الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السد الإثيوبي مقابل الاستراتيجية المائية ( المصرية )...

مروان صباح

2020 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


/ للمرء أن يسترجع هنا ومن باب جمع الماضي بالحاضر بالمستقبل ، هي حكاية تتجدد حضورها كلما تضعضع الوضع العربي ، حتى أماطت هذه المرة اللثام عنها ، لم تكن أثيوبيا الوحيدة التى تحلم في بناء سد مائي بقدر أنه كان تقريباً حلم دولي ، ابتداءً من أوروبا ومروراً بالصين وليس انتهاءً بالولايات المتحدة الأمريكية ، لكن في نهاية المطاف ، بنت اثيوبيا سدها بعد عمر طويل من المحاولة المكرورة وبتكلفة بلغت 5 مليار دولار أمريكي ، الذي من المفترض سينتج لها ( 6000 ألف ) ميغاوات من الكهرباء أي ثلاثة أضعاف ما ينتجه السد العالي في مصر ، وبالتالي من يراجع الدول التى مولت السد سيجد القرار ليس إثيوبياً فقط بل هو ايضاً رغبة دولية تحمل أبعاد استراتيجية واضحة ، الصين كانت أول المساهمين وأكبر من قدم المال ، لقد انفقوا حتى الآن ما يقارب 2 مليار دولار ، يليها البنك النقد الدولي ، دعم السد ب3 مليار دولار وعندما تعثرت في استكماله تدخلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وقدمت دعم 5 مليارات دولار تحت ذريعة مواجهة النفوذ الصيني ، والجديد في الموضوع ، أن واشنطن استفاقت مؤخراً على التمدد الصيني في أفريقيا ، فوعدت إدارة الرئيس ترمب اثيوبيا بتقديم مبالغ أخرى ستُستثمر في مجالات متعددة مثل الإتصالات والطاقة والسكر واللوجستيات ، بالطبع بخلاف الدعم الدولي ، باشرت الحكومة الإثيوبية منذ البداية بتحويل مسألة السد إلى قضية وطنية وبالتالي استطاعت تأمين مشاركة الأغلبية الساحقة من المواطنين والمؤسسات الصغيرة والكبرى في دعم المالي ، وايضاً كانوا إثيوبيين الشتات أكثر من ساهموا في موازنة بناء السد وعلى وجه الخصوص ، إثيوبيون إسرائيل .

تعاقدت حكومة اثيوبيا مع الشركة الإيطالية Salini التى تعتبر من أكبر الشركات العالمية في مجال الإنشاءات ، لكن المفارقة الغرّيبة ، لقد أعلنت رئيسة اثيوبيا سهلورق زودي في خطبة وصفت بالمشتعلة ، أمام عدد كبير من رجال الدولة والجيش ، عن بدء ملء السد تزامناً مع ذكرى معركة ( العدوة ) التى وقعت في عام 1896م ، عندما حاولت إيطاليا غزو اثيوبيا ، بالطبع الهدف كان ومازال السيطرة على مدخل البحر الأحمر ، بل بالأحرى جاء كرد على استيلاء بريطانيا على قناة السويس ، لكن الإثيوبيون تمكنوا من هزيمة الطليان عسكرياً وكانت هذه الهزيمة الأولى من نوعها لقوة استعمارية أوروبية خارج القارة وعلى اثارها استقال آنذاك رئيس حكومة إيطاليا الأسبق فرانشيسكو كرسبي ، بل كانت فاتحة خير على الشعوب المستعمرة ، بعدها سجل العرب في المغرب وبقيادة محمد الخطابي ثاني انتصار على الجيش الإسباني في معركة أنوال الشهيرة التى اعتمدها لاحقاً تشي جيفارا بالهجوم الشهير على هافانا.

يتحرك الجيش المصري على جبهتين ، يؤدي مهمته التفاوضية بنبل ، ويبني البديل كمهمة أخرى هي أنبل ، لأن باختصار ، المجلس العسكري للجيش المصري يدرك تماماً الأهداف الدولية في القارة الأفريقية ومخاطر السد المستقبلية وبالتالي عكفت حكومة الرئيس السيسي بعد عشرة سنوات من المفاوضات إلى اعتماد الاستراتيجية المائية المصرية ، اولاً ، ترشيد مياه النيل وثانياً إنشاء محطات عملاقة لتحلية البحار ، بالفعل بدأت وزارة الري مع الجيش بموازنة مبدئية قيمتها 56 مليار دولار أمريكي ، كمسار موازي لمسار سد الإثيوبي وبالتالي هي استراتيجية هدفها تفويت الفرصة الدفينة والكامنة من بناء السد ، بل أخذت بالاعتبار الاستراتيجية حجم السكان الحاليين والإعداد المتزايدة في المستقبل ، حتى الآن نفذت حكومة مصر من الخطة الأولية 7 مليار دولار وخلال العاميين القادمين ستنفذ ايضاً من الخطة 10 مليار دولار ، تعتمد الاستراتيجية على أربعة محاور ، الأول ، توفير الاحتياجات المائية في جميع أنحاء الجمهورية مع مواكبة الاحتياجات المتطلبة ، المحور الثاني ، توفير البدائل ، أي التوقف عن نقل المياه إلى الأماكن التى تبتعد عن العاصمة كما كان يحصل سابقاً، ففي إحدى المحطات على سبيل المثال ، كانت إنتاجها 80 ألف متر مكعب يومياً ، أما اليوم وصلت الإنتاجية إلى 800 ألف متر مكعب وتواصل الوزارة والمؤسسة المسؤولة على رفع من كفاءة الإنتاج حسب تطور الواقع السكاني .

تحتاج مصر إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً ، هنا إذا افترض المرء أنها ستواصل في إستيراد ما تستورده من حبوب واحتياجات حيوانية وخلافه ، تقدر هذه الاستيرادات ، لو تم إنتاجها وطنياً ، بحوالي 30 مليار متر مكعب وبالتالي تضاف إلى الكمية الأولى ، لهذا وجدت الحكومة بأن محطات التحلية هو الخيار الاستراتيجي الأفضل والذي يجنب مصر من العطش والجفاف ، إذن حسب الاستراتيجية إياها تبني الآن الحكومة 109 محطات بقيمة 15 مليار امريكي وموزعة هكذا ، سيناء والإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد والسويس والبحر الاحمر ودمياط والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة ومطروح ، كما وضعت خطة من أجل ترميم وإعادة تأهيل المياه الجوفية بالإضافة للاستفادة مِّن تدوير مياه الصرف الزراعي ومعالجتها صناعياً ، في المقابل ، بدأت في بناء السدود والبحيرات عند سلاسل جبال البحر الاحمر الممتدة على طول الساحل والتى تحمل كميات كبيرة من الأمطار والسيول حتى أن تصل إلى الأمن المائي القومي ، بواقع 56 مليار دولار .

إذن ، إن مصر الراهنة في سخونة مؤججة التقاطع بين حقوقها المائية وإستراتجيتها البديلة ، وبالتالي تدرك الحكومة ومن قبلها الجيش أهمية أداء الدورين بين التفاوض وتوفير البديل ، لكن ما يلفت انتباهي ، بل يتساءل المرء ، هو سؤال يخطر على البال الآن ، ربما أكثر من أي وقت مضى ، وعلى الأخص بعد بناء محطة البراكة النووية في الإمارات ، فالماء الثقيل الذي تنتجه المحطات النووية يوفر ميغاوات كهربائية ، تماماً كما توفرها خزانات السدود المائية أو ربما أكثر من ذلك ، لكن يبقى الفارق هو الحداثة والوقت وعدم تشكيل خطر على الآخرين ، وبالتالي الأصول عميقة ومتجذرة في باطن الفكرة وتواصل استنبات الحلم تلو الآخر ، وهذا يستدعي القاهرة إلى إنشاء أكثر من محطة نووية سلمية للطاقة . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة