الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا جرى في الرياض بشأن اليمن؟

منذر علي

2020 / 8 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كنتُ متشائماً حينما كتبتُ عن اتفاقية الرياض في مطلع نوفمبر 2019، وقد تأكد تشاؤمي، مع الأسف. وها أنا أكرر الكتابة عن اتفاقية الرياض المُعدلة في أواخر يوليو 2020، وآمل ألا تصدق توقعاتي مرة أخرى هذه المرة!

حسناً ، ترى كيف يمكن النظر إلى اتفاقية الرياض الجديدة؟

الاتفاقية الجديدة المُعدلة هي امتداد للاتفاقية القديمة، ويمكن النظر إلىيها من عدة زوايا، تتقاطع فيها الملهاة بالمأساة، واليقين بعدم اليقين، على النحو التالي:

الزاوية الأولى: وتتصل بالملهاة، وهي أنَّ الذين أقاموا في فندق الريتز كارلتون، The Ritz-Carlton، في الرياض ، وغيره من الفنادق ، خلال الشهرين الماضيين، لا بد وأن وزنهم زاد، ومعدل ذكائهم ، على محدوديته، أنخفض، ومعدل غبائهم أرتفع ، وأصبحوا أكثر طواعية لتلبية الرغبات السياسية المختلفة للقيادة السعودية والإماراتية.

الزاوية الثانية: وتتصل بالمأساة، وهي أنَّ القيادة السعودية والإمارتية، وتحت غطاء المناصفة، والتقاسم بين الشمال والجنوب، أفلحتا في توزيع أتباعهما بالتساوي، وغرسهم في بنية الحكومة اليمنية، ونجحتا في إزاحة العناصر الوطنية المستقلة من جهاز الدولة، الأمر الذي جعل السعودية والإمارات، المتحكمتان المطلقتان بالدولة اليمنية، واستخدام الشرعية الشوهاء مظلة لتحقيق مصالحهما المستقبلية في جنوب اليمن، وفي عموم اليمن.

الزاوية الثالثة: وتشكل خليطاً عجيباً من الملهاة والمأساة، وهي أنَّ كباش الريتز كارلتون، السمينة والبليدة، ستفرح كثيراً، وسيزعم كل فريق فيها بأنّه حقق انتصاراً سياسيا ساحقاً على الطرف الآخر، وسيقوم أتباع الكباش في الداخل والخارج، وهم أقل ذكاء من الكباش ذاتها، بالترويج الحماسي لهذه الكذبة البلهاء، أو لنقل الانتصارات البلهاء، التي كانت في الواقع انتصارات مموهة، ماكرة ، تصب في محصلتها الأخيرة في تعزيز هيمنة السعودية والإمارات على الشأن الوطني.

الزاوية الرابعة: وهذه تكاد تكون يقينية، وقائمة على الوقائع الصلبة والاستقراء السياسي، وهي أنَّ المشكلة الوطنية لم تحل ولن تحل قريباً. فمن جهة ستتعزز الانقسامات الجغرافية والقبيلة والُثأرية بفعل الصراعات العبثية السابقة، وخاصة بين 2018- 2020. كما أنَّ عوامل جديدة للصراع برزت وستبرز، في إطار الكباش الجنوبية، وفي إطار الكباش الشمالية، وبين الكباش الجنوبية والكباش الشمالية، حول توزيع المناصب والمكاسب، وحول الصلاحيات الموكلة لكل كبش في المرعي الذي حُدد له من قبل الراعي الخارجي.

الزاوية الخامسة: وهذه أقل يقينية، وآمل أن تكون خاطئة، وهي أنَّ الأمور لن تستقر على حال في اليمن؛ والسبب هو أنّْ القوى الداخلية، أي الكباش، منفصلة عن الشعب، ومحصورة بمصالحها في مراتعها و مراعيها الضيقة، ومُتحكم بها من الخارج، وبالتالي فأنَّ التغييرات المستقبلية المحتملة، يمكن أن تسير وفق هذه المعادلة المعقدة، بين الداخل والخارج، وتأخذ مسارات معقدة و مختلفة.

***

ومن المسارات المتوقعة ، وبعيداً عن التفاؤل الساذج، أو التشاؤم القانط، يمكن تصور مسارين متداخلين على الصعيدين المحلي والإقليمي:

المسار الأول: فمن جانب سيُظهِر كل طرف من أطراف اتفاقية الرياض، تمسكه نظرياً بالاتفاق الجديد، كالمرة السابقة، ولكن عملياً سيسعى كل طرف، وبوسائل عديدة، لتعزيز مكاسبه المفترضة على الأرض، وستعمل كل من السعودية والإمارات وقطر تركيا وعمان لتعزيز مكانة أتباعها على الصعيد العسكري، وفي المجال السياسي والفضاء الجغرافي، وسيجني اليمنيون الخراب والموت، وسينال المرتزقة المال ، وسيربح الداعمون الإقليميون وطننا العظيم. من جانب آخر، سيعمل الحوثيون على تعزيز قواتهم العسكرية، وتوسيع نطاق سيطرتهم الجغرافية، وخاصة في المناطق الشرقية والساحل الغربي، وفي الوقت ذاته، سيستغلون الانقسامات والصراعات القائمة والقادمة في المناطق الجنوبية، وسيشجعون المتصارعين والمصروعين ، بطرق شتى، من أجل تحقيق غاياتهم المُعلنة والخفية، وزيادة الانقسامات والتنافر والتقاتل بينهم، وخلال كل ذلك وبعده ، سيحظى الحوثيون بدعم إيراني وازن، يتناغم مع مصالح إيران السياسية والاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة.

***

المسار الثاني: ويتصل بالأوضاع السياسية والاقتصادية في المستقبل القريب والمتوسط في كل من السعودية والإمارات وإيران وقطر وتركيا التي لن تستقر الأوضاع فيها على حال، وسيترتب على هذه المتغيرات نتائج بالغة الأهمية. ففي السعودية سيتم، بفعل موت الملك سلمان أو تدهور صحته، نقل السلطة للأمير محمد بن سلمان، وستتفاقم الصراعات في إطار الأسرة الحاكمة. وفي الإمارات ستتفاقم الصراعات في إطار نخبة الحكم، بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية، جراء تورط الإمارات، بشكل متزايد، في الأزمة الليبية واليمنية، ومحاولة تعزيز نفوذها في كل من مصر والسودان وسوريا وتونس والجزائر، في إطار تنافسها شرس مع قطر. وفي إيران ستتفاقم الأوضاع الاقتصادية جراء الحصار والعقوبات الأمريكية المتزايدة، وتورط إيران في كل من سوريا والعراق البحرين ولبنان واليمن وفلسطين، وصدامها، المباشر وغير المباشر، مع إسرائيل، وسيكون للانتخابات الأمريكية المقبلة، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، تأثيراً كبيراً، سلبياً أو إيجابياً، على الأوضاع في إيران. من جانب آخر تسعى تركيا في إطار مشروعها العثماني الطموح إلى توسيع دائرة نفوذها في المنطقة من خلال توسعها في شمال العراق، وترسيخ مواقعها في قطر، وتورطها المموه في اليمن، وتعزيز تواجدها في ليبيا، والصومال، وسعيها لتوطيد علاقاتها بسلطنة عمان، ثم إحكام الحصار حول السعودية والإمارات واليمن. ولذلك ستتغير الأوضاع في إطار في هذه الدول، وستتعقد العلاقات بينها، وستأخذ الصراعات السياسية والاستراتيجية أبعاداً محلية ودولية مختلفة في الأشهر والسنوات المقبلة، وستنعكس بقوة على الأوضاع في اليمن. وفي إطار هذه المسارات المعقدة والمتشابكة، ستستغل الدول الإقليمية كباشها المسمنين لوحدها، وستدفع اليمنين لأكل لحم بعضهم البعض.

***
أليس هناك من مخرج من هذا النفق المُظلم؟

بلى، ويُكمن المخرج في بناء كتلة تاريخية وطنية كبرى، عابرة للحدود الجهوية التي ثبتها الاستعماران البريطاني والتركي عنوة في الجغرافية اليمنية، ورسخها في وعي اليمنيين منذ سنة 1905. وينبغي أن تكون الكتلة الوطنية متجاوزة للطوائف والقبائل، المنبثقة من مقابر الأموات، و تكون مستقلة عن قوى النفوذ الخارجية ، و منظمة ومسنودة بإرادة وطنية صلبة. ومع ذلك لا ينبغي أن تُرفض المساعدات الخارجية ، المادية والمعنوية ، غير المشروطة ، من قبل قوى الحرية و التقدم في العالم. كما يجب أنْ ترتكز تلك الكتلة الوطنية التاريخية الكبرى على المشروع الوطني العظيم، المُنطلق من ثورة 14 أكتوبر المجيدة، وأهدافها الوطنية الكبرى، المناهضة للمشروع ،غير الوطني، العقيم. وسيكون عليها أن تسعى لوقف الاقتتال الداخلي، ووقف العدوان الخارجي، توطئة لطرد الغزاة الخارجيين من وطننا العظيم، وتخليص الوطن من الأوغاد الداخليين، عبر القبض عليهم، ومصادرة أموالهم، الناتجة عن المتاجرة بالوطن، وأنفاق الأموال على أطفال الضحايا، ومحاكمة المجرمين ووضعهم في سجن واحد، من باب المساواة في العقاب، ومساعدتهم على تخفيض أوزانهم، ليتمكنوا من أداء الأعمال الشاقة خلال فترة سجنهم المؤبد.
ثم استعادة زمام المبادرة الوطنية، وتطبيع الأوضاع، وتحقيق الاستقلال والاستقرار، والسلام، وإقامة يمن ديمقراطي موحد على قاعدة المواطنة المتساوية، والحرية والعدالة والتقدم.
على أن مثل هذه الخطوة ليست مستحيلة، فهي ممكنة التحقيق، كما تحققت ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة سنة 1963، ولكنها تحتاج إلى وعي وشجاعة لجعلها واقعاً. فهل نملك ما يكفي من الوعي لتجاوز تخلفنا، وصراعاتنا العبثية؟ وهل نملك ما يكفي من الشجاعة لصيانة سيادة وطننا وكرامة شعبنا؟
أترك الإجابة لكم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زراعة الخراب في السعودية
محمد البدري ( 2020 / 8 / 2 - 00:48 )
الفاضل المحترم منذر علي
تحياتي
بشكل عام وبدون استثناءات فان اي اتفاق يجري علي الارض السعودية او برعاية من السعوديين فهو الخراب بعينه. وان لم يكن سريع المفعول فسيكون بطئيا لكنه شاء من شاء وابي من ابي ستظهر نتائجه لاحقا مهما تبدلت الامور ولنا في اتفاق الطائف مع اللبنانيين مثالا خربت وتفتت لبنان بسببه وظلت بلا رئيس لاكثر من عامين ناهيك علي القيادات السياسية للنخب الطائفية والتي تتفق ومسمي الطائف. لعنة الله عليها من مدينة لم تضع نهاية لمن ذهب اليها يوما في الزمن القديم يطلب العون فها هي الان لا تعين احدا بقدر ما تزرع فيه الخراب

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي