الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهج تعليم غير وطنية في سورية

راتب شعبو

2020 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في التقرير العالمي لرصد التعليم الذي اصدرته اليونسكو في 2019، أن نسبة الطلاب السوريين غير الملتحقين بمدارس بلغت 39% في كل سورية، بغض النظر عن طبيعة السلطة التي تحكم هذه المنطقة أو تلك. هذا بذاته مصيبة كبيرة. ولكن إذا ألقينا نظرة سريعة على مناهج التعليم التي يدرسها الطلاب السوريون الذين حالفهم الحظ للالتحاق بمدرسة، فسوف نجد أن المصيبة السورية تكمل طريقها عميقاً عبر المناهج غير الوطنية.
تسعى النخب الثقافية في غير مكان من العالم إلى إزالة منابع الكراهية والعنف من الذاكرة بين الشعوب، من خلال مصالحة الذواكر المتصارعة، على أمل إنتاج ذاكرة مشتركة ذات مرجعية عقلانية وموضوعية بعيداً عن النزوعات الذاتية والشوفينية التي لا ترى حقوق الآخرين. على العكس من هذا التوجه، تنشغل بعض النخب السورية، بعد أن تحطمت الثورة السورية وورثتها احتلالات وفصائل تابعة وسلطات أمر واقع غير وطنية، بتعزيز الروايات الذاتية للجماعات التي يتكون منها الشعب السوري، وبالتالي بتعزيز الكراهيات المتبادلة وبناء أسوار عالية بين الجماعات وفي وجه رواية وطنية سورية. يتم ذلك من خلال عملية تعليم تنطلق من اللحظة السياسية الراهنة، لتعبث في وعي جيل سوري كامل، وتشتته وتنمي فيه عداوات وولاءات لا وطنية شبيهة بولاءات القوى التي تقوم على العملية التعليمية في مناطق سيطرتها.
إذا استمر الحال طويلا على هذا الشكل، فسوف نجد أنه لا خيط وطنياً يجمع هذا الجيل من أبناء التعليم السوري التركي مع أبناء التعليم السوري الكردي، وأن ما يربط بينهم هو العداء، والشيء نفسه ينطبق على ما يجمع هؤلاء مع أبناء التعليم الأسدي.
لا يخفى على متابع أن مناهج التعليم المختلفة باختلاف السلطات المسيطرة في مناطق سورية الممزقة، تستخدم كسلاح بيد سلطات الأمر الواقع في صراعها المتبادل، دون احترام لاتفاقية حقوق الطفل رقم 206 للعام 1990، التي تنص في المادة 29 على ضرورة "تنمية احترام القيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل"، وعلى "إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية". في المناهج المعتمدة اليوم تحل القيم الحزبية والجهوية محل القيم الوطنية الجامعة.
يجري في العملية التعليمية في سورية اليوم نقل التوضعات السياسية الطارئة إلى أعماق ثقافية ووجدانية من شأنها أن تفكك موضوع السياسة وإطارها العام الذي هو سوريا بوصفها المحل السياسي المشترك للجميع. إذا كانت جميع القوى المسيطرة في سورية تعلن رفضها فكرة التقسيم والانفصال، فإن من واجبها احترام العمق الوجداني للوحدة السورية، هذا العمق الذي يتشكل في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، أي قبل أن تتشكل لدى الفرد القدرة على التحليل والنقد. وهذا يفرض ضرورة أن تحترم المناهج التعليمية الهوية الوطنية السورية وأن تكف عن نقل العداوات السياسية إلى عداوات هوياتية، أو عن تكريس منطقة ما من سورية على أنها وحدة مستقلة.
في منطقة سيطرة الفصائل الإسلامية التي تحميها تركيا، يتم التركيز على التربية الإسلامية فنجد أن عدد ساعات التعليم الديني (قرآن، سيرة نبوية، دين وأخلاق) في المرحلة الابتدائية، هو خمس ساعات في الأسبوع، مقابل 4 ساعات للرياضيات. يزداد الفارق في المرحلة الإعدادية لصالح التربية الإسلامية، فتصبح ساعات التربية الإسلامية سبع ساعات مقابل خمس ساعات للرياضيات. وفي المرحلة الثانوية تستقر التربية الإسلامية على ثلاث ساعات في الأسبوع، ويصبح للرياضيات 6 ساعات في الفرع العلمي، وساعتان للفرع الأدبي (وهي إضافة لافتة للنظر على اعتبار أنه لا وجود لمادة الرياضيات عادة في مقررات الفرع الأدبي).
الغريب أن علم الحياة يدرس في الصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى (3 ساعات، 3 ساعات، ساعتين، في الأسبوع، بالترتيب)، ويغيب بالكامل عن الصفوف الثلاثة الباقية. هذا يحمل بذور تجهيل وقولبة للتلاميذ في منظومات فكرية محددة. وللتأكيد على محدودية هذا الفكر يستعيد المنهاج في هذه المنطقة صيغة السؤال الذكورية، أي الموجهة الى التلميذ الذكر، (تكلم، صف، عدد ..الخ) التي كانت وزارة التربية السورية قد عدلتها تحت ضغوط مستمرة من المهتمين بالمساواة بين الجنسين إلى صيغة حيادية (أتكلم، أصف، أعدد ..الخ) بحيث تبدو ملائمة للجنسين. ومن ناحية التوجه السياسي للمناهج تشير دراسة (التعليم في مناطق الشمال السوري، لمحمد نور النمر، وسماح حكواتي، الصادرة في آذار 2020، عن مركز حرمون) إلى مثالين من كتب الدراسات الاجتماعية للمرحلة الابتدائية، وهي مأخوذة من مناهج النظام لعام 2011 مع إدخال بعض التعديلات، المثال الأول هو حذف صورة شرطي المرور السوري، وتثبيت صورة شرطي تركي بدلاً عنها، والثاني هو حذف ذكر ثورة الساحل التي قادها صالح العلي.
على العكس من التوجه الإسلامي في شمال غرب سورية، ألغيت مادة التربية الدينية الإسلامية من مناهج الإدراة الذاتية، وبني المنهاج من ناحية التاريخ والجغرافية حول فكرة استقلالية شمال وشرق سورية، (وليس شمال شرق الفرات)، لأن المنهاج يحتفي، دون المناطق السورية الأخرى، بمنطقة تمتد على كامل الشريط الشمالي لسورية مضافاً إليها شرق الفرات، ويحددها كتاب الجغرافيا المخصص للصف التاسع، بهذه الطريقة الطفولية: "يحدها من الشمال كردستان (لا وجود لتركيا على طول الحدود الشمالية لسورية) ومن الجنوب البادية (لا اسم سياسي لها) ومن الغرب البحر المتوسط ومن الشرق العراق".
أما المنهاج السوري المعروف في "سورية الأسد" فقد كان مسيساً دائماً، يكرس عبادة الفرد، وينسب سورية إلى عائلة الأسد. أما بعد التعديل الواسع الذي أجري عليه في 2016، فقد أضيف إلى المنهاج نفحات إسلامية زائدة تهدف إلى منافسة الإسلاميين على الإسلام عبر إعطاء سلطة ومساحة واسعة لنسخة إسلامية تحتضن فكرة "أبدية" الأسد، إضافة إلى سعي ثابت في المنهاج لتكفير وتحقير فكرة المعارضة السياسية، تصل إلى حد حذف قصيدة في كتاب للصف الأول الابتدائي لأن الشاعر وقف بعد اندلاع ثورة 2011، في صف معارضة نظام الأسد.
استخدام مناهج التعليم كسلاح حرب يعني أنه إذا توصلت الأطراف الدولية إلى اتفاق على حل للمعضلة السورية يحافظ على وحدتها، سنجد أننا أمام مشكلة جديدة هي مشكلة التنافر الثقافي والنفسي للجيل الشاب بشكل يعيق ترميم النسيج الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي