الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفئات الاجتماعية القديمة والدولة الحديثة ج . 1

سعد سوسه

2020 / 8 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


باستثناء التقلص في تجارة الموصل الذي نجم عن تقسيم الأراضي العربية، وصدمة الكساد العالمي للفترة 1929/1931، وجفاف سوق التوزيع الفارسية، ونتائج أزمات عابرة أخرى، فقد كان العهد الملكي عموماً عهد نمو وحركة صاعده بالنسبة لأهل التجارة. ولا تغيب عنا المؤشرات الدالة في هذا المجال. فعدد التجار اللذين يزيد دخلهم السنوي عن (150) دينار ارتفع من (1862) في العام 1932/1933، إلى 5445 في العام 1942/1942، ولكن بعض هذه الزيادة لم يكن حقيقياً ويمكن تفسيره بانخفاض القيمة الشرائية للدينار.
ولكن الأمر هو وجود التوسع فعلاً، واستمراره، وخصوصاً بعد العام 1953 بالرغم من المغادرة الجماعية للتجار اليهود لبغداد. ففي العام 1955 لم يكن عدد محلات بيع التجزئة (المفرق) يقل عن (36062)، وكانت مؤسسات بيع الجملة تصل إلى (1576) مؤسسة. وكان إجمالي الحركة المالية لهذه المحلات والمؤسسات للعام 1956 مقدراً جزئياً يصل إلى (6.82) و(53.6) مليون دينار على التوالي. ومن ناحية الناتج الوطني، ذات القيمة المقدرة المضافة من قبل هؤلاء وقبل الباعة المتجولين وباعة الشوارع (البسطات) والأسواق المكشوفة، ازدادت من (17.3) مليون دينار في العام 1953 إلى (28.8) مليونا في العام 1957، حسب الأسعار الجارية. ومما يشير أيضا إلى تقوية المركز الاقتصادي للعناصر التجارية (والعناصر الأخرى المالكة للمال) الارتفاع الدراماتيكي المبين أدناه في عدد ورأسمال الشركات العراقية الخاصة والجماعية والمساهمة العامة وكان المؤشر الآخر ذو المغزى هو الزيادة في عدد أعضاء (الدرجة الأولى) في غرفة تجارة بغداد من (13) في العام 1927 -1928 إلى (19) في العام 1957 – 1958 وارتفع مجموع عدد أعضاء الغرفة من (288) إلى (2812) في الفترة نفسها. ولكن لابد من نسبة بعض هذه الزيادة إلى ميل الحكومة لحصر كل عمليات الشراء والبيع خلال الحرب العالمية الثانية، وكل نشاطات الاستيراد والتصدير بعد ذلك، بتجار مسجلين في غرفة التجارة . ويعزو (بطاطو) عوامل هذا النشاط التجاري المتصاعد إلى عدة عوامل. أهمها:
- تخلى التجار العراقيون عن شكوكهم القديمة بالمبادرة الجماعية وزادوا من قوة تنظيمهم الاقتصادي.
- وكان الأهم هو الفرص التي ترافقت في الحربين العالميتين الأولى والثانية فوجود قوات كبيرة (أي وجود سوق جاهزة للمنتجات الموجودة) والقلة التي لابد منها، وحجب الحبوب والاستغلال وتيار المضاربة، والارتفاع المفاجىء والسريع في الأسعار والإيجارات، كلها أمور أدت إلى إعادة توزيع المداخيل. كما أن تمركز رؤوس الأموال الخاصة والزيادة الملحوظة للأراضي المزروعة وللفائض الزراعي القابل للتصدير في أيام الملكية قد ساهمت في عملية التراكم النقدي فقد ارتفع وزن وقيمة متوسط الصادرات السنوية للتمور من (151800) طن و(1.5) مليون دينار في الفترة 1919 – 1925 إلى (240000) طن و(3.5) مليون دينار في الفترة 1952-1958، وكان الارتفاع المماثل للشعير من (5500) طن و(2) مليون دينار إلى (343700) طن و(6.5) مليون دينار في السنوات نفسها.
- كان هنالك حافز آخر قد تأتى من خلال تحسين أوضاع النقل والسفر. ففي العام 1927/1928 كان مجموع طول السكك الحديدية في البلد يبلغ (1503) كيلومترات وارتفاع في العام 1957/1958 إلى (2048) كيلومتر وبفضل توسيع شبكة الطرق المسفلتة الصالحة لكل الأجواء، والطرق الترابية المعبدة ارتفع عدد الشاحنات الكبيرة والمتوسطة من حوالي اللاشيء في العام 1917، إلى (473) شاحنة في العام 1927، وإلى (11594) في العام 1957. ومع ذلك فإن القدرات المرورية المتوفرة في العراق آنذاك لم تكن تستجيب إلا بالكاد لحاجات الاقتصاد .
وباستثناء فترة الحكم العسكري القصير (1936-1941) فقد استمر البريطانيون في توسيع وتعميق مصالحهم التجارية، من خلال تحويل مركزهم السياسي المميز إلى فوائد اقتصادية وحشد كل الوسائل القوة المحلية التي يمكنها الوصول إليها لخدمة مصالحهم. وإذا كان (الانتداب) البريطاني قد وصل إلى نهايته شكلياً في عام 1932، فان النفوذ الاقتصادي البريطاني استمر ساحقاً. وفي عام 1943 كتب السفير البريطاني ف. همفريس سراً إلى وزارة الخارجية البريطانية يقول (نظراً لوجود الرابط البريطاني، فان المصالح التجارة الخارجية العراقية هي مصالح بريطانية بشكل طاغٍ … والجزء الأكبر من التجارة البلاد الخارجية يتم بواسطة السفن البريطانية. ويكاد كل راس المال الأجنبي الموضوع في البلاد يكون بريطانيا بحتاً. ومصرفان من اصل ثلاثة هما بريطانيان كلياً، بما في ذلك (أيسترن بنك) الذي أودعت فيه كل أموال الحكومة. وأما البنك العثماني فحوالي ثلثه بريطاني وفيه عدد من المديرين البريطانيين. وكل أعمال التامين الهامة بيد شركات بريطانية. وفي مجال آخر من المجالات النشاط هنالك (الملاحة البخارية في الفرات ودجلة) وهي شركة بريطانية قديمة ترتبط بـ (بريتش انديا ستيمشيب كومباني) تعمل في النقل النهري في دجلة بين البصرة وبغداد، ولها منافس محلي واحد. وهي تملك أسطولاً مؤلفاً من (18) باخرة وتستثمر حوالي (250000) جنيه إسترليني في العراق. ويبقى النفوذ التجاري البريطاني في كل اتجاه عظيماً، على الرغم من المنافسة اليابانية الكثيفة
رابعـاً – الأشراف (السادة) ورجال الدين: لقد راكمت عائلات الأشراف (أو السادة) ثرواتها من احتكارها الوراثي الطويل لبعض الوظائف كجباة للعشر ولضرائب الأعناق (الجزية) من الصابئة واليهود والمسيحيين في البصرة، ومن احتلالها مراتب دينية مثل (السيد – العالم) الذي كان مرشداً لطريقة دينية، مثل السيد عبد الرحمن الكيلاني الذي كان في العام 1921 نقيباً للأشراف، ومرشداً للطريقة القادرية، ومالكاً لعقارات كبيرة، أو رئيساً للوزارة العراقية، ومثل السيد أحمدي خائفة مرشد الطريقة الباطنية النقشبندية في كركوك.
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن العثمانيين هم الذين عبدّوا طريق الأشراف (أو السادة) إلى الأرض والثروة من خلال منحهم صكوك بمساحات كبيرة من الأراضي من وراء ظهر العشائر التي تزرعها بدون مقابل أو بإيجار شكلي، والهدف من ذلك هو استغلال نفوذهم وسمعتهم القدسية الدينية والعائلية لترويض الفلاحين وقمعهم، أو ضبط تمرد قوة المشايخ العشائريين. أن تملك الأراضي الشاسعة، وازدياد قيمة الثروة، واحتكار السلطة على التعليم، قد جعل من الأشراف (أو السادة) بالإضافة إلى أنهم علماء مرشدين للباطنية، شريحة طبقية قوية ذات نفوذ سياسي تجاه الحكام العثمانيين، واتجاه الشعب على حد سواء، وأكثر ارتباطاً بالسلاطين العثمانيين .
ومع احتلال الإنكليز للعراق، كان الأشراف (السادة) قد انقسموا إلى قسمين. كان القسم الأول منهما يقف مع الاحتلال، كان على رأس هذا التوجه عبد الرحمن الكيلاني (النقيب) . الذي قال حين احتل البريطانيون العراق:"إني اعترف بانتصاركم، وعندما أسأل عن رأيي في استمرار الحكم البريطاني أجيب، أنا تابع للمنتصر" . لكن ومن الناحية الأخرى، كان القسم الثاني يعارض الاحتلال، فقد كان محمد الصدر (وهو سيد وعالم دين شيعي) من سامراء، وأحمد داوود (سيد عالم سني) من شرق بغداد، ويوسف السويدي (قاضي شرعي سني) سابق من الكرخ، وكلهم من ذوي الدخل المتوسط، وإن كانوا من منزلة رفيعة، مارسوا نفوذهم على العامة في العاصمة ضد الإنكليز، قد شاركوا بنشاط في تحريض العشائر على الثورة. وتحت رعاية هؤلاء جرى الكثير من المؤاخاة بين السنة والشيعة في سنتي 1919 و1920 من خلال اجتماعات دينية ـ سياسية عقدت في مساجد بغداد. وهو حدث لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق. ولكن السادة الذين لعبوا أدواراً كبيرة في صنع الانتفاضة المسلحة لصيف وخريف عام 1920 كانوا السادة العشائريين الرئيسيين لقطاع الشامية على نهر الفرات (ويضم هذا القطاع مدينة النجف وإقليم أبو صخير ومنطقة الشامية نفسها) .
وقد كان للسادة من الطائفة السنية دور كبير في الدولة العراقية الحديثة التأسيس، واستمر هذا الدور طوال عمر الدولة. فمن بين الثلاث عشرة حكومة التي تشكلت في عهد الملك فيصل، كان أول رئيس وزراء للعراق هو عبد الرحمن الكيلاني الذي ينتمي إلى (السادة)، وتلاه عبد المحسن السعدون، رئيساً للوزارة في السنوات 1922، 1923، 1925، 1926، 1928، 1929، وهو أيضاً من (السادة): المرتبطين بشيوخ العشائر. وفضلاً عن ذلك، فإنه من أصل (13) رئاسة وزارة حظي السادة " بـ (9) منها، وكانت حصة الضباط الشريفيين السابقين (4). وهنا يتبين أن هذه القوى الاجتماعية التقليدية كانت ولسنوات طويلة مرّت من عمر الدولة ظلت هي المستولية على مصادر الثروة والسلطة.
خامساً ـ الفلاحون والعمال: إذا كان الباحث قد جمع بين هاتين الشريحتين من شرائح المجتمع في العراق، فلأن شريحة العمال لم تكن قد تبلورت لتصبح شريحة مختلفة إلا بعد عقدين من تاريخ إنشاء الدولة الحديثة في العراق.
أما قبل ذلك فقد كان من الطبيعي أن تكون ظروف العمل قبل الحرب العالمية الأولى في العراق جُدّ قاسية، مما كان يعكس الواقع المتخلف للبلاد وتردي وضع الفلاحين في ظل الاستغلال الإقطاعي المتزايد الذي جعلهم مستعدين للعمل في أي ظرف كان، أما إرضاءً للشيخ أو تهرباً منه بهدف التخفيف من مشاكلهم الاقتصادية. وليس مجرد صدفة أن يكتب القنصل البريطاني في بغداد عام 1889 (إن العمال غير الماهرين يمكن استخدامهم بأي عدد). وإن أمثال هؤلاء كانوا يقدمون على العمل دون التفكير أصلاً بعدد ساعاته. وفي الواقع لم يكن هناك تحديد ليوم العمل الذي كان يبدأ مع شروق الشمس وينتهي بغروبها، وأحياناً حتى بعده. وقد كان أمهر العمال يشتغلون من (10) إلى (11) ساعة يومياً، بل وحتى أكثر من ذلك أحياناً. وقد دفع ضعف الوضع الاقتصادي للأسر الفقيرة، بالنساء والأطفال إلى سوق العمل. فإنهم كانوا يؤلفون جانباً كبيراً من آلاف العمال الموسميين الذين كانوا يتهافتون على العمل في جني التمور وتعبئتها للتصدير. وكان النساء والأطفال يؤلفون نصف عدد العمال الذين كانوا يصنعون الآجر لمشروع سدة الهندية على سبيل المثال. كما كانت أجور العمل في العراق تؤلف أوطأ نسبةٍ معروفة في كل الإمبراطورية العثمانية ( 7 ) .
لقد كانت العلاقات الإقطاعية والروابط العشائرية من بين أهم العوامل التي تساعد على التمادي في استغلال الفلاحين والعمال على حدٍّ سواء وتحديد أجورهم إلى أدنى حدٍّ ممكن. إذ إن من الواضح أن مزارعي المجتمع العشائري القائم في العراق تلك الأيام ـ والذين كانوا يعيشون في أكواخ مزرية ويدفعون الإتاوة لسادة الصحراء المالكين للإبل ـ كانوا أعضاءً في عشائر أضعف أو مخضعة ( 8 ) .
وكان الفلاحون يعرفون بأسماء العشائر المسيطرة في بعض المناطق، فيقال أنهم (ردّ) أو (موالي) هذه العشيرة أو تلك، وكانوا يخضعون لإشراف (الزلم)، وهم الأتباع المسلحون للشيخ الحاكم. ويبدو أن سيطرة الشيوخ المحاربين على الزراع لم تكن تسود في الوسط والجنوب فقط، بل كانت قد طبعت أيضاً بطابعها مجتمعات الحزام الجبلي الكردي. لكن، وعلى العموم، فإن الزارع العشائري العربي، خلافاً للفلاح الكردي، لم يكن في هذا الوقت يتحدر إلى وضع شبيه بالقنانة. لكن كليهما كان يعيش في منزلة اجتماعية متدنية . ففي حوالي العام 1876، مثلاً، تمكن متصرف المنتفك من جمع عدد غفير من العمال من بين فلاحي المنطقة لبناء سد على الفرات بأجور زهيدة، لمجرد كونه أحد شيوخ المنطقة.
كانت وسائل الإنتاج والعمل في العراق قبل الحرب العالمية الأولى غايةً في البساطة، مما كان يزيد، دون ريب من صعوبة العمل. وقبل الحرب العالمية الأولى لم يطبق في العراق أي شكل من أشكال الضمان الاجتماعي ، لا في المؤسسات الأجنبية، ولا في المؤسسات الحكومية أو الأهلية. وحتى في حالة فقدان العامل لحياته أثناء العمل فإن ورثته ما كانوا يستلمون أي تعويض عن ذلك. ولم تطبق في العراق بنود (المجلة) أو (القانون العثماني) الخاصة بالعمل والعمال والتي كانت بالأصل هزيلة لا تحمي العامل ولا تمنحه الحقوق إلا في إطار قورسطي ضيق. وكان من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن لا يختلف وضع العمل الجديد عن وضع الفلاح القديم، سوى ظروف العمل المشتركة في بعض المشاريع، وصعوبة العمل في بعضها الآخر، والتي جعلته أكثر عرضةً للأمراض والمخاطر من السابق ( 9 ) .
من كل ما سبق، يمكن القول أن ميلاد فئـة العمال في العراق، جاء عسيراً ومتأخراً بكل المقاييس. فقد برزت كقوة ضعيفة في النسق الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع البرجوازية التجارية الكبيرة المرتبطة بالرأسمال الأجنبي (الكومبرادور) لأنهما تكونتا بفعل عوامل متشابهة إلى حد كبير. وهذه الفئة تكون قد سبقت بذلك تكوّن البرجوازية الصناعية الوطنية بعقود. وقد كان الريف يؤلف المصدر الرئيس لتكون الفئة الجديدة، شأنها في ذلك شأن الطبقات العاملة في البلدان المتخلفة الأخرى. ولم يفقد معظم العمال في هذه المرحلة صلتهم بالريف، بل على العكس من ذلك فقد اتخذوا العمل في المشاريع الجديدة وسيلة للحيلولة دون الانهيار النهائي لاقتصادهم الزراعي في ظروف اشتداد الاستغلال الإقطاعي. ومن هنا كان العمال الموسميين يؤلفون الجانب الأكبر في أفراد الفئة العاملة .
اختلفت الحرب العالمية الأولى عن سابقاتها من الحروب الدولية الكثيرة. فإنها اعتمدت أكثر من أي وقت مضى على التكنيك والسرعة، وقد أتت بوسائل جديدة لم تكن معروفة من قبل. ولم يكن بوسع العراق، بالطبع، أن يبقى بعيداً عن آثار هذا التطور الكبير بعد أن تحول إلى احد ميادين الحرب الرئيسـة في الشرق الأوسط، بعد الاحتلال البريطاني له .
احتاج الإنكليز لإنجاز كل هذه الأعمال إلى أعداد كبيرة من العمال تختلف المصادر في تقديرها. فحسب المعلومات التي يوردها أ. ولسن المسئول السياسي في الجيش البريطاني في العراق فقد بلغ مجموع العمال الذين استخدموا لمختلف الأغراض أثناء الحرب حوالي (156) ألف عامل كانوا موزعين على النحو الآتي: (8) آلاف مسجون من الهند و(15) فرقة من العمال الهنود تتألف كل فرقة من ألف عامل، ونحو (12) فرقة هندية أخرى من الحمالين لتحميل السفن والعوامات والقطارات وتفريغها، ونحو (40) فرقة محلية مجموعها (71) ألف عامل، يضاف إليهم العمال غير المنظمين وعددهم (50) خمسين ألف. وقد بلغ عدد العاملين من هؤلاء في مشاريع السكك وحدها (24) ألف شخص .
على الرغم من بقاء السخرة شائعة في العراق، خاصة في المجالات التي كان المقاولون المحليون يلتزمون أعمالها على أساس القطع ، إلا أنه وحسب تقرير رسمي يعود إلى العام 1932 بلغ مجموع العمال الحرفيين في كل العراق حوالي (50) خمسين ألف شخص.
هكذا نلاحظ تبلوراً واضحاً في عملية تكون الطبقة العاملة العراقية خلال سنوات الاحتلال والانتداب، بحيث يمكن التحدث عن فئة اجتماعية جديدة متميزة إلى حد كبير عن جميع الفئات الاجتماعية الأخرى عملاً وكماً ونوعاً. وهي إلى جانب ذلك خطت خطوات كبيرة إلى أمام بالقياس مع ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى. ففي هذه المرحلة ازداد الوزن النسبي للمدينة في عملية تكون الطبقة العاملة، إذ أصبح العمال الحرفيون يؤلفون مصدراً أهم من السابق لتزويد صفوف هذه الطبقة بأناس فقدوا صلتهم بالقرية والإنتاج الزراعي كلياً، ممن كانوا مرتبطين في الأساس بوسائل الإنتاج الصناعي مهما كانت بسيطة. وقد تركت هذه الحقيقة أثارا ملموسة على بلورة الوعي الطبقي لدى العمال في هذه المرحلة كما نلاحظ ذلك فيما بعد. ولكن مع ذلك فان الريف ظل يؤلف في هذه المرحلة التاريخية المصدر الرئيس لتكون الطبقة العاملة، ولاسيما بعد ازدياد الارتباط بين القرية والمدينة، وبعد أن برزت الهجرة من الريف كظاهرة اجتماعية جديدة نجمت عن تفاقم الاستغلال الإقطاعي في ظروف ما بعد الحرب عندما بدأت أفواج من الفلاحين الذين فقدوا كل مصدر للعيش في الريف من ارض وغيرها بالتوجه إلى المدن الكبيرة للعمل هناك. ففي وقت مبكر مثل هذا العمل 1919 بلغ عدد العاملين المهاجرين إلى بغداد من منطقة الرمادي وحدها حوالي (2000) شخص .
المصادر
1 . محمود عبد الفيصل: التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي، دراسة تحليلية لأهم التطورات والاتجاهات خلال 1945-1985، ط2، 1997، ص (28-29)
2 . كمال أحمد مظهر: صفحات من تاريخ العراق المعاصر، بغداد، مكتبة البدليسي، 1987، ص(8-9)
4 . (جلبي) كلمة تركية الأصل، وهي مشتقة من (جَلَبَ) ـ أي الرب ـ وكانت في الأساس تعني من هو على علاقة بالله أو قريب منه، ولكنها صارت في العقد الأول من العهد الملكي تعني (رجل نبيل الأصل)، وكانت تستخدم لقب شرف أو تبجيل يُخصُّ بها التجار الذين إن لم يكونوا أثرياء كانوا من أصحاب المنزلة الاجتماعية العالية. وهذا اللقب من بقايا العهد العثماني (حنا بطاطو: المصدر السابق، ص260)
5 . وهكذا، فقد وحدَّ رابط الزواج بين (سادة) الكيلاني ودلة الجلبي، وبين (سادة) الآلوسي وشاهبندر جلبي، و(سادة) الحيدري وكبة جلبي (حنا بطاطو: المصدر السابق، ص260)
7 . كمال مظهر أحمد: الطبقة العاملة...، مصدر سابق، ص (29- 30)
8 . حتى أنه لوحظ (مثلاً) في العام 1918 أن الخزاعل نفسها كانت تتألف من أفخاذ عائلة واحدة، وكان لكل منها، إضافة إلى الخدم والتابعين، مجموعة من الزراع الذين كان كثير منهم لا يرجع في أصوله إلى الخزاعل. وبشكل مشابه، فإن عشيرة البومحمد التي يتحدّر رؤساؤها من الزبيد، كانت توظف في العام 1917 أعضاء من عشائر أضعف في مناطقها المزروعة قمحاً ومن أجل الأعمال الأكثر مشقة في جني محصول الرز ودرسه. وفي السنة نفسها، كانت عشيرة بني مالك، التي اعتادت أن تعتاش من صيد السمك أو فلاحة الأرض أو تربية الجواميس أو حياكة الحصر من القصب، قد توزعت في كل الأنحاء، فقد عمل أفرادها على الفرات لحساب السعدون، وزرعوا المحاصيل الشتوية في أراضي مشايخ البومحمد في دجلة الأدنى، وكانت أعداد كبيرة منهم موجودة في الحويزة قرب الحدود الفارسية. وكان هذا التشتت، الذي ربما نشأ جزئياً عن مزاجية الأنهر، شاهداً أيضاً على ضعف بني مالك. (حنا بطاطو: المصدر السابق، ص95)
9 . كمال مظهر أحمد: الطبقة العاملة …، مصدر سابق، ص (32- 33)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست