الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطفى الفقي وخطاب الاستلاب

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2020 / 8 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


بين الخطاب القومي وأنصار المرحلية

د.مصطفى الفقي هو أكاديمي وسياسي وكاتب مصري معروف، يشغل حاليا منصب مدير مكتبة الإسكندرية، وشغل من قبل العديد من المناصب السياسية والدبلوماسية الرفيعة، بزغ نجمه شابا مبكرا في الحقبة الناصرية وألف العديد من الكتب، منها "تجديد الفكر القومي" في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي الذي حاز جائزة الدولة التشجيعية ونال انتشارا واسعا، ومن ضمن مناصبه السياسية عمله سكرتيرا للمعلومات للرئيس مبارك وفي العديد من المناصب الدبلوماسية خارج مصر، لكن على مستوى المواقف السياسية يبدي الفقي مرونة شديدة قد يصفها البعض بالتقلب والتكيف مع النمط السائد في السلطة واختياراته أيا كانت، وهو ما قد يجعل البعض يصفه أيضا بأنه من أنصار فريق "المرحلية" والوعي بضروراتها، أي أنه قد يستخدم حجية السياق التاريخي وظروفه لمرحلة ما من حياة مصر السياسية، ليبرر اختيارات سياسية بعينها، وفكرة المرحلية وضروراتها وفرضياتها ستكون هي مدخل مصطفي الفقي لدعم خطاب الاستلاب ودعاته.

موقف بيني من يوسف زيدان

بالملاحظة سنجد أن مصطفي الفقي كسياسي محنك؛ لم يدعم خطاب الاستلاب المباشر والمبكر الذي خرج به يوسف زيدان وحاول الوقوف على مسافة منه دون أن يدينه تماما أو يدافع عنه تماما، حيث في مرة في تصريحات لموقع مصراوي "طالب الدكتور مصطفى الفقي، رئيس مكتبة الاسكندرية، بضرورة الحياد أثناء كتابة التاريخ أو تناوله في الأبحاث، مؤكدًا أنه لا يوافق على كثير من آراء الدكتور يوسف زيدان ولكنه: ليس مع ذبحه وتقطيع فروته في كثير من الأحيان"، وكان ذلك في نهاية عام 2017، لكن موقفه الواضح من خطاب الاستلاب في مواجهة صفقة القرن ومحاولة تمرير وطأتها سيظهر في بداية عام 2020م، حينما تصبح السياسية الأمريكية واضحة وظرفا ضاغطا من وجهة نظر البعض، خاصة عندما تم تصعيد ملف سد النهضة بالوساطة الأمريكية وتخاذل الأمريكان في رد الفعل تجاه انسحاب الأثيوبيين من المفاوضات التي كانت ترعاها أمريكا في بداية عام 2020، وتواكب ذلك مع وصول خطة القرن لمرحلة ضم أراضي من الضفة الغربية، بعد ضم القدس ونقل السفارة الأمريكية لها في وقت سابق.

داعما لمراد وهبة
بطرحه الكلي لفلسفة الاستلاب

هنا سيدخل مصطفى الفقي داعما لخطاب الاستلاب، من زاويته التاريخية الخاصة به ووفق مبررات "ضرورات المرحلة" وفرضياتها، كما أنه سيدعم خطاب الاستلاب من خلال شخصية أكثر ثقلا دعمت الاستلاب بخطاب فلسفي عام وظهرت أيضا في نهاية 2019 وبداية 2020م، وهي شخصية د.مراد وهبة الذي قدم موجة جديدة من خطاب الاستلاب بمبررات فلسفية كلية، واضحة الموقف من الذات العربية وحتمية الانسلاخ عنها لصالح الذات الصهيونية/ الغربية وخطابها وروايتها للأحداث، التي ربطها مراد وهبة بفكرة العلمانية الأوربية وضرورة تبنيها في مواجهة ما قدمه على أنه تمثل كلي ورئيسي للذات العربية من خلال الأصولية الإسلامية، وذلك حين كتب مقالة في جريدة الأهرام في فبراير من عام 2020م، داعما فيها أطروحة مراد وهبة بعنوان: " مراد وهبة وأم العلوم"، حيث كانت المقالة مدحا عاما في مراد وهبة بمناسبة عيد ميلاده لكنها كانت مدحا خاصا وموقفا واضحا فيما يتعلق بخطاب مراد وهبة الجديد، تجاه الصراع العربي الصهيوني وصفقة القرن وفق الخطاب السياسي المحنك الذي يستخدمه د.مصطفى الفقي بالطبع، والملاحظ أن المقالة نشرت في اليوم نفسه ملاصقة لمقالة مراد وهبة الشهيرة بالجريدة ذاتها (جريدة الأهرام)، التي أعلن فيها دعمه الواضح لصفقة القرن، وكانت المقالة تحت عنوان "أبوديس عاصمة لفلسطين"، وكأن الرسالة الإعلامية واضحة من خلال مضمون مقال مصطفى الفقي ومقال مراد وهبة. وفي السياق نفسه تأتي مقالة نشرها في الفترة ذاتها وقبلها بأسبوعين تقريبا، إبراهيم سعد الدين في جريدة المصري اليوم، بعنوان : "تحية إلى مراد وهبة.. رسول العلمانية والتنوير فى مصر"، وكأن تيار الاستلاب يشد أذر بعضه بعضا.

التناقض بين تجديد الفكر القومي
ووصفه بالأصولية دون بيان لوجهها!

في هذه المقالة التي كتبها مصطفى الفقي في جريدة الأهرام عدة نقاط تؤخذ عليه عموما، بالإضافة إلى دعمه خطاب مراد وهبة عن الاستلاب، أبرز ما يؤخذ عليه في هذه المقالة بداية هو تناقضها مع بعض كتاباته التي تميل للفكر القومي والعروبي خاصة في كتابه "تجديد الفكر القومي"، عندما وصف القومية بالأصولية دون أن يقدم بديلا واضحا لتلك الأصولية؛ سوى الانتصار لخطاب الاستلاب عند مراد وهبة! لكن "النمط السياسي" لـ د.مصطفى الفقي يشي دوما بفكرة "المرحلية" وضروراتها التي قد تبيح الكثيرمن المحظورات أو المواقف الفكرية، ليكون أول ما نرصد في مقالته تلك هو فكرة ارتباك المرجعيات أو ربما ما قد يسميه البعض تشوهها، حين قال الفقي في المقالة: "لذلك كان من الطبيعي أن يكون مراد وهبة قلقا من الأصولية الدينية، وقلقا أيضا من الأصولية القومية، وهو يظن أن حركات التحرر الوطني ، وفي مقدمتها حركة الشعب الفلسطيني، لا يجب أن تخلط مطالبها المشروعة بحجج دينية أو أفكار أصولية"، وفي هذه الفقرة مغالطة حين يتحدث عن الشعب الفلسطيني في سياق حركات التحرر الوطني، ويصف الأبعاد القومية أو الدينية لحركة التحرر تلك بالأصولية، فهو هنا يسند الكلام عن الأصولية كمبرر وتمثل سلبي، لمراد وهبة الذي نرى في طرحه للعلمانية تصورا واضحا للعلمانية العربية، ضد فكرة التحرر الوطني نفسها التي طرحها مصطفى الفقي، فمراد وهبة مواقفه العلمانية معلنة من الذات العربية، حين يرى في الاحتلال فرصة لتطور الذات العربية، ولم يقدم الطرح أو التخريجة أو النتيجة التي أراد مصطفى الفقي الخروج بها عن مركزية فكرة "التحرر الوطني"، هنا لم يستطع خطاب مصطفى الفقى أن يسعفه ليوظف فكرته عن "المرحلية" في سياق دعمه لخطاب "الاستلاب"، لأن خطاب الاستلاب عند يوسف زيدان ومراد وهبة يقطع كل الطريق على "المرحلية" في الفكر السياسي العربي، ويجزم بكلية إلحاقها بالآخر الصهيوني والغربي.

الاحتلالي العلماني والاحتلال الأصولي

في سياق المقالة نفسها حاول مصطفى الفقي تعميم ثنائية الأصولية والعلمانية والجدل بينهما في الحالة العربية كتمثل كلي كما طرحه مراد وهبة، وكأن وجود جماعة الإخوان كممثل للأصولية كما يطرح مراد وهبة، هو مبرر لقبول الرواية الصهيونية في شكلها العلماني، وكأننا نقبل بالاحتلال العلماني التقدمي -كما يقول مراد وهبة- ونرفض الاحتلال الأصولي الذي تمثله الصهيونية الدينية! ووقع في خطأ التعميم أيضا الذي وقع فيه مراد وهبة حينما اعتبر المشروع الصهيوني مشروعا دينيا وفقط، في حين انه كان في سياقه أحد إفرازات مرحلة الحداثة الأوربية عموما، وحمل كل تياراتها الماركسية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية والدينية، فكانت مقاربة مصطفى الفقي لثنائية الأصولية والعلمانية تعميما منقولا عن مراد وهبة دون تدقيق كافي، وذلك حين قال: "إن الأصولية الدينية قد أفرزت مشروعين كبيرين منذ بداية القرن العشرين حتى الآن، وهما المشروع الصهيوني الذي يستخدم العقيدة اليهودية... وعلى الصعيد الآخر فإن المشروع الثاني هو ميلاد جماعة الإخوان المسلمين.."

بحثا عن خطاب استعادة الذات ومتطلباته
لا خطاب الانسلاخ عنها والاستلاب للآخر

يكون السؤال الأكثر إلحاحا الآن على دعاة خطاب الاستلاب عموما، وتبرير الاضمحلال الحضاري والانسلاخ عن الذات العربية، هل قبل الآخر كنموذج أعلى/ متفوق/ مطلق/ مقدس تطرحونه على الذات العربية، هل قبل بالخضوع وبكم تابعين!؟
بعد أكثر من خمس سنوات من خروج يوسف زيدان بخطاب الاستلاب للمرة الأولى منذ خمس سنوات، في نهاية عام 2015، نجد ذلك الآخر الغربي الحداثي الصهيوني العلماني التقدمي العظيم، يطوقك من كل الجهات ويضع صنبورا على مياه النيل بأثيوبيا، في أكبر تهديد للوجود المصري عبر التاريخ، ويضيق الخناق عليك غربا وشرقا وشمالا، بصفقة القرن وبالملف الليبي وبإشعال جبهة شرق البحر المتوسط.
لقد اخطأ البعض داخل المؤسسة المصرية في استشراف المستقبل وسيناريوهات مواجهته، حين طرح خطاب الاستلاب كحل مقترح للظرفية التاريخية الحالية ومرحليتها، ولم يسمعوا لكثير مما حذرنا منه إلا في بعض الأحيان وقبل أن يورطهم دعاة الاستلاب ويجروهم للهاوية العميقة. والأولى الآن أن تعود مصر لضبط مصادر قواها الناعمة ووضع السياسات الداخلية والخارجية الكفيلة بتحقيق ذلك واستعادة ذاتها، لأن القوة الخشنة أو الصلبة (المدنية والعسكرية) دون قوة ناعمة جاذبة للآخر الإقليمي أو الدولي، تساوي صفرا كبيرا لن يقل عن صفر المونديال الذي تحقق قديما في واقعة شهيرة.
مصر في حاجة لخطاب استعادة الذات والبحث عن فكرة مركزية تكون مصدرا للقوة الناعمة لها، بعد أن فشلت مقاربة أو سيناريو خطاب الاستلاب كحل متخيل لعبور الاستهداف الأمريكي والصهيوني للمنطقة، في ظل حالة انعدام التوازن الفكري وغياب الاختيارات الواضحة بعد ثورة 25 يناير العظيمة، التي تعد في تصوري المعرفي والاستشرافي أهم مصادر القوى الناعمة للحالة المصرية، شرط تجاوز دعاة خلق الاستقطابات والتناقضات، والعمل لاستعادة "القيم الأساسية" للمجتمع المصري وفق "مستودع هويته".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف