الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السودانية وتحقيق العدالة

محمد مهاجر

2020 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة السودانية وتحقيق عدالة
-
اصبح موضوع العدالة بندا من البنود الثابتة فى كل المفاوضات التى سعت الى وقف الحرب وارساء السلام فى السودان. وما لم تضمن مفاوضات السلام الحالية العدالة الكاملة للاقاليم التى دمرتها الحرب فان مسالة انهاء الصراع تصبح مجرد امانى. وليست مناطق النزاع المسلح فقط لكن كل السودانيين يحتاجون ان يحصلوا على العدالة التى يستحقونها. وهذا المقال يتناول موضوعات العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

اتسم نظام الحكم فى السودان بالمركزية على الرغم من اتساع القطر وتنوع ثقافاته وبيئته. وعلى الرغم من تبنى نظامى النميرى والبشير للنهج اللامركزى الا انها كانت لا مركزية شكلية, حيث كان الحكام يعينهم الرئيس وهم اصلا من اصحاب الولاء للحزب الحاكم واحيانا كثيرة يكون الحاكم ليس من سكان الاقليم الاقليم المعين. وتكون كذلك السياسات والممارسات مدمرة لذلك الاقليم . وخير مثال لذلك الحروب التى دمرت وشردت وابادت الاعداد الكبيرة من السكان والممتلكات فى دارفور والنيل الازرق وشرق السودان وجبال النوبة.

ان العدالة ليست هى المساواة لكن المساواة يمكن ان تكون فيها عدالة. ففى الدول المتقدمة مثلا يتساوى المواطن والمقيم فى الحقوق الاجتماعية الاساسية مثل حق العلاج وحق الحصول على سكن وحق التعليم والعمل وغيره لكن المقيم لا يحق له المشاركة فى الانتخابات. وبالمقابل فان فرض الضرائب التصاعدية على السكان هى سياسة عادلة بالرغم من تذمر بعض الراسماليين من الضرائب العالية التى يدفعونها.

ان مطالبة بعض الاقاليم باللامركزية الموسعة هى مطالبة عادلة لانها تضمن وقفا دائما للحروب. والضمانات هنا تكمن فى شكل اللامركزية وشروط تطبيقها. والحديث عن مساواة الاقاليم فى شكل الحكم هو حديث فارغ المحتوى لان الهدف من التوزيع العادل للسلطة هو وضع حد للحروب وارساء السلام العادل والدائم. وبنفس المستوى فان الدولة تفوض بعض السلطات لمنظمات المجتمع المدنى لكى تتمكن من القيام بدورها فى التوعية وتنمية القدرات والمهارت وتقديم كافة اشكال المساندة والدعم لافرادها وللسلطة.

يقف غلاة الليبراليين ضد الضرائب التصاعدية ويعتبرون ان من الظلم ان يدفع للفقراء من خزينة الدولة. والصحيح ان مساهمة الفقراء فى ميزانية الدولة قليلة لكن مقاييس المساهمة المجتمعية هى ليست مادية بحتة, فهنالك اشكال متعددة من التضامن المعنوى يقدمها افراد المجتمع لبعضهم البعض . علاوة على ذلك فان المجتمع يستفيد من افراده المتعلمين والاصحاء ويرذل بترك الفقراء فى تعاستهم.

ان الليبرالية المتطرفة تتمظهر فى دعمها المطلق للعولمة ومؤسساتها مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والمؤتمر الاقتصادى العالمى ومنظمة الملكية الفكرية وغيرها من المؤسسات. والهدف النهائى لهذه المؤسسات هو الهيمنة على اقتصاديات الدول الفقيرة على الرغم من بعض الفوائد التى قد تجنيها تلك الدول من بعض اشكال التنمية الراسمالية مثل الاستثمار الاجنبى المباشر. لكن هذا الاستثمار احيانا يترك الدول الفقيرة ترزح فى ديون يتطلب سدادها عقودا طويلة. وفوق ذلك لا تقوم الشركات بالتزاماتها تجاه المجتمعات التى تقام فيها المشاريع التنموية.

الصحيح ان الملكية الفكرة هى حق للمبتكر لكن الصحيح كذلك ان بعض المنافع يجب الا تترك للسوق لكى يحدد قيمتها, مثال لذلك الدواء والتعليم. فليس من العدل ان يترك الملايين من الفقراء يموتون بالامراض والاوبئة بسبب حقوق الملكية الفكرية. كذلك فان للفقراء حق فى التعليم المجانى, على الاقل التعليم ما قبل الجامعى.

على الرغم من ثراء السودان بموارده الكثيرة الا ان الراسمالية السودانية ما زالت تعيش فى نمط تجارى متخلف وظالم وهو الاحتكار. ان السواد الاعظم من دول العالمى يمنع الاحتكار ويعتبره جريمة يعاقب عليها القانون. وبالاضافة للاحتكار فان النشاط التجارى الطفيلى تزايد واصبح سمة غالبة فى السوق خاصة فى ظل نظام البشير البائد. واذا اضفنا الفساد فان الصورة تكتمل لنشاط اقتصادى مدمر للبلد ومبدد لثراوته.

يظهر ان مهمة الحكومة الحالية صعبة جدا بالنظر الى مطلوبات العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتوقعات المجتمع من ثورة ازاحت طغمة البشير الفاسدة من الحكم ولم تستطع بعد من ازالة الدولة العميقة واثار التمكين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا