الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الأغاني-.. ديوان العرب

سعدون هليل

2020 / 7 / 31
الادب والفن



هو ابو الفرج علي بن أحمد بن الهيثم بن مروان بن الحكم، ونسب أبي الفرج من ناحية أمه، فهو ينتسب إلى آل ثوابه، المعروفين في عصرهم بالكتابة والشعر، ولد أبو الفرج الاصفهاني سنة 897 م في أصفهان، ويقال انه بغدادي المنشأ والمسكن ومنهم من قال بسامراء، تعلم في الكوفة في فترة مبكرة من حياته وأخذ الحديث والتاريخ واللغة عن شيوخها الكبار، ثم رجع الى بغداد، وبدأ حياة عملية فاعلة، واتصل بشيوخ بغداد وعلمائها. وتوفي في بغداد سنة 967 م عن عمر يناهز السبعين بعد ان خلف ثروة أدبية كبيرة أشهرها كتاب الأغاني.
يحدثنا ابو الفرج في خطبة الكتاب عن منهجه فيقول: "هذا كتاب الفه ابو الفرج وجمع فيه ما حضره وامكنه جمعه من الاغاني العربية، قديمها وحديثها، ونسب كل ما ذكره منها الى قائل شعره وصانع لحنه وطريقته في القاع واصبعه التي ينسج اليها من طريقته، وأتى كل فصل من ذلك بنتف تشاكله ولمع تليق به وفقر اذا تأملها قارئها لم يزل متنقلاً بها من فائدة الى مثلها ومتصرفاً فيها. بين جد وهزل وآثار واخبار وسير واشعار متصلة بايام العرب المشهورة واخبارها المأثورة".
يعد كتاب الأغاني كنزا وذخيرة أدبية وتاريخية كبيرة، تصور لنا حياة العرب في الجاهلية والإسلام وكلا من الدولتين الأموية والعباسية، احتوى الكتاب على مئات من تراجم الشعراء والمغنين وعلى أخبار العرب وأنسابهم ووقائعهم، ولم يقتصر على الغناء وإنما زودنا بأخبار نحو 460 من الشعراء والمغنين والمغنيات والعشاق والغلمان والظرفاء وأخبار الخلفاء والقواد، ومن نبغ من أبنائهم وبناتهم في الشعر والغناء وأخبار العرب وكذلك أنسابهم وغزواتهم وأيضا وصف مآكل العرب ومشاربهم في بداوتهم وحضارتهم وذكر عشقهم وأنواعه ووسائل لهوهم وزواجهم. وكذلك يشتمل على تاريخية واسعة للأغنية العربية والشعر وعلى مدى خمسة قرون من القرنين الخامس ـ والسادس وحتى أوائل القرن العاشر ـ ولكن لا يحق وصف هذا الكتاب بانه بحث في تاريخ الاغنية العربية او الشعر. أما صفات أبي فرج الأصفهاني ففيها الكثير من التناقض، فهو من جانب لطيف المعاشرة والمنادمة طيب الحديث، ينجذب إلى الغناء وهو من جهة ثانية عبثي رث الهيئة سليط اللسان، وكذلك ما يحتوي من الشعر حينما يذكر أبياتا يتبين من نظمها ومن غناها ثم يستطرد بسرد حياة قائليها. وذكر الاصفهاني في كتاب الأغاني معظم أخبار العرب القديمة، ومغازي الرسول "ص" وشعراء الدعوة الاسلامية وعدد من الفقهاء والمحدثين وغيرهم كما لازم أبو الفرج عددا من كبار أئمة اللغة مثل:علي بن سلمان الأخفش وابن دريد العالم اللغوي الشهير.
كذلك تناول ابو فرج فضائح الخلفاء، وقام بالتشهير ببعض الشعراء والخلفاء ذاكرا عشقهم واستهتارهم وعكوفهم على اللهو والشراب. وضم كتاب" الأغاني" معلومات غنية تتعلق بالموسيقى وكيفية السبل في شرح الكيفية التي ينبغي ان تؤدي بها هذه الأغنية أو تلك وكيف يجري اللحن وكيف السبيل لعزف الموسيقى المصاحبة للغناء، ومدارسهما، وكذلك تراجم الموسيقيين والمغنين والشعراء، وذكر المدارس الشعرية وترجم للشعراء واحتوى انسابا وأخبارا جاهلية وإسلامية، فصور الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والفنية للعرب منذ الجاهلية الى العصر الأموي والعباسي، ويقال قضى ابو الفرج مدة خمسين سنة من حياته في تصنيف كتاب الأغاني فجاء في أربعة وعشرين جزءا في طبعاته الحديثة استعرض أبو الفرج مائة أغنية اختارها الموسيقيون في ألوان الغناء في العصرين الأموي والعباسي الأول، إبان حكم هارون الرشيد .كان يذكر الأبيات الشعرية والمغني واسم الشاعر واسم اللحن ويبدو ان الغناء عند العرب هو صورة واضحة لحياتهم الاجتماعية والسياسية والعقلية ويخطئ من يظن ان الغناء ضرب من اللهو. ويبدو لي ان مكانة الغناء في المجتمع العربي الاسلامي تعادل مكانة الشعر عند العرب.
ان كتاب الأغاني كما يقول عنه ابن خلدون هو "ديوان العرب" لهذا أحدث تأثيرا كبيرا في جميع طبقات المجتمع العربي والإسلامي فالملوك في الشرق والأندلس تنافسوا على اقتنائه. ومما يذكر في كتب التاريخ : ان أبا الفرج التقى بالمتنبي في مجلس الوزير المهلبي وكانت له معه مساجلة وكان يتردد على المجلس الذي قصده في بغداد أثناء مقامه فيها. وأيضا أن لأبي الفرج مجلسا معروفا يرتاده أصحابه من الادباء والكتاب ويقرأ عليه تلامذته ما كانوا يقرؤون.. وهنالك من يقول في كتب التاريخ أن أبا الفرج الاصفهاني متأثر باسحاق الموصلي شيخ المغنين في زمانه ويؤكد الاصفهاني انه هو الذي صحح اجناس الغناء وطرائقه وميزه تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله ولا تعلق به أحد بعده وكذلك أبو أحمد بن علي المنجم كان اديبا ناقدا ومتكلما معتزليا وعالما بالغناء والموسيقى.

ويقال ان ابا الفرج اخذ عنه المائة المختارة وكان له منهج واضح في كتاب الاغاني.. وأخذ كذلك عن ابي عبدالله محمد اليزيدي وروى أخبار عدد من الشعراء، وكان إماما في النحو والأدب، ونقل النوادر وكلام العرب، واخذ أيضا عن أبي جعفر بن جرير الطبري وروى عنه في معظم اخبار العرب القديمة ونقل عن مغازي الرسول"ص"وشعراء الدعوة الاسلامية وعدد من الفقهاء والمحدثين وغيرهم وتأثر بشخصية احمد بن جعفر البرمكي الذي كان أديبا بارعا.
وكتاب الاغاني لم يكن أول كتاب الف في هذا الفن، فقد الفت كتب عدة سميت باسمه منها كتاب الأغاني الكبير لإسحاق الموصلي وكتاب الأغاني للحسن بن موسى النصيبي ألفه المتوكل وقام باختصار كتاب الاغاني كتاب عدة نظرا لضخامة الكتاب وأهميته بطرق مختلفة ليسهل تداوله ومن أشهر تلك الكتب كتاب القاضي جمال الدين بن سالم وسماه "تجريد الأغاني من المثالب والمثاني" وكتاب ابن منظور "مختار الاغاني في الاخبار والتهاني" وللشيخ محمد الخضري تهذيب الأغاني وكذلك هذب توفيق الحكيم كتاب الأغاني وأصدره بأربعة أجزاء ومما يذكر ان للأصفهاني ما يزيد على الخمسين كتابا لم يتبق منها الا كتاب الأغاني وكتاب "أدب الغرباء" و"مقاتل الطالبيين" والأخير يعد من كتب التاريخ لايزال الباقي منها في حكم المفقود كما أشار الى ذلك ياقوت الحموي في كتابه الموسوعي "معجم الأدباء". قائلا " ولعمري ان هذا الكتاب الجليل القدر شائع الذكر جم الفوائد عظيم العلم جامع بين الجد البحت والهزل البحت. وقد تأملت هذا الكتاب وعنيت به وطالعته مرارا وكتبت منه نسخة بخطي في عشرة مجلدات ونقلت منه الى كتابي الموسوم أخبار الشعراء فأكثرت " ويقال إن أبا الفرج كتب بخطه نسخة اهداها الى سيف الدولة الحمداني في حلب فأعطاه ألف دينار ولما بلغ ذلك الصاحب بن عباد قال "لقد قصر سيف الدولة وانه يستاهل اضعافها فخزانتي تحتوي على ألف مجلد ما فيها سمير لي غيره" وروى صاحب "نفح الطيب" ان الحاكم المستنصر احد خلفاء بني أمية في الأندلس أرسل رسولا الى الاصفهاني ومعه الف دينار من الذهب وخاطبه يلتمس منه نسخة حسنة ومنقحة.

اما مؤسس علم الاجتماع المؤرخ ابن خلدون في المقدمة فقد قال:(هو ديوان العرب وجامع اشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال ولا يعدل به كتاب آخر فيما نعلمه وهو الغاية التي يسمو اليها الأديب ويقف عندها وأني له بها ".
ويشير ابن الجوزي في كتابه المنتظم ، في قوله عن أبى الفرج: انه كان متشيعا ولا يوثق بروايته فانه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ويهوى شرب الخمر وربما حكى ذلك عن نفسه .
وكتب ابو بكر ابن العربي عن هذا الكتاب "جليل القدر كثير العلم، لم يؤلف مثله قط وانما اضل به اسمه الاغاني" ولو اسماه قلائد المعاني وشرائف المباني لكان اولى، ويضيف "ان قصد ابي فرج من هذه التسمية الى معنى الاشعار وهو المعنى العريق للاغاني لدى العرب" وهناك الكثير من المستشرقين ممن ذكروا الكتاب منهم المستشرق "فارمر" صاحب كتاب "دراسة في مصادر الادب" الذي قال: ان كتاب الأغاني يعد من الطراز الأول للتأليف الأدبي لدى العرب وقد انفق فيه مؤلفه الجانب الاكبر من حياته. وفي موسوعة دائرة المعارف ترى ان كتاب الاغاني لا يعتبر اهم مرجع للتاريخ الادبي الى القرن الثالث فحسب، بل يعتبر كذلك اهم مصدر للتاريخ الحضاري. وهنا اتذكر حوارا قديما مع المفكر وعالم الاجتماع المعروف جاك بيرك في مجلة "الحوادث اللبنانية" عندما سئل ماذا يقرأ بيرك قال: انظر الى هذه المجلدات التي لم تفارقني ابدا، يقصد كتاب الاغاني.. اليوم نحن نعتقد ان كتاب الأغاني مازال يستحوذ على إعجاب الكثير من الأدباء والمفكرين في العالم وأصبح مرجعا لكل باحث في الثقافة العربية والإسلامية عامة.

ومن المؤكد ان ثمة حاجة كبيرة لدى قرائنا لان يطلعوا على ما تضمنه كتاب الأغاني من أخبار ثقافية وفنية وأشياء طريفة والأولى ان تقوم وزارة الثقافة بطبع الكتاب اسوة بدور النشر العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق