الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المسألة الناصرية 3 من 3 ---- إرث الحقبة الناصرية

حجاج نايل

2020 / 8 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


عندما اطلق جورباتشوف الرئيس الروسي السابق ، في نهاية الثمانينات صرخته حول ما يسمي بالجلاسنوست والبيروستريكا ، وتساقطت بعد ذلك دول المعسكر الاشتراكي واحدة تلو الاخري ، كاوراق الشجر في الخريف ، سارعت الكثير من القوي والتيارات الماركسية حول العالم ، الي إجراء المراجعات الفكرية والنظرية ، وصدرت في هذا السياق الالاف من الكتب والحوارات والاوراق حول هذه المراجعات ، ويحضرني هنا في هذا السياق ماورد في مؤلف الصديق الدكتور عبد الحسين شعبان في كتابه تحطيم المرايا ، وهو مراجعات للماركسية وتطبيقاتها ، فقد جاء فيه" بعد كل هذه التحولات الخطيرة، التي ضربت العالم بجناحيه الاشتراكي والرأسمالي، يحق للمفكر أن يناقش كل ما كان يعتبر من الثوابت الأيديولوجية و يرى أن الماركسيّة وصلت إلى الشرق معلّبة وألغت الخصوصيّة الفرديّة بذوبان الفرد في الجماعة وفرضت تراتبيّة عموديّة ،عندما احتكرت الحقيقة وألغت الآخر، فمثلت وجهًا آخر لدولة الدين التي تدّعي العصمة، وكانت الماركسية مشبعة بالاصطفائية واحتكار الحقيقة المطلقة والإدعاء بتفسير كل شيء في العالم، الأمر الذي جعلها إيديولوجيا ميتافيزيقية ولاهوتاً جديداً بوصفه يحمل خلاصاً للبشرية عن طريق سيطرة طبقة البروليتاريا المنقذة للمجتمع ، والماركسيّة التي حكمت بوصولها إلى السلطة هي غير ماركسيّة ماركس، وستكون ماركسيّة القرن الحادي والعشرين بعيدة عن ماركسيّة القرن العشرين، وقريبة من ماركسيّة القرن التاسع عشر في ظل الثورة العلميّة التقنيّة والتطوّر التكنولوجي للإعلام والاتصالات ،وتتجسد معضلات الماركسية نصاً وممارسة من خلال الموقف من الديمقراطية والدولة والحزب، حتى نظرت الماركسية إلى الديمقراطية بوصفها حيلة بورجوازية تستخدمها الطبقات الحاكمة لخداع الشعب وضمان السيطرة عليه، واستبدلتها بمقولة «ديكتاتورية البروليتاريا» المعبرة عن الديمقراطية الشعبية الحقيقية، وهي مقولة مسؤولة إلى حد كبير عن الديكتاتورية التي اتسمت بها جميع الأنظمة الشيوعية والاشتراكية" "

هذا نموذج لتلك المراجعات في عالمنا العربي من جانب التيارات الماركسية ، الي جانب اجتهادات اخري في افريقيا واسيا والغرب وامريكا اللاتينية ،علي الجانب الاخر لم اسمع او اقرا اجتهادا واحدا او بحثا او دراسة او حتي حوارا لأحد أعلام الفكر الناصري، ( اذا كان فكرا بالاساس ) ان قام بمثل هذه المراجعات سواء علي المستوي النظري او التطبيقي ، وبرغم قناعاتي الكاملة بأن الناصرية ليست فكرا او نظرية سياسية يمكن إجراء بعض المراجعات عليها ، إلا انه وفي إطار انها تجربة حياتية وممارسة عملية وخبرة سياسية ، لزعيم فرد ترواحت إنتمائاته وميوله السياسية والايدلوجية يمينا مع جماعة الاخوان المسلمين تارة ويسارا مع الاحزاب الشيوعية والاشتراكية تارة ثانية ولا انتماء لأي ايدلوجيات ونهج سياسة عدم الانحياز ومن الحياد الايجابي تارة ثالثة ورابعة وخامسة ، كان يجب علي مفكري وجهابذة الناصرية وخلال 68 عاما تطويرهذه التجربة ، بما يتوائم ويتوافق مع ما يشهده العالم من موجات وطفرات فائقة السرعة ، لكن وعلي النقيض من ذلك ما حدث هو قيام الناصرين كل الوقت لضبط هذه الموجات السريعة من التطور علي الموجة الناصرية وعلي اداء الزعيم الخارق كمن وضع العربة امام الحصان وتعاطي مع الحاضر والمستقبل بثوب الماضي المرتق ، ناهيك عن إنكار وإدانة وشجب هذه الموجات والطفرات المتلاحقة والسريعة ، لانها لا تطابق ماجاء في التجربة الناصرية ولا تتوافق مع السلحفاء السياسية لستينات القرن الماضي ، ومن الناحية العملية حين افكر كيف يمكن للعقل الناصري مراجعة وتقييم التجربة الناصرية لالحاقها بقطار الواقع الراهن فلا أجد سوي الميثاق وهو المادة العلمية الوحيدة فيما يسمي بالناصرية ، فماهو باقي المحتوي الذي يجب تطويرة ؟؟ وماهي المادة التي ينبغي ان تعتمد عليها هذه المراجعات ؟؟ ماهو البرنامج السياسي والاقتصادي المنوط بهم مراجعته ؟؟ هل مثلا سيصنعون اقتصادا قائما علي تاميم القطاع الخاص ؟؟ هل سيقومون بتوزيع جديد للاراضي الزراعية ؟؟ هل سيقوم اقتصاد الدولة الناصرية علي دعم القطاع العام ؟؟ ماهو موقفهم من الاقتصاد الكلي والجزئي ؟؟ والحقيقة لازلت حائرا هل تطوير التجربة الناصرية علي الصعيد الاقتصادي سيؤدي الي اقتصاد السوق Market Economies ؟؟ ام سيؤدي الي الاقتصاد المخطط Planned Economies ؟؟ ام الي الاقتصاد المختلط Mixed Economy ؟؟ وفي جميع الحالات هذه انواع من الاقتصاد لا تمت للناصرية بصلة ولم يبتدعها الفكر او التجربة الناصرية ، اذن اين جديد الناصرية في هذا الشأن ؟؟ وايضا فيما يتعلق بتطوير برنامج الناصرية السياسي الي اين يقودنا هذا التطوير او المراجعة ؟؟ الي اي نوع من الانظمة السياسية هل سنبحث عن كاريزما ناصرية اخري ام سنسخ ناصريين يشبهون الزعيم عن اي نظام سياسي نتحدث ؟؟، رئاسي ،او وزاري، نظام تعددي، ام نظام الحزب الواحد، نظام الانتخابات ام الاستفتاءات ،هل هناك برلمان ام حزب حاكم؟؟ ما هي الاليات السياسية التي تضمنتها الناصرية في ابداع وخلق برنامج سياسي جديد وخاص بها كنظرية سياسية ؟؟ كما يدعون ونحن لسنا علي علم بها وكل ما سبق هو نتاج للتجارب السياسية والانسانية ، وناصر استلهم بعضها وفقا لمعطيات الظروف الموضوعية، ولم يبتدع شيئا جديدا في هذا الصد لكن ربما يقوم احد عتاه الناصرية بتطوير هذه التجربة لكن كيف وبأي منهج ؟؟، ربما سيفاجئنا بما لاتدركه عقولنا البائسة في عبقرية التجربة الناصرية.

ولهذا العتي الذي سوف يخاطر بمهارة علماء الفسيفساء لتطوير التجربة الناصرية ليبحث فيما تبقي لديه الان، لن يجد سوي ذلك الارث الدميم المشوه من الحقبة الناصرية ،وهم حكام وسلاطين اليوم فهم بالفعل الامتداد الفزيقي والتاريخي لقيادات انقلاب يوليو ، وبنفس المقاربة المتمثلة في عسكرة المجتمع المصري منذ 1952 وحتي الان، فلقد تركنا الاب الروحي والعراب كالدمي والملكيات الخاصة لجنرالات القوات المسلحة علي كافة الاصعدة والمستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولا ابالغ حين ازعم والثقافية والفنية والاعلامية ايضا الارض والبشر والحجر ادوات وقوالب يحركها المستعمر العسكري الجديد في نوع من الاستعلاء والتمايز القائم علي كافة اشكال التمييز والتسلط ، يحتقرون كل ماهو مدني ،ويهمشون عمالقة الفكر والسياسية من المدنيين ، بل ويضعوهم في السجون والمعتقلات ، ويتبأون السلطة والنفوذ في المحليات والمدن والمحافظات والشركات القابضة وقطاع الاعمال والوزرات وكل المرافق، وهم في ذات الوقت فوق القانون والدستور، ولا يدفعون الضرائب وفوق الجمارك وفوق الموازنة العامة للدولة ويحصلون علي كل وكافة الامتيازات المادية والسلطوية علي 100 مليون مصري وهم في حقيقة الامر 11 عضوا في المجلس العسكري لا يمتلكون الخبرات السياسية والاقتصادية اللازمة لادارة البلاد، لقد استطاع هذا المخلوق الفذ جمال عبد الناصر ان يعسكر حياتنا وافكارنا وسلوكنا وثقافتنا وغرف نومنا بالكامل، وان يسلمنا كإرث او وقف او هبة لمجموعة الجنرالات ، الذين تضخموا وتعاظموا خلال العقود المنصرمة حتي اصبحوا طبقة اجتماعية واقتصادية قائمة بذاتها ان جاز التعبير تسيطر علي غرف التلفاز ومطابع الصحافة وتشرع لترسانة من القوانيين الاستثانية والعرفية والطواريء ، وكانت المقاربة القديمة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والمقاربة الحديثة لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة الارهاب ، فهم قادمون علي ذات الارضية التي أسس لها انقلاب يوليو 1952 والمستمدة شرعية حكمهم للبلاد منذ ذلك التاريخ ، ونجحت هذه الطغمة بلا منازع في زراعة الخوف والهلع والرعب بين جماهير الشعب المصري بمختلف قطاعاته ، وسادت وشاعت اساطير القمع والموت والتعذيب واحتكار الوطنية وكل مختلف او ناصح في غياهب السجون والقاء البشر خلف نيران الشمس المحرقة ،واستمرارا لابداعات ذلك الارث المقيت انهارات الانجازات المحدودة للحقبة الناصرية ، لانها كانت تدار وفق العقلية الناصرية الفردية الغير مؤسسة والتي تحتقر المؤسسات والمشاركة والحريات الاساسية للمواطنيين ، ويتضخم الارث يوما بعد يوم فقديما خسرنا الارض في حروب هزلية تأسست فيها الهزيمة واحتلال الارض علي شخصنة الدولة والاداء العسكري الهزلي من اجل الصداقة التاريخية بين رئيس الدولة ووزير الدفاع الذي كان دائما يقدم رقبته فداء للرئيس والتي كلفت الدولة المصرية نكبة وهزيمة نتجرع مراراتها حتي الان.

حديثا خسرنا الارض من اجل نصيحة الام للجنرال برجوع الحق لاصحابة وعدم اخذ حاجيات الناس ، ولم نستطيع في الحالتين استرجاع اراضينا المحتلة كاملة السيادة ، فهي عادت وفق إملاءات استعمارية منحطة ، تمثلت في عودة منزوعة السلاح ومنزوعة الوجود العسكري بصورة شجعت الارهاب ان يرعي في اراضينا حتي اليوم ، ويستمر الارث الناصري في تدمير الدولة المصرية بالقرارات الفردية المطلقة للزعيم الملهم بخلافة انور السادات ومحمد حسني مبارك ، فهم من الارث الناصري البغيض الذي لم يكن لشعب مصر اي دور في اختيارهما ووصولهما الي سدة الحكم ، فلقد جاء بهما الزعيم المفدي جمال عبد الناصر مباشرة الي سدة الحكم لانه كان يستأثر بالسلطة ولا يجادله احد ولا يجاوره اي من الحكماء ، الحقيقة التعيسة والتي ينكرها غالبية الناصريين ان كل من السادات ومبارك هم ارث مسرطن ومعدي مباشر وشخصي من الزعيم الهمام لشعب مصر العظيم فلقد كان الاب والمعلم ينفرد بالقرارات الحمقاء في اختيار من يخلفة من الخونة او محدودي القدرات والموهبة والوعي اللازم لحكم دولة في مكانة الدولة المصرية ، الا يدرك العقل الجمعي الناصري ان ما ابتلي به شعب مصر في العقود الاخيرة بسبب هذا الارث العفن ، الذي لازالت اقدام المصريين تخوض في اوحاله حتي الان ، الا ينتابهم الاحساس بعقدة الذنب والضمير من تلك الفواجع التي أغرقنا فيها العراب المبجل، واخيرا يبقي الإرث الاخطر والاكثر عفنا وضياعا وأستمرارا في مأساويته حتي الان هو موافقة صنم العقل الجمعي الناصري في 22 نوفمبر 1967 علي القرار 242 الخاص بالقضية الوطنية وفلسطين وكافة الاراضي المحتلة من جانب اسرائيل في حرب الايام السته ، فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. ويشكل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك موافقته علي مبادرة روجرز Rogers Plan والذين استند اليهما الرئيس السادات في التفريط في الارض والعرض وختاما عندما يسألني احد ما هي اسباب هذا الانهيار المروع والسريع الذي يحدث الان في اداءات ومآلات الدولة المصرية علي كل المستويات فانني وبلا فخر اجيب انه إرث الزعيم الخالد جمال عبد الناصر رئيسكم الممقدس

كندا 24 يوليو 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثي يهدد مجدداً بتوسيع استهداف السفن التجارية في المحيط ا


.. العالم الليلة | إسرائيل تستعد للحرب الشاملة بمستشفى مقاوم لل




.. تفاعلكم | 25 سؤالا مع صابرين


.. العالم الليلة | إسرائيل -لا تستبعد- أسوأ سيناريو مع حزب الله




.. العالم الليلة | متهم في أكبر قضية فساد بروسيا.. من هو تيمور