الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام فى التنوير 3

جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)

2020 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى نهاية القرن الأول الهجرى توسعت الفتوحات الإسلامية ودخلت شعوب كثيرة لذلك حدث إختلاط بين المسلمين والثقافات الأخرى وبدءت الفلسفة تطرق عالم العقل الإسلامى وكان ذلك أول إستفزاز لبعثه للتفكر والدخول إلى منطقة السؤال والجدل فلم يعد المنهج النصوصى النقلى كافى ليروى ظمأ أسئلته أصبح قاصر عن الرد على شطحات العقل جداليته , أسئلته وحده منهج العقل هو السيد فى هذه الحالة هو القادر على إخماد ثورة السؤال , بدخول السؤال والجدل عالم العقل الإسلامى ظهرت لنا المعتزلة سيدة الفرق الإسلامية بإمتياز فهم وكما قلنا فى مقالنا السابق أول إتجاه فلسفى حقيقى فى الإسلام وإن ظل فى منطقة علم الكلام ولم يتعمق أكثر فلسفيا إلا أنهم رغم ذلك أهم المذاهب الكلامية لأنهم أكثرهم عقلنة .
فى كتابه (( المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية )) – حاول الدكتور محمد عمارة – إثبات أن فكرة الجبر والإختيار أو فلنقل الحرية فكرة أصيلة فى تراثنا الفكرى فهى موجودة منذ العصر الجاهلى الذى كان يؤمن بالجبرية وأتى الإسلام ليقر الإختيار هو هنا يحاول الرد على دعاوى بعض المستشرقين الذين رأوا أن فكرة القدرية دخلت ثقافتنا بتأثير من اللاهوت المسيحى ، قد يكون الدكتور عمارة محق فنحن لسنا أمة صماء نعى ذلك جيدا ولكن الأهم من وجهة نظرى ليس كيف دخل لنا الفكر النقدى إنما أين نحن منه الآن ؟ بل أين ذهب الفكر المعتزلى؟ لمن كانت الغلبة ؟ أين كنوزه الفكرية التى طمرت ولم يبقى منها سوى آثريتيم ما حدث للمعتزلة يجيب أننا أمة نقل بإمتياز وإن ظهرت لدينا ومضات فهى فقط بعض نبض فى الجسد الميت .
بدء العقل المعتزلى يختمر عندما بدأت العديد من النقاشات حول أبناء الزنا الذين كانوا لا تقبل شهادتهم ويحرمون من إمامة الصلاة رغم أن أمهاتهم كانت مجرد إماء أجبرن على الدعارة كما أورد جوزيف فان أس فى كتابه ((علم الكلام والمجتمع فى القرنين الثانى والثالث الهجرى )) ترجمة الدكتورة سالمة صالح – مشيرا إلى ظهور نزاع أخر فى ساحات الجدل بين الخوارج حول ما إذا جاز للمرء فى حملة حربية إلى جانب غير المسلمين يقصد المسلمين من الطوائف الأخرى أن يقتل أطفالهم هنا بعض الأزارقة أصروا على التصور القديم عن الذنب الجمعى وأن الأطفال يحملون ميسم جماعتهم حتى قبل أن يكونوا قادرين على إتخاذ قراربأنفسهم بالإضافة إلى ذلك ظهر طيف من وجهات النظر المختلفة بين باقى طوائف الخوارج حول هذه القضية ))1. لم يتوقف الجدل عند ذلك الحد بل دخل نطاق مرتكبى الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر عندما رأى الحسن البصرى أنه مؤمن منافق هنا إنشق واصل بن عطاء معلنا أنه فى منزلة بين المنزلتين كل ذلك كانت مراحل تجويد وإرتقاء للفكر المعتزلى إلى أن وصل للقمة مع مشكلة خلق القرآن مدشنا أصوله الخمسة التى لابد أن يقر بها جميعا وبلا إستثناء أى معتزلى . أخضع المعتزلة كل شىء لمحكمة العقل لم يتركوا أمرا إلا وتم مناقشته ودارت سجالات حامية كانت الغلبة فى معظمها للمعتزلة فقد كانوا شديدى الحجة والبرهان.
بالإضافة إلى تميز المعتزلة من الناحية الشرعية فقد أدركوا أن القول بالجبرية معناه مزيد من الخضوع والإستعباد للنظم الظالمة وذلك على إعتبار أنه من قضاء الله وقدره لذلك رأوا أن الحرية والإختيار هما الضمانة الحقيقية لتقويض النظم الظالمة وتحرير الناس منهم ولعل ذلك ما دفع الدكتور محمد عمارة - للإشادة بهم واصفا إياهم بالعبقرية فى أمور السياسة والمجتمع مشيرا إلى أن رؤيتهم بقيام الظلم مرهون بوجود الأعوان والأنصار الذين يتبعون الظلمة والطغاه ويعينونهم على ظلمهم وطغيانهم لذلك لو تفرق الأعوان عنهم وأسلموهم لم تقم لهم دولة فى ذلك إشارة لدور الجماهير فى الذهاب بالنظم السياسية والإطاحة بها أو فى إستبقائها قائمة دون تغيير وفى ذلك إشارة لأرضية فكرية آمنت أن للنظم الظالمة جذور وإمتدادات لذلك فإن إقتلاعها لابد أن يتطلب من الثوارمعالجة هذه الجذوروتلك الإمتدادات فى أنحاء المجتمع الذى يدور فيه الصراع ))2 حسب رؤية عمارة .رغم هذه الحنكة السياسية للدماغ المعتزلى إلا أن دخولهم عالم السياسة عجل بزوالهم وكان وبال عليهم فكما يقول أحمد على زهرة فى كتابة (( بين الكلام والفلسفة عند الخوارج والمعتزلة )) (( أنهم شغلوا أنفسهم بقضايا جانبية كانت قد شغلت الفقهاءفى زمنهم وكان الفقهاء قد إجتهدوا فى إيجاد أجوبة كانت العامة تشكل حرجا لهم فيها مشيرا إلى أن المعتزلة كانوا قد طرحوا قضايا كبيرة لذلك كان من المفروض عليهم ألا يخوضوافى هذه القضايا الصغيرة التى شغلتهم عن القضايا الكبيرة والرئيسية فى فكرهم لذلك كان هذا سبب جوهرى فى خلافاتهم الداخلية الكثيرة وإنقسامهم إلى فرق عديدة تكفر بعضها البعض فلو كانوا إستمروا فى فكرهم الحر ووضع العقل فى الإحتكام إلى المسائل الدينية لكانوا قد خلقوا بالفعل ثورة جدية كبرى داخل الإسلام وكانوا إستقطبوا أهل الفكر جميعا وعملوا على وحدة المنهج الفكرى الإسلامى لكن إشتغالهم بالسياسة العامة وتصميمهم على إرضاء الحاكم أوقعهم فى التناقض مع فكرهم الأساسى لأن من يطرح مسألة حرية الفكروإرادة العقل فى الأفعال لايلزم الناس على قبول فكره بل ويجبرهم على القول بأقواله ويقتل من خالفه ويسفك الدم البرىء بإسم الحرية مما أدى إلى ردود الإفعال التى تلت تسلطهم وسيطرتهم فقرب بنهايتهم ونهاية فكرهم )) 3
ويستطرد زهرة قائلا ((المثير للدهشة أن علم الكلام نشأ فى بدايتة للدفاع عن الإسلام ضد الحملات الكلامية التى كان يشنها المسيحيون واليهود وغيرهم فقد كانوا سباقيين فى طرق عالم الفلسفة ولكن للأسف فمع دخول الإسلام السياسى نشأ الخلاف والإنقسام فكل إجتهاد وتأويل يصب فى مصلحة النظام يتم قبوله وأى إجتهاد يخالفه يعتبر كفر وزندقة لذلك أصبح علم الكلام يعبر عن الإنقسامية والمذهبية لا ليعبر عن تكميل النقص الظاهر فى تفسير النص رغم أن هدفه فى البداية كان الدفاع عن الإسلام )).
ولكن وبالرغم من خطيئة المعتزلة إلا أن السلوى وعزاءنا الوحيد أنهم حاولوا إستفزاز عقولهم فأنتجوا لنا فكرا نافرا متجدد ولولا كبوة إستبدادهم لكنا فى أفاق أخرى الآن . لنقف هنا ولنتابع فى مقالنا القادم الدخول للعالم السحرى لمحمد أركون ومشروعه فى نقد العقل الإسلامى وكيف أزاح مسألة الوحى من أرضية الإيمان العقائدى الأرثوذكسى التبجيلى إلى أرضية التحليل اللسانى والسيميائى المرتبط بدراسة التاريخ أنثروبولوجيا .

مصادر
1- جوزيف فان أس ((علم الكلام والمجتمع فى القرنين الثانى والثالث الهجرى )) ترجمة الدكتورة سالمة صالحة ، ص45. ش
2- الدكتورة محمد عمارة (( المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية )) ص67،ص68
3- أحمد على زهرة (( بين الكلام والفلسفة عند الخوارج والمعتزلة )) ص103.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح