الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حديقة الحيوان خلال رمضان قرب العاصمة الرباط

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2020 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حرية – مساواة –أخوة
في صباح أحد الرماضانات الماضية التي لا تشبه بأي حال من الأحوال رمضان 2020 الفريد ، إقتنى الجريدة كالعادة ثم إتجه لمحطة الطاكسيات المؤدية لحديقة الحيوان بمدينة تمارة قرب العاصمة الرباط..كان يقطن آنذاك في حي يعقوب المنصور الذهبي القريب من الأحياء الجامعية و الجامعات والمعاهد بالرباط و يتابع دراسته الجامعية هناك .

حينما وصل و في مدخل الحديقة كانت هناك أقفاص كثيرة و واسعة للطيور من كل نوع .فناء الحديقة كان شبه خال من الزوار بإستثناء شاب ملتح و شابة تلبس البرقع (البرقع هو لباس اسود يغطي كل جسد المرأة باستثناء كوة تظهر منها بصعوبة العينان)...و بعض الأطفال القلائل في مساحة للأطفال بها أراجيح يبدو أن والديهم مختفين عن الأنظار في مكان ما من الحديقة غير بعيد عن المكان.

كان الأطفال يدفع بعضهم بعضا كلما صعد أحدهم لإحدى الأرجوحات و يتصايحون ...صياح الأطفال البرئ كان يملأ المكان مع زقزقة العصافير ...

مر على أحد الأقفاص الضيقة و كان بها أحد الضباع لا يتوقف عن الحركة ذهابا و إيابا بأرجل خلفية أقصر من الأرجل الأمامية ..قال في نفسه يبدو أن هذا الضبع قلقان ثم ضحك و تابع السير...

و ضع الجريدة فوق إحدى الأرائك ثم جلس يتفرج بين الحين والآخر على قفص الأسود من بعيد ثم يشيح بوجهه في أحيان أخرى نحو الفيلة والنمور في الجهة المقابلة للأسود . بعد مدة وصل الشاب الملتحي والشابة ووقفا قرب الأسود و هما يمسكان بحديد قضبان الشباك الخارجي للأقفاص و يتحدثان و يتمايلان كأنهما حديثي العهد بالزواج أو في حالة خطوبة أو ما شابه ...

قال في نفسه هؤلاء الملتحين و لو تذهب للثلث الخالي من الدنيا كما يسمونه فسوف تجدهم هناك .

كانت الأسود كسلانة لا تتحرك إلا ببضع حركات بطيئة .و ما إن جاء أحد القيمين على الحديقة و بدأ يقدم لها الطعام من الجهة الداخلية للحديقة من خارج القفص حتى إستجمعت قواها و أسرعت إلى كوة تقديم الطعام في الجهة الخلفية تتلقف قطع اللحم الطازجة و الكبيرة ...كل أسد و لبوة أخذ قطعة كبيرة ثم إنزوى بها لأحد الأركان و أخذ يلتهم و يمضغ في تؤدة . بعض الأشبال شاركت هي أيضا في الوليمة .

و لما انتهى القيم على الحديقة من تقديم الطعام للأسود إتجه نحو النمور . بقي هو يفكر في ما تخسره الحديقة من الأموال لإبقاء هذه القطط الكبيرة (نمورا و أسودا و فهودا ..) على قيد الحياة ..هذه الأسود تسمى أسود الأطلس ..لا توجد في أي غابة من غابات المغرب.آخر أسد حر في الغابة المغربية قتل سنة 1924 .

كان الشابان يلاحظان الأسود تلتهم الطعام و هما يضحكان على محاولات البعض منها السطو على نصيب الآخرين ...

إنهما يضحكان و ربما لا ينتبهان أن الأسود أيضا ترانا كلنا من خلال قضبان أقفاصها و كأننا نحن الذين نوجد في قفص كبير..

بعد الإنتهاء من الطعام قامت إحدى اللبوات بالدوران حول أحد الأسود و أخذت تضربه بذنبها .ثم جثت إلى أرض القفص .فما كان منه إلا أن أخذ يضاجعها و في نهار رمضان على مرأى و مسمع منا جميعا نحن الذين كنا موجودين في الحديقة آنذاك...

أخذت تلك الشابة التي كانت تلبس البرقع تضع يديها على عينيها كي تحجب الرؤية و هي تضحك بشكل هستيري .و إستبد الضحك الهستيري أيضا بالشاب الذي كان معها...

و حينما أدارا و جهيهما إلى الجهة المقابلة لتجنب رؤية الأسود جاءت نظراتهما بالضبط في عيون الشاب الذي كان على الأريكة ...فقال لهما : شيء عادي ...طبيعي ..

...لم يردا عليه ...

ثم قال لهما : لو قمت أنا مثلا بأكل أي شيء هنا ربما لقمتما بالإحتجاج و قلتما نحن في دولة إسلامية و هذا لا يجوز شرعا نهار رمضان دون عذر شرعي إلخ الأسطوانة ..

قال في نفسه :

""هانحن نرى الأسود هنا تأكل و تشرب و تتناكح و في نهار رمضان و الأمور عادية حلال في ملال . و كأن هذه الأسود أعلى قيمة من الانسان ... ليس فقط في هذه البلاد بل في كل بلدان ما يسمى العالم الاسلامي.""

"" لا احد يعترض على الحيوان حينما يأكل أو يتناكح بينما يعترضون على الانسان وكأننا أقل قيمة من الحيوان...""

ثم تذكر أنه رأى نفس الشيء في معبر مدينة سبتة .فبينما كان طابور ينتظر التصديق على جوازات السفر للدخول لسبتة المحتلة كانت الكلاب والقطط تعبر الحدود دون أدنى إعتراض من شرطة الحدود الاسبانية ...

""إن الأكل والشرب عند الإنسان هي مسألة شخصية و علمية تخضع للعلوم الحديثة التي تأسست على العقل و الملاحظة والتجريب و المنهج العلمي الحديث و ليس على دراسات الفقه او الشريعة و الروايات القديمة المتناقضة أي الكاذبة منطقيا.""

""إنها تهم كل واحد حسب سنه و مستواه و ووراثته أي بيولوجيته .و لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تصير مسألة يقرر فيها الآخرون و خاصة هؤلاء المتخصصين في الفقه والشريعة . لأننا مختلفون .""


إنسل الشاب والشابة لجهة أقفاص الطيور دون أن يردا عليه و أختفيا من أمامه وهما يضحكان ...

تردد في أخذ الجريدة معه حين هم بالانصراف ثم قرر تركها هناك و غادر الحديقة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah