الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفريط النظام المصري بأمن مصر القومي في كامب ديفيد أغرى أثيوبيا لاحقاً للتطاول على أمن مصر المائي بدعم إسرائيلي

عليان عليان

2020 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تفريط النظام المصري بأمن مصر القومي في كامب ديفيد أغرى أثيوبيا لاحقاً للتطاول على أمن مصر المائي بدعم إسرائيلي
لم أفاجأ كغيري من المراقبين ،بإعلان وزير الخارجية الأثيوبي انتهاء المرحلة الأولى من ملء خزان السد ، وتبجحه بقوله :" النيل لنا ... كان نهر النيل والآن أصبح هناك بحيرة، ولن تتدفق مياهها نحو النهر...منها ستحصل اثيوبيا على ما تحتاج إليه من أجل التنمية.. "...تبعها تصريحات للعديد من المسؤولين الأثيوبيين ، بينهم رئيس الدولة " أن السد وصل الآن إلى نقطة اللاعودة".
هذا التصريح المتبجح والزعم بأن النيل لأثيوبيا ، ما كان ليصدر لولا الدعم الإسرائيلي لهذه الخطوة ، ولولا الدعم الأمريكي لها ، ولا يغير من واقع الصورة عدم توقيع أثيوبيا على "اتفاق واشنطن" ،رغم توقيع مصر والسودان عليه بالأحرف الأولى ، ولسان حال الإدارة الأمريكية يقول: " بإمكان أثيوبيا أن ترفض التوقيع ، وسنغطي موقفها سياسياً بدون أدنى إدانة له"... وليس أدل على ذلك، أن وزير الخارجية الأمريكي " مايك بومبييو لم ينتقد الموقف الأثيوبي إبان زيارته لأديس أبابا، معلناً بأنّ الاتّفاق الثّلاثي المُتعلّق بسد النهضة، الذي أعدّته حُكومته لن يوقع في موعده، وربما يستغرق الأمر عدة أشهر، مما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تستثمر الوقت لصالح أثيوبيا، وإدارة الظّهر للحليف المِصري ومطالبه العادِلة.
أثيوبيا وشراء الوقت في المفاوضات
لقد لعبتها الحكومة الاثيوبية جيداً ، ففي الوقت الذي جرت فيه مفاوضات ثلاثية برعاية جنوب أفريقيا ، كانت هذه الحكومة تستثمر الوقت في المفاوضات، وتتخذ الإجراءات الفنية والهندسية لملء سد النهضة، فقد أدلى سيليشي بيكيلي -وزير الطاقة والري الإثيوبي- في الخامس عشر من تموز / يوليو الجاري ، بتصريح "أعلن فيه فشل المُفاوضات الثلاثيّة التي انعقدت تحت مظلّة الاتحاد الإفريقي التي واستمرّت 11 يومًا بحُضور مُراقبين من الاتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكيّة ، وأنها بدأت عملياً بملء السد" .
وبعد التصريح المثير لوزير الري الأثيوبي ،وبعد أن التقط القمر الصناعي الأوربي مشهد المياه وهي تتدفق إلى السد ، راح رئيس الوزراء الأثيوبي " آبي أحمد"، ينفي ذلك زاعماً أن المياه التي تتدفق للسد هي مياه الأمطار ، " وأن موسم الأمطار الحالي وجريان المياه في الإقليم ساعد على الملء الأولي للسد، وفاضت المياه وهو مازال قيد الإنشاء".
لكن وزير خارجية إثيوبيا، غيدو أندارغاشيو، راح يعلن على رؤوس الأشهاد في مقابلة له في الثامن عشر من تموز الجاري مع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية ، أن بلاده ماضية قدما في ملء سد النهضة الشهر المقبل سواء بالاتفاق مع مصر أو دونه.
ورغم هذه اللعبة المكشوفة من الحكم الأثيوبي – الذي كان يناور في مفاوضاته ويعيد النقاش في كل لقاء إلى المربع الأول، ظلت مصر والسودان تراهن مرة أخرى على المفاوضات مجدداً برعاية رئيس جنوب أفريقيا ، وظلت مصر تراهن على الحل الدبلوماسي من خلال مجلس الأمن ، وفات النظام المصري أن يدرك بأن رأس مصر في سياق " الجغرافيا السياسية " يظل مطلوباً من قبل الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني.
التفريط بالأمن القومي شكل مدخلاً لضرب الأمن المائي
جذر المسألة في الموضوع المائي ، يعود لتفريط نظام كامب ديفيد في مصر ، بأمنه القومي الذي يبتدئ شرقاً بفلسطين مروراً بسورية وصولاً إلى جبال طوروس ، ويبتدئ غربا بليبيا مروراُ بتونس والجزائر وصولاً للمغرب العربي والمحيط الأطلسي ، ويمتد في الجنوب والجنوب الشرقي حتى السودان وشبه لجزيرة العربية وصولاً إلى باب المندب.
هذا التفريط جرى ترسيمه في اتفاقات كامب ديفيد 1978 ، وفي المعاهدة المصرية الإسرائيلية عام 1979 ، التي أعطت الأولية لهذه المعاهدة على كافة تعاقدات والتزامات مصر الأخرى ، ومن ثم فإنه في ضوء ارتداد نظام السادات عن نهج ثورة 23 يوليو في انقلاب (15) مايو 1971 وفي ضوء كامب ديفيد ، فقدت مصر استقلالها السياسي والاقتصادي الحقيقي، الذي بنته ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر .
وفي ضوء هذا الارتداد، أصبحت يد إسرائيل طليقةً في أفريقيا تسرح وتمرح فيها كما تشاء بعد أن كانت محرمةً عليها ، وبعد أن كانت أفريقيا في عهد عبد الناصر دائرة مركزية من الدوائر التي تعطيها الثورة أهمية استثنائية، من خلال منظمة الوحدة الأفريقية التي كان عبد الناصر أحد أكبر مؤسسيها، ومن خلال ما شكلته مصر كقاعدة ارتكاز لحركات التحرر الأفريقية ، ومن خلال قوة المثال لها في أفريقيا عبر عطائها المستمر بدون حدود ، بحيث بات عبد الناصر ينظر إليه في أفريقيا كقائد مخلص ، ويحظى بشعبية كبيرة جدا في أثيوبيا وفي سائر الدول الأفريقية.
باختصار شديد جداً ، فإن من يفرط بأمنه القومي ، من الطبيعي أن تتطاول عليه أثيوبيا وبدعم صهيو أميركي ، ليخسر أمنه المائي ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين الأمن القومي المصري العربي وبين الأمن الاقتصادي المائي.
وفي سياق الحديث عن التفريط بالأمنين القومي والمائي ، نستذكر زيارة السادات الأولى للكيان الصهيوني وخطابه في الكنيست الإسرائيلي1977 وطرحه مشروع "ترعة السلام"، والذي يهدف لنقل مياه النيل إلى القدس المحتلة، لتصبح "آبار زمزم الجديدة"، إذ أن الرئيس المصري غلّف مشروعه التطبيعي هذا بالقول : "باسم مصر وأزهرها العظيم وباسم دفاعها عن السلام تصبح مياه النيل، هي آبار زمزم لكل المؤمنين بالأديان السماوية الثلاثة"، متجاوزاً بذلك الاتفاقيات الموقعة عام 1929 وعام 1959 بين مصر ودول حوض وادي النيل والذي يُمنع بموجبها بيع مياه النيل لطرفٍ من خارج دول الحوض.
ورغم أن ما جاء في خطاب السادات حول " ترعة السلام" شكل استجابة لمشاريع صهيونية قديمة منذ مطلع القرن الماضي ، ولمشاريع إسرائيلية منذ خمسينات القرن الماضي بشأن جر مياه النيل للمستوطنات الإسرائيلية ، إلا أن " ترعة السلام" لم يجر تنفيذها جراء رفض الخبراء المصريين لتلك الترعة ، نظراً لمدى خطورتها على الأمن المائي المصري.
لكن الكيان الصهيوني استغل الظروف الناشئة بعد اتفاقات كامب ديفيد ، ليتغلغل في العمق الأفريقي من بوابة أثيوبيا ، وأريتيريا وجيبوتي ، وبحيث يكون له حضور جيوسياسي استراتيجي في البحر الأحمر، ما يمكنها من إدارة الصراع مع كل الأعداء الراهنين والمحتملين.
وفي هذا السياق نستذكر زيارة رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو للعاصمة الأثيوبية " أديس أبابا"، في يوليو/ تموز 2016 ، وخطابه أمان البرلمان الأثيوبي ، الذي تحدث فيه عن تاريخ العلاقات اليهودية الوثيق والمزعوم مع أثيوبيا ، والذي أكد فيه على دعم ( إسرائيل) لأثيوبيا لتستفيد من مواردها المائية"، لتتوالى بعد ذلك توقيع الاتفاقيات على غير صعيد بين الكيان الصهيوني وأثيوبيا ،في سياق تحالف استراتيجي في مواجهة كل من مصر والسودان .
لقد بات معلوماً ان مشروع سد النهضة، هو مشروع يقف ورائه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ،لإضعاف موقف مصر ودورها الاقليمي أكثر من قبل، رغم توقيعها لاتفاقات كامب ديفيد ، ولدفعها لتقديم تنازلات على الصعيد المائي من مياه النيل لصالح ( اسرائيل ) ، وبهذا الصدد نذكر بأن الإدارة الأمريكية - بعد أن اتخذ عبد الناصر قراره ببناء السد العالي واستثمار عائدات قناة السويس لبنائه بدعم فني ولوجستي هائل من الاتحاد السوفياتي - لجأت في مطلع ستينات القرن الماضي، إلى وضع دراسة لإقامة" سد النهضة الأثيوبي" لصالح ( إسرائيل)
ويذكر في هذا السياق، أن نقل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة، كان من أهم المشاريع المطروحة في المباحثات المتعددة الأطراف، التي عقدت في فيينا عام 1992، حيث تمسك المفاوضون الإسرائيليون بعدم التنازل عن ذلك، تحت ذريعة حاجة "إسرائيل" إلى المياه في المستقبل ومن ضمنها مياه النيل. ، وفي تلك المفاوضات أدلى أحد المفاوضين الإسرائيليين وهو دان سالازفسكي، بتصريح قال فيه" إذا كان أحد يقصد السلام، فينبغي ألا يجادل بشأن المياه". ( انظر عباس الزين ، هرتزل إلى نتنياهو وخلفيات الدور الإسرائيلي في سد النهضة)
أخطار ملء سد النهضة بدون انجاز اتفاق مع مصر والسودان
أخطار هائلة ستلحق بمصر والسودان ، في حال اكتمال ملء السد من مياه النيل الأزرق ، بحيث تصبح مقولة " مصر هبة النيل" في خبر كان ، كون مصر التي تبلغ حصتها في مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً ، تعتمد كلياً على مياه النيل في مياه الشفة والزراعة والصناعة والكهرباء ، وأن إنجاز ملء السد سيؤدي إلى تبوير ( 4) مليون فدان ، وإفقاد ( السد العالي) معجزة القرن وكل القرون، أهميته الاستراتيجية في النهوض بمصر ، على صعيد الطاقة والزراعة والصناعة ، ومن ثم فإن أي نقص في حصة مصر المائية هو بمثابة إعلان حرب على مصر التي يبلغ عدد سكانها الآن (104) مليون نسمة.
أما السودان الذي تبلغ حصته المائية من النيل 18.5 مليار متر مكعب سنوياً ، فسيتضرر كثيراً على صعيد الزراعة والمشاريع الزراعية الواعدة فيه.
ما تقدم يقتضي من الحكومتين المصرية والسودانية على وجه التحديد ، اتخاذ خطوات عملية للتصدي للمؤامرة الأثيوبية الصهيو أميركية ، ومن المشروع اللجوء للسياسة والقانون الدولي بهذا الشأن لوقف هذه الجريمة ، وإلا فإن العلاج لن يكون سوى الحرب ، كون القضية بالنسبة لمصر الكنانة تصبح قضية حياة أو موت ، فالجيش المصري الذي سطر بطولات هائلة في حرب تشرين، وفي الدفاع عن القضايا العربية ، قادر على الحفاظ على أمن مصر المائي ، إذا ما استنفذت المساعي الدبلوماسية.
انتهى

كاتب وباحث فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقولة - مصر هبة النيل- في خبر كان
هانى شاكر ( 2020 / 7 / 30 - 00:12 )

مقولة - مصر هبة النيل- في خبر كان
__________

الله يرحمك ياسمك إيه اللى كذبت علينا و قلت لنا إن مصر هبة النيل ... اظن اسمه كان هيرودوتس رضى الله عليه و ارضاه ... كان كذاب إرارى

اللى كشفه و فقسه كان عبد الناصر لما قال لنا (( مصر هبة الفول )) يوم خمسة يونيه 1967

و من يومها و احنا ملطشة اللى يسوى و اللى ما يسواش

حزنى على بلدى قائم الى اليوم الذى ننفض فيه عار الزعيم الخالد

....


اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل