الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«الطير الهيمان» وداعًا

فهد المضحكي

2020 / 8 / 1
الادب والفن


رحل أحد أبرز نجوم الأغنية البحرينية والخليجية.. رحل الفنان الوفي للقضايا الوطنية والقومية والفن الراقي المعبِّر عن قضايا المجتمع والإنسان.

كان سلمان زيمان وفيًا مخلصًا يحمل الأعباء دون كلل ولا تأفف، كان الكتمان على الوجع والصمت على الجراح أبرز صفاته.

علاقته بالموسيقى كما رواها لـ«الجريدة» الكويتية (يونيه 2017) بدأت مبكرة جدًا كان يجذبه صوت الإيقاع، ولعل طبل «القرقاعون» بشكل خاص يتم صنعه في شهر رمضان أشعل بداخله حب الفضول والتمسك بهذه الآلة، حيث تابع بشغف كيفية صنع هذه الإيقاعات ودبغ جلودها وربطها، ما شكَّل ذلك علاقة بينه وبين الإيقاع. طلب في أحد الأيام من والده أن يشتري له طبلة اذا نجح في الأول إعدادي، وحقق أمنيته بعد أن اصطحبه معه إلى سوق المنامة ليشتري «طبلة أم قمرين» وكانت أول آلة موسيقية يمتلكها، وبعد مرحلة لاحقة جمع مبلغًا من المال لشراء الغيتار.

بو سلام الذي أصبح نجمًا ساطعًا في سماء الفن المعبِّر عن الإنسان والصمود الفلسطيني في وجه الكيان الصهيوني كانت رسالته الفنية والإنسانية راقية مصدرها الإبداع والالتزام.

إنه واحد من الفنانين الكبار والأب الروحي لفرقة أجراس التي كانت في ثمانينات وتسعينات من القرن الماضي صوتًا متميزًا تنشر على شرفتها أداءً متوهجًا عذبًا عاشقًا للحب والطفولة ورائحة الزرع والبحر وطيور النورس المحلقة على الضفاف البعيدة.

قبل عقدين تقريبًا أجريت معه حوارًا نشر في إحدى الصحف المحلية قلت له متسائلاً: فرقة أجراس التي افتقدناها زمنًا هي ليست أي صوت عابر.. بل هي ذلك النغم المبدع الذي اصطحبنا طيلة مساءات دافئة.. هي الكلمة الجادة والانتماء الحقيقي للفن، هي محطة متميزة تتفاعل في ظلها أغاني الحب والسلام والمرأة والربيع.. فهل تدق أجراسها ثانية؟.

في حينها تحدث بو سلام عن الكثير من السلبيات التي تعترض طريق الفرقة من بينها التمويل المالي الذي تفتقده للمشاريع الفنية، وغياب الاهتمام الرسمي القائم على الفن والموسيقى، وبهذا المعنى يرى أن فرقة أجراس ثروة وطنية يجب الالتفات إليها من حيث الإنتاج والتوزيع والتسويق والإعلان، وأن تُعطى وغيرها من الفرق والفنانين مساحة كبيرة من الإعلام المرئي والمقروء والمسموع لأنه هو في نهاية المطاف فن بحريني، هو جزء من وجدان الناس الذي تخلقه الموسيقى، إضافة إلى كونه تراثًا وطنيًا ينبغي منحه فرصة الانتشار والتقدم والتطور، لذلك الاعتناء بالفنان البحريني ضرورة لأنه يقدم ويعطي رغم انشغاله بتوفير لقمة العيش وضنك الحياة أسوة بأفراد المجتمع.

عندما نتحدث عن «بوسلام» صاحب القيم والمبادئ الفنية، نتحدث عن قامة فنية وعن أداء معبِّر عن مخزون ثقافي واجتماعي يغوص في أعماق الإنسان.. نتحدث عن فنان ترك بصماته الفنية والإنسانية في الوجدان والذاكرة.

رحل «الطير الهيمان» وترك وراءه إرثًا غنيًا من الفن المعبِّر عن تجربة خصبة عنوانها حب الحياة وعن قصائد شديدة العذوبة وأعمال فنية من بينها اللون العدني وأخرى رائعة مثل «أبو الفعايل» و«أم الجدايل» و«الطائر الهيمان» و«هيفاء» «ولي في ربوع الشمال» و«يا بوعلي» وغيرها.

يقال ما أكثر لحظات الفقد في حياة الإنسان وما أشد تنوع هذه اللحظات، قد تفقد شيئًا أو تفقد علاقة أو تفقد إنسانًا صديقًا أو قريبًا. ويفجر هذا الفقد في نفوسنا أحزانًا غائرة أليمة.. هكذا كان الإحساس فقد «بو سلام» وغيره ممن فقدناهم؟.

كان بو سلام الرجل النموذج الذي لا يكتفي بالقول، لا يتوقف عن العمل فيجئ عمله مصداقًا لقوله ويجئ قوله تأكيدًا على عمله، كان إنسانًا صلبًا في دفاعه عن الحق في زمن زعزعته القيود على الحرية، وحب الذات والنرجسية والإغراءات المميتة وإعدام الرؤيا واللهث وراء قوى مشاريعها ظلامية!.

إذا كان من أبرز اهتماماته القومية القضية الفلسطينية التي سخَّر فنه لها، فإن دعمه لهذا القضية وكذلك فرقة أجراس توجه ببحث عنوانه «فلسطين في أغانينا» تحدث فيه عن الأبعاد الوطنية للأغنية الفلسطينية المتدفقة بإبداعات موسيقية تحكي حكايات عن الأرض والمقاومة والصمود، وعن قلوب تعشق الحرية والسلام في من يضج بالمتاجرين بالقضية الفلسطينية من بعض الأنظمة والإسلام السياسي، وعن مأساة شعب بين التشرد وزنازين الاعتقال، وعلى الجدران كتب أجمل القصائد عن الحرية والحب والحرمان وأشجار الزيتون والبرتقال.

وعن فضاء الأغنية الفلسطينية المسكونة بالحلم والموروث والأسطورة الشعبية كتب عن هذه الأغنية من حيث مراحل تطورها ومنعطفاتها المتلازمة لانعكاسات ومنعطفات سياسية تعرضت لها فلسطين كأرض وشعب خلال القرن الماضي وتحديدًا وعد بلفور عام 1917 ثم تبعتها محطة ثانية عام 1936 مع ثورة الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني وضد العصابات الصهيونية.

لقد لعبت الأغنية دورًا كبيرًا إلى جانب طرق وأساليب المقاومة الأخرى في تضميد الجراح حينًا والتحريض على الصمود والمقاومة والثورة في كل الأحيان، هذا ما أشار إليه، وأشار ايضًا إلى أن أهم ساحات المعركة المصيرية للشعب الفلسطيني هي ساحة الموروث الثقافي والفني والفلكلور الشعبي، لذلك برزت في هذه الساحة مجموعة فرق حملت راية النضال الفني ومقاومة كل ما يهدد اندثار المأثورات الشعبية المتنوعة لهذا الشعب.

في البحرين تفاعلت الفنون مع القضية الفلسطينية منذ النكبة، لقد بدأ الفن الغنائي يتفاعل مع القضية الفلسطينية مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من خلال الحفلات والمهرجانات التضامنية من بينها فرقة أجراس التي أنتجت عام 1981 ألبومها الأول «أمنيات أطفال» إلى جانب أغاني «عشق السلام» و«أنا طفل فلسطيني»، وفي عام 1982 قدمت مجموعة من القصائد الجميلة كان محورها فلسطين لمحمود درويش وأبو القاسم الشابي وسميح القاسم وتوفيق زياد.

رحل بو سلام ولا نملك إزاء سطوة الموت إلا أن نحب الحياة أكثر ونهتف كما يقول أحد الأدباء تحيا الحياة.. وأن نواصل الرحلة دون بعض الذين أحببناهم لا لأنهم قريبون منا فحسب، لكن أساسًا لأنهم تعاملوا مع رسالتهم بجدية وشرف وتفانٍ وجمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة