي تصير منطلقا لتحقيق سعادة الإنسان، والمجتمع، في جميع القطاعات الاجتماعية، المتفاعلة، فيما بينها، والمنسجمة مع الواقع المتطور، في اتجاه جعل سعادة الإنسان حاضرة، في الفكر، وفي الممارسة، خاصة، وأن تطور البنيات الاقتصادية، في إطار التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في المجتمع الذي يحرص الجميع، وبوعي من الجميع، على سلامته من الابتلاء بالأمراض الاقتصادية، التي تجره إلى الوراء، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد. وهو ما يجب تجنبه، حفاظا على الحرص على التقدم، والتطور المستدامين، إلى ما لا نهاية، سعيا إلى جعل الإنسان، رجلا كان، أو امرأة، يتمثل نشوة السعادة الاقتصادية المشتركة، بين جميع أفراد المجتمع.

والسعادة الإنسانية، لا تتأتى إلا بجعل الحاجيات الضرورية، والكمالية، في نفس الوقت، في متناولهما مهما كان الإنسان، وكيفما كان جنسه، أو لغته، أو عرقه، أو معتقده؛ لأنه ما دام إنسانا، رجلا كان، أو امرأة، إلا ومن حقه أن يتمتع بخيرارت وطنه.

والتمتع بخيرات الوطن، لا يتأتى باستغلال الإنسان للإنسان، الذي أنتج الخيرات، في جميع مراحل التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ بل بالتوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، الذي يصير من المكونات الأساسية، والمبدئية للواقع، في تجلياته الاقتصادية بالخصوص، ومن أجل إتاحة الفرصة أمام الجميع، من أجل المساهمة الفعالة، في إنتاج الثروة الوطنية؛ ولكن، في نفس الوقت، تمتيع الجميع بنفس الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، المتعارف عليها في المجتمع المتحرر، والديمقراطي، والاشتراكي.

ثانيا: البنيات الاجتماعية، التي يجب الحرص فيها على تمتيع الإنسان، بكل الحقوق الاجتماعية، وفي مستواها الجيد، والمتقدم، والمتطور، على مستوى التعليم، في مستوياته المختلفة، وعلى مستوى الشغل، الذي يجب أن يضمن استمراره للجميع، بالحرص على تفعيل التنمية المستدامة، في مختلف المجالات، حتى يصير طلب اليد العاملة، يفوق نسبة الزيادة في عدد السكان، الأمر الذي يترتب عنه: الزيادة في التكوين، وفي التعليم، وفي التشغيل، وفي السكن، وفي الترفيه، وغير ذلك.

فالبنيات الاجتماعية / السياسية، المبنية على أسس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، لا بد أن تكون في خدمة الشعب، حتى تعكس صيرورتها، في خدمة الشعب، مهما كان، وكيفما كان. وحتى يتأتى أن يعيش الشعب سعادته، أو أن يعمل على استكمال تلك السعادة، التي تتمثل في التعليم الجيد، والمتاح إلى أعلى المستويات، والتكوين الرفيع، والدقيق، الذي يجعل المكون في خدمة جودة الإنتاج، وجودة الخدمات، التي لا يسعى العامل، والأجير من ورائها، إلا إلى رفع مستوى سعادة الشعب، إنتاجا، وخدمات.

وإذا كانت البنيات الاجتماعية، في خدمة سعادة الشعب، فإن الشعب، أي شعب، سيجد نفسه متطورا، إلى مستوى لا يقارن بأي جهة، خاصة، وأن سعادة الشعب المترتبة عن اعتماد أسس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، هي سعادة لا ترقى إليها أي سعادة مترتبة عن اعتماد النظام الإقطاعي، أو الرأسمالي، أو التحالف الرأسمالي الإقطاعي المتخلف؛ لأن هذه الأنظمة، لا يمكن وصفها إلا بالبؤس، والشقاء، بالنسبة للجماهير الشعبية الكادحة، ولا يمكن وصفها، أبدا، بأنها تحرص على تحقيق سعادة أي شعب، بما في ذلك الشعب المغربي.

وإذا كانت البنيات الاجتماعية، غير قائمة على التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، فإنها لا يمكن أن تكون سليمة، مهما كانت الطبقة التي تتحكم في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، وخاصة، إذا كان الإطار المتحكم، والسائد، هو مؤدلجو الدين الإسلامي؛ لأن العقلية المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تؤجل كل أشكال سعادة الإنسان، إلى يوم القيامة، وفي (الجنة)، حيث الحور العين، وحيث الخمور ذات الجودة العالية. ومن أراد تلك السعادة الأخروية، فعليه أن يتفجر، ومن أرادت أن تصير من الحور العين في الجنة، فعليها ممارسة جهاد النكاج، في الدنيا، مع (المجاهدين).

وكيفما كان الحال، فالبنيات السليمة القائمة على التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق الدولة الاشتراكية، هي التي تحقق سعادة الإنسان، وسعادة الشعب، في هذه الحياة، وبدون اعتماد أي شكل من أشكال الأوهام، التي يروج لها مؤدلجو الدين الإسلامي.

ثالثا: البنيات الثقافية، القائمة، كذلك على أسس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، حتى تصير بنيات ثقافية سليمة، تقف وراء إنتاج الوسائل التثقيفية، كالقصة القصيرة، والرواية، والمسرح، والموسيقى، والمقالة، والدراسة الحاملة للقيم النبيلة، التي تصير منتشرة في المجتمع، تبعا لانتشار واستهلاك الوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم النبيلة، مما يقود، بالضرورة، إلى عملية التغيير الثقافي، الذي تصير فيه القيم النبيلة، هي السائدة في العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فيما بين جميع أفراد المجتمع، وفيما بين الدول، مهما كانت اللغة، أو الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو العرق؛ لأن الغاية واحدة، ولأن وحدة الغاية، من وراء تسييد التحلي بالقيم النبيلة، هي المبتدأ، وهي المنتهى، ودون التعويل على أوهام مؤدلجي الدين الإسلامي الإرهابية.

وعندما تصير البنيات الثقافية غير سليمة، فإن وجود تلك البنيات الذي لا يتم إلا على أساس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، مما يجعل الوسائل التثقيفية، كمنتوج، لمن نسميهم مثقفين، يسبحون وراء الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، لا تحمل إلا قيم البؤس، والشقاء، والتضليل، على جميع المستويات، وفي جميع التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية.

وهذه القيم، المذكورة أعلاه، تهدف إلى جعل الكادحين، أنى كان نوعهم، ومهما كانوا، يقبلون الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، كمسلمات لا تناقش أبدا، حتى يتأتى للحكم المستعبد، والمستبد، والمستغل، وحتى يتأتى للطبقات المستغلة في المجتمع، أن يبقى كل ذلك سائدا في المجتمع، مهما كانت الكوارث، التي تصيب المجتمع، جراء تلك السيادة.

وقد كان المفروض، أن تقوم الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والنقابات، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، بدورها، لجعل الاستعباد في ذمة التاريخ، ولمواجهة الاستبداد مواجهة حاسمة، ولوضع الاستغلال في أفق تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

ونظرا لأن هذه الأحزاب المذكورة، تراجعت إلى الوراء، والنقابات، في معظمها، لا تربط بين النضال النقابي، والنضال السياسي، والنقابيون غير متفاعلين، في مختلف النقابات، لا فيما بينهم، ولا مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. فإذا حضر النضال النقابي في نقابة معينة، فإن النضال السياسي لا يحضر، وإذا حصل، فإنه يرتدي ثياب نضال حزب معين، بينما نجد أن النضال السياسي، يكون فوق ما هو حزبي ضيق.

وربط النضال النقابي، بالنضال الحزبي الضيق، يقف وراء جعل النقابة، المنتجة للنضال النقابي، ضعيفة، أو تزداد ضعفا، بسبب ذلك.

ولذلك، علينا، شئنا، أم أبينا، أن نعطي لمفهوم النضال النقابي، الفهم الصحيح، الذي يستجيب لإرادة كافة الكادحين في المجتمع، وأن نعطي لمفهوم النضال السياسي، الفهم الصحيح، حتى نتجنب اعتماد التحريف، كما يجب العمل على إعطاء الفهم الصحيح، للعلاقة الجدلية، أو العلاقة العضوية، القائمة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، في أفق جعل العمل النقابي، جديرا بفرض احترام التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

فالبنيات الثقافية، هي بنيات قد تكون إيجابية، وقد تكون سلبية، وعلى المناضلين الديمقراطيين، واليساريين، والعماليين، والنقابيين، والحقوقيين، أن يحرصوا على أن تكون الوسائل التثقيفية، التي ينتجها المثقفون الديمقراطيون، والتقدميون، واليساريون، والنقابيون، إلى النقابات المناضلة، وإلى الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، حاملة للقيم الثقافية النبيلة، التي يسعون إلى سيادتها في المجتمع، على الآماد القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

رابعا: البنيات السياسية، القائمة، أيضا، على أساس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، التي لا يمكن أن تكون إلا بنيات صحيحة، ولا تصير إلا في خدمة الكادحين، عمالا / أجراء، فلاحين / فقراء، أو معدمين، تجارا صغارا، أو عاطلين / معطلين.

ومعلوم أن السياسة القائمة على الأسس المذكورة، تساهم بشكل كبير، في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانيبة الاشتراكية، حتى تكون قد أدت دورها تجاه المجتمع، وتجاه التاريخ الإنساني، الذي لا يعرف الملل، ولا يمكن أن يصير إلا في خدمة الإنسان، مهما كان، وكيفما كان.

فالمساهمة في بناء الدولة الوطنية، لا يعني إلا أن الانتماء إلى الوطن، حاضر في السياسة المتبعة، وخدمة مصلحة الوطن، لها الأولوية، والعمل على تحرير الإنسان من التبعية للغير، والحرص على أن الارتباط بالوطن، له الأولوية، حتى ينشأ جميع أفراد الشعب على حب الوطن، مرددين، جميعا، قول الشاعر:

ولي وطن آليت أن لا أبيعه
وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا.

وقول شاعر آخر أيضا:

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي.

وكما يقول القدماء:

حب الوطن من الإيمان.

والمراد بالإيمان هنا: الالتزام بما يخدم مصلحة الوطن، وما يخدم مصلحة الوطن، يخدم مصلحة الشعب، وما يخدم مصلحة الشعب، يخدم مصلحة الكادحين.

والسياسة الحقيقية، هي سياسة تسعى إلى قطع دابر التبعية، وإلى نفي كل ما يؤدي إليها، بما في ذلك رفض تراكم الديون الخارجية، من أجل اعتماد اقتصاد وطني متحرر، وهادف، ويسعى إلى تحقيق سيادة الشعب على نفسه، الأمر الذي يترتب عنه، بناء سيادة الدولة الوطنية، التي تعتبر امتدادا لسيادة الشعب، الذي يقرر مصيره بنفسه.

والمساهمة، في بناء الدولة الديمقراطية، يقتضي: أن تحرص الدولة، على أن تكون علاقتها بجميع أفراد المجتمع، قائمة على أسس ديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى لجميع أفراد المجتمع، الذي تدبره الدولة الديمقراطية، أن يصيروا مساهمين في بناء الاقتصاد الوطني، مستفيدين منه، وفي الاجتماع الوطني، مستفيدين منه، وفي الثقافة الوطنية، مستفيدين منها؛ لأن جوهر الديمقراطية، يكمن في تمكين أي مواطن، من الإفادة، والاستفادة في كل مجالات الحياة، ومنها، سعيا إلى جعل المساهمة واجبة، والاستفادة حق، والحرمان من القيام بالواجب، ومن التمتع بالحق، جريمة يصعب قبول تكريسها في الواقع المادي، والمعنوي، مما يجعل الحياة التي يسود فيها الحرمان، عقابا جماعيا للمواطنين، بدون وجود ما يستدعي ذلك، سواء تعلق الأمر بالحرمان من المساهمة، أو بالحرمان من التمتع بالحقوق.

والمساهمة في بناء الدولة العلمانية، لا يعني، في العمق، إلا تكريس لا دينية الدولة، كشخصية معنوية، لا تستطيع أن تكون مومنة، حتى وإن ادعى مسؤولوها ذلك.

وما يمكن أن تقوم به الدولة العلمانية، هو التعامل مع كل المعتقدات، سواء كانت سماوية، أو وثنية، أو متخيلة، على أساس من المساواة فيما بينها، على أن لا تستغل تلك المعتقدات في الأمور السياسية، وأن لا تتخذ وسيلة للوصول إلى مراكز القرار، وأن تعمل الدولة على تحييد كل المعتقدات، وأن تصدر قوانين تمنع تشكيل أحزاب سياسية على أساس ديني / معتقدي، وأن تعمل على حل كل الأحزاب المستغلة للدين، أي دين، حتى وإن كان وثنيا، وأن تحرص على أن تصير جميع المعتقدات، شأنا فرديا، ومن اختار أن يعيش بدون أي معتقد، فله ذلك.

والدولة، التي تصير دولة علمانية، تصير، بالضرورة، دولة ديمقراطية. والدولة الديمقراطية، تصير، بالضرورة، دولة وطنية، نظرا للعلاقة الجدلية، أو العضوية القائمة بين هذه المفاهيم الثلاثة، التي تذوب في بعضها البعض، بصيرورتها، جميعا، دولة اشتراكية.

والدولة الاشتراكية، هي التي يتم فيها التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، بين جميع أفراد الشعب، على أساس المساواة فيما بينهم، حتى تصير الدولة الاشتراكية، مجسدة للدولة الوطنية، والدولة الديمقراطية، والدولة العلمانية، في نفس الوقت، سعيا إلى تجسيد التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

وهكذا...، يتبين أن البنيات السياسية، القائمة على أساس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، كما حددها الشهيد عمر بنجلون، لا يمكن أن تكون إلا في مصلحة الشعب، وفي مصلحة الكادحين، مهما كانوا، وكيفما كانوا.

أما إذا قامت البنيات السياسية، على أسس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، فإنها لا يمكن أن تخدم إلا مصالح المستعبدين للشعب، المستبدين به، والمستغلين للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهو ما يترتب عنه: تعميق الفوارق الطبقية في المجتمع، مهما كانت، وكيفما كانت، حتى لا يمر إلى الكادحين، إلا ما يضمنون به استمرارهم على قيد الحياة المستعبدة، والمستبد بها، والتي يخضعون فيها لكل أنواع الاستغلال المادي، والمعنوي.

ولذلك...، صار لزاما، مقاومة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال بالنضال المستميت، من أجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، سعيا إلى تخليص الكادحين بالخصوص، من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، حتى يستطيع الكادحون: استعادة كرامتهم، التي، بدونها، لا تكون لهم قيمة؛ لأن قيمة الكرامة، عندما تحضر، تصير الذات المتفاعلة مع الواقع العيني، محصنة ضد الاستعباد، وضد الاستبداد، وضد الاستغلال، لتصير، بذلك، محصنة ضد كل أشكال الفساد، مهما كان مصدره.

خامسا: بنية الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، التي تقتضي منا الحرص على سلامتها، من الابتلاء بالفساد، الآتي من طبيعة المنتمين إليها، ومن طبيعة الرؤى، والتصورات، التي تقتضي منا: أن نعمل على أجرأتها على أرض الواقع، سواء كانت سليمة من الفساد، أو سليمة، على الأقل، من الأمراض التي تشير إلى ممارسة الفساد.

فحركة الأحزاب، الملوثة بالأمراض، التي تدفع المنتمين إليها، إلى ممارسة كافة أشكال الفساد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو السياسي، ما دام ذلك الفساد يقف وراء تحقيق التطلعات الطبقية، التي هي الهدف الأسمى، بالنسبة إلى المنتمين إلى الأحزاب، التي تبني إستراتيجيتها على استعباد الإنسان، والاستبداد بالحكم، وممارسة كافة أشكال الاستغلال على الكادحين من المجتمع.

فالفساد الاقتصادي، كسيادة الإرشاء، والارتشاء، والريع المخزني، والاتجار في المخدرات، وتهريب البضائع، وغير ذلك، مما لا يمكن اعتباره مشروعا على المستوى الاقتصادي، لا يمكن اعتباره إلا فسادا، خاصة، وأنه يقف وراء تكوين بورجوازية هجينة، ومتخلفة، وغير محترمة للقوانين المعمول بها، وممارسة للفساد في جميع القطاعات، ومحرضة للبورجوازية الصناعية، والتجارية، والزراعية، على تعميق استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتكريس الحرمان من الحقوق الإنسانية، وحقوق العمال، التي تتحول قيمتها، إلى جزء لا يتجزأ من فائض القيمة، الذي يذهب إلى جيوب المستغلين، ومن أجل أن تستمر هذه الطبقات الفاسدة، والمستغلة في المجتمع، فإنها تعمل على فرض الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، عن طريق القوانين التي تصدرها، عن طريق تواجدها في المؤسسة التشريعية، التي لا تحمي إلا مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وإلحاق الأضرار الكبيرة بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يقعون تحت طائلة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.

والفساد الاجتماعي، يتكرس عن طريق هذه الطبقات البورجوازية، والإقطاعية الهجينة، التي لا تهتم لا بجودة التعليم، ولا بجودة الصحة، ولا بجودة السكن اللائق، ولا بالتشغيل الذي هو أساس الاستقرار في المجتمع، أي مجتمع، وفي أي دولة؛ لأن فساد الحياة الاجتماعية، هو الرهان الذي تراهن عليه الطبقات الثرية في المجتمع، الذي يخدم مصالحها، من ألف تلك المصالح، إلى يائها، نظرا لدور الفساد في إثرائها، وفي نهبها لثروات الشعب، المخصصة للجماعات الترابية، ولمختلف الوزارات، بالإضافة إلى الامتيازات الريعية، التي تنالها هذه الطبقات، من مختلف الجهات، التي تتحكم في منح تلك الامتيازات. الأمر الذي يترتب عنه استمرار التراكم اللا محدود في ثرواتها، التي تصير من الثروات اللا محدودة.

والفساد الثقافي، يقتضي من الطبقات الثرية، العمل على إفساد القيم، التي يتحلى بها الناس في المجتمع، والتي تقتضي من هذه الطبقة، الحرص على محاربة القيم الثقافية النبيلة، عن طريق محاربة الوسائل تمكنها من الاستمرار، والانتشار، ثارة عن طريق التشنيع، وأخرى عن طريق العمل على اختفائها، وبصفة نهائية، من الدولة.

وفي المقابل، فإن العمل على انتشار القيم الفاسدة، يقتضي دعم كل الوسائل، التي يترتب عن انتشارها، واستهلاكها، اعتماد القيم الفاسدة، التي تتفشى في القيم السائدة في المجتمع، حتى يصير المجتمع فاسدا برمته، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والفساد السياسي، الذي يمكن اعتباره أساسا لكل أنواع الفساد، مهما كانت، وكيفما كانت، يكون من شرط اعتماد الأحزاب السياسية الفاسدة في المجتمع؛ لأن قيام هذه الأحزاب، بدون إنتاج الفساد السياسي، فإنها لا تستطيع أن تنتج إلا الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، التي توظف جميعها، لخدمة ازدهار الفساد السياسي، الذي بدونه لا يكون هناك مبرر أصلا لوجود الأحزاب الفاسدة، التي يمكن اعتبارها امتدادا للنظام السياسي، الفاسد أصلا، حتى تعمل على تعبئة المجتمع، من أجل أن يصير فاسدا، ليتكرس القول: (كيفما تكونوا يول عليكم).

ومعلوم، أن النظام الفاسد، لا يحكم إلا المجتمع الفاسد، بما في ذلك الأحزاب السياسية الفاسدة، والمجتمع الفاسد، يتأطر من الأحزاب الفاسدة، لا يحكمه إلا نظام فاسد، (كيفما تكونوا يول عليكم).

أما الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي تحرص على إنتاج القيم النبيلة في المجتمع، وتسعى إلى تربية جميع أفراد المجتمع، مهما كانوا، وكيفما كانوا، فإنهم يعملون على التحلي بالقيم النبيلة، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تحرير الإنسان، وإلى تحقيق الديمقراطية، وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، ولأن هذه الأحزاب، تسعى إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، فإنها تحارب من قبل النظام الفاسد، ومن قيل الأحزاب الفاسدة، والمنتجة للفساد في المجتمع، على حد سواء، حتى لا تقوم بدورها، كما يجب.

وهكذا...، يتبين: أن التطور لا يكون إلا مرتبطا بالذات، وبالموضوع في نفس الوقت، والموضوع، لا يتطور، إلا بتطور الذات، والذات، لا تتطور، إلا بتطور الموضوع، وفي تفاعلهما الدائم. وتطور من هذا لنوع: (الذات ـ الموضوع)، يقوم على أساس طبيعة البنيات الاقتصادية، القائمة على أساس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية. والبنيات القائمة على نفس الأسس، والتي يجب الحرص فيها على تمتيع جميع الأفراد، بنفس الحقوق الإنسانية، وبحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والبنيات الثقافية القائمة على نفس الأسس، حتى تصير بنيات ثقافية سليمة، تقف وراء إنتاج الوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم الثقافية النبيلة، والبنيات السياسية القائمة، كذلك، على نفس الأسس، التي لا يمكن أن تكون إلا بنيات صحيحة، ولا تصير إلا في خدمة الكادحين، وبنية الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، التي تقتضي منا الحرص على سلامتها من الابتلاء بالفساد، الآتي من طبيعة المنتمين إليها.

وهذه البنيات، التي عالجناها في هذه الفقرة، ترتبط، بالضرورة، بطبيعة التشكيلة الاقتصادية، والاجتماعية القائمة، فإذا كان الغالب في التشكيلة، سيادة العبودية، كانت البنيات في خدمة الطبقة المستعبدة للجميع، في خدمة النظام المستعبد للشعب.

وإذا كانت التشكيلة ذات طابع إقطاعي، فإن البنيات المختلفة، تصير في خدمة الإقطاعيين، الذين يستولون على خيرات الإنتاج المادي للأرض، التي يشتغل فيها، من يمكن تسميتهم بعبيد الأرض.

وإذا كانت التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية رأسمالية، فإن بنياتها، تصير في خدمة الطبقة الرأسمالية، التي تستولي على فائض القيمة المادي، والمعنوي.

وإذا كانت هذه التشكيلة اشتراكية، فإن البنيات المذكورة، تصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ونظرا لأن التشكيلة، التي تغلب فيها العبودية، تراجعت إلى الوراء، وإن التشكيلة التي يغلب فيها الإقطاع، تراجعت هي، كذلك، إلى الوراء، فإن الصراع في هذا العصر، الذي نعيش فيه، يبقى ضد التشكيلة الرأسمالية وحدها، أو ضد التشكيلة الرأسمالية، وتحالفها مع بقايا الإقطاع، باعتبار الرأسمالية، لا زالت متجذرة في المجتمع، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

ونظرا للضعف الذي تعاني منه الأحزاب، والتوجهات المناضلة، من فرض سيادة التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الاشتراكية، فإن هذا النضال سيستمر كثيرا، وإلا، فإن هذا التحقيق المستعصي، لا بد أن يفرض تقوية الأدوات النضالية، التي لا تكون إلا صامدة، وإن صمودها، لا بد وأن يستجيب الواقع، لتحقيق الهدف من الصمود، الذي لا بديل له، إلا تحقيق الأهداف، حتى تتحقق التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الاشتراكية، التي تصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟